15 February 2011

بعيدا عن حكم العسكر: ما يجب أن يقلقنا حقا من الجيش



لا يبدو أن تحول تحرك الجيش لصالح الثورة إلى انقلاب لصالح حكم عسكري هو المقلق حقا. ولكن المقلق هو أن يحاول الجيش محاصرة الحركة الجماهيرية الدافعة للثورة وإعادة بناء الدولة برؤية تضيق بالحريات العامة وحرية المطالبة الاجتماعية والفئوية التي تعد الضمانات الأهم للديمقراطية الحقيقية والجذرية. مقال هام للصديق عمرو عبد الرحمن، الباحث السياسي والزميل في هيئة تحرير "البوصلة" صوت اليسار الديمقراطي.

الانقلاب الثانى: أسباب وجيهة للتفاؤل .. وللقلق أيضاً

عمرو عبد الرحمن

تشكل الإشارات المتناقضة التى تنطوى عليها بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال اليومين الماضيين مصدراً لتخوف الكثيرين من أن يكون التدخل العسكرى لإزاحة مبارك مقدمة لتصفية الحركة الجماهيرية الواسعة وإعادة تأسيس دعائم النظام القائم منذ يوليو1952. غنى عن الذكر أن الانقلابات العسكرية لم تكن حدثاً مطمئنا للقوى الديمقراطية فى أى يوم من الأيام، وإذا أخذنا فى الاعتبار ما أفضى إليه تدخل العسكر فى مصر لاكتسب القلق مبرراً إضافياً. إلا أنى أحسب أن القلق فى هذه الحالة فى غير محله أو على الأقل لا ينصب على مايستدعى القلق بالفعل. أظن أنه من غير الوارد تراجع الجيش عن وعوده بشأن تعديل دستورى موسع وانتخابات حرة وغيرها من إجراءات إصلاح سياسى جدى. إلا أن ذلك لا يعنى انتفاء دواعى القلق والتى لا تنصب بالضرورة على موقف الجيش من هذه الإجراءات بقدر ما تنبع من قراءة لطبيعة العلاقات المدنية-العسكرية المركبة التى تم غزلها خلال حقبة الرئيس مبارك نفسها، وهى العلاقات التى قد تقف بحد ذاتها كحجر عثرة فى طريق مد مفاعيل الانتفاضة الديمقراطية إلى ما هو أبعد من ميدان التحرير، حتى فى ظل إقرار الإصلاحات الديمقراطية.

لنبدأ بدواعى التفاؤل... للوقوف على فهم أفضل لطبيعة التدخل العسكرى الأخير لا مفر من مقارنته بانقلاب يوليو 1952 والذى أسس للنظام الحالى. ما حدث فى يوليو كما هو معروف لم يكن انقلاباً باسم الجيش بقدر ما كان انقلاباً قادته مجموعة سياسية داخل الجيش ضد قيادتها وضد القصر فى ذات الوقت. هذه المجموعة السياسية كانت معروفة بتوجهاتها المعادية للديمقراطية الليبرالية وتحميلها مسئولية الأزمة التى عصفت بالنظام السياسى المصرى القائم منذ إقرار دستور 1923. هذا الملمح وسم طيف واسع من الانقلابات العسكرية خلال حقبتى الخمسينيات والستينيات فى الكثير من المجتمعات حديثة العهد بالاستقلال. أما ما نحن بصدده فهو تدخل للجيش بصفته المؤسسية وبكامل قيادته الموحدة ولسنا بصدد انقلاباً يقوده تنظيماً أو حزباً سياسياً داخل الجيش، وهذا الوضع الجديد، والذى يبدو أنه ناتج عن إجماع داخل هذه القيادات، قد يسهم فى حصار أية ميول سلطوية تخرج عن المهمة التى حددها الجيش لنفسه تحت ضغط الانتفاضة. كذلك لا يبدو أن هذه القيادة تكن عداءاً للديمقراطية الليبرالية، بل ولا يبدو عليها مظاهر تسييس من أى نوع. هى قيادة تشكلت فى ظرف تاريخى مغاير لحقبة التحرر الوطنى وتأثرت بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة طوال الثلاثين عاماً الماضية، وتكشف الأحداث الأخيرة عن عمق تنسيقها مع الإدارة الأمريكية فى كافة تحركاتها. ومن الواضح فى هذا السياق أنها تشربت بعقيدة جديدة قوامها أن حكم القانون وقدر من الديمقراطية الليبرالية هى مبادئ لا غنى عنها لتحقيق أهداف التحديث بالمعنى المجرد للكلمة والمهيمن على عقل مؤسسات الدولة فى مصر. وأخيراً، يأتى التدخل الثانى للجيش فى هذا الصدد على خلفية انتفاضة شعبية فتية دفعته دفعاً لحسم موقفه فى مواجهة سلسلة من التحركات العبثية فى كافة الاتجاهات لاتستهدف إلا ابقاء مبارك فى السلطة ولو على حساب الحد الأدنى من مبادئ الدولة الحديثة وبما يهدد مصالح الكتلة الحاكمة ككل بما فيها المؤسسة العسكرية. بالتالى فنحن بصدد انقلاب هو أقرب ما يكون إلى سلسلة التدخلات العسكرية التى سهلت أو أسست لموجة جديدة من موجات التحول للديمقراطية الليبرالية مع منتصف السبعينيات ونهاية الثمانينيات فى جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية. من البرتغال فى منتصف السبعينيات إلى البرازيل مع نهاية الثمانينيات، ما كان لعملية تصفية الأوضاع السلطوية أن تنجح بدون ضمانات من المؤسسة العسكرية بوصفها مصدر القوة وأداة القهر الرئيسية القادرة على فرض حكم القانون فى مواجهة تحلل أجهزة الدولة المستمر بفعل التكلس السلطوى أو السطوة الأوليجاركية. بل فى الكثير من الأحيان، كالبرتغال مثلا، تولى العسكر تصفية الإرث السلطوى الذى خلفّه عسكرٌ آخرون. أظن أننا بصدد وضع مشابه لهذه التجارب أكثر من كوننا بصدد انقلاب ينتمى لمرحلة التحرر الوطنى: أى أن الجيش يحاول أن يستبطن منطق الدولة أكثر من محاولته الانقلاب علي الدولة. وهذه المحاولة وإن كانت تتمايز عن منطق الانتفاضة إلا أن دعمها، ولو مرحلياً، كان واجباً لحماية الانتفاضة نفسها فى مواجهة مناورة واضحة هدفها شراء الوقت والبدء فى إجراءات ثورة مضادة بالمعنى الحرفى للكلمة.

إلا أن إشكاليات تدخل الجيش بالمعنى المؤسسى السابق ذكره لا تقتصر على مدى وفاء الجيش بتعهداته من عدمه. فالمؤسسة العسكرية كأى مؤسسة تخترقها علاقات القوى الإجتماعية وتتحدد مواقفها واستراتيجياتها فى محيط من الصراعات السياسية والأيديولوجية بما قد يحولها من رصيد للتحول إلى حجر عثرة فى طريقه. بعبارة أخرى، حتى لو أوفى الجيش بكامل تعهداته، ستبقى طبيعة العلاقات العسكرية-المدنية كما نعرفها فى مصر نقطة إشكالية بحد ذاتها. وتعلمنا خبرة السياقات المذكورة سابقاً أن ضمان العسكر للتحول الديمقراطى لا يعنى بالضرورة قبولاً بأن تمتد مفاعيل هذا التحول إلى مواقع نفوذ المؤسسة العسكرية داخل القطاعات المدنية وأوضاعها المتميزة التى تراكمت عبر عقود، بل إن تصفية هذا النفوذ كان مجال الصراع الأساسى فى العديد من هذه التجارب بهدف دعم هذا التحول الديمقراطى وتحصينه.

فى هذا الصدد، يمكن الحديث عن ثلاثة إشكاليات تثيرها طبيعة العلاقات العسكرية-المدنية فى الحالة المصرية: إشكاليتان تتعلقان بمرحلة الانتقال والأخرى مرشحة للاستمرار إلى ما هو أبعد من ذلك. من جهة أولى، لا يبدو أن المؤسسة العسكرية بحكم طبيعة علاقتها بالميراث الاستبدادى للدولة المصرية وتشربها بمنطقها الأبوى تبدى قدراً من التفهم لتواتر الاحتجاجات الإجتماعية والتى تتجه لتشكل حلقة ثانية أكثر جذرية من حلقات الانتفاضة المصرية. فمن الواضح أن المجلس العسكرى يسعى إلى حصر الأمر فى نطاق التحول الدستورى ويصور خطابه اتساع نطاق الاحتجاجات كما لو كان خروجاً عن مسار الانتفاضة الوطنى وارتداداً إلى صراعات "فئوية الطابع". فى هذا السياق تعتبر التقارير الأخيرة عن حالات الاعتقال وقائع التعذيب المنهجى فى السجون الحربية أو معسكرات التدريب خلال فترة الانتفاضة مؤشراً على المدى الذى يمكن أن تصل إليه هذه الذهنية فى التعاطى مع الاحتجاجات المدنية. من جهة ثانية، يبقى موقف المؤسسة العسكرية تجاه القوى السياسية الحاضرة فى هذه الانتفاضة نفسها محل غموض. أغلب الظن أنه موقف مشبع بترسبات خبرة نظام يوليو مع الإسلام السياسى بصورة أساسية واليسار الراديكالى بدرجة أقل. يخاطب المجلس العسكرى فى بياناته كائنات غامضة تسمى "بالمواطنين الشرفاء"، وهى عبارة موروثة من البلاغة الناصرية التى اعتبرت كل مواطن منصرف عن السياسة بالمجمل هو "المواطن" بألف لام التعريف. غنى عن الذكر أن بدء مسار الإصلاح بتهميش الإسلاميين أو غيرهم لن يؤدى إلا إعادة إنتاج مصادر الخلل الرئيسية فى المجال السياسى المصرى والمتمثلة فى تهميش كل ما هو فاعل وذو حضور والابقاء على كل ما هو هامشى وعاجز. من ناحية ثالثة وأخيرة، قد تشكل طبيعة العلاقات المعقدة التى غزلتها المؤسسة العسكرية مع مؤسسات السوق الرأسمالى والأوليجاركية المتخندقة حول مبارك بدورها عائقاً إضافياً يحول دون مد مفاعيل الثورة الديمقراطية إلى نطاق أوسع. تننتمى غالبية الوجوه العسكرية التى تولت مناصب تنفيذية أو سياسية رفيعة فى العقد الأخير إلى هذا المركب العسكرى- الأوليجاركى (أحمد شفيق نفسه يعد مثالاً صريحاً على هذا التداخل منذ إلتحاقه بلجنة السياسات عام 2002 ثم حكوةمة نظيف فى 2004). هنا تتحرك القوى الديمقراطية فى حقل ألغام غير مطروق وقواعد الاشتباك داخله غير معلومة. المؤكد أن السوابق غير مبشرة سواء تعلق الأمر بنضالات مباشرة على الأرض فى هذه القطاعات أو بمدى القبول بتناول هذه العلاقات بالنشر والتعليق. شهد الصيف الماضى على سبيل المثال واقعة إحالة عدداً من العمال المضربين فى أحد المصانع الحربية إلى محاكمة عسكرية عاجلة، وهى واقعة لا يفصلنا عنها سوى شهور معدودة. كما لا يجب أن ننسى فى هذا الصدد أن ترسانة القوانين المقيدة للحريات، والتى أٌعلن عن نية مراجعاتها فى المرحلة الانتقالية تحت سلطة المجلس العسكرى، تحتفظ فى غالبيتها بمكانة متميزة للمؤسسة العسكرية تحصنها ضد النقد أو التعامل الإعلامى (التشريعات المنظمة للنشر الصحفى تعد مثالاً صارخاً من ضمن أمثلة عدة).

إلا أن الإشكاليات السابقة تطورت خلال حقبة مبارك وستلازمنا لمدة طويلة من الزمن على ما يبدو. وبالتالى لا تنتقص من افتراضنا الرئيسى بأن حسم الجيش كان ضرورياً فى هذه المرحلة وأن التطورات اللاحقة تشير إلى إمكانية إلتزامه بتعهداته الخاصة بانتقال سلمى للسلطة. أما مواجهة إشكاليات العلاقات العسكرية-المدنية فهى مسألة مرهونة بقدرة الحركة الشعبية على تطوير أدوات نضالها بما يتجاوز التظاهر الدائم وتوسيع رقعة هذا النضال إلى ما هو أبعد من ميدان التحرير، وهى الاشكاليات التى ينبغى أن تستحوذ على عقل الثوار بدلاً من الجزع المبالغ فيه بشأن نوايا العسكر.


عندما طارد الخيال الواقع في شوارع مصر .. وأسقطه



في كل لحظة كان يقال لنا: "يكفي هذا. ما تحقق جميل، لا تضيعوه"، كنا ننقسم ونتناقش بحدة وعنف وقلق على "ثورتنا". ولكن في النهاية كان خيالا ما يجمعنا ويشجعنا على الاستمرار معا وتخيل لحظة قادمة أجمل.
منذ 25 يناير حين انطلقت الشرارة وحتى 11 فبراير حين أصابت هدفها كان الواقع يتقلب بين إنعاش التفاؤل وإثارة الإحباط. ولكن خيالا ما كان هو سيد هذه المغامرة: لو كنا اكتفينا في كل لحظة بالتي سبقتها لما وصلنا لهذه اللحظة الجديدة، لنمضي قدما!
منذ أن تفرق اعتصام التحرير مساء 25 يناير كان الخيال يجمع المجموعات الصغيرة التي تناثرت في وسط القاهرة لتتجمع ثانية وتستمر في التظاهر حتى فجر اليوم التالي وعندما تعبت الجموع كان هناك إصرار على المعاودة في اليوم التالي.
في شوارع مصر وفضاءاتها الافتراضية كانت جماعة تتشكل منذ سنوات. جماعة أكبر من كل المجموعات الناشطة، جماعة كان يجمعها خيال عنيد: نحن نستحق أفضل من هذا ومستعدون للمغامرة في سبيل ذلك، مستعدون للوقوف في وقفات احتجاجية من عشرات أو مئات، مستعدون للمحاولة مرة بعد مرة.
هذه الجماعة التي بلا مركز ولا رأس، هي أيضا مجرد خيال يجمع أفرادا ومجموعات متناثرة تحاول هنا وهناك في أمل وإصرار. كل هؤلاء الذين قرروا الاعتناء بأنفسهم ولم يتوقفوا عن الأمل والتفاؤل، وعن إبداع وسائل وأشكال جديدة في سبيل ذلك، كانوا يتضفرون في المجال العام بوجهيه: الواقعي والافتراضي، في الشارع وعلى الإنترنت.
منذ أول هتاف للتغيير في 2004: "يسقط مبارك" وحتى الحركة الواسعة في 2010 التي رفضت السكوت على قتل خالد سعيد. كانت الجماعة تتشكل وتضم إليها المزيد من المجموعات والأفراد.
كان العماد الرئيسي لهذه المجموعة هم الشباب الذين على هامش كل كل الجماعات القديمة المنهكة. كان الشباب قد بدأوا يتقدمون الصفوف وتكاد تلهث ورائهم الأجيال الأكبر: شباب المدونين وشباب 6 إبريل والشباب الذين تقدموا حملة ترشيح البرادعي، وتقدموا البرادعي نفسه، وشباب حملة كلنا خالد سعيد.
هذه الجماعة التي لم تكن تدري حجمها الحقيقي ولا تأثيرها، كان شعورها يتصاعد ظهر 25 يناير أنها على موعد.
الذين دعوا إلى التظاهر يوم 25 يناير والذين سخروا من الدعوة، الذين أسموها ثورة والذين دعوا لتخفيض التوقعات، الذين تفائلوا والذين لم يتفائلوا، الذين قرروا المشاركة والذين قرروا التجاهل، كل هؤلاء بدا لهم يوم 25 يناير مختلفا، وانضموا تدريجيا إلى ركب الخيال.
الخيال رفع سقف المطالب لحظيا من التفاصيل إلى "سقوط النظام"، وسطوته هي التي أعادت الجموع أضعافا مضاعفة إلى الشارع يوم الجمعة 28 يناير.
قطع الاتصالات في خطوة غير مسبوقة كان من ناحية إظهارا لمدى قبح ورداءة هذا النظام المرتعد من تواصل تلك الجماعة الآملة من شعبه، ولكنه من ناحية أخرى أبلغ هذه الجماعة رسالة: أنها أقوى مما تتصور مما يستدعي هذا التصعيد الكبير. ورغم التوقع بحدوث مجزرة ضخمة وقمع استثنائي إلا أن الخيال قادها إلى الشوارع وبدت جموع الشرطة في مواجهة هذه الجماعة ومن تعاطف معها عقبة يمكن تجاوزها.
في نهاية اليوم انهارت قوات الشرطة وبدا "النظام" ضعيفا وخائرا بدون سطوته الأمنية التي كانت تطارد الخيال وتحافظ على الأمر الواقع واستقراره وبدأ اعتصام التحرير.
اعتصام التحرير كان تشبث هذه الجماعة بلحظة اكتشافها لنفسها في مواجهة نظام يتشبث بما تبقى من هيبته بعد أن فقد عصاه وخوذته.
اعتصام التحرير بدا خارج السيطرة تماما إلا من سطوة الخيال المغامر الذي ازداد حماسة عند كل تنازل من نظام يتداعى. كانت حسابات الواقع تقلقنا، ويثير أسانا ركون المجتمع إلى الاستقرار والأمان واستعادة الهدوء وحصاره المعنوي لحماستنا إلى المزيد. ولكن سطوة الخيال لم تدع لنا خيارا. من سيبتعد خطوات عن هذه الجماعة مع أي ادعاءات للحكمة يجد نفسه مرة أخرى في الواقع بعيدا عن لمسة الجنون الشائقة للخيال.
لقد ذهب الخيال إلى مداه. طارد الواقع وأمسكه من خناقه ثم - بلغة مواجهات الشارع – سحله خلفه في شوارع مصر... وسقط النظام!
اللحظة الجديدة التي تنتمي للخيال أكثر منها للواقع لا تزال تثير فزع هؤلاء الذين لم يجربوا أن يثقوا في خيالهم وأن يشتركوا في المغامرة. الثورة مستمرة، والمجتمع المصري لم يقفز بعد فوق كل مشاكله. الأمرالواقع سيحاول محاصرة الثورة كل لحظة والخيال سيدفعها نحو المزيد.
ثقوا في خيالكم، تقبلوا المغامرة والمخاطرة. أمامكم حياة لتخترعوها!


14 February 2011

في الوطن الجديد



,,
أنا مش غريب هنا في الوطن الجديد
وعمري ما كنت غريب في الحلم ،،

سلام يسري وفرقة الطمي

12 February 2011

عيشوا كراما تحت ظل العلم



في التاكسي الذي كان ينقلني من مظاهرة صلاح سالم إلى المظاهرة أمام نادي هليوبوليس، بحثا عن أقرب مكان إلى قصر العروبة، سمعت صوتا في الراديو يعلن رحيل مبارك.
كان سائق التاكسي قبل ثوان يحاول إقناعي بأنه لا شيء جديد سيحدث والأفضل أن تتوقف المظاهرات وأن نعود لحياتنا. قلت له أننا في لحظة قوتنا وأنه أصبح مجرد رئيس مثير للشفقة ولا يجب علينا أن نتراجع. كان الجميع يترقبون لحظة النهاية، ولكن رغم ذلك جاء رحيل الرئيس وانهيار النظام الحاكم كله كمفاجأة مدهشة. ضبابية الحلم الطويل الذي نعيشه منذ 25 يناير تتلون الآن بالفانتازيا!
وكأنني لأول مرة أسمع "عيشوا كراما تحت ظل العلم" من أم كلثوم عندما بثتها تلك الإذاعة عقب الخطاب القصير.
وسط الحشود كنت كأنني في لحظة ارتباك بين حلم ويقظة. مذهولا وجذلا، جادا وساخرا، فخورا وخجلا، واثقا ومرتبكا. لم أحتمل الزحام العنيف في ميدان التحرير. اشتريت علما لأول مرة وذهبت إلى مقهى قريب واحتفتت مع رفاق تظاهرنا معا عشرات ومئات لسنوات، وانتشينا عندما كنا آلافا قليلة. ابتهجت بالوجوه التي شاركتها التقلب بين التفاؤل والإحباط ولكننا لم تتوقف عن العناد والحركة بمسئولية ما تجاه أنفسنا وتجاه وجودنا في هذا العالم وأن هذا الإحساس بالمسئولية يعني شيئا ولو كنا أفرادا معدودين ولو لم يحدث شيء.
السنة الماضية كنت أجاهد للنهوض من قاع اكتئاب عنيف منعني من التحرك مع حملة دعم البرادعي أو حملة الاحتجاج ضد تعذيب وقتل خالد سعيد. ولكن كنت أرقب من قريب اتساع نظاق الإحساس بالمسئولية تجاه مصيرنا الجماعي. لم أتوقع أن يكون قد وصل لهذه الدرجة المذهلة، ولكن يبدو أن عطر الياسمين التونسي أنعش خيالنا.
ما حدث أن الخيال سحل كل حسابات الواقع في شوارع القاهرة. كانت كل محاولة للارتفاع ورؤية ما يحدث من أعلى مثيرة للقلق والإحباط. وكانت كل مشاركة على الأرض كنفر من أنفار الثورة مثيرة للبهجة والنشوة والحماسة. وسط تلك الجماعة التي تحركت بمسئولية وتقبلت المغامرة كان الشعور بالألفة والقوة والكرامة.
الأيام الماضية قبلت المغامرة، بلا أدنى رغبة في الموت شهيدا. كنت مستمتعا بكل لحظة ومتشبثا بهذه المتعة والعودة إليها إلى ما لا نهاية. افتقدت الموسيقى والسينما ومقهى الكيت كات وأصدقاء وأحباب لم يجمعني بهم ميدان الثورة.
منذ فارقت الميدان قرب الفجر، لا يزال يغلبني البكاء إلى هذه اللحظة، أعتقد أنه سيتوقف عندما أعود بعد لحظات إلى هناك.
صباح اليوم ابتهجت عندما عثرت على أغنية "مصر التي في خاطري" بصوت دلال أبو آمنة.
"عيشوا كراما تحت ظل العلم!"

لن نشفى من الياسمين أبدا


شيء ما كان بيننا يقول أن هذه المرة ليست ككل مرة، وأن لقاءنا في تلك اللحظة كان هو الموعد.
غضب 25 يناير، الذي لم يكن يريد أن ينتهي، حصد أولى ثماره.
انفتح باب إلى الحرية، وأمامنا مسيرة طويلة وصعبة في سبيلها. لن نُشفى من الياسمين أبدا!

11 February 2011

إلى شوارع جديدة ولحظات جديدة



ملمس الأسفلت أمام مبنى ماسبيرو كان منعشا ليلة أمس.
بعد منتصف الليل، وخطاب مبارك المثير للشفقة أكثر من الإحباط، امتلأ ميدان التحرير عن آخره بشرا وغضبا. كان تقديرنا مبالغا لما تبقى من كرامة مبارك وتقديره للأمور، كنا نظنها تكفي لكي يستسلم لحقيقة أن له لم يعد الاستمرار ممكنا ويكفي هذا.
مبارك يرفض الاستسلام للحقيقة ولكنه ينحني أكثر فأكثر أمام الشارع، إذن: إلى الشارع !
الحشود التي بدأ يضيق بها ميدان التحرير تتجه إلى شوراع جديدة: قصر العروبة ومبنى ماسبيرو، بعد أن تم احتلال شارع مجلس الشعب ومحاصرة مباني البرلمان ومجلس الوزراء. الشوارع الجديدة تفتح الباب أمام لحظات جديدة.
كل لحظة يقال لنا فيها: "ما تحقق جميل وعظيم! يكفي هذا!" تدفعنا لصنع لحظات جديدة. هذه اللحظة لم تكن لتكون لو كنا اكتفينا باللحظات السابقة. غضب 25 يناير لا يريد أن ينتهي .. ولا يجب. أمامنا معركة طويلة من أجل الحرية. إسقاط مبارك ليس إلا مجرد تدشين للمعركة الأكبر. النظام الذي ينحني كل يوم معترفا بأن مطالبنا مشروعة وممكنة عليه أن يستمر في الاستجابة للمزيد منها.
مبادرات الشارع تقود الشارع. كل أصوات مجموعات التمثيل والحوار والتفاوض والمبادرات، المشكورة، تعبر عن أصحابها، المشكورين. على كل المجموعات والمبادرات أن تنطلق وتتحرك بدون محاولة البحث عن تفويض وتمثيل. هذه ثورة شارع شعبية . محاولات توجهيها والتأثير فيها ونقدها مشروعة بالتأكيد. ولكن على كل المحاولات، المنحازة للثورة، أن تحاول ملاحقة إيقاع الشارع والتناغم مع اللحظة الحالية لكي تستطيع أن تساهم في تشكيل اللحظة القادمة.
صوت كل منا وقدمه الموجودة في الشارع ونقاشنا على المفارق والحواجز وعلى الأسفلت يشكل اللحظة الحالية والقادمة.
إلى الشوارع الجديدة!


الصورة من روان الشيمي

06 February 2011

خلف حدود الخيال



بلادك خوفك؟
لا بأس
ما أجمل البلد الآمن المطمئن هنالك
خلف حدود الخيال
بلادك ما أنت تصنعه
فتصور، وخَف، وارتعش
وأقم في مهب احتمالات هذا الزمان
ولا تتوسم به أي وجه لأي احتمال

جودت فخر الدين
ديوان "ليس بعد"، رياض الريس، بيروت 2006


الصورة من أبي العربي

04 February 2011

اعلنوا انحيازاتكم الآن

صباح الثورة !
انتهت فورة الإعجاب بالشعب المصري العظيم. الآن يبدو واضحا أن الانتفاضة المصرية تخوض معركتها ضد انقسام اجتماعي واضح وليس فقط ضد السلطة. الروح الحرة التي أشعلت الانتفاضة تواجه روح الانحطاط والتخاذل التي أبقت نظام مبارك 30 عاما مستقرا.
اللجان الشعبية لحماية الأحياء أصبح معظمها ضد الانتفاضة وتضيق الخناق حولنا، برفضهم دخول الطعام وأحيانا الأدوية ومفاوضتهم معنا كل لحظة حول المرور من هنا إلى هناك. الهستريا المجتمعية فاقت كل الحدود. تناست أن الأمن هو الذي ترك مواقعه وتفرغ لقمع الانتفاضة ثم ترك الشارع عقابا له وتنكيلا، ب ثم روعت السلطة الناس بقرار حظر تجول جعل الشوارع خالية من الضمانة الحقيقية للأمان والتي كانت الحياة الطبيعية في الشارع وحشدت الناس لحماية بعضهم من بعضهم .
شباب الانتفاضة أصبحوا في نفس الوقت عملاء للأمريكان والصهاينة من جانب وإيران وحزب الله من جانب.
لا أحد يعلم ما تأتي به اللحظة المقبلة، ولكن الروح الحرة بين الشعب وبين النخب تظهر كل لحظة معلنة مراهنتها على المستقبل. الثورات رهانات كبيرة ومواجهة بين صلابة الإرادات والانحيازات.
كل صباح يأتي بمزيد من التفاؤل مع صمود هؤلاء الذين يغامرون. الآلاف يتوافدون الآن إلى ميدان التحرير وإلى ميادين أخرى في العديد من المدن المصرية والأيام العصيبة الماضية لم تكسرنا. اختلفت مع الذين يراهنون فقط على الصمود في الميدان بدون تفاوض سياسي ولا زلت. ولكني مع الكثيرين ممن يوافقوني على الرأي أو يختلفون في الميدان. الانحياز الحاد الآن هو الحماية للروح الحرة الانتفاضة ضد عسف السلطة وتسلط العسكر والهستريا المجتمعية المنحطة.
ولكن في النهاية مصر أوسع من الميادين والمعركة أطول وأبعد. أعتقد أن علينا أن نختار سريعا متحدثا باسمنا يكمل مسيرة حركة 25 يناير ويتابع تنفيذ المطالب. المطالب أوسع من سقوط مبارك، والنظام الذي نريده يحتاج حركة أوسع من مئات الآلاف التي تتوافد إلى الميدان.
اعلنوا انحيازاتكم الآن .. إلى الميدان ثم يكون لنا كلام!

03 February 2011

امسك شرطة !

صورة لأحد بطاقات مجندي الشرطة الذين اشتركوا في مظاهرات مؤيدي مبارك التي اعتدت على المعتصمين في ميدان التحرير يوم 2 فبراير، قبل أن يتم القبض عليهم وتسليمهم للجيش.

تصوير: مصطفى بهجت