30 March 2013

حافة نصر الدين !

شرائح اجتماعية كثيرة في مصر ترى أن السلفي والإخواني لم يعد “بتاع ربنا”، وإنما “بتاع سياسة وتجارة ” !

“على حافة شارع نصر الدين في حي الهرم يسير صاحبي الجهادي بلحيته الكثة، بينما يحاول أحد سوّاقي (التوكتوك)* مضايقته بأن اعترض طريقه. نظر صاحبي الجهادي ناحيته، وقال بهدوء الواثق: ولااااا.. أنا مش إخوان.. أنا جهادي.. يعني آخرك معايا رصاصة في دماغك!
ابتلع سائق (التوكتوك) ريقه، وهو يتمتم: لا مؤاخذة يا شيخ.. كنت (باحسبك) إخوان والله!”.
يحكي عمار مطاوع -الشاب الإخواني الذي يعمل في الجريدة الرسمية لحزب الجماعة-هذه القصة في صفحته على الفيس بوك، يبدو لي أنه يوجهها بالأساس إلى أصدقائه من الإخوان، يرسل إليهم فيها برسالة بخصوص المشهد الجديد الذي يتصاعد في الشارع المصري.
المشهد الجديد هو سلسلة الإهانات والمهانات الموجهة لمن يشي مظهرهم بأنهم منحازون للتيار السلطوي الإسلامي على خلفية الاستقطاب الذي يتصاعد وتشتد حدته منذ وصول الإخوان للسلطة. ولأن الإخوان لا مظهر متميز لهم عادة، إلا في حالة تجمعهم في فاعلية بعينها. فإن اللحى تتسبب في أن يلقى السلفيين -بتنوعاتهم- النصيب الأكبر العشوائي من المهانة المتناثرة يوميَّا.
فبالرغم من المكانة العريقة التي كان يحظى بها السلفي في الشارع المصري، خاصة في الأحياء الأكثر شعبية، إلا إنه الآن لم يعد “بتاع ربنا” الذي يدهشهم ويشعرهم بالذنب بـ”التزامه الفائق” الذي يمكن لهم أن يحيوه عن بعد.
قسم من الشارع الآن يرى هذا السلفي متحزِّبًا وخصمًا وشريكًا في السلطة الحالية وربما “تاجر دين”. يتكرر وقوف مصلين في خطبة الجمعة والدروس لتوقيفه عندما ينافح عن السلطة، أو يمارس عادته التاريخية في تكفير المعارضين.
الشيخ عبد الله بدر -أحد أكثر المشايخ السلفيين وقاحة، لدرجة أنهم أقنعوه حاليًّا بعدم الظهور في الإعلام- يتحدث في درس له بمرارة عن رخاوة الرئيس محمد مرسي التي أدت إلى أن يعترض طريق الشيخ “شوية عيال”، ويهددونه ساخرين بنتف لحيته شعرة شعرة.
الشاب عمار مطاوع نشر الحكاية التي تتصدر المقال في أعقاب “اشتباكات المقطم” بين متظاهرين توجهوا للمقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، وبين مؤيدين حشدتهم الجماعة من مختلف المحافظات؛ في محاولة لصدهم ووقف سيل الفعاليات المهينة، التي بدأت بدورة كرة قدم أمام المركز العام، ثم تصوير رقصة “هارلم شيك” كان خلفيتها المقر، ثم يوم مفتوح لرسم جرافيتي أمامه انتهى بصدام محدود تضمن صفعة من “بغل” مجاهد على وجه ناشطة، وكان ذلك سبب الحشد للتظاهر مرة أخرى غضبًا.
بعض شباب الإخوان أصبح ينحاز إلى الرؤية “الجهادية” في تأكيده على أن “المشروع الإسلامي” هو مشروع لا يجب في سبيله أن تطلب إلا رضا الإسلاميين وحدهم، أما الآخرون فهم أعداء الدين ليس لهم إلا الخضوع أو القمع.
متظاهرون يرفعون صور القيادي السلفي حازم أبو اسماعيل

تصاعد العنف الأهلي وتطوراته بين الإسلاميين ومحتجين منذ “جمعة كشف الحساب” في أكتوبر الماضي -ومرورًا باشتباكات “الاتحادية”، ثم اشتباكات “موقعة المحلاوي” في الإسكندرية، ووصولاً إلى “موقعة المقطم”- دفع منظمات حقوقية -لا تبادل الإخوان والسلفيين أي ود- إلى أن تصدر بيانًا مثيرًا للجدل يدين الإيذاء البدني المتعمد على الهوية بسبب ما شهدته بعض الاشتباكات من تنكيل عنيف ببعض السلفيين بسبب لحاهم أو بسبب من يتم التعرف على انتمائه للإخوان. بينما كان هناك تنكيل متبادل للمحتجزين في طرفي الاشتباك الذي تناثر في شوارع حي المقطم، ولاحقًا أدان مجلس إدارة أحد مساجد المقطم حشود الإخوان والإسلاميين لاحتلالهم المسجد، وتحويله إلى مكان للاحتجاز وتعذيب “الأسرى”.
رغم ذلك يبدو أن وقع المعركة كان قاسيًا هذه المرة أيضًا على شباب الإخوان، وعنيفًا للدرجة التي دفعت منظمات حقوقية لانتقاد تفصيلة صغيرة وسط سياق المعارك للتنبيه على فداحتها.
تعليق الشاب الإخواني عمار على الأحداث القاسية عبر حكايته التي تتصدر المقال، يمثل أحد المواقف الأكثر جماهيرية بين مؤيدي تيارات السلطوية الإسلامية الذين ضاقوا بالتظاهر بقبول الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية التي قيل لهم إنها في النهاية صناديق ستفتح لهم أبواب التمكين، وأمام المقاومة الشرسة لأعداء التمكين لا يملكون أعصابهم ويدعون الرئيس مرسي صراحة لسحق المعارضين.
الشاب عمار رغم عضويته في جماعة الإخوان، وعمله في جريدتها الرسمية، إلا أنه مناصر لحازم صلاح أبو إسماعيل، وهو في ذلك ليس نموذجًا فريدًا للنزيف الداخلي لهيبة الخطاب الإخواني التوافقي لصالح الخطابات الأكثر وضوحًا واتساقًا.
في تدوينة سابقة لعمار يشرح كيف أن علاقته بالجهاديين بدأت في حملة حازم أبو إسماعيل من أجل الانتخابات الرئاسية السابقة، قبل استبعاده منها بسبب جنسية أمه الأمريكية. تعرَّف عمار عن قرب لأول مرة على “الجهاديين” الذين يقول عنهم: “وجدتهم أكثر اتساقًا، وأعلى وضوحًا. علمني الجهاديون أن العلمانيين أعداء وخصوم لا نسعى للتوافق معهم، ولا يهمنا رضاهم، هم أعداء فكرتنا ومشروعنا وديننا، وأن الأولى بالسعي للترضي والكسب هم الإسلاميون وحدهم.. الإسلاميون وفقط”.
حكاية عمار سخرية مريرة من كل تراث الإخوان الذي يحاول كبح جماح الفكرة الجهادية من أجل “التمكين” و “إعادة الخلافة”، وازدراء للمحاولة الإخوانية للتوافق مع “الآخر” غير الإسلامي.
يزدري عمار ذلك، ويفخر بصديقه الجهادي الذي يلوّح -ولو مزاحًا– بالرد على إهانة محتملة بالرصاص. يتحسَّر عمار على فحولة صديقه الجهادي أمام الإهانة البسيطة في مقابل رخاوة الإخواني أمام السيرك الأهلي المنصوب له في مصر الآن.
يروي عمار لرفاقه تلك الحكاية بكل أسى؛ لعلهم يتعلمون مثله من الوضوح والاتساق “الجهادي” في الاعتراف بأن “المشروع الإسلامي” هو مشروع لا يجب في سبيله أن تطلب إلا رضا الإسلاميين وحدهم، أما الآخرون فهم أعداء الدين ليس لهم إلا الخضوع أو القمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• مركبة نارية ذات ثلاث عجلات، تستخدم كوسيلة للانتقال بالأجرة.

27 March 2013

ما فعله الإخوان بالدولة

اتفقت مع بعض من ما زالوا أصدقاء من الإخوان على ألا يذكروا في حواراتهم معي كلمة «فلول» في تعبيراتهم السياسية في مقابل أن أتوقف عن وصف طريقة تعامل الإخوان مع مسألة «الفلول» بالطريقة اللائقة والبذيئة التي يفضلها الكثير من المصريين للإشارة إلى فعل «الكيل بمكيالين».
لا يمكن للفظ الدقيق البذيء الأكثر بلاغة أن ينشر في الصحف والمواقع الرسمية لأن الرقابة في بلدنا تكيل بمكيالين أيضا، وتعريف الأخلاق أصبح بشكل ما هو عدم استخدام الألفاظ الصريحة التي تعبر بدقة وبوضوح عن أفعال بذيئة، فتحولت الأخلاق السائدة إلى شكل من أشكال التأدب اللغوي في مواجهة البذاءة الفعلية، فتحولت الأخلاق أيضا إلى شكل من أشكال الكيل بمكيالين. 
ولكن لندخل في الموضوع ونتحدث مباشرة عن المكيالين. لدى الإخوان مكيال أول يقضي بأنه لو كنت سياسيا أو وزيرا أو مسؤولا تنفيذيا أو رجل أعمال تعاونت مع «النظام السابق«» ولكنك الآن مع «التغيير» فمن أجل المصالحة والاستقرار وعجلة الإنتاج، عفا الله عما سلف، ونفتح صفحة جديدة.
المكيال الآخر يقول بأنك إن كنت سياسيا أو وزيرا أو مسؤولا تنفيذيا أو رجل أعمال تعاونت مع «النظام السابق» ولكنك الآن مع «التغيير» فأنت تحاول التمسح في الثورة ولكنك في الحقيقة من «الفلول» ويجب أن تخرس أو تخرج خارج البلاد.
ما هو مصدر التعـ .. أقصد الكيل بمكيالين. مصدره هو أن الإخوان باعتبار موقعهم في السلطة يتلاعبون باصطلاحات «النظام السابق» و«التغيير». فأنت إن كنت مع سياسات يرغب الإخوان في تغييرها فأنت مع النظام السابق (سياسات)، وهم مع التغيير (سياسات أخرى). ولكن إن اعترضت على سياسات «النظام السابق» التي يرغب الإخوان في استمرارها، هنا يتحول النظام السابق إلى أشخاص وليس سياسات، ويصبح «التغيير» هو «الإخوان» وأنت معارض للإخوان إذن أنت فلول معترض على التغيير (في شخوص الإخوان) ويسألك ممثل الإخوان في التوك شو: لماذا لم نسمع لك صوتا في الاعتراض على «النظام السابق» (أشخاصه)؟ رغم أنك الآن تتحدث معارضا لاستمرار نفس سياسات «النظام السابق» تحت سلطة الإخوان.
قال أمل دنقل: «من يملك العملة يمسك بالوجهين». وأقول: من يملك بالسلطة يمسك بالمكيالين.  فمن كان معها فهو مع الاستقرار أو مع التغيير، أو كليهما.  ومن كان ضدها فهو ضد الاستقرار أو ضد التغيير، أو ضدهما معا.
ولأن الكيل بمكيالين مرتبط دائما بالسلطة وبالتلاعب بالألفاظ، يسمى ذلك أيضا «التعريض» بالقول، فإن الكيل بمكيالين هو أدق توصيف لـ«التعريض» في خدمة السلطة.
تابع المعارك التي قسمت مؤسسات الدولة والنقابات وغيرها،  تحدث مع نقابيين مهندسين أو أطباء أو صيادلة أو ناشطين طلابيين أو إعلاميين أو غيرهم. من يتحالف مع الإخوان فهو آمن ومن عارضهم فهو «فلول». «الفلول» صارت اللبانة في فم الإخوان، هي الأداة الرئيسية للتعريض من موقع السلطة. ونتيجة لذلك تراكم في رأس السلطة تحالف الإخوان وكل من هم مستعدون وجاهزون للتعريض والكيل بمكيالين على طريقة الإخوان. وفي المقابل فإن بعض من يعارضون التغيير ذهبوا إلى الطرف الآخر، ونتيجة لتعريض الإخوان فإنهم وجدوا طريقة للتعريض المقابل واستغلوا بؤس حالة الإخوان ليقولوا إنهم يعارضون الإخوان بينما هم أيضا يعارضون أي تغيير. وفي حالة المؤسسات الرسمية التي لم يقربها تغيير، فالصراع داخلها أصبح غالبا بين الفساد القديم والفساد الجديد، بين من يريدون الحفاظ على مواقعهم وبين من اقتحموها بمنطق الكيل بمكيالين.
الكيل بمكيالين له أصول شرعية عند الإخوان والإسلاميين، وكما يقول محمد خير، فإن «الاستعلاء بالحق» هو الاسم الشرعي للكيل بمكيالين.
تمكين الأخ المسلم وسلطاته هو استعلاء بالحق. أما تمكين غيره فهو استبداد بالباطل. ولكن دعنا لا نتحدث عن أي معايير، المعايير المزدوجة صالحة دائما والجوهر الحقيقي للصراع  هو أن يحل الأخ – أو تابعه وحليفه – مكان من هو غيره. الأنصار بدلا من الأغيار.
من سكتوا في مواجهة النظام السابق لا يحق لهم «تغيير» أخلاقهم وسلوكهم وأن يتكلموا الآن عن الحريات والديمقراطية. أين كانوا صحيح؟! كانوا يقدروا يعملوا اللي بيعملوه دلوقتي؟!
 أما من سكت في مواجهة النظام السابق ويسكت الآن في مواجهة السلطة الجديدة ونفس
«سياسات النظام السابق» يلاطفه الأخ :«أين كنتم وقتها يا حبيب قلبي؟ كنت تقدر تعمل نفس اللي بتعمله ده؟». فيبتسم الذي سكت ويقول في دلال: «ما انت عارف بقى ما تكسفنيش، أيوه كنا مؤيدين برضه ونمارس التعريض في خدمة أي سلطة. كله علشان الاستقرار وعجلة الإنتاج».
لا توجد ضحكة رقيعة هنا استجابة للهوية الجديدة للسلطة وللأخ الذي يهز رأسه في شجن لا يخلو من شقاوة ويقول له : «ونعم الاستقرار والثبات على المبدأ».  
وهذا هو ملخص رؤية الإخوان بخصوص دولة يوليو، وهو ما لا مقابل له شعبيا سوى مثل بذيء يشير إلى شيء ما فعله العيّان بالميت. 

24 March 2013

أنصار وأغيار

مقطع فيديو لسيدة في لجنة الاقتراع. تتجه إلى الصندوق حاملة ورقة التصويت وتمد يدها إليه ثم تتراجع فجأة وتضم يدها إليها .. وينقطع التصوير. 
أذاعت قناة مصر 25 – التابعة للإخوان المسلمين  هذا المقطع أثناء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور كدلالة على محاولات تلاعب. وقتها كانت المعارضة ومنظمات حقوقية تتحدث عن ضعف الإشراف نتيجة مقاطعة بعض القضاة، مما يقلل من نزاهة العملية الانتخابية. وحاول الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من الإسلاميين بكل الطرق نفي كل ما يثار عن ضعف الضمانات أو وقائع تزوير ومخالفات. ورغم أن هذه الواقعة تسير في اتجاه معاكس، لكن احتفت بها قناة مصر 25 وسائر منصات إعلام الإسلاميين لأنها وبشكل واضح محاولة «معادية» للتلاعب.  
كان الدليل الواضح الدامغ أنها سيدة غير محجبة، تم وصفها في بعض المواقع والصحف الإسلامية بأنها سيدة مسيحية – كما لو أن ذلك يمكن القطع به من الفيديو ولكن في النهاية سيدة غير محجبة بالضرورة هي في طرف «معاد» للإسلاميين، هكذا قرروا وحسموا أنه لو كان هذا المقطع فعلا دليل على محاولة للتلاعب فهو محاولة معادية للإسلاميين الذي يرغبون في تمرير مشروع الدستور. 
تذكرت تلك الواقعة على خلفية الجدل الأيام الماضية حول تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين ثم معارك الشوارع التي دارت حول مقرهم العام في المقطم. الواقعة تقول بشكل بسيط وواضح إنه رغم كل أغلفة الأذرع السياسية سواء للإخوان المسلمين أو للدعوة السلفية، فهي في النهاية أذرع تجميلية لكيانات طائفية لا يتصور أن يؤيدها من هم خارج هذه الطائفة، إلا حالات تستحق الدراسة مثل حالة رفيق حبيب، المفكر المسيحي الملحق بجماعة الإخوان المسلمين.  

كما أنها كيانات سلطوية ومعادية للحريات الشخصية ولديها تصور ضيق بخصوص حياة أولئك الآخرين المختلفين، ولذلك فإن ظهرت سيدة في مقطع فيديو به شبهة تلاعب في التصويت، ولا يبدو من زيها وهيئتها أنها من «مؤيدي السلطويين الإسلاميين» إذن فهي بالتأكيد وبلا شك محاولة من الطرف الآخر .. «الأغيار». 
لست متحمسا للحملة على الإخوان المسلمين لأنهم جماعة غير قانونية، ومنحاز لحرية التنظيم في حدها الأقصى وبأقل قدر من رقابة الدولة وما يمنع فقط الفساد المالي، وأرى أن العديدين ممن يشنون الحملة على الإخوان تورطوا في تبني رؤى تقيد حرية التجمع والتنظيم، وترويج أفكار لديها هوس «التقنين».  وحتى أولئك الذين يدعون الجماعة للاتساق مع القانون السلطوي لتنظيم عمل الجمعيات، فهم يقدمون حق التجمع والتنظيم هدية لجماعة سلطوية ستتمكن من توفيق أوضاعها سريعا وسيساعدها وجودها في السلطة، ثم ستستخدم نفس خطابها الهجومي للتضييق على حق التجمع والتنظيم بشكل عام، وبالنسبة للمنظمات والتجمعات التي تزعجها بشكل خاص، وساعتها سيكون أولئك المهووسون بتقنين الجماعة هم المطالبين بالاتساق مع انتقاداتهم. 
في مواجهة السلطويين يمكن أن يكون هناك أيضا سلطويون آخرون. كما كان السلطويون الإسلاميون في مواجهة سلطوية نظام مبارك. وكذلك الآن، ليس كل من وقف في مربع مقاومة السلطويين الإسلاميين هو منحاز للتحرر حقا. ولكن السلطويين الإسلاميين يحبون دائما وضع أعدائهم في مربع واحد، كأن العالم انقسم إلى إسلاميين وأغيار، وهذا يعيدنا إلى مقطع الفيديو. 
الجماعة لن تجد صعوبة في تقنين أوضاعها وإخفاء بعض الأوضاع غير الملائمة للذوق العام، والأزمة ليست في جذرها قانونية، فالدعوة السلفية التنظيم الحقيقي وراء حزب النور هي جمعية قانونية. ولكن اللجوء إلى ازدواجية التنظيم الحقيقي والذراع السياسية يكشف عن مكمن الأزمة الأساسية: هذه التيارات التي لا تستطيع أن تذهب للديمقراطية بوجهها الحقيقي الطائفي هي التي تتصدر العملية الديمقراطية وهي التي كان لها اليد الأكبر في هندسة العملية الديمقراطية وكتابة الدستور. ولذلك تحولت العملية الديمقراطية إلى معركة صندوقراطية متكررة بين السلطويين الإسلاميين والأغيار.  
وإذا كانت عيون السلطويين الإسلاميين أنفسهم ترى مشروعهم السياسي ومقترحهم لمشروع الدستور هي أشياء لا يتصور أن يتم تأييدها خارج المربعات الطائفية، التي يمكن الكشف عن أتباعها بمجرد النظر،  فكيف يمكن أن تبدأ ديمقراطية؟! 

تتحول الإجراءات الديمقراطية إلى معركة إخضاع بالصناديق، غزوة صناديق حسب التعبير البليغ لمحمد حسين يعقوب. وهذه اللحظة تقول جيدا إن عملية إخضاع الأغيار لا تسير بنجاح، وممارسة السلطة متعذرة إلا بالتأرجح بين استدعاء أدوات ما قبل 28 يناير من قمع الشرطة أو استدعاء «الأنصار» لمواجهة «الأغيار»، أو مزيج منهما كما يبدو واضحا في اشتباكات المقطم وما قبلها. 

17 March 2013

نصيحة للإخوان المسلمين في مواجهة الجرافيتي المُهين

«لما حد ييجي يشتمني في بيتي أعمل معاه إيه؟»
من  الواجب علينا جميعا أن نشارك جماعة الإخوان المسلمين أسئلتها الوجودية التي انتشرت على ألسنة شبابها اليومين الماضيين، بعد أن فاض كيل المهانة التي يوجهها إليها كل عابر سبيل.
ينبغي أن نتفهم جميعا ثقل الإحساس بالمهانة الذي دفع شباب الإخوان أمس إلى النزول ومواجهة مجموعة حاولت أن ترسم جرافيتي عن بؤس الإخوان المسلمين عند مقرهم، مما أدى لكتابة فصل آخر من تاريخ هذا البؤس.
فصول البؤس تتوالي، ومحاولة الوصول لأستاذية العالم انتهت بوضع ذيل ورقي في مؤخرة ذلك الذي يقف أمام السبورة يحاول أن يكتب بخط جميل نفس الديباجات الفارغة للأستاذ السابق ويعتقد من فرط بؤسه أن هذا يكفي.
من الصعب إقناع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ أستاذيتهمبأن الإيمان بالديباجات الفارغة مدعاة للمسخرة والمهانة، فضلا عن أن محاولة ممارسة السلطة وفقها باعتبارها أفكارا ملهمة ستؤدي إلى استشراء المهانة والمسخرة أكثر فأكثر. ولكن فلنحاول إبراء للذمة.
لنأخذ مثلا السيد محمد مرسي. وهو عضو الجماعة الذي درس الهندسة ويحمل لقب الدكتور ودرجة «الأستاذية» ويشاع كونه رئيسا للجمهورية مما جعله يلتقي بقوات من الأمن المركزي ويلقي فيهم مجموعة من الديباجات الفارغة المعتادة التي يبدو أنها تجاوزت الحد هذه المرة، وتحولت إلى هلفطة واضحةضجت على أثرها ألسنة الناس بالمسخرة، عندما قال مرسي إن الشرطة شاركت الشعب ما وصفه بالعبور الثاني في 25 يناير و«كانت في القلب منه»! وأضاف: «وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة، وذكرى ما ضحت به الشرطة ضد الاستعمار وضد المحتل. وانطلقت شرارة أولى لمقاومة المحتل».
 وانطلقت أيضا شرارة أخرى لانقسام عم البلاد بين من هالتهم مسخرة وفداحة الهلفطة وبين من تناقلوها باعتبارها شيئا عاديا وخطابا موفقا للسيد الرئيس. محاولة ردم الهوة ليست سهلة ولكن أخوة الإنسانية تجبرني على أن أتقدم ببعض الملاحظات على هامش الهلفطة لعلها تلقى سمعا عن إخواني شارد عن «القطيع» تجعله يفهم لماذا يتعذب إخوانه في الإنسانية والوطن من هذه الهلفطة التي تأتي لتتوج قمة تل القمامة السياسية التي تصيب الناس بالقرف، فيسعى بعضهم إلى مقر جماعة الإخوان متعمدا إهانتهم لكي يرحمونا ويحافظوا على نظافة هذا الوطن.
الملاحظة الأولى: أن التزوير والكذب فيما يخص الثورة لا يجب أن يمتدا لهذه الدرجة من الوقاحة وإلى أولى الحقائق البسيطة عنها. وأنه من الأفضل لرئيس استغل كلمة «الثورة» وكذب باسمها على حلفائه وناخبيه ألا يجاهر بما يكشف كون «الثورة» عنده هي مجرد فرصة للهلفطة عن مشروع ثوري جامع ليكسب به أصوات المنحازين للثورة كغطاء لمشروعه الأساسي السلطوي الطائفي الذي يقف الآن في مواجهة الثورة.. التي كانت شرارة انطلاقها هي الاحتجاج ضد انتهاكات الحقوق والكرامة على يد الشرطة، وهي الانتهاكات المستمرة تحت قيادته و«في قلب» سلطاته. يمكن له البحث عن ديباجات أخرى فارغة للتقارب معهم بعيدا عن الاستعباط بذكر وجودهم في قلب الثورة، وهو ما يوازي تحية الجيش الإسرائيلي لكونه كان موجودا في قلب «العبور الأول في أكتور 1973».
الملاحظة الثانية: إذا كان الرئيس مضطرا لإرضاء واسترضاء الشرطة لأنه لم يتبق له حلفاء كثيرون بفضل الانكشاف السريع لمشروعه السلطوي الطائفي، فإن ذلك يكشف أكثر وأكثر عن مآل المشروع السياسي الذي أصبح كل همه أن يصلب عود النظام مستندا إلى نفس المؤسسات بنفس بنيتها، وأن يحسن وضع نفس الاقتصاد بنفس شروطه وأن يدعو المجتمع للعمل والإنتاج وفق نفس العلاقات، وكأن الثورة كانت سوء تفاهم عابر بين الشعب والسلطة.
الملاحظة الثالثة: أن تطرق مرسي إلى تكوينه العقلي والديني في حوار تليفزيوني، في إجابة عن سؤال ما لا علاقة له بالتكوين من قريب أو من بعيد ــ يكشف عن امتنان عميق للهلفطة اللغوية التي تتهرب من الأسئلة والتحديات وتجمع المتناقضات جميعا في حب ووئام وتؤسس مشاريع جميلة للتوافق الوطني والانسجام العالمي، تحت قيادة الإخوان بالطبع. ويبدو أن لهذه الهلفطة تاريخا عميقا في التفكير السياسي للإخوان الذين جعلوا نفسهم حزبا سياسيا لكن اسمه «جماعة» ومارسوا أنشطة الأحزاب السياسية ثم أعلنوا معاداتهم للحزبية السياسية عمرا طويلا لأنهم ضد التفرق ومع الوحدة والانسجام،  إلى أن اكتشفوا فجأة أن هذه الهلفطة قد انتهى عمرها الافتراضي فاضطروا إلى التصالح رسميا مع فكرة الحزبية. وربما تشير هذه الهلفطة التاريخية إلى جذور تناقض عميق بين ادعاء قبول الديمقراطية وبين الروح الشمولية السلطوية على طريقة «الحزبية سيئة ولكن نحن الحزب الواحد الذين يجب أن يكون»، وهي الروح التي لا تزال تضيق بالتعدد والاختلاف في أشكال متعددة وتسعى لتقييده في الدستور وسلسلة مشروعات القوانين السلطوية لتنظيم التظاهر والمجتمع المدني والحياة الطلابية والنقابية.
الملاحظة الرابعة تتعلق أيضا بتكوين مرسي وعقليته التي يبدو أنها تأثرت كثيرا بتراث معاصر من الهلفطة الدينية التي تستغل استسلام عقول وقلوب المؤمنين بالغيب إلى كلمات الخطيب المنسابة المطعمة بـ«قال الله وقال الرسول» لكي تدس بينها أي كلام فارغ ومتناقض ينسب نفسه زورا إلى «الإرادة الإلهية». لأنها وحدها القادرة على أن تقول للشيء كن فيكون وتبعث الاتساق في جملة من نوع «أراد الله أن يكون يوم 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة» لتكون ممكنة في سياق تحية الشرطة وليس توبيخها.
الملاحظة الختامية أن كل ما سبق، من بؤس مشروع الإخوان وفشلهم وكذبهم وتزويرهم وهلفطتهم السياسية والدينية، كان فعالا وناجحا في حملهم إلى السلطة بنجاح ولكنه يثقلهم الآن إلى درجة أنهم لا يقوون على النظر في عين الثورة ومواجهة باعثها الأول فضلا عن فهم معناها ومغزاها وحركتها وطموحاتها. ولكن عليهم أن يتقبلوا طوعا أو كرها أنه لا يزال للثورة أبناء ودراويش وحواري، هي شغفهم وإيمانهم وبداية تاريخهم، ويسوؤهم جدا أن تتحول الثورة إلى ديباجات فارغة وهلفطة، ومن الصعب عليهم أن يمنعوا أنفسهم عن ازدراء واحتقار وإهانة من يراها ويجعلها كذلك.
وبناء عليه، فإن أمام السادة الإخوان المسؤولين عن المهانة والمسخرة خيارين: أولهما أن يتحلوا ببعض الخجل والحياء وربما منّ عليهم الله ساعتها ببعض الفهم وأدركوا لماذا يذهب إليهم الناس لإهانتهم في مقارهم بدلا من إضاعة وقتهم في أبحاث فقهية ونفسية تحاول أن تجيب عن السؤال: «لما حد ييجي يشتمني في بيتي أعمل له إيه؟». وثانيهما أن يستكملوا مشروعهم ويعتصموا بحبل الهلفطة على طريقة مرسي قائلين: «أراد الله أن يجمع بين الثوار والإخوان في قلب اشتباكات المقطم كما جمعهم في اشتباكات الاتحادية. وكان ذلك إشارة إلى عمق العلاقة بين الثوار والإخوان ووفاء الإخوان لروح الثورة».

15 March 2013

أستاذية مصر

قرأت مذكرات حسن البنا ورسائله ووسائل التربية عند الإخوان المسلمين بالكامل في أوقات الحصص في المقعد الأخير في فصل المدرسة الثانوية، ومن مقعدي ذاك أعجبني اصطلاح "أستاذية العالم" الذي يحاول أن يجد  تعبيرا عصريا لاستعادة أمجاد المسلمين، ويرده لمجاز تعليمي، بديلا عن مرادفات المُلك والسيطرة والعلو التي تبدو في النصوص والأدبيات القديمة ويتحسس منها الحس المعاصر.
لم أنتبه وقتها أن "الأستاذ" كان هناك في الطرف المقابل من الفصل يشكل خلفية صوتية باهتة لقراءاتي واهتماماتي الأخرى. ولكن بالتأكيد كان "الأستاذ البنا" يبدو لي وقتها أستاذا من نوع مختلف.
لم أكن ساعتها قد عرفت إخوانيا واحدا عن قرب، والطالب الإخواني الوحيد الذي رأى معي هذه الكتب جلس بجانبي في حصة واحدة مستأنسا ثم قال لي في نهايتها مستاءا "آه. أنت منهم!" لأنه استنكر أن أقرأ – ولو كتب الإخوان - وقت الحصص، ولأني سخرت مرة من شيء قاله أستاذ اللغة العربية. 
في الجامعة انتهزت فرصة تنظيم  الإخوان لحفل تكريم الطلبة المتفوقين الذين التحقوا بكلية الهندسة وصارحتهم بوضوح إني أريد الاشتراك معهم في الأنشطة الطلابية.
كلفوا طالبا إخوانيا زميلا أن يحاول التحقق من أنني لست "إخوانيا تائها" ضل طريقه في التنسيق بين إخوان المناطق وإخوان الجامعة، والتحقق من أنني لست "مخبرا" أيضا.  ثم انزعجوا من خلفيتي الفكرية السلفية وقتها المهتمة بالاتساق بين الخطاب السياسي والدعوى مع المرجعية الشرعية، ثم انزعجوا في نهاية المرحلة الجامعية – بعد تغيرات كثيرة – من أنني أصبحت أميل يسارا، وفي المرتين استأت من إدراج قراءة كتب بائسة كتبها المرشد الأسبق مصطفى مشهور في برنامج تثقيفي.
 كنت دائما عضوا في "أسرة" مخصصة "للمشاغبين" الذين لم يتمكنوا من التوافق التام مع خط الجماعة ويرفض أن يكون تلميذا طيعا. “الأسرة" هي مجموعة تربوية تمثل النواة التنظيمية الأولى للجماعة.  أجواء العمل الطلابي التي تتسم بالندية و"الأخوة" كانت تخفف من كل ذلك، ثم كانت محاولة واحدة لضمي لأسرة  في منطقة سكني كانت حاسمة بعد أن قابلت كهلا إخوانيا كان من المفترض أن يكون الأستاذ المربي لي بينما لم يرقني اللقاء الأول به.
كان مقام "الأستاذ" في مصر -  ولا يزال -  في وضع هش، ينحدر بسرعة إلى مقام المسخرة، إن لم يكن الأستاذ يملك من الذكاء الاجتماعي ليعرف حدود أستاذيته ويكون صديقا بقدر ما، بل وتلميذا في أحيان أخرى. يمكن لغير المصريين الرجوع لمسرحية "مدرسة المشاغبين". وفي ما يخص الإخوان، فإن عددا كبيرا ممن رافقوني رحلة النشاط داخل الإخوان المسلمين خرجوا أو تم طردهم من الجماعة في أوقات مختلفة لأنهم لم يكونوا في مقام التلمذة الكاملة أمام أساتذة من نوع محمد مرسي وخيرت الشاطر ومحمد بديع. وهي شخصيات وذهنيات لا يمكن لها أن تكون ملهمة إلا بعد أن تعينها مؤسسة ما في منصب أستاذ. ولا يمكن أن يحترمهم إلا تلاميذ بايعوا المؤسسة على عقيدة الاحترام المطلق لمقام "الأستاذ" ولأي أستاذ مثل التلميذ الإخواني الذي استاء مني في الثانوية.
 وكما تقوم المؤسسة التعليمية على ضرورة الاحترام المطلق لأي أستاذ تراه أمامك لكي لا تنهار المنظومة التعليمية مهما كان إلهامها وقدرتها على كسب احترام التلاميذ،، كذلك الجماعة تقوم على الثقة المطلقة بين الأتباع المنخرطين في أنشطة تربوية ودينية وتنموية تذكي روح الأخوة الإسلامية وبين أساتذة يستخدمون نتاج ذلك من "أتباع" في احتلال المجال العام الاجتماعي والسياسي بأي أفعال، مهما بدا حمقها، موقنين أن الثقة والتماسك التنظيمي أدوات مهمة على طريق مشروع "أستاذية العالم".
تبدو "أستاذية مصر" هذه اللحظة عنوانا مناسبا لمأساة وملهاة لا حل سياسيا لها. فمن جهة تتألق  قدرة الجماعة وقواعدها على احتلال المجال العام والفوز بالانتخابات خاصة في الأماكن الأقل مدينية. بينما أولى خطوات المشروع انتهت إلى تفجير ازدراء عميق لهذه الأستاذية. ازدراء هو أبعد من السياسة ويصل إلى وصم اجتماعي لـ" طائفة الإخوان" وانتشار وصفهم أفرادهم  بـ”الخرفان" (الخراف) الممتثلة لراعيها. وانتشر تعبير ساخر يجسد هروب كثير من المتعاطفين معهم من "وصمة" عضوية الجماعة بالقول المستدرك: "أنا مش إخوان بس باحترمهم"
فوجئت أن منشقين أحدث عن الجماعة يستخدمون وصف "الخرفان" ويدافعون،عن قدرته التفسيرية العالية، ربما لأن ما فجر علاقتهم بالجماعة هو أنه لا يمكن أن تستمر داخلها من دون أن تكون "خروفا" تحترم مقام "الأستاذ/ المربي/ الراعي" وتنقاد له وتبرر أخطاءه وتناقضاته إلى أن تصل إلى مقام الأستاذية.
قبل أيام في انتخابات الاتحادات الطلابية الجامعية، وفي ظل نتائج عامة أعلنت الجماعة أنها لم تحصد فيها إلا ما هو أكثر قليلا من ربع المقاعد ، نافس ائتلاف من الطلبة  المستقلين ائتلافا آخر لتحالف الإخوان وقوى سياسية أخرى في كلية التجارة بجامعة عين شمس في القاهرة.الائتلاف المستقل  استثمر وجود الإخوان في الائتلاف المنافس واكتسح الانتخابات وحصد 88% من المقاعد، وكان ذروة استثماره لوجود الإخوان في الجانب المنافس هو أن هذا الائتلاف اعتلى موجة الازدراء لشباب الإخوان ومن يتعاطف ويتحالف معهم وخاض الانتخابات بقائمة كان اسمها "ائتلاف بلا خراف".

نشر في موقع المدن بتاريخ 15 مارس 2013

06 March 2013

نقابتي وفلوسي.. ومارس يا خلوصي

ونحن نقترب من عرس صندوقراطي آخر، في ظل دستور وإدارة غير ديمقراطيين، وبغض النظر عن الجدل حول المشاركة في الحرام الصندوقراطي من باب حب الحرام  أو من باب الرخصة وأقل الضررين، ففي كل الأحوال أعتقد أنه من الضروري والمفيد  - والمسلي أحيانا -  أن نتأمل قليلا في مشاهد من تطبيقات الفلسفة الصندوقراطية التي فرضها ويمارسها الإخوان وحلفاؤهم من السلطويين الإسلاميين. ولذلك أدعوك لأن تضغط على هذا الرابط لتشاهد مجانا  فقرة من أمتع فقرات السيرك الإخواني واقرأ الوصف التفصيلي لما حدث.
في الفقرة الرائعة السابقة قاد النقابي الإخواني العملية التصويتية بطريقة بارعة لكل يحول دون المزيد من الشفافية التي اقترحها «مرصد استقلال النقابة» بنشر محاضر كل اجتماعات مجلس النقابة على موقع الإنترنت الخاص بالنقابة.
هذا المجلس بقيادة الأمين العام الإخواني والنقيب الذي يدعي أنه «مش إخوان، لكن ترشح على رأس قائمتهم في انتخابات النقابة» ووراءهم الجموع المخلصة لرعاتها قاموا جميعا بفقرة صندوقراطية رائعة أخرى.
 
كان «المرصد» قد تقدم باقتراح آخر يرفض اتخاذ مجلس النقابة مواقف سياسية باسم كل المهندسين فيما لا يخص الشؤون النقابية. وانتقدوا قيام النقيب بنشر إعلان في عدة صحف باسم مهندسي مصر يهنئ فيه محمد مرسي بفوزه بالرئاسة، ووضع  صور له داخل النقابة، ونشره بيانا على موقع النقابة باسم «النقابات المهنية» يقول "نعم نعم للدستور"  بالإضافة لاشتراك النقابة في مؤتمر للنقابات المهنية لتأييد الإعلان الدستوري لقراقوش آخر الزمان محمد مرسي.
في البداية تجاهلت إدارة الجلسة إدراج الاقتراح، ولكن احتج مهندسو المرصد وهتفوا مطالبين بمناقشة الاقتراح وتعرض بعضهم  لتكميم الفم  - حرفيا - من قبل «لجان التنظيم» والاحتكاك بهم بخشونة.
ولكن في النهاية أمام إصرارهم استجابت المنصة لإدراج الاقتراح وادعت أنه سقط سهوا، وقرأت منسقة «المرصد» الاقتراح،  وعلق ماجد خلوصي، نقيب المهندسين، قائلا إن هذه المواقف التي انتقدوها مواقف وطنية وليست سياسية حزبية وأن إعلانات تأييد مرسي وصوره كانت على نفقته الخاصة وهو حر !
 صرخ معترض:
«مش باسم المهندسين ونقابة المهندسين» لكن وقف مؤيد وقال له: «انتخبناك ونحن نعلم أنك تمارس السياسة، مارس كما كنت تمارس». ثم مارس خلوصي وقام بتعديل الاقتراح لاقتراحين: اقتراح برفض اتخاذ النقابة مواقف حزبية وتمت الموافقة عليه، واقتراح بحق النقابة في اتخاذ «مواقف وطنية»، وتمت الموافقة عليه أيضا في جزء من الثانية كما يمكنك أن تشاهد في هذا الفيديو.
 
ورغم أنني «مش إخوان ولا باحترمهم» هذه الأيام إلا أنني لن أكون معاديا لموقف من يصوتون لصالح حجب معلومات عنهم ولا تأييدهم لقيام نقيب منتخب ببرنامج نقابي باستخدام اسم النقابة في تأييد مشروعات وقرارات سياسية بدعوى أنها مواقف وطنية، متجاهلا اختلاف رأي أعضاء النقابة. ولا سأندهش من تصويتهم باكتساح على تسمية مكتب حسابات بعينه لإدارة حسابات النقابة وتجاهل تقديم معلومات عن العروض الأخرى.
 أنا أعتقد بشكل عام أن
«الخرفانية» أو«حياة القطيع» حرية واختيار. ولا أطالب بأن نفرض على من اختاروها شعارا في الحياة أن يقبلوا طريقة حياة المنحلين الإباحيين الذين يطالبون بنشر عورات العمل النقابي على الإنترنت أو أن يكونوا قليلي الأدب لكي يراجعوا من انتخبوهم إن تجاوزوا حدود ما تم انتخابهم له. ولكن لماذا نفرض العكس أيضا؟ ولماذا نتصارع ليفرض طرف طريقة حياة على  الطرف الآخر بالصندوق؟
لماذا لا يكون  للإباحيين نقابات وللقطعان الخجولة نقابات لكي نحل من الأصل صراعهم على الصندوق.
هذا الاقتراح، أصلا، هو الأصل لو كنا نحترم حرية التجمع والتنظيم والحريات النقابية وحرية التعدد النقابي، ولكن هذا الاقتراح  ليس ممكنا عندنا لأن أعظم دستور عرفه الخرفان يقول «لا تنشأ لتنظيم المهنة إلا نقابة مهنية واحدة».
لماذا؟
هذا تراث سلطوي يبرر نفسه بضرورة الوحدة النقابية من أجل تنظيم شؤون المهنة الفنية بشكل مركزي. بينما يمكن الفصل بين هيئة لتنظيم الشؤون الفنية للمهنة وبين الحرية النقابية والتعدد النقابي الذي يتيح تشكيل نقابات تتبع فلسفات وتوجهات مختلفة للعمل النقابي، كما أنها تدافع عن مصالح مختلفة ومتنوعة ومتعارضة غالبا. كما أن احتكار النقابة لتنظيم شؤون المهنة يعني أن هذه النقابة هي تنظيم إجباري وليست نقابة ينشئها الناس وينضمون أو لا ينضمون بحرية.
 ولكن هناك ارتياحا سلطويا لتراث النقابة الواحدة الإجبارية الذي يمكن للتنظيم الأكبر السيطرة عليه واستغلاله في دعم النظام السياسي، الحزب الوطني سابقا والإخوان المسلمين حاليا.
 فالسيطرة
على نقابة واحدة لكل مهندسي مصر هي مهمة أسهل للجهة الأكثر تنظيما وتمويلا وحشدا في مواجهة أي تيارات جديدة أو مستقلين يريدون المنافسة ولديهم رؤى مختلفة للعمل النقابي.
ولذلك فإن النقيب ماجد خلوصي، عضو لجنة العار المسماة الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، ورغم اختياره في الجمعية لصفته النقابية، فإنه خان مبادئ الحريات النقابية – رغم أنه مش إخوان -  ودافع عن استمرار ذلك التراث السلطوي في العمل النقابي. وتم إقرار استمراره بالفعل ليخدم مصالح الجماعة، وليتوافق بشكل عام مع الرؤية المتكلسة السلطوية للإخوان التي تتوجس من الحريات ومن أي تغيير حقيقي في بنية «النظام» ومن أهمها التنظيم النقابي.
 
 هذا ببساطة ما يفعله الإخوان في معظم الساحات الأخرى، يدافعون عن استمرار الأدوات السلطوية للنظام مادامت كانت في مصلحتهم في المجمل ثم يتهمون معارضيهم بأنهم «فلول». وهو ما حدث أيضا بكل انحطاط في الجمعية العمومية لنقابة المهندسين مع المعارضين أو المعترضين الذين احتجوا على الأكروبات الإخواني في إدارة الجلسة هاتفين : «يسقط حكم المرشد»، فهتفت تجاههم حشود الإخوان : "الفلول برا".
 
المشاهد المماثلة لاشتباكات وصراعات أو تسابق على ملء القاعات بمؤيدين في اجتماعات النقابات المهنية الموحدة للأطباء والصحفيين ثم المهندسين هي المساخر الملائمة لعدم احترام حرية التعدد النقابي التي ينتهكها دستورهم غير الديمقراطي. وهي مساخر ملائمة لإقامة صندوقراطية على مقاس جماعة ضيقة الأفق والخيال تغض بصرها عن مطالب الإفساح لحرية التعدد والتنوع، وتدعي أن هذه المطالب قد سقطت سهوا، ثم تتلاعب بها عمدا.