15 April 2012

هكذا تكلمت كثيرا الأيام الماضية




"أفكار رائعة من أجل أزمة دينية مستمرة". كان هذا عنوان مداخلتي القصيرة في ندوة "أفكار 2012" قبل أيام. ولم تخيب تلك الأفكار الرائعة ظني، فبمجرد البدء في سرد فكرة منها كان شخص ما، يستخدم حساب تويتر ل"سكاي نيوز" التي نظمت الندوة، يسارع بنسبة تلك الفكرة في تويتة/تصريح منسوب إليّ. بينما أنا في الجملة التالية أوضح أن هذه الفكرة محل إعجاب الكثيرين بينما أراها تضع جذور أزمتنا الدينية الماضية والحاضرة والقادمة إن شاء الله!
في هذا الفيديو أذكر بعضا من هذه الأفكار، وللأسف لم أستطع الاستطراد في اللحظة التي بدأت فيها الكلام عن حبيبي كارل بوبر. بعد مشاهدة الفيديو وقراءة كتاب كارل بوبر "المجتمع المفتوح وأعداؤه" أو على الأقل الفصل الأخير منه ستعرفون لماذا هو حبيبي.

الفترة الماضية تحدثت في عدة ندوات، رغم أني لفترة طويلة قررت مقاطعة الندوات مستمعا، لأني قلما وجدت متحدثا شيقا بذل جهدا في تقديم جديد في كلمته، ولأن الوقت دائما ضيق والمتحدثون يأتون متأخرين ويريدون الرحيل سريعا، وبعض حضور الندوة يحاولون النضال من أجل دقيقة زيادة، ومنظمو الندوة يناضلون من أجل البقاء داخل الموضوع والوقت. باختصار، مأساة حلها بسيط وهو أن يفتح هؤلاء الناس مدونات وحسابات على تويتر وفيس بوك.

ولكن الحقيقة أن الندوات وسيلة لطيفة للتعارف السريع وتبادل الأفكار بين مجموعة ضيقة بعينها، قد ينضم لها أفراد متناثرون، وإقامة علاقات عامة مفيدة في الحياة بشكل عام. ولذلك قررت أن أقبل بعض الدعوات، خاصة التي تتضمن سفرا إلى الخارج وصحبة لطيفة، وحاولت جاهدا والله أن أبذل جهدا في تحضير الفكرة التي أطرحها وحاولت أن أفكر نوعا ما في طريقة تجعلني متحدثا أقل إثارة للملل، ولكني أعرف أني أشرد أثناء الكلام وأستمتع مع نفسي بالتفكير في أفكاري أثناء الكلام، ولكن أحيانا الشد والجذب مع أطراف الندوة أو الجمهور يخرجني من هذه الحالة فأستمتع بالسجال أو بالتفكير الجماعي.

مثلا، في ندوة بالجامعة الأمريكية للنقاش حول مشروع البروفيسور تيموثي جارتن آش عن "حدود حرية التعبير" أبديت ضيقي من محاولتنا التفكير في حدود لحرية التعبير أصلا بدلا من أن نقف عند الحدود التي يعتبرها المجتمع والسلطة خارج حرية التعبير ونستشكفها وندافع عن مساحة أوسع من التعبير بدلا من مساعدة المجتمع والسلطة على وضع خطوط بالرصاص لحرية التعبير ويقوم كلاهما بوضع متاريس وقوانين وإقصاء بناء عليها. كان رأيي أن أي تجمع يحاول بين أفراده التوافق حول المقبول واللطيف وغير العدائي من أشكال التعبير، ولكن لحظة الجدل حول حدود حرية التعبير تكشف عن رغبة أصلا في عدم التوافق ورغبة في إظهار العداء والتأهب لمعركة، وكان رأيي ان نفكر في المعركة أصلا بدل الجدل حول مظاهر التأهب لها، ويبدو لي أن المتهمين بخرق حدود التعبير غالبا ما يكونون في موقع مقاومة للسلطة، السياسية والمجتمعية والدينية، وهو ما يجعلني في صفهم غالبا.
كان مدهشا أن الندوة لم تتحول لترحيب وتطبيل بالأستاذ الزائر الذي يروج لمشروعه حول العالم ولكن شهدت نقاشا أصيلا ومحتدما. يمكنكم أن تشاهدوا الندوة هنا وهنا، في الواقع فكرت أن أقوم بتنزيل الفيديو وقص الفقرات الأكثر إثارة منه وتحميلها على يوتيوب ولكن تلك الفكرة أخرت هذه التدوينة أسابيع. وإذا فكرت مرة أخرى فلن أنشر هذه التدوينة أبدا.

في لبنان، استمتعت بصحبة الصديق العزيز فادي العبد الله الذي تطور جزء كبير من صداقتنا عبر هذه المدونة. وكانت فرصة عظيمة أن يدعوني صديقي لنقاش معه على هامش معرض "ثورة ضد ثورة" في بيروت عن "مزاج الثورة". أيوه بقى!
كانت فرصتي لأعبر كيف تتداخل أفكاري ومشاعري عن "الثورة" مع أغنية مي وليد "الليمون" ومع قصيدة أخي محمود عزت"الغجر" ونشيد الألتراس "مش ناسيين التحرير يا ولاد الوسخة"، وكذلك نص شعري شارك به فادي العبد الله في المعرض. وكيف أرى تلك التعبيرات هي الأقرب لمزاج الثورة كما أشعر به ويحركني. يمكنكم أن تستمعوا إلى تسجيل نقاشي مع فادي.

أخيرا، تحدثت في تونس ، التي حاولت زيارتها خمس مرات على الأقل، وفي كل مرة كانت الزيارة تتعطل لسبب مختلف. هذه المرة تمكنت من دخولها رغم أني تأخرت وفوتت طائرتي ثم غيرت موعدها لليوم التالي وتكبدت أموالا طائلة فتأخرت هي ساعات عن موعدها الجديد لكن أخيرا وصلت هناك.
هناك وجدت الحالة متأزمة بين الإسلاميين والآخرين كما عندنا. والمؤتمر الذي شاركت فيه كان عن الأدوار الجديدة للأطراف السياسية بعد اقتراب الإسلاميين من السلطة. اقترحت بدلا من أن نرسم أدوارا محددة لطرف في السلطة وطرف في المعارضة أن نتأمل ديناميكية الصراعات بين القطبين وداخل كل قطب، بتحليل أفعالهم وانحيازاتهم وفق ثلاثة مفاتيح: الميل الثوري مقابل الميل الإصلاحي، والميل للتسلطية مقابل الميل للتحرر، والميل للشعبوية مقابل احترام التنوع والتعدد.
حاولت أن أستخدم هذه المفاتيح لفهم الجدل والصراع والتحوّل داخل كل تيار، وهو الجزء الغاطس تحت السطح، بينما صراعات التيارات تشغل السطح كله. وحاولت أن أوضح ذلك بأمثلة وتفاصيل تمكننا من فهم التحولات الداخلية المهمة داخل التيارات التي تتشكل الآن بدلا من النظر إليها ككتلة صلبة أو لوحة متشكلة بالفعل، حالة الاستقطاب السياسي تجعلنا ميالين للحكم على التيارات أحكاما قاطعة ونهائية. أشك أن مداخلتي ستكون مثيرة إن كنت شعرت بالملل من الفقرة السابقة، ولكن ها هو التسجيل على كل حال.

وسط كل هذا الكلام، افتقدت حديثي الشهري مع سعيد الحلاق، وبدلا منه خضت حوارا ساخنا مع شاب إخواني متحمس كان ينتظر دوره، ولكن في لحظات بعينها بدا وكأنه سيقوم ويطيح بسعيد ويتناول منه المقص والأمواس ويستكمل الحوار معي باستخدامهم، ولكن الله سلّم وتلطف الحوار قرب نهايته، قبل أن يسلّم الشاب رأسه لسعيد الذي جاملني وانا أرحل مؤكدا أنه سيصوّت مثلي لعبد المنعم أبو الفتوح، للأسباب غير الحماسية التي ذكرتها له وراقت له وراق له انحيازي مع عدم حماسي. سعيد هو الآخر حبيب قلبي، ربما أكثر من كارل بوبر.



علّقت يافطة تأييد أبو الفتوح في بلكونة غرفتي في بيت أمي وأبي، لأن زوجتي ليست متحمسة لتأييد أي مرشح وفشلنا في التوافق حول موقف موحد من انتخابات الرئاسة فقررنا تعليق اليافطة هناك وتعليق موقف بلكونتنا إلى حين.
ولكن الثورة مستمرة.