22 August 2008

نصف عين


بنصف عين، قرأ سائق التاكسي معي عناوين تغطية حريق البرلمان في الصفحة الأولى من"البديل"، ثم وضع يده بكل ثقة على عنوان: "االحريق يلتهم ملفات ضحايا العبارة وأكياس الدم والمبيدات المسرطنة وقطار الصعيد" وقال:" هو دا الموضوع" وغمز بعينه يعني: اكتشفنا الأمر!
"البديل" صدرت أمس الخميس بنفس العنوان المشكلة الذي يعتقد أنه سبب "التعليمات الأمنية " التي كانت بدورها سبب رفض مطابع "الأهرام" طبع الطبعة الثانية من عدد الأربعاء.
وهو ما يعني عدة احتمالات، إما أن الأنباء عن التعليمات الأمنية لم تكن دقيقة، أو أن هذه التعليمات كانت تبريرا لرقابة ذاتية مارستها المطبعة، أو أن التعليمات لم ترد تصعيد الأمر في هذه اللحظة لتثار قضية منع جريدة من الصدور. وربما كان الأمر سببه السلوك المتكرر لمطابع الأهرام والضائق بـ"البديل" بشكل عام، بحسب تصريحات مسئوليها عن تكرار تأخر صدور الجريدة ، أو أن الأمر يندرج تحت ما يسمى بـ"حروب التوزيع" بين الصحف المستقلة.
ولكن فيما يتعلق بالعنوان نفسه، فالعنوان حرفيا يقول أن ملفات لهذه القضايا أكلتها النيران التي أصابت مقر لجان النقل والصحة والزراعة، وهو ما يحتمل وقوعه ولكن لم تؤكده مصادر بحسب ما قرأت. بالإضافة إلى أن ما يوحي به العنوان، وما يوحي وضعه كثاني عنوان في الصفحة الأولى، هو الإشارة إلى ضياع هذه الملفات وفقدانها نتيجة لذلك، وهو ما يجعل الأمر خطرا وهاما ويبرر إبرازه. وهو ما يبتعد عن الدقة في رأيي، خاصة وأن عدد الخميس نفسه تضمن تصريحات لبرلمانين أكدوا أن الملفات محفوظة في مكان لم تصل إليه النيران، بالإضافة لوجود نسخ من هذه الملفات في مبنى آخر.
ولكن مهما كان الأمر، فأعتقد أن إعاقة طباعة "البديل" لا خلاف على إدانتها ورفضها، فقبول عدم طباعة الجريدة بسبب عنوان رأته المطبعة أو الجهات الأمنية غير مناسب، هو قبول لرقابتهما – التي لا نفتقدها كثيرا - على الإعلام.
كما أعتقد أيضا أنه مهما كانت الحكومة سيئة، فليس هذا مبررا كافيا لحديث الناس بيقين عن تعمد ما بغرض إعدام ملفات القضايا الشائكة. فالإهمال والفوضى سيدا الموقف. ولكن سائق التاكسي لم يبد له ذلك مقنعا، إلا يعدما ذكرته أنه أيضا يتمم شكليا إجراءات الأمن والسلامة وأنه طلب مني التظاهر بربط الحزام عند اقترابنا من لجنة مرور، وذكرته أنه التفت عن الانتباه للطريق عدة مرات لكي يقرأ معي الجريدة. لذا فإنه اقتنع في النهاية أنني يجب أن أتهمه، إن وقعت حادثة، بالإهمال لا بالتآمر لقتلي. ولكن ما فشلت في إقناعه به هو أن الإهمال شيء مشين، وأنه مختلف عن الصدفة والقضاء والقدر. لأنه حاول بعدها بدقائق مدفوعا بقناعته الجديدة اختصار طريق بالسير عكس الاتجاه، وكدت أتهمه بالتآمر من أجل قتلي، ولكن قدر الله ولطف.

20 August 2008

طبعة "البديل" الممنوعة




من "البديل":

الأهرام تعترض على عناوين الطبعة الثانية من الجريدة التي تناولت حريق مجلسي الشعب والشورى .. و "البديل " تنشر الطبعة الممنوعة إلكترونيا
عناوين الطبعة الممنوعة :
حريق هائل يدمر مبنى اللجان بمجلسي الشعب والشورى في أقل من ساعتين
النيرات التهمت ملفات العبارة و أكياس الدم الفاسدة و المبيدات المسرطنة وقطار الصعيد
• اصابة العشرات من المواطنين .. وطائرات من القوات المسلحة لإطفاء الحريق بعد فشل الدفاع المدني
• الأمن يمنع الصحفيين من تغطيه الحادث .. و أمين شرطة يعتدي على مصور " البديل " ويحتجزه داخل المبنى و يحطم الكاميرا
• العاملون بالإدارة الهندسية يشتبكون مع أمن المبنى لمنعهم من الدخول قبل الحريق .. واللواء فؤاد علام يرجح أن يكون الحريق بفعل فاعل
• شطايا لهب تتطاير من المبنى إلى المنطقة المجاورة .. و شهود عيان يقولون أنها أدت إلى إشتعال النيران في عدد من المنازل القريبة
• إنفجارات متتالية تصيب المواطنين بالذعر .. و 40 سيارة إطفاء تفشل في السيطرة على الحريق لمدة 5 ساعات
• خبراء : الحريق كشف مفشل منظومة مواجهة الكوارث في مصر ..و القاء المياة من الطائرات السبب في تصدع المبنى

امتنعت مطابع الأهرام بالسادس من اكتوبر عن طبع الطبعة الثانية من جريدة " البديل " اليومية و التي كان من المفترض أن تصدر فجر اليوم مع تغطية شاملة لحريق مجلسي الشعب و الشورى الذي اندلع وقت مثول الطبعة الأولى من " البديل " للطبع .
و كانت " البديل " قد عنونت صفحتها الرئيسية في الطبعة الثانية بالعناوين التالية " حريق ضخم بمبنى اللجان بمجلس الشوري يتمد إلى مجلس الشعب " و " النيران التهمت مستندات العبارة و قطار الصعيد و المبيدات المسرطنة و أكياس الدم الفاسدة " . وكانت قوات الأمن قد احتجزت مصور الجريدة و حطمته الكاميرا الخاصة به أثناء تغطيه للحادث المروع . كما حصلت " البديل " على صور خاصة توضح مراحل تطور الحريق وافردت لها الصفحتين الأولى والأخيرة من الطبعة الثانية وهو الأمر الذي ازعج المسئولين في مطابع الأهرام الحكومية الذين امتنعوا عن طبع الطبعة الثانية بحجة عدم وجود أمر طبع و رفضوا استكمال الكمية المتبقية من الطبعة الأولى .
وقال مسئولون بإدارة الجريدة أن " مطابع الأهرام دأبت على مخالفة شروط التعاقد بما يضر بمصالح " البديل " فرغم أن العقد بين الجريدة و المطابع ينص على وصول الجريدة إلى المطابع في موعد أقصاه 6.30 مساء على أن يبدأ التوزيع في الأسواق في الساعة 8 من مساء نفس اليوم . ورغم أن الجريدة حرصت دوما على ارسال المادة للمطابع قبل الموعد المحدد بأكثر من ساعة إلا أن المطابع تتعمد تأخير الجريدة كما حدث في عدد الثلاثاء 19 أغطسطس الحالي حيث أخرت الأهرام طباعة " البديل " لأكثر من ساعتين بعد أن عنونت الجريدة صفحتها الرئيسية بالعنوان التالي " افراح في باكستان بعد استقالة الرئيس .. و سياسيون مصريون : عقبال عندنا " وهو ما اعتبره المسئولون سببا لعدم طباعة الطبعة الثانية أمس أيضا . و اكد المسئولون أن تأخر مطابع الأهرام تسبب في تعطيل توزيع الجريدة في محافظات الصعيد لفترات طويلة أمتدت لأسابيع "
و أضاف مسئولون في " البديل " أن " الجريدة أرسلت أكثر من فاكس لمطابع الأهرام لتحثها على طباعة الكمية المتفق عليها في الطبعة الأولى و الثانية . لكن الأهرام رفضت استكمال الطبعة الأولى و وامتنعت عن طبع الطبعة الثانية بالكامل "
من ناحية أخرى كانت " البديل " قد جمعت في طبعتها الثانية أراء العديد من الخبراء حول حريق المجلسين النيابيين . وناقشت الجريدة في طبعتها الثانية مسألة " احتراق مباني أثرية تمثل رموز سيادة الدولة و فشل قوات الدفاع المدني و الجهات السيادية في السيطرة على النيرات حتى وقت متأخر من مساء يوم الحريق " كما تسائلت " البديل" في طبعتها الممنوعة عن مصير مستندات العبارة السلام 98 خاصة بعد حكم القضاء ببراءة المتهمين جميعا فضلا عن مصير ملفات أكياس الدم الملوثة و قطار الصعيد المحترق و المبيدات المسرطنة التي أدان القضاء فيها مسئولين كبار بالدولة . وكانت هذه المستندات محفوظة في المباني التي دمرها الحريق نهائيا .

منع الطبعة الثانية من "البديل" بسبب عناوين تغطية حريق مجلسي الشعب والشورى


- من مانشيتات الطبعة الثانية : "احتراق مستندات عبارة الموت وقطار الصعيد والمبيدات المسرطنة في الحادث"
- ومطابع "الأهرام" تعترض وترفض طباعتها بسبب "تعليمات أمنية مشددة"
- "البديل" تنشر خلال ساعات نسختها الإلكترونية

من "البديل" - أحمد محجوب:

امتنعت مطابع الأهرام بالسادس من اكتوبر عن طبع الطبعة الثانية من جريدة " البديل " اليومية و التي كان من المفترض أن تصدر فجر اليوم مع تغطية شاملة لحريق مجلسي الشورى والشعب الذي اندلع وقت مثول الطبعة الأولى من " البديل " للطبع .

و كانت " البديل " قد عنونت صفحتها الرئيسية في الطبعة الثانية بالعناوين التالية " حريق ضخم بمبنى اللجان بمجلس الشوري يتمد إلى مجلس الشعب " و " احتراق مستندات عبارة الموت و قطار الصعيد و المبيدات المسرطنة في الحادث " . وكانت قوات الأمن قد احتجزت مصور الجريدة طارق جبر وحطمته الكاميرا الخاصة به أثناء تغطيه للحادث المروع . كما حصلت " البديل " على صور خاصة توضح مراحل تطور الحريق وافردت لها الصفحتين الأولى والأخيرة من الطبعة الثانية وهو الأمر الذي ازعج المسئولين في مطابع الأهرام الحكومية الذين امتنعوا عن طبع الطبعة الثانية من الجريدة وقلصوا عدد الطبعة الاولى المرسلة للمطابع منذ الخامسة عصرا بدعوى صدور تعليمات أمنية مشددة.

من ناحية أخرى كانت " البديل " قد جمعت في طبعتها الثانية أراء العديد من الخبراء حول حريق المجلسين النيابيين . وناقشت الجريدة في طبعتها الثانية مسألة " احتراق مباني أثرية تمثل رموز سيادة الدولة و فشل قوات الدفاع المدني و الجهات السيادية في السيطرة على النيرات حتى وقت متأخر من مساء يوم الحريق " كما تسائلت " البديل" في طبعتها الممنوعة عن مصير مستندات العبارة السلام 98 خاصة بعد حكم القضاء ببراءة المتهمين جميعا فضلا عن مصير ملفات أكياس الدم الملوثة و قطار الصعيد المحترق و المبيدات المسرطنة التي أدان القضاء فيها مسئولين كبار بالدولة . وكانت هذه المستندات محفوظة في المباني التي دمرها الحريق نهائيا .

تنشر " البديل " طبعتها الثانية في صورتها الالكترونية – على هيئة ملفات pdf – تشمل صور الحريق بمراحلة المتعددة وتغطية شاملة عن الخسائر في الأرواح والممتلكات والمستندات . كما تضم الطبعة الثانية أخبارا عن احتجاجات عمالية وشعبية في العديد من قرى مصر .

وكانت البديل في طبعتها الاولى قد افردت " المانشيت " الرئيسي لسلسلة المظاهرات التي اجتاحت مدن وقرى الصعيد والدلتا احتجاجا على سوء إدارة أزمات المرور والمياة وبعض المطالب الفئوية.

يرجى مراسلة البديل على العنوان التالي للحصول على المزيد من التفاصيل
elbadeel@elbadeel.net

15 August 2008

في حضرة الهباب

لم تدعني زميلتي في جريدة "البديل" لحضور "حفل خلع حجابها"، كما أني لم أسمع به أو ألحظه، ومن زار "البديل" يعرف جيدا أن مقرها شقة ليست بالمترامية الأطراف .. ولكن لم يمنعني كل هذا من أن أكذب عيني وسمعي وأصدق "المصريون". بل لم أصدق أيضا تكذيب الزميلة نفسها في تقرير "العربية"، بعد أن أصبح حجابها قضية دولية.
لقد اختبرت مصداقية "المصريون" بنفسي، وفي عدة مناسبات. أهمها وأبلغها عندما ثار الجدل حول فيلم "الأسانسير" الذي شاهدته وكتبت عنه. وما بدا لي على الشاشة أن الفيلم لم يكن به سوى ممثلة وحيدة تقوم بدور فتاة محجبة يتعطل الأسانسير وهي بداخله ولا تجد من يساعدها، فتستسلم للأمر وتجلس وتفك إيشاربها وتلهو بمحتويات حقيبتها ثم تجاري شابا يحاول الاتصال بها مرارا وتدردش معه قليلا إلى أن ينفذ رصيده وينتهى الأمر. ورغم ذلك فإنني لم أبادر بتكذيب "المصريون" التي نشرت أن الفيلم يضم مشاهد إباحية بين شاب وفتاة تخلع حجابها في الأسانسير. بل أرسلت إلى مسئول أعرفه في الجريدة وأخبرته بما شاهدته، فما كان منه إلا أن ذكرني أن مؤسسة الجزويت الكاثوليكية اشتركت في إنتاجه، وأن ذلك لن يكون بلا معنى، كما أنه يثق في محرر الجريدة ويعيذني من أن تغيرا في مرجعيتي وثقافتي هو الذي جعلني لا أرى ما يمس الإسلام والمسلمين والمسلمات وحجابهن.
لم أعرف تحديدا كيف ستحول مرجعيتي وثقافتي بيني وبين رؤية هذا الشاب وهذه المشاهد الإباحية. ولكن بعد احتدام الجدل حول الأمر، وكان الظاهر من الأمر أن "المصريون" في وضع حرج لأن أحدا غيرها لم يشاهد الشاب والمشاهد الإباحية في الفيلم القصير، كانت المفاجأة..
نشرت "المصريون" تقريرا يقول أن نسخة الفيلم التي شاهدها كل الناس في المركز الفرنسي وفي ساقية الصاوي وفي أماكن عدة أخرى، ليست هي النسخة التي عرضت في أقبية الجزويت الخاصة التي يكاد فيها للإسلام بليل. ولك أن تتخيل كيف وصل الحال بمتآمري الجزويت إلى صنع نسختين من فيلم، واحدة لتشيد بها الصحف وتحصل على الجوائز، وواحدة يعرضونها فيما بينهم ويضحكون ضحكتهم الشريرة تشفيا في الإسلام وفي السذج الذين يمدحون النسخة الأخرى.
وبهذا الكشف المبين، أسقط في يد الجميع ورفعوا قبعاتهم احتراما للجريدة المطلعة على الأسرار والخبايا، والتي لا يرقى شك إلى مستواها المهني الصحفي كما يظهر في هذا الخبر وذاك.
لا يخفى على الملاحظة بالطبع، أن تقريري "الأسانسير" و"حفلات خلع الحجاب" يتعلقان بالحجاب، وهو الأمر الذي لا يمكن الهزل بشأنه. فهو من ناحية يحظى بحساسية خاصة عند محرري الجريدة، كما أنه من المعلوم من الواقع بالضرورة أن حربا على الحجاب هي جزء من حرب كبيرة على الإسلام تدور رحاها، وإدراك هذه الحرب الشاملة يغني عن أي إثبات أو تثبت من صحة وقوع جولات منها هنا وهناك. وهذا ما يفسر أيضا مسارعة صحف ومواقع بنقل تقارير "المصريون"، فبالإضافة لمصداقية الجريدة التي لا أشك فيها، فإن تورط مؤسسة مسيحية أو جريدة يسارية في مؤامرة على الإسلام هو أمر منطقي وفقا لمنطق المؤامرة المعروف. وعند "المصريون" ومن تبعها فإن المنطقي حقيقي وليس العكس، وهو ما لا يمكن أن أناقشه لأنني رسبت في المنطق، والعاقبة عندكم في المسرات.

13 August 2008

للحياة قال: على مهلك..انتظريني


محمود درويش يلقي قصيدة " لاعب النرد" في أمسيته الأخيرة برام الله



,,مَنْ أَنا لأقول لكمْ
ما أَقول لكمْ ؟
وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ
فأصبح وجهاً
ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ
فأصبح ناياً ...

أَنا لاعب النَرْدِ ،
أَربح حيناً وأَخسر حيناً
أَنا مثلكمْ
أَو أَقلُّ قليلاً ...
وُلدتُ إلي جانب البئرِ
والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ
وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ
وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً
وانتميتُ إلي عائلةْ
مصادفَةً ،
ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ
وأَمراضها :

أَولاً - خَلَلاً في شرايينها
وضغطَ دمٍ مرتفعْ
ثانياً - خجلاً في مخاطبة الأمِّ والأَبِ
والجدَّة - الشجرةْ
ثالثاً - أَملاً في الشفاء من الانفلونزا
بفنجان بابونج ٍ ساخن ٍ
رابعاً - كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة

خامساً - مللاً في ليالي الشتاءْ
سادساً - فشلاً فادحاً في الغناءْ ...

ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ
كانت مصادفةً أَن أكونْ
ذَكَراً ...
ومصادفةً أَن أَري قمراً
شاحباً مثل ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات
ولم أَجتهد
كي أَجدْ
شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !

كان يمكن أن لا أكونْ
كان يمكن أن لا يكون أَبي
قد تزوَّج أُمي مصادفةً
أَو أكونْ
مثل أُختي التي صرخت ثم ماتت
ولم تنتبه
إلي أَنها وُلدت ساعةً واحدةْ
ولم تعرف الوالدة ْ ...
أَو : كَبَيْض حَمَامٍ تكسَّرَ
قبل انبلاج فِراخ الحمام من الكِلْسِ /

كانت مصادفة أَن أكون
أنا الحيّ في حادث الباصِ
حيث تأخَّرْتُ عن رحلتي المدرسيّة ْ
لأني نسيتُ الوجود وأَحواله
عندما كنت أَقرأ في الليل قصَّةَ حُبٍّ
تَقمَّصْتُ دور المؤلف فيها
ودورَ الحبيب - الضحيَّة ْ
فكنتُ شهيد الهوي في الروايةِ
والحيَّ في حادث السيرِ /

لا دور لي في المزاح مع البحرِ
لكنني وَلَدٌ طائشٌ
من هُواة التسكّع في جاذبيّة ماءٍ
ينادي : تعال إليّْ !
ولا دور لي في النجاة من البحرِ
أَنْقَذَني نورسٌ آدميٌّ
رأي الموج يصطادني ويشلُّ يديّْ

كان يمكن أَلاَّ أكون مُصاباً
بجنِّ المُعَلَّقة الجاهليّةِ
لو أَن بوَّابة الدار كانت شماليّةً
لا تطلُّ علي البحرِ
لو أَن دوريّةَ الجيش لم تر نار القري
تخبز الليلَ
لو أَن خمسة عشر شهيداً
أَعادوا بناء المتاريسِ
لو أَن ذاك المكان الزراعيَّ لم ينكسرْ
رُبَّما صرتُ زيتونةً
أو مُعَلِّم جغرافيا
أو خبيراً بمملكة النمل
أو حارساً للصدي !

مَنْ أنا لأقول لكم
ما أقول لكم
عند باب الكنيسةْ
ولستُ سوي رمية النرد
ما بين مُفْتَرِس ٍ وفريسةْ
ربحت مزيداً من الصحو
لا لأكون سعيداً بليلتيَ المقمرةْ
بل لكي أَشهد المجزرةْ

نجوتُ مصادفةً : كُنْتُ أَصغرَ من هَدَف عسكريّ
وأكبرَ من نحلة تتنقل بين زهور السياجْ
وخفتُ كثيراً علي إخوتي وأَبي
وخفتُ علي زَمَن ٍ من زجاجْ
وخفتُ علي قطتي وعلي أَرنبي
وعلي قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العاليةْ
وخفت علي عِنَبِ الداليةْ
يتدلّي كأثداء كلبتنا ...
ومشي الخوفُ بي ومشيت بهِ
حافياً ، ناسياً ذكرياتي الصغيرة عما أُريدُ
من الغد - لا وقت للغد -

أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ / أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أُسرعُ / أُبطئ / أهوي / أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أري / لا أري / أتعثَّرُ / أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ / أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسي / أري / لا أري / أتذكَّرُ / أَسمعُ / أُبصرُ / أهذي / أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أُجنّ / أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أُدْمَي / ويغمي عليّ /

ومن حسن حظّيَ أن الذئاب اختفت من هناك
مُصَادفةً ، أو هروباً من الجيش ِ /

لا دور لي في حياتي
سوي أَنني ،
عندما عَـلَّمتني تراتيلها ،
قلتُ : هل من مزيد ؟
وأَوقدتُ قنديلها
ثم حاولتُ تعديلها ...

كان يمكن أن لا أكون سُنُونُوَّةً
لو أرادت لِيَ الريحُ ذلك ،
والريح حظُّ المسافرِ ...
شمألتُ ، شرَّقتُ ، غَرَّبتُ
أما الجنوب فكان قصياً عصيّاً عليَّ
لأن الجنوب بلادي
فصرتُ مجاز سُنُونُوَّةٍ لأحلِّق فوق حطامي
ربيعاً خريفاً ..
أُعمِّدُ ريشي بغيم البحيرةِ
ثم أُطيل سلامي
علي الناصريِّ الذي لا يموتُ
لأن به نَفَسَ الله
والله حظُّ النبيّ ...

ومن حسن حظّيَ أَنيَ جارُ الأُلوهةِ ...
من سوء حظّيَ أَن الصليب
هو السُلَّمُ الأزليُّ إلي غدنا !

مَنْ أَنا لأقول لكم
ما أقولُ لكم ،
مَنْ أنا ؟

كان يمكن أن لا يحالفني الوحيُ
والوحي حظُّ الوحيدين
إنَّ القصيدة رَمْيَةُ نَرْدٍ
علي رُقْعَةٍ من ظلامْ
تشعُّ ، وقد لا تشعُّ
فيهوي الكلامْ
كريش علي الرملِ /

لا دَوْرَ لي في القصيدة
غيرُ امتثالي لإيقاعها :
حركاتِ الأحاسيس حسّاً يعدِّل حساً
وحَدْساً يُنَزِّلُ معني
وغيبوبة في صدي الكلمات
وصورة نفسي التي انتقلت
من أَنايَ إلي غيرها
واعتمادي علي نَفَسِي
وحنيني إلي النبعِ /

لا دور لي في القصيدة إلاَّ
إذا انقطع الوحيُ
والوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهدْ

كان يمكن ألاَّ أُحبّ الفتاة التي
سألتني : كمِ الساعةُ الآنَ ؟
لو لم أَكن في طريقي إلي السينما ...
كان يمكن ألاَّ تكون خلاسيّةً مثلما
هي ، أو خاطراً غامقاً مبهما ...

هكذا تولد الكلماتُ . أُدرِّبُ قلبي
علي الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ ...
صوفيَّةٌ مفرداتي . وحسِّيَّةٌ رغباتي
ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّ
إذا التقتِ الاثنتان ِ :
أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ
يا حُبّ ! ما أَنت ؟ كم أنتَ أنتَ
ولا أنتَ . يا حبّ ! هُبَّ علينا
عواصفَ رعديّةً كي نصير إلي ما تحبّ
لنا من حلول السماويِّ في الجسديّ .
وذُبْ في مصبّ يفيض من الجانبين .
فأنت - وإن كنت تظهر أَو تَتَبطَّنُ -
لا شكل لك
ونحن نحبك حين نحبُّ مصادفةً
أَنت حظّ المساكين /

من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراً
من الموت حبّاً
ومن حُسْن حظّي أنيَ ما زلت هشاً
لأدخل في التجربةْ !

يقول المحبُّ المجرِّبُ في سرِّه :
هو الحبُّ كذبتنا الصادقةْ
فتسمعه العاشقةْ
وتقول : هو الحبّ ، يأتي ويذهبُ
كالبرق والصاعقة

للحياة أقول : علي مهلك ، انتظريني
إلي أن تجفُّ الثُمَالَةُ في قَدَحي ...
في الحديقة وردٌ مشاع ، ولا يستطيع الهواءُ
الفكاكَ من الوردةِ /
انتظريني لئلاَّ تفرَّ العنادلُ مِنِّي
فاُخطئ في اللحنِ /
في الساحة المنشدون يَشُدُّون أوتار آلاتهمْ
لنشيد الوداع . علي مَهْلِكِ اختصريني
لئلاَّ يطول النشيد ، فينقطع النبرُ بين المطالع ،
وَهْيَ ثنائيَّةٌ والختامِ الأُحاديّ :
تحيا الحياة !
علي رسلك احتضنيني لئلاَّ تبعثرني الريحُ /

حتي علي الريح ، لا أستطيع الفكاك
من الأبجدية /

لولا وقوفي علي جَبَل ٍ
لفرحتُ بصومعة النسر : لا ضوء أَعلي !
ولكنَّ مجداً كهذا المُتوَّجِ بالذهب الأزرق اللانهائيِّ
صعبُ الزيارة : يبقي الوحيدُ هناك وحيداً
ولا يستطيع النزول علي قدميه
فلا النسر يمشي
ولا البشريُّ يطير
فيا لك من قمَّة تشبه الهاوية
أنت يا عزلة الجبل العالية !

ليس لي أيُّ دور بما كُنْتُ
أو سأكونْ ...
هو الحظُّ . والحظ لا اسم لَهُ
قد نُسَمِّيه حدَّادَ أَقدارنا
أو نُسَمِّيه ساعي بريد السماء
نُسَمِّيه نجَّارَ تَخْتِ الوليد ونعشِ الفقيد
نسمّيه خادم آلهة في أساطيرَ
نحن الذين كتبنا النصوص لهم
واختبأنا وراء الأولمب ...
فصدَّقهم باعةُ الخزف الجائعون
وكَذَّبَنا سادةُ الذهب المتخمون
ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال
هو الواقعيُّ علي خشبات المسارح ِ /

خلف الكواليس يختلف الأَمرُ
ليس السؤال : متي ؟
بل : لماذا ؟ وكيف ؟ وَمَنْ

مَنْ أنا لأقول لكم
ما أقول لكم ؟

كان يمكن أن لا أكون
وأن تقع القافلةْ
في كمين ، وأن تنقص العائلةْ
ولداً ،
هو هذا الذي يكتب الآن هذي القصيدةَ
حرفاً فحرفاً ، ونزفاً ونزفاً
علي هذه الكنبةْ
بدمٍ أسود اللون ، لا هو حبر الغراب
ولا صوتُهُ ،
بل هو الليل مُعْتَصراً كُلّه
قطرةً قطرةً ، بيد الحظِّ والموهبةْ

كان يمكن أن يربح الشعرُ أكثرَ لو
لم يكن هو ، لا غيره ، هُدْهُداً
فوق فُوَهَّة الهاويةْ
ربما قال : لو كنتُ غيري
لصرتُ أنا، مرَّةً ثانيةْ

هكذا أَتحايل : نرسيس ليس جميلاً
كما ظنّ . لكن صُنَّاعَهُ
ورَّطوهُ بمرآته . فأطال تأمُّلَهُ
في الهواء المقَطَّر بالماء ...
لو كان في وسعه أن يري غيره
لأحبَّ فتاةً تحملق فيه ،
وتنسي الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان ...
ولو كان أَذكي قليلاً
لحطَّم مرآتَهُ
ورأي كم هو الآخرون ...
ولو كان حُرّاً لما صار أُسطورةً ...

والسرابُ كتابُ المسافر في البيد ...
لولاه ، لولا السراب ، لما واصل السيرَ
بحثاً عن الماء . هذا سحاب - يقول
ويحمل إبريق آماله بِيَدٍ وبأخري
يشدُّ علي خصره . ويدقُّ خطاه علي الرمل ِ
كي يجمع الغيم في حُفْرةٍ . والسراب يناديه
يُغْويه ، يخدعه ، ثم يرفعه فوق : إقرأ
إذا ما استطعتَ القراءةَ . واكتبْ إذا
ما استطعت الكتابة . يقرأ : ماء ، وماء ، وماء .
ويكتب سطراً علي الرمل : لولا السراب
لما كنت حيّاً إلي الآن /

من حسن حظِّ المسافر أن الأملْ
توأمُ اليأس ، أو شعرُهُ المرتجل

حين تبدو السماءُ رماديّةً
وأَري وردة نَتَأَتْ فجأةً
من شقوق جدارْ
لا أقول : السماء رماديّةٌ
بل أطيل التفرُّس في وردةٍ
وأَقول لها : يا له من نهارْ !

ولاثنين من أصدقائي أقول علي مدخل الليل :
إن كان لا بُدَّ من حُلُم ، فليكُنْ
مثلنا ... وبسيطاً
كأنْ : نَتَعَشَّي معاً بعد يَوْمَيْنِ
نحن الثلاثة ،
مُحْتَفلين بصدق النبوءة في حُلْمنا
وبأنَّ الثلاثة لم ينقصوا واحداً
منذ يومين ،
فلنحتفل بسوناتا القمرْ
وتسامُحِ موت رآنا معاً سعداء
فغضَّ النظرْ !

لا أَقول : الحياة بعيداً هناك حقيقيَّةٌ
وخياليَّةُ الأمكنةْ
بل أقول : الحياة ، هنا ، ممكنةْ

ومصادفةً ، صارت الأرض أرضاً مُقَدَّسَةً
لا لأنَّ بحيراتها ورباها وأشجارها
نسخةٌ عن فراديس علويَّةٍ
بل لأن نبيّاً تمشَّي هناك
وصلَّي علي صخرة فبكتْ
وهوي التلُّ من خشية الله
مُغْميً عليه

ومصادفةً ، صار منحدر الحقل في بَلَدٍ
متحفاً للهباء ...
لأن ألوفاً من الجند ماتت هناك
من الجانبين ، دفاعاً عن القائِدَيْنِ اللذين
يقولان : هيّا . وينتظران الغنائمَ في
خيمتين حريرَيتَين من الجهتين ...
يموت الجنود مراراً ولا يعلمون
إلي الآن مَنْ كان منتصراً !

ومصادفةً ، عاش بعض الرواة وقالوا :
لو انتصر الآخرون علي الآخرين
لكانت لتاريخنا البشريّ عناوينُ أُخري

أُحبك خضراءَ . يا أرضُ خضراءَ . تُفَّاحَةً
تتموَّج في الضوء والماء . خضراء . ليلُكِ
أَخضر . فجرك أَخضر . فلتزرعيني برفق...
برفق ِ يَدِ الأم ، في حفنة من هواء .
أَنا بذرة من بذورك خضراء ... /

تلك القصيدة ليس لها شاعر واحدٌ
كان يمكن ألا تكون غنائيَّةَ ...

من أنا لأقول لكم
ما أَقول لكم ؟
كان يمكن أَلاَّ أكون أَنا مَنْ أَنا
كان يمكن أَلاَّ أكون هنا ...

كان يمكن أَن تسقط الطائرةْ
بي صباحاً ،
ومن حسن حظّيَ أَني نَؤُوم الضحي
فتأخَّرْتُ عن موعد الطائرةْ
كان يمكن أَلاَّ أري الشام والقاهرةْ
ولا متحف اللوفر ، والمدن الساحرةْ

كان يمكن ، لو كنت أَبطأَ في المشي ،
أَن تقطع البندقيّةُ ظلِّي
عن الأرزة الساهرةْ

كان يمكن ، لو كنتُ أَسرع في المشي ،
أَن أَتشظّي
وأصبح خاطرةً عابرةْ

كان يمكن ، لو كُنْتُ أَسرف في الحلم ،
أَن أَفقد الذاكرة .

ومن حسن حظِّيَ أَني أنام وحيداً
فأصغي إلي جسدي
وأُصدِّقُ موهبتي في اكتشاف الألمْ
فأنادي الطبيب، قُبَيل الوفاة، بعشر دقائق
عشر دقائق تكفي لأحيا مُصَادَفَةً
وأُخيِّب ظنّ العدم

مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم ؟
مَنْ أنا ؟ مَنْ أنا ؟
،،

10 August 2008

لا الرحلةُ ابتدأتْ ولا الدربُ انتهى




لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى
لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ
كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ
ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ،
فلنذهب إلى أَعلى الجداريات ...


08 August 2008

"عيش اللحظة"


قطب سائق التاكسي جبينه وهز رأسه في استنكار وهو ينظر لشرطي مرور يحرر مخالفة لسائق موتوسيكل.. "أغبيا .. مش عارفين إننا في أول أسبوع من تطبيق قانون المرور الجديد! .. اللي راكب موتوسيكل من غير خوذة .. واللي ماشي من غير رخصة .. سبحان الله.. شعب عجيب والله يا أستاذ".

ولما سألته لم لا يوجد حزام أمان للكرسي المجاور له، ابتسم فجأة وضاقت عيناه وهو يقترب برأسه مني "يا باشمندس.. خليها على الله .. أنا ماشي بقالي أسبوع ماحدش كلمني ...هاها".

أعطيته 10 جنيهات وأنا أهم بالنزول، فقطب جبينه مرة أخرى وهو يقول مستنكرا "لا يا بيه، ما ينفعش... 5 جنيه كمان"، نزلت وأغلقت الباب وأنا أقول له، وكان قد خفض رأسه قليلا ليراني من شباك السيارة " لا يا معلم، كده كويس .. ده أنت حتى يا راجل حرمتني من متعة الحزام". تحول ثانية إلى الابتسام وضاقت عيناه وهو يقول متهللا "ماشي يا باشا.. نهارك زيّ الفل".



-الصورة من Oleg Storozhenko