اللحظات القليلة مع مالك علي مقهي ممر " أفتر إيت after eight " بوسط البلد هي وحدها التي سارت في الاتجاه المعاكس ليوم أمس الحزين .
مالك صمد في قسم الخليفة رافضا الترحيل مكبلا بالأغلال, يده إلي يد حارس يسافر به إلي الإسكندرية , ليطوف به دورة إذلال بين القسم التابع له و مديريات الأمن و أمن الدولة قبل أن يفرج عنه .
تم ترحيل محمد عادل و محمد عبد اللطيف إلي المنصورة بعدما لم يستطيعا الصمود طويلا أمام الضرب المبرح الذي تعرضا له و الذي شارك فيه كل زبانية قسم الخليفة البواسل .
مالك صمد حتي النهاية , حتي ملوا من مقاومته و عناده و ألقوا بأمتعته علي الرصيف أمام القسم و طردوه .
مالك كان صلبا و مرحا . و بدا مختلفا في ملابس السجن البيضاء و الشعر القصير .
كان يحكي عن المواقف العنيفة التي تعرض لها بالداخل و في يده الشيشة و في عينيه بريق التجربة و المغامرة , لا أثر للخوف أو الألم .. فقط دمعت عيناه و صمت قليلا و هو يروي مشاهدا لمعتقلين إسلاميين رآها في لاظوغلي قبل ترحيله لقسم الخليفة .. سيحكيها لاحقا بالتأكيد .
لم تمر دقائق و أنا و رضوي معه , حتي جاءنا نبأ الاعتداء علي الشرقاوي في شارع معروف و اختطافه ثم بعدها بفترة قصيرة نبأ اختطاف كريم الشاعر و الاعتداء علي دينا سمك و تحطيم سيارتها التي أقلت كريم فيها خوفا من اعادة اختطافه بعد ما حدث للشرقاوي .
" لماذا ؟ "
قبل ساعات عانقت شرقاوي ثم كريم علي سلم نقابة الصحفيين مداعبا : " كفارة يا شباب ! "
عزيت نفسي برؤيتهما بعد الإفراج عنهما , محاولا الإفلات من الإحباط ...
عددنا كان قليلا .. لقد نجحوا عبر شهر التنكيل هذا في أن يرهبونا .. أتذكر عددنا في أول وقفة تضامنية مع القضاة , كان عددنا أكبر و رغم ذلك كنا أيضا متذمرين من قلة عددنا , نجح الشباب يومها في فك الكردون و جلسنا بعرض شارع عبد الخالق ثروت أمام نادي القضاة نغني و نهتف إلي أن عقد القضاة اجتماعهم .
أمس استغلوا قلة عددنا و قاموا بغلق الكردون و منعوا الدخول و الخروج و فوتوا علينا الوقوف مع القضاة أما دار القضاء العالي ..
كان مشهدا دالا : محمد عبد القدوس يتشاجر مع الضباط من خلف رؤوس الجنود ليسمحوا له بالخروج , قبل أن يرشوا في وجهه و وجوهنا جميعنا غازا مهيجا للأعصاب , بينما يخرج المراسلون الأجانب جوازاتهم و يمرون في ثوان ! ..... الحثالة !
الأعداد التي توجهت إلي دار القضاء العالي مباشرة , و شاركت القضاة وقفتهم , كانت قليلة هي الأخري .
بعد أن أنهي القضاة وقفتهم تمكننا من الخروج و عندها التقينا مالك علي المقهي و لحظات سعيدة قليلة قبل أن تأتي الأنباء السيئة .
أحاول أن أفهم و تتراقص في ذهني الــ " لماذا ؟ " بلا جواب .. شرقاوي كان هادئا اليوم و اكتفي برفع ورقة بها أسماء باقي المعتقلين .. و لم أره يهتف قط .. رأته رضوي يهتف مرة واحدة عندما أتي القضاة ليحيونا في محبسنا و رفعوا لنا أيديهم بعلامات النصر . كنت مشغولا بمحاولة التصوير من فوق رؤوس الجنود .
في المساء ... أكملت علي أعصابي الأنباء الأسوأ .. الاعتداء بأساليب جنسية حقيرة علي شرقاوي و الشاعر في قسم قصر النيل .. و المحامون الذين رأوهما يصفونها كالخارحين من أبي غريب ... كدمات في كل مكان من جسديهما النحيلان ... ضرب مبرح و آثار واضحة للعنف المفرط !
الحثالة !
جرح ينفتح في قلبي و ينزف حنقا و غضبا , و أنا أشاهد شرقاوي في " وثائقي المدونين " يهتف في وسط ميدان التحرير , لا أستطيع أن أدفع عن ذهني تعابير الألم و الضعف و الامتهان كما أتخيلها علي وجهه وقت الاعتداء عليه .
تتراقص أمام عيني الكلمات البذيئة لكنها تغضي حياءا أمام بذاءة الواقع .
حسنا ... وصلت رسالتكم يا حثالة البشر !
..لا كرامة هنا و لا شرف .. هنا المرور فقط لمحنيي القامة أسفل نعال أحذية الجنود الغليظة ..
احنوا رؤوسكم جميعا !
تصبحون علي بلد ...