31 October 2012

ولماذا لا تنظر معي في المرآة قبل أن نتكلم في السياسة؟

بالصدفة، وجدت صورة لي وأنا أمام مرآة وأمسك بطاقة «هويتي»، وأقوم ساخرًا بتأملهما في المرآة، البطاقة وهويتي.
كانت الصورة الساخرة مناسبة تمامًا للتعبير عن المسخرة التي حاولت أن أضعها أمام المرآة في مقالي الأخير »السجل السلفي لاستخراج بطاقات هوية مصر«، فنشرت الصورة ومعها المقال على فيس بوك.
 وكان ذلك مستفزًا بما يكفي لكي يقوم صديقي السلفي محمد إلهامي بالرد عليّ في مقال بعنوان: »عزيزي عمرو عزت لا تنظر في المرآة كثيرًا«.
أدعوكم لقراءة مقاله أولاً، ففيه صدق ووضوح وأقل قدر من المواربة في التعبير عن مراد السعي السلطوي الإسلامي السلفي.
ولكني أدعوه وإياكم، قبل أن نواصل كلامنا في السياسة، أن نعود إلى نقطة أقترحها بداية للتفكير في شؤون الاجتماع والسياسة، وهي النقطة المعاكسة تمامًا لنصيحته ألا أنظر كثيرًا في المرآة.
أدعو صديقي إلهامي أن يقف بجانبي أمام المرآة، أنا وهو فردان، لسنا متطابقين، بيننا اختلافات ولكن بيننا ملامح مشتركة، أولها بالطبع أننا نعتقد أننا ننتمي إلى نفس النوع المسمى بالإنسان.
 أنا أعتقد أنه سيكون من الأفضل تمامًا لو بدأنا التفكير في السياسة من نقطة: أننا قد لا نكون متشابهين ولكننا نعيش معًا هنا والآن. هل هناك ما يقول إنني أمتلك سلطة عليه لأجبره على شيء ما أو أحرمه من شيء ما أو أتمتع بشيء ما، بينما هو يعاني الحاجة والحرمان؟
بالنسبة لي، الإجابة: لا. ولا العكس صحيح. لماذا إذن لا نبدأ من اقتراح بسيط: أنا وأنت رغم كل الاختلافات نبدأ في العيش معًا باعتبارنا أفرادًا أحرارًا لا سلطة لأحدنا على الآخر. أليس من الأفضل أن نرتب معًا شؤون اجتماعنا وعيشنا المشترك بطريقة تسمح لنا بالتمتع معًا بهذه الحرية؟ لماذا لا يقوم عيشنا المشترك على أساس من المساواة؟ لماذا لا نستخدم هذه الموارد من حولنا بشكل يعود علينا بالنفع وبشكل لا يدع أحدنا محرومًا والآخر يتمتع بالوفرة؟
وأثناء ترتيب عيشنا المشترك لم لا نتفق على التزامات تخص مطالب العيش المشترك ولا تمس حريتنا، ولا تخل بمساواتنا في الحق في الحياة والتمتع بهذه الموارد من حولنا؟ لماذا لا نتفق على أنني مهما كان  تفكيري وسلوكي مختلفًا معك ولا يعجبك – بما لا يعتدي على شخصك أو حقوقك التي اتفقنا عليها – فإن ذلك ليس داعيًا لأن تستخدم القوة والسلطة في منعي أو تقييدي، والعكس صحيح؟
يمكنني أن أعتبر ذلك نقطة البداية والاقتراح الأساسي وراء الجهود المتصلة لأناس من أجل تحقيق عيش مشترك وحريات وحقوق مصونة في مواجهة السلطات السياسية والاجتماعية والدينية.
 ما نعرفه عن تاريخ البشرية هو أن هناك دائمًا من رأى أن لديه مبررًا للتسلط والسيطرة على غيره باسم  القوة البدنية أو العقلية أو العسكرية أو العلم والحكمة أو الأصل والعرق والعائلة أو الأغلبية العددية أو باسم رسالة وصلته من الله أو باسم إعلاء كلمه الله أو باسم تملك هذه الأرض ومن عليها أو باسم الاستعمار وبناء حضارة حديثة متقدمة أو باسم تحقيق العدالة الاجتماعية والمجتمع الشيوعي.
 ولكن كل هذه المبررات للتسلط تحتاج في النهاية إلى القوة لتحكم ولتبني سلطتها على الآخرين. إنها تعود في النهاية لسلطة القهر والقوة،
في مواجهة ذلك فإن اقتراح الحرية والمساواة ليس لديه إلا قوة جموع الناس، لكي تحاول أن تنتزع السلطة من أيدي هؤلاء المدعين ومبرراتهم، مثلما يحدث في الثورات، أو تقللها في الجهود الإصلاحية المديدة، وفي سعيها من أجل ذلك كانت فكرة «الديمقراطية». الديمقراطية كانت بالأساس استرداد مبرر السلطة إلى الناس جميعهم باعتبارهم أحرارًا ومتساوين، ويجب أن يستعيدوا السلطة التي يغتصبها فرد أو مجموعة أو طبقة تحت أي معنى.
هذه الاستعادة التي تعود بالسلطة للناس وفق الاقتراح الأساسي إن نقضته باسم رغبة الأغلبية فإنها تنصب تسلط مجموعة أخرى جديدة ولو كانت الأغلبية.
أنا شخصيًا لا أؤمن أن العدد الأكثر والأغلبية العددية يمتلكون الصواب. ما زال لا مبرر عندي للتسلط والتحكم. و«الديمقراطية» بالنسبة لي ليست إلا وسيلة وليست غاية في نفسها، بل هي، في رأيي ورأي كثيرين، أفضل النظم السيئة المعروفة لإدارة السلطة. ربما لأن بعض رغبات التسلط يمكن أن تتسلل إليها، ربما لأنها لم تطور تقاليد تضمن العدالة الاجتماعية أكثر. هي في النهاية أداة حققت تقدمًا كبيرًا على طريق الاقتراح الأساسي للحرية والمساواة، ولكن مازال هناك الكثير.
 لا بأس بالنسبة لي ولكنه ليس كفاية، لأنني في النهاية أدعو كل فرد ونفسي أن نعود إلى المرآة ليكون مدخلنا إلى السياسة ليس رغبة التحكم في البشر والتسلط عليهم، ولكن العيش معهم متذكرًا أنه لا مبرر لدي لأكون فوقهم ولا متمايزًا عنهم، ولا العكس.
ربما يكون في مقال آخر تفصيل عن السياق التاريخي للديمقراطية، وكيف أن بداخلها صراعًا بين الاقتراح الأساسي للحرية والمساواة  وبين بقايا رغبات التسلط القديمة وبذور رغبات تسلط جديدة، بعضها باسم الشعب.
 ولكني الآن سأنتقل إلى صديقي إلهامي الواقف بجانبي ينظر معي في المرآة وهو يقترح عليّ العكس من ذلك مشروعًا للتسلط اسمه «استعادة الخلافة الإسلامية»، وهو مشروع يقوم بالأساس على امتلاك المسلمين مبررًا للتسلط على غيرهم وإنفاذ ما يرونه صلاحًا لأن دينهم يأمرهم بذلك، والمسلمون هنا يقررون حدود الحقوق والحريات ويقولون للآخرين المفعول بهم: لكم ما – قررناه نحن-  لنا، وعليكم ما – قررناه نحن- علينا.
 ولكن بأي حق يقول إلهامي ذلك لي أو لغيري. إنه يتجاهل النظر في المرآة ليرى نفسه فردًا وأنا فرد وليس لأحدنا سلطة على الآخر. وفي الوقت نفسه مشروع الخلافة قام تاريخيًا على القوة والغزو كما في كل مشاريع التسلط، وذلك غير متاح حاليًا، ولذلك إنه يحدثني باعتباره «كثيرًا»، باعتباره «إسلاميًا» نظر في الواقع فرأى نفسه كثيرًا ويذكر إحصائية نسبة المسلمين في مصر، يبدأ بمبرر «الأغلبية» ليقول لي أنا أقوى منك وأكثر منك عددًا، ولذلك لي سلطة تحديد شيء اسمه «الهوية» ليدعم بها الأغلبية لتكون عنده «هوية الأغلبية».
ينحاز إلهامي هنا إلى تلك الثغرة في إجراء ديمقراطي، بينما هي حجة لا أساس لها عند من يتحدث عن «استعادة الخلافة» وهم عموم السلفيين، لصديقي إلهامي ولهم الحق طبعًا في استغلال الديمقراطية، فهي مجرد وسيلة يمكنها أن تستخدم ضد الاقتراح الأساسي الذي طالما استخدمت من أجله، ولكن التناقض هنا أن الفتح الإسلامي لمصر مثلاً لم يستند إلى هوية الأغلبية في ذلك الوقت، كانت الوسيلة هي القوة ولا شيء غيرها. وهو هنا يبحث عن أي وسيلة لاستعادة هذه القوة لكي يبرر مشروعه السلطوي.
 ولكن المشكلة أن هذه الأداة «الهوية» لا تستقيم له بالكامل، فيضطر لتحريفها إلى «هوية الأغلبية»! 
المشكلة أيضًا أن الأغلبية التي يتحدث عنها هي «كل المسلمين» في مصر، ولذلك فهو يستشهد تأييدًا لهويته التي أعارضها بتعداد طائفة تضمني! وتضم ملايين ممن يعارضون رأيه ومشروعه بوضوح من المسلمين! لا يتبقى له غير أن يقول إنني أعرف هويتهم أكثر منهم! هلّا شققت عن صدورهم وهويتهم يا صديقي؟
هناك حالة من الإنكار أن هناك تنوعًا وانقسامًا يقاوم الرغبات السلطوية الإسلامية. هذه الحالة من الإنكار لخصها ببراعة كارل بوبر في كتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» قائلا إن السعي للمجتمع الشمولي فيه حنين إلى «القبيلة» التي لها هوية واحدة وثابتة، والمشاريع الشمولية تحاول أن تتوهم تلك الهوية الصافية الثابتة وتحاول أن تقاوم تغييرها، بسبب ممارسة أفرادها لحرية الفكر والتعبير أو لتطلعهم إلى المساواة. لذلك نفهم ذعر الإسلاميين من إطلاق هذه الحريات أو إطلاق طلب المساواة، والرغبة في تقييدهم.
الجدل حول الدستور هو ببساطة جدل بين موقفين، موقف يحاول استخدام ثغرات وسوءات الديمقراطية من أجل رغبات سلطوية تدعي أشياء تخفي بها في النهاية رؤيتها لنفسها في المرآة أنها الأقوى/الأكثر ولذلك عندها مبرر للتسلط، وموقف يحاول أن يستخدم الدستور وأدوات الديمقراطية للتقدم على طريق الاقتراح الأساسي.
الاقتراح الأساسي الذي يرى الناس فيه أنفسهم في مرآة المجتمع متساوين لا سلطة لأحدهم على الآخر، وبالتالي لا احتجاج بأي قوة، بل بالرغبة في العيش متساوين.
 الاقتراح الأساسي بالحرية والمساواة الذي كان ببساطة هو الهتاف المشترك للذين نزلوا معًا إلى الشوارع  دون أن يسألوا بعضهم عن الهويات وإن كان أحدهم ينتمي إلى الأغلبية أو الأقلية. كانوا ببساطة أفرادًا متجاورين بلا سلطة فوقهم ولا تسلط بينهم يستخدمون القوة فقط وهم يقاومون سلطة جائرة ليبدأوا اجتماعهم وفق الاقتراح الأساسي الإنساني البسيط: عيش. حرية. كرامة إنسانية.
من يريدون تقويض هذا الأساس وتقييده هم فعلًا من يسرقون الثورة ويخونوها ولو كانوا ثوارًا ولو كانوا كثيرًا وأعجبتهم كثرتهم.

24 October 2012

«السجل السلفي» لاستخراج بطاقات «هوية مصر»

هناك شيعة يمثلون خطورة بالغة على الأمة، مما يستدعي تحالف الأزهر والإخوان والسلفيين لمواجهتهم، وهناك مصريون بهائيون وأحمديون وشهود يهوه يعيشون خارج النظام العام طبعة مبارك وسيظلون خارج النظام العام طبعة الإخوان، وهناك مجموعات تكره الإخوان والسلفيين كره العمى، وبعض المجموعات تبلغ بها الكراهية إلى حرق أتوبيسات الجماعة ومهاجمة مقراتها، وهناك إعلام له شعبية كبيرة يعيش على مهاجمة الإسلاميين – كما يرى الإسلاميون - وهناك مجموعات سلفية تتبنى خطابًا دينيًا يراه الأزهر مغالاة وتزايدًا، بينما ترى المجموعات السلفية أن ما يتبناه الأزهر من مذاهب الاعتقاد والتصوف هو بدعة وضلالة.
وهناك مواطنون لا يحبون كليهما أصلًا، لا تنسَ أن هناك مسيحيين من طوائف متعددة، كما أن هناك ملحدين ـ يا للهول ! - يظهرون في عزبة النخل وفي فاقوس وقبلهم في دمنهور وأسيوط، وهناك نجوم سينما يدفع الملايين ليشاهدوهم ليأتي شيخ ومعه ملايين أخرى يقفون بصورهم الفاضحة معترضين أمام المحاكم.  وبعد كل ذلك، ووسط كل هذه المعمعة، يفتح البعض فمه على اتساعها ويتحدث عن «هوية مصر» !
أعتقد أن سبب المشكلة يكمن في أن بطاقة الهوية بالنسبة لمعظم المصريين لا تعبر عنهم فعلاً. فمعظم المعلومات قديمة تحتاج لتحديث، بالإضافة إلى أن صورتهم فيها بائسة أو مضحكة وهم يعتقدون أن صورتهم بخلاف ذلك، وهو صحيح غالبًا وليس دائمًا.
ولذلك ينتشر في مصر اعتقاد أن الهوية هي شيء آخر غير ما أنت عليه الآن، هي شيء تكتبه السلطة في مكان ما ولا تعترف إلا به، باقي معلومات حياتك تحتاج لإثبات وإن لم تثبتها السلطة في بطاقة الهوية فهي لا وجود لها.
ولذلك فإن كفاح السلفيين من أجل الحفاظ على «هوية مصر» في الدستور يتمثل في محاولتهم أن يكونوا موظفي السجل المدني ـ آسف! السجل الإسلامي ـ الخاص بالسلطة الجديدة التي تكتب تلك المعلومات التي لا تتحدث بالضرورة عنا كلنا هنا الآن، والتي تضع الصورة الفوتوغرافية التي لا تضمنا كلنا بالضرورة.  وعندما يحدثه أحدهم عن كل هذا التنوع الذي يضطرب الآن ويتصادم ويتصارع فإن رده يكون: أنتم ضد الهوية!
حاولت أن أفكر كثيرًا – باعتباري واحدًا من هؤلاء - كيف أكون ضد هويتي! وهل يمكن أن يكون الموجود ضد هويته! ما مصدر هذه الهوية إذن إن لم يكن وجوده الآن وما هو عليه؟ هل هي شيء مستقر في التاريخ، أم شيء كامن في أعماق الأرض، أم هو شيء منثور في الهواء المحيط بنا، أم هو شيء مُشفر في الجينات؟
وإذا كانت هوية الجماعة ليست ما يجمعهم فعلًا، فماذا تكون؟ هل ما تعتقد الأغلبية أو من يتحدثون باسمها أنه يجب أن يكون؟ وبذلك تكون السياسة هي محاولة الأغلبية تطويع الأقلية لتوافق هويتها؟
حاولت أن أفهم مثلًا تصريحات الشيخ يونس مخيون، طبيب الأسنان وعضو التأسيسية عن حزب النور السلفي، الذي يسمي من يدافعون عن دستور آخر فيه ضمانات أوسع للحريات والحقوق ويحترم التعدد والتنوع القائم ويفتح الباب له في المستقبل، أنهم يريدون «دستورًا علمانيًا» وعليهم أن يبحثوا عن شعب آخر!  
الشيخ يونس مخيون يعتقد أن معه بطاقة هوية هذا الشعب، لا أدري أين وجدها، ولكن في هذه البطاقة الهوية واضحة، وأي معلومات وصور مختلفة عما في البطاقة هي بالتأكيد تنتمي لشعب آخر. طيب وماذا عن هؤلاء الذين يطالبون بـ«الدستور العلماني»، هل هم أشباح؟ هل رأيت بطاقاتهم يا مخيون، تأكدت أنهم ينتمون إلى هذا الشعب؟ المصيبة إن كانوا ينتمون لهذا الشعب فهم جزء من الهوية القائمة، الهوية ليست صافية إذن، هل تسمعني يا مخيون؟
قل بوضوح إن «ما يجب أن تكون هوية مصر» في رأيك «كذا»، ولكن لا تحدثني عن هوية الشعب الآن، ولا تحدثني عن الديمقراطية وأنت تريد «تثبيت» هوية الشعب. بالتأكيد أنت مثل الآباء الذين يتركون لأبنائهم حرية اختيار كلية طب الأسنان لأنهم أبناء طبيب أسنان، ولذلك فإنك تخجل من القول «هذا ما يجب أن تكون عليه هويتهم في المستقبل». هويتهم التي أقررها أنا باعتباري الأب/ الأقوى/ الأغلبية ويجب أن وأجبرهم عليها إن كانوا لا يريدونها، فتقول بدلًا من ذلك: هذه هويتهم فعلاً وأنا فقط أصونها وأحميها.
اترك البطاقة التي في يدك يا مخيون وتوقف عن النظر في  الصورة وانظر إليّ جيدًا، أنا موجود، عائلة أبي من الصعيد وعائلة أمي من الدلتا، وأسرتاهما سكنتا إمبابة وأنا ما زلت أسكن في إمبابة. تتلمذت فترة على مشايخ سلفيين، ثم نشطت فترة مع الإخوان، وتجولت فترة حول الصوفية، وكان لدي وقت لأقرأ لشيعة ومعتزلة وخوارج وديانات شرقية وفلسفات غربية، وتأثرت بابن تيمية وابن حزم وحسن البنا وسيد قطب وعلي شريعتي وعادل حسين وحسن حنفي وعبد الوهاب المسيري وسارتر وميرلوبونتي وماركس ونيتشه وكارل بوبر وفوكو وهابرماس ووودي آلان وجورج ساينفيلد، وأصدقاء كثر من مُدونين وناشطين تعرفت عليهم عبر الإنترنت وفي الشارع، حيث رأيت هناك أيضًا تيارات وأناسًا ينتمون للشعب الآخر العلماني الذي يندس بيننا الآن ليثبت أن كلامك عن هوية مصر هو كلام فارغ.
إن كنت تريد أن تتأكد من «هويتي» – كواحد من هؤلاء الشعب الآخر الذي يجب أن يبحث عن نفسه في  مكان آخر -  قابلني عند مصنع الكراسي. المكان معروف هناك وألف من يدلك، وعندما تراني ولا يعجبك كوني واحدًا من هؤلاء الذين يجب أن تتحدث عن هويتهم أيضًا وأنت تتحدث عن «هوية مصر» سأضع أصابعي العشرين – أصابع يديّ وقدميّ-  في عينيك، ولا أعتقد أن ذلك سيضرك كثيرًا، بل على العكس سيمنحك مبررًا له معنى وأنت تدعي عدم رؤيتي وأنت تكتب الدستور الذي يتحدث عن هويتي، لأنني لا أنوي قريبًا الذهاب إلى مكان آخر.

21 October 2012

أدعوكم إلى الاستقطاب

بالنسبة لي لم تكن الثورة إلا تصعيدًا في الاستقطاب بين من يريد التغيير وبين من يتشبث بالاستقرار.

في فبراير  2011 تشبث من أرادها ثورة بإزاحة رأس النظام لفتح الباب أمام التغيير. وتشبثهم ذلك تم اتهامه بأنه إثارة للانقسام الاجتماعي وشق المجتمع إلى شقين متناحرين، ولكن ذلك لم يثنِ هؤلاء الذين أصروا أنهم «ثوار» فكانت معارك الشوارع في 2 و3 فبراير، التي يشار إليها عادة باسم «موقعة الجمل»، نموذجًا لذلك الانقسام.
الآن نتذكر ما حدث باعتباره جريمة في حق الثوار، فالمنتصر يكتب التاريخ دائمًا، إلا أنه بالعودة إلى وسائل الإعلام وقتها لا يمكن أن يخفي نفس الخطاب الذي يحذر من الاستقطاب والانقسام الاجتماعي ويدعو للحكمة والتعقل.
 مؤسف بالتأكيد أن يحدث اقتتال بين الناس في الشوارع، ولكن التغيير مغامرة ولها ثمن.
أذكر أنني كتبت في مدونتي وقتها صارخًا: «أعلنوا انحيازاتكم الآن»!
 وقلت إنني ربما أتعاطف حتى مع الجنود النظاميين وربما أجلس بجانب أحدهم فيما بعد بشكل شخصي حزينًا على ما أصابه من جراح في معارك الشوارع، ولكني  في لحظة المواجهة لا أتردد ثانية في ركل درعه والإطاحة بخوذته لكي أهزم هرّاوته التي يوجهها إليّ مهما كانت نواياه وما يعتقده بشأن نبل أو خسة ما يقوم به، أو مدى عدالة وقداسة هرّاوته.

الجمعة قبل الماضية التي عرفت باسم «جمعة الحساب» أعادت  إلى الأذهان بعضًا من ذكرى معارك الشوارع، وهو أمر مؤسف أيضًا مثل معارك الشوارع في فبراير قبل الماضي، ولكنه كان من الضروري أن يعلم أصحاب «الهرّاوات الجديدة» أن استعراض القوة والسطوة لا يجب أن يكون مجديًا بعد الآن.
من المفترض إن  كنا نبني ديمقراطية أن نتجاوز مرحلة معارك الشوارع إلى الاعتراف بساحة واسعة من الحريات والحقوق تسعنا جميعًا يمكن للمجتمع أن يحيا بها في حرية وكرامة، وأن تتنافس القوى السياسية في تقديم البدائل التي تحقق العدالة وتحفظ الحرية والكرامة.
ولكن إن كان هناك طرف سياسي يفضل إشهار هرّاوات «الهوية والدين والأغلبية» فإنه يضع نفسه «قطبًا» ينحاز لتقييد الحريات والحقوق وتهديدها باسم الهوية أو باسم مزاج الأغلبية الحالية وينحاز لتركيز السلطة التي تقلل من قدرة يد المجتمع على المحاسبة والتغيير. وفي هذه اللحظة لا أفهم ولا أتفهم المواقف الوسطية المائعة التي تخشى «الاستقطاب» و«الانقسام» وتتحرج من أن تشكل «قطبًا» مقابلاً يحتجّ ويطالب بأوسع مساحة للحرية وأوضح ضمانات للحقوق، ونظام سياسي يوزع السلطات ولا يكدسها، ويكثف من ضمانات المحاسبة، ويفتح أبواب التغيير والتنوع والتعدد. إلى الدرجة التي تشجب فيها احتشاد «القطب المقابل» لإعلان احتجاجه ومطالبه كما حدث في الجمعة الماضية.

لا يبدو لي في هذه اللحظة إلا أن أدعوكم ونفسي إلى «الاستقطاب» وإلى أن تعلنوا انحيازاتكم الآن. انحيازاتكم إلى الموقف وإلى المبادئ والحريات والحقوق وليس إلى «قبيلة» سياسية أو أخرى. 

هناك مسافة واضحة بين الانحياز إلى المواقف المختلفة وبين حالة من «القبلية» السياسية التي تتسلل أحيانًا للجدل لتوجه اتهامات أخلاقية للقبيلة السياسية الأخرى باعتبارها سمات جوهرية كامنة فيها كالكذب أو الحماقة أو تناقض بعض المواقف مع المبادئ في مقابل تمجيد «قبيلتنا» وهويتها وزعيمها وطهارة كل أبنائها.

 فانحيازي الواضح الآن إلى قطب «القوى المدنية» – رغم أنني لا أحب هذه التسمية - الذي تمثله أحزاب «التحالف الشعبي» و«المصري الديمقراطي الاجتماعي» و«الدستور» و«التيار الشعبي» مع أحزاب وحركات ومجموعات أخرى. وهذا  لا يعني اعتقادي أن ممثليه وأفراده ومجموعاته منزهون عن الخطأ أو ارتكاب ممارسات لا أخلاقية أو لا تعجبني، ولكن الانحياز للموقف طاهرًا منزهًا عن الشوائب العملية والشخصية يعني البحث عن حزب الملائكة الأطهار لكي يمكنني أن أقف بجانبهم في الميدان أو أعطيهم صوتي في انتخابات.
وعلى الجانب الآخر يبدو لي أن القوى السلطوية الإسلامية تشكو من شراسة الهجوم عليها، وهو هجوم أحيانًا ينطوي على اتهامات فيها روح القبلية السياسية، ففي الواقع لست في الطرف المقابل لأن بعض أفراد هذه  القوى فاسدون أو كذّابون أو لا أخلاقيون. فأنا في الطرف المقابل بسبب موقفي وانحيازاتي التي ترفض اعتقادهم بأن الدنيا ستنصلح بمطاردة التنوع باسم هرّاوة الهوية أو ضبط المجتمع بهرّاوة سلطة الدين.

أجواء الصراع القبلي تجعل البعض يشعر بالقرف والنفور من مجمل المشهد السياسي، ولا يبدو لي أنه سيتحول في وقت ما إلى صراع سياسي طاهر يلتزم باللعب النظيف، ولكننا بالتأكيد لا يمكننا أن نقترب من ذلك  قبل أن نرسم أرض ملعب يتسع للجميع. الدستور هو هذه الأرض التي يجب أن تسعنا جميعًا، ولكن هرّاوات الرغبات السلطوية التي تريد عمل كردونات لملعب ضيّق هي التي تُحوّل الجدل السياسي إلى صراع أكثر حدة وعدوانية.
لا يبدو لي أن الحل هو الالتفاف وتجاهل الاستقطاب عندما يتعلق الأمر بترسيم أرض الملعب. فالرغبات السلطوية بادية من أولها ! وتاريخ الإنسانية وتاريخنا القريب يخبراننا بأن الحريات والحقوق إما أن تكون هبات ومنحًا من سلطة تريد تجميل صورتها ثم تطؤها أقدام سلطة تالية أو تكون تلك الحقيقة التي جربنا طعمها منذ انطلاق هذه الثورة: تلك التي تُنتزع بعد معارك ونضال يخوضه محبوها وأهلها الذين يخوضون الموقف جماعات وأفرادًا دون أن تجمعهم «قبيلة» ولا تستهلكهم عداوة «قبيلة»، ولكن انحيازهم لحريتهم وحقوقهم واضح بلا مواربة، ولا يخافون في ذلك هرّاوة متسلط مهووس ولا لومة لائم وسطيّ توافقيّ يحاول التهدئة وهو يمسك الهرّاوة من المنتصف.


17 October 2012

ولماذا لا نعترف ببساطة أننا لا نحب «حرية العقيدة»؟

يروي عبد الوهاب المسيري في سيرته الذاتية الممتعة «في البذور والجذور والثمر» أن تساؤلات دينية راودته في سن السادسة عشرة، مما قوّض إيمانه ودفعه إلى أن يعلن لأسرته أنه لن يصلي ولن يصوم وسيتوقف إلى أن يجد إجابات شافية على تساؤلاته.
 ومن ساعتها بدأ المسيري في اعتناق فكر يصفه بـ«المادي». أصبح منكرًا للألوهية لأي بعد روحي لحياة الإنسان. يقول إن والده وقتها شتمه ولكنه تركه لحاله.
ويروي أنه انضم لمجموعة من الشباب يماثلونه في تلك «الرؤية المادية» وكان يقضي طويلًا معهم في التأمل والنقاش.
كان ذلك في الخمسينيات من القرن الماضي، ولحسن حظ المسيري أنه لم تكن هناك بعد شبكة إنترنت ولا مواقع تواصل اجتماعي، وإلا كان تعبير المسيري عن بعض أفكاره ونقاشه بشأنها مع أقرانه أو مختلفين سيصل إلى شباب غيور على الدين وعلى الله وعلى أنبيائه، وربما تجمهروا تحت بيته وهددوا أهله وتسببوا في اقتياده إلى أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم وربما واجه شبح عقوبة السجن لعدة سنوات، كما هو حال ألبير صابر المدون الذي يُحاكم الآن بسبب تعبيره عن معتقداته الدينية وانتقاده للأديان ببعض السخرية اللاذعة. فالمسيري أيضًا كان حتى وفاته كاتبًا ساخرًا لاذع السخرية مع ما يراه متناقضًا.
أنهى المسيري حياته وهو يرى أنه «مفكر إسلامي» يدافع بشدة عن الإيمان ويرد بقوة وبسخرية لاذعة على «الرؤية المادية للكون» التي اعتنقها في شبابه، ويروي كيف بدأ طريقه إلى الإيمان عبر تأمل الشعر الرومانسي للشاعر الإنجليزي ووردزووث  وأيضًا الأدب المسيحي للقرون الوسطى مثل «حكايات كانتربري»، كما يروي أيضًا عن أثر نقاشاته مع الحاخام الأمريكي يوسف بيخر، ثم أثر كتابات إسلامية غير شعبية أثرت في تكوينه فكرة جديدة عن الإسلام، منها كتابات مالك بن نبي وفضل عبد الرحمن.
الدرس المستفاد مما سبق، عزيزي القارئ، ليس أن نصل إلى: ما يحدث مع ألبير غير مقبول، لأنه يمكن أن نترك ملحدًا بيننا لأن تلك أفضل طريقة يمكنه أن يعود بعدها مؤمنًا مسلمًا  بطريقة أو بأخرى قد تبدو غريبة لدى معظم المؤمنين، ولكن ما أود قوله إنك لو كنت تقبل فكرة «حرية العقيدة» فأنت بالضرورة يجب أن تقبل حرية الناس في التفكير والتأمل والتساؤل والشك والنقاش والانتقاد المتبادل الهادئ أو الساخر، وأن تترك نقاشهم المفتوح وتجاربهم الشخصية تقودهم إلى ما تقودهم إليه.
 أما إن كنت تفكر أن الدولة والمجتمع يجب أن يتخذا من الترتيبات لحماية «الإيمان» من الشك وترويج الأفكار المضادة له أو التي تنتقده بهدوء أو عنف، من أجل أن يكون مسار تفكير الإنسان في النهاية هو الإيمان، فلا تخجل من نفسك عزيزي القارئ، أنت لا تحب فكرة «حرية العقيدة»، لأن هذه الفكرة التي تمثل تراكم جهود أناس ومجتمعات في دساتير ومواثيق حقوقية تعني أن عقيدة الإنسان وأفكاره الدينية وتعبيره عنها لا ترتب عليه أي عقوبة، كما أنها لا تؤدي لتمييز بينه وبين إنسان آخر، بسبب أن الإنسان الآخر يؤمن بالعقيدة والأفكار التي يراها المجتمع وتراها الدولة هي العقيدة الصحيحة أو الدين الرسمي.
ولكن «حرية العقيدة» كما يفهمها البعض فهي قريبة الشبه مما يكتبه المحترمون في اللجنة التأسيسية في «دستورهم». فالمادة تقول: «‫حریة الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حریة إقامة دور العبادة للأدیان السماویة على النحو الذي ینظمه القانون».
المادة المخصصة في مسودة الدستور لصيانة حرية العقيدة هي ذات نفسها تكرس لتمييز ديني ضد أي مواطن تقوده حرية العقيدة إلى ديانة أخرى أو معتقد، ليصبح المواطن السماوي لديه حقوق وامتيازات ليست عند المواطن غير السماوي.
وهذه المادة تأتي لتتوج قمة تل القمامة الذي تمثله ممارسات عدة للدولة المصرية، شرطة ونيابة وقضاء، في تعبيرها عن كراهيتها لحرية العقيدة.
ولماذا نذهب بعيدًا! إليكم نصوص رائعة من تحقيقات النيابة مع ألبير صابر الذي كانت جلسة محاكمته قبل ساعات، حيث يقول شريف الشعراوي، مدير نيابة شرق القاهرة، في قرار اتهام ألبير: «إن المتهم الماثل سيدي الرئيس أعلن كفره وإلحاده عبر محافل عامة وجهر بأفكاره عبر شبكة المعلومات الدولية واستباح لنفسه ما لم يأت به السابقون ولا اللاحقون عليه في هذا المجال وسبَّ أنبياء الله المختارين وتهكم على الشعائر المقدسة وعلى الكتابين السماويين وهما القرآن والإنجيل وكثير مما حوته أوراق القضية تفصيلاً، مما يتنافى مع الفطرة الإنسانية السليمة بزعم حرية الرأي والتعبير. إذ إن هناك اختلافًا بين حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة، فالأخيرة مشروطة بعدم المساس بالخالق سبحانه وتعالى أو مقدساته أو شعائره الدينية».
هذه القطعة الأدبية العاطفية البديعة، التي اضطررت لتصحيح كم الأخطاء اللغوية والإملائية الفادحة فيها أثناء نقلها، والتي تحاول أن تشرح لنا معنى الحرية  توضح فعلاً كيف يحاول كاتبها أن يشرح شيئًا آخر وهو «تقييد الحرية».
 فهو يقول بصراحة إن حرية العقيدة مشروطة، أي مقيّدة،  لو كنت ملحدًا ولا تؤمن بالله أو مقدساته ولا شعائره فأنت لست مثل المسلم أو المسيحي الذي يكتب وينشر عن رأيه الديني وانتقاده للأديان والمذاهب الأخرى. أنت مقيد الحرية ولا يمكنك أن  تعبر عن رأيك في ذلك ولا أن تشترك في مناقشات بشأنها. ولو خالفت الشرط فإنك تستحق ما سيحدث لك. وما سيحدث هو ببساطة ما يطلبه تقرير النيابة من حبس ألبير والدعوة لتغليظ العقوبة أكثر من تلك المقررة قانونًا في المستقبل.
 هذا المفهوم الجميل  للحرية المقيدة، الذي  هو مجرد اسم حركي مقلوب لتقييد الحرية، لا يجب أن نخجل منه فهو نابع من تراثنا الاستبدادي الجميل وتربيتنا القمعية الأصيلة التي يقول فيها الأب أو الأم للابن بعين حمراء وحواجب معقودة ويد تلوّح وعيدًا: «أنت حر! افعل كما تحب ولكن تحمّل ما سيجري لك! أنت حر!».
لحسن الحظ أن التاجر الدمنهوري والد عبد الوهاب المسيري قد اكتفى بشتمه عندما صارحه ابنه بأن الأفكار الدينية غير مقنعة، ثم تركه وشأنه ليخوض رحلته الفكرية الطويلة متأملاً في الأدب والفلسفة والسياسة والتاريخ والدين، بدلاً من أن يسلمه للمجتمع والدولة يحاصرانه ويطاردانه لكي يخوض رحلة  في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والسجون، يتعلم فيها  المعنى الحقيقي لحرية العقيدة كما تفهمها الدولة المصرية.

13 October 2012

«من الميدان إلى الفاتيكان».. مسرحية هزلية من أربعة فصول

1
الاعتقاد بأن القانون نفسه الذي يحفظ «النظام» يصلح لمحاكمات تعاقب رموز «النظام» على ما ارتكبوه بحق ثوار قاموا لإسقاط «النظام»، وذلك من خلال أجهزة دولة ونظام قضائي شكلوا عماد هذا «النظام» ورجاله طالما عملوا في خدمة هذا «النظام» وحماية استقراره، اسمح لي، ربما يكون ذلك هو أحد تعريفات الدرجات الميئوس منها من الحماقة.
ومن نتائج الاعتقاد في هذه الحماقة الإصلاحية وقت الثورات أن تقبل بعمر سليمان نائبًا للرئيس قبل خلعه، وبعد تنحيه تقبل برجله شفيق رئيسًا للوزراء وتتخاذل في إسقاط وزارته ثم ترفض مطالب إسقاط حكم عسكر مبارك ثوريًا، وتتركهم يديرون أجهزة الدولة لسنة ونصف السنة وترفض إسقاط وزارة الجنزوري، أحد رجال مبارك، وتدعها تدير أجهزة الدولة وقت تسليم السلطة وتترك رجال الداخلية وأمن الدولة يرتبون أوراقهم على مهل طيلة سنتين، وتتجاهل مطالبات حقوقيين بتبني أي إجراءات للعدالة الانتقالية، ومطالب الثوار بالإقصاء الثوري لكل رموز نظام مبارك، وببرنامج ثوري لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ثم تشكل حكومة ائتلافية مع الفلول، ثم تأتي الآن بعد صدور حكم ببراءة رموز الحزب الوطني المتهمين بقتل الثوار، وتشعر بالمفاجأة وتتجاهل كل هذا وذلك، وكل تلك المشكلة الضخمة المتراكمة وتكتشف فجأة: يا للهول! النائب العام هو المشكلة! يجب أن يذهب النائب العام إلى الفاتيكان فورًا!
2
أنا أصدق كل أصدقائي من كوادر الإخوان عندما يقولون إنهم ليسوا جماعة ثورية ولا مكان لفكرة الثورة في أدبياتهم وأدواتهم، وأنهم جماعة محافظة إصلاحية، وأصدق فعلًا كل ما يقوله الكتاتني ثم مرسي عن أنهم يفضلون العمل من خلال «اللائحة» نفسها، ومن خلال ما يسمح  به القانون الحالي من منافسة في الانتخابات التي يحتل بها الإصلاحيون مواقعهم، ثم يبدأون التعديلات والإصلاحات من داخل بنية النظام نفسها، وليس بتغييرها جذريًا وثوريًا بالإطاحة بها ولا هيكلتها بشكل عنيف ومفاجئ، وأصدق فعلاً وصفهم للمطالب الثورية بخصوص أجهزة الدولة بأنها «إسقاط للدولة».
حسنًا.. الإخوان وحزبهم ومرشحهم رفضوا الاستجابة لهذا النهج الثوري، وفضلوا اللعب بطريقة أخرى، بل أدى الرئيس مرسي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وفق الإعلان الدستوري المكمل الذي ألغاه هو نفسه حفاظًا على ذلك النهج الإصلاحي الجميل في احترام المؤسسات، وكل ما يصدر عن السلطة وقت تسلطها.
لا أعتقد أنه يتسق الآن مع هذا النهج أن يستخدم الرئيس وحزبه وجماعته حشود الشارع وضغط الشامخين المقربين للنظام على النائب العام من أجل تصوير مشهد ثوري هابط، فيه ضغوط من وراء الكواليس على النائب العام، وأمام الكاميرا حشود شعبية تهتف ضده غضبًا من أجل دماء الشهداء.
 وهذا المشهد الجميل الذي سيستهدف «الحطّ على» النائب العام وتحميله كل المسؤولية سيحاول «الغَلوَشَة» على الحماقة الإصلاحية البائسة التي أهدرت فعلًا -  في المشهد الأحمق السابق -  دماء الشهداء وتهاونت في كل ما تتطلبه محاكمة حقيقية لقاتليهم.
3
لكن ترتيبات هذا المشهد الأحمق الثاني تناست أن النائب العام يمكنه أن يحاول الفرار من أن يكون هو خروف العيد مستغلاً الحماقات الكثيرة في الكواليس.
فترتيبات المشهد التي رتبها الإصلاحي التائه لم تترك أمام النائب العام إلا خيارين: أن يتحمّل إعلاميًا مسؤولية كل حماقة الإصلاحي التائه ويستقيل متحملاً مسؤولية فساد المحاكمات، ثم يرضى أن يكون أضحوكة ويذهب لممارسة عمله كسفير في الفاتيكان، أو أن يتحول إلى بطل يدافع عن استقلال القضاء ومتمسك بالقانون وتقاليد الدولة والفصل بين السلطات ملوحًا بذلك في وجه رجال الرئيس مرسي وحكومته.
وبذلك قفز عبد المجيد إلى الأمام متخذًا الخيار الثاني ليضع كل أبطال المشهد الثوري المفتعل في مشهد ماسخ، ويتركهم يلقون باللائمة على بعضهم البعض، من فيهم المسؤول عن قرار بهذه الرعونة. بينما تتحول القضية إلى معركة محتدمة بين الرئاسة والإخوان من جهة، وبين القضاة من جهة أخرى.
4
بالتوازي مع هذه المشاهد، كان مشهد رابع ينضج على النار. قياديو الحزب الإصلاحي التائه في موقف لا يحسد عليه فيما يخص كتابة الدستور.
فممثلو الحزب الإصلاحي التائه في اللجنة ينحازون لدستور لا يجرأون على إقرار حريات واسعة يستحقها شعب ثار من أجل حريته وكرامته، وأيضًا لا يجرأون على اتخاذ موقف «إسلامي ثوري» بالمضي قدمًا في تقييد الحريات والحقوق بها بما يرونه حاكمية «الشريعة الإسلامية».
الإصلاحيون التائهون يخطون خطوة هنا وخطوة هناك، بينما تتهمهم القوى الديمقراطية بتدشين أولى خطوات دولة دينية طائفية ويتهمهم السلفيون بالتخلي عن حلم حاكمية الشريعة.
القوى الديمقراطية أعلنت منذ أكثر من أسبوعين عزمها تنظيم يوم احتجاجي من المسيرات والاحتشاد في ميدان التحرير للتعبير عن مطالبها بشأن الدستور، ويبدو أن التحضير لمشهد النائب العام قد ألهم بعض  قياديي الحزب الإصلاحي التائه، لأن تجهيز هذا المشهد بسرعة في نفس الوقت والمكان سيغطي على مشهد الاحتجاج ضد مشروع الدستور.
فالدعوة للاحتشاد تأييدًا بهذه السرعة يمكن تداركها باستخدام رجالهم القابلين للتعبئة في أتوبيسات والانتشار في أي ميدان حسب الحاجة، كما ستحتشد جماهير شعبية لديها معركتها الوهمية من أجل الإسلام ضد العلمانيين الحاقدين واليساريين المخربين المعترضين دائما والليبراليين عملاء الغرب.
 وتخيل النابهون أن أقصى ما يمكن أن يحدث هو بعض المناوشات ستنسحب على أثرها القوى الديمقراطية الأقل عددًا.
لكن يبدو أن بعض شباب القوى الديمقراطية كان لديه رأي آخر في ظاهرة الاحتشاد تأييدًا في نفس وقت ومكان الاحتشاد المعارض. فبعضهم واجه نفس الظاهرة من أيام مبارك أثناء وقفات حركات التغيير في 2005 وإلى رغبة المؤيدين لمبارك في اقتحام ميدان التحرير للتظاهر تأييدًا له يوم 2 و3 فبراير 2011 واعتراض «المواطنين الشرفاء» مسيرة القوى الثورية إلى العباسية في يوليو 2011.
وتسببت مقاومة هؤلاء الشباب في معركة جديدة بين حشود مؤيدة تحاول التسخيف على حشود معارضة، وتخرج الاشتباكات بينهم عن السيطرة وسط تخبط قادة الحزب التائه بين نفي وجود كوادرهم في الميدان إلى إعلان انسحابهم منه في الوقت نفسه.
وبدلًا من الاعتذار عن استلهام البلطجة والحماقة والرعونة التي أدت فيما سبق إلى إهدار الدماء، كاد تصوير المشهد الخائب المفتعل بدعوى القصاص لدماء الشهداء أن يتسبب في شهداء جدد بعد أن تسبب بالفعل في وقوع أكثر من 100 إصابة من الجانبين.
بدلًا من الاعتذار ومراجعة كل هذه المشاهد المبتذلة الخائبة، يستعد الآن الحزب الإصلاحي التائه للاشتراك في مشهد جميل نناقش فيه جميعًا: هل بدأ هيثم بضرب تامر، أم أن تامر هو من بدأ بإلقاء الطوب؟.
وهذا المشهد الأخير العظيم سيحاول طبعًا أن يستمر لأطول فترة ممكنة حتى تتحقق العدالة ونقتص من تامر أو هيثم، كما أن ذلك المشهد سيكون مفيدًا في «الغلوشة» لفترة على مشهد آخر حقيقي جدًا، مشهد ربما يجعلنا أول أمة احتفلت بدستورها الذي يعبر عن توافقها بمعارك شوارع بالأيدي والأرجل والطوب المتبادل.
 فما حدث في ميدان التحرير كان ببساطة مجرد تجسيد «شوارعي» عن مستوى التوافق حول مشروع الدستور الجديد.

03 October 2012

وأنا ضد الإخلال بالحرية والمساواة باسم «الشريعة»، ما مشكلتك؟

عزيزي وزميلي أحمد سمير.
في متن المقال توضح أنك تقصد تأييدك للصياغة المقترحة للمادة الدستورية التي تتحدث عن ضمان الدولة لمساواة المرأة بالرجل ولكن تقيدها بالنص: «دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». أنت تقول إنك مع عدم الإخلال، وتسأل المعترضين: ما هي مشكلتكم؟
أنا سعيد أنك سألت السؤال دا! واسمح لي أن أحاول الإجابة.
أنا لن أحاول الإجابة عن طريق تأييد مطلبك أو معارضته بطريقتين: «نتكلم قانون»، و«نتكلم سياسة» كما فعلت. أنا متفهم جدا أن الأمور تجري على الأرض وفي اللجنة التأسيسية محكومة  بكلام القانون والسياسة والأمور تمضي فعلا في اتجاه قريب مما كان عليه الأمر قبل هذه الثورة وكأنه لم تقم ثورة، ولذلك دعني أبتعد أنا قليلا و أبدأ من نقطة أخرى وبطريقة أخرى: «نتكلم ثورة».
ودون أي محاولة لاحتكار الثورة، سأحاول هنا أن أتحدث معبرا عن شخصي، غير الممثل لأي حزب أو تيار بشكل رسمي أو تنظيمي، ولكني كواحد من الجموع الثائرة التي هتفت: «عيش، حرية، كرامة إنسانية». وأتوقع وأتمنى أن نناقش كل ما هو كان سائدا ومستقرا ومتفقا عليه قبل هذه الثورة من أجل المزيد من الحرية والمزيد من العدالة الاجتماعية والمزيد من الكرامة.
وأرى من حريتي أنه يمكنني الاشتراك في المناقشة في أمور القانون والسياسة دون أن أخبرك عن ديانتي وعقيدتي. ولذلك يمكنك أن  تفترض أنني أدين بأي دين أو معتقد أو لا أدين على الإطلاق، ودعني أسألك أنا: لماذا تقيّد أنت حريتي وحرية آخرين وحقوقهم الواردة في الدستور بهذا المعيار «الشريعة الإسلامية»؟

الدستور وثيقة تتحدث عن الحريات والحقوق، عندما يرد تقييد لذلك فمن حقي أنا أن أسال: لماذا؟ وكيف؟

دعني أستوضح منك. هل أنت مع من يرى أن لهذا البلد «هوية» ثابتة بحكم التاريخ أو بحكم الأغلبية الحالية، وهذه الهوية هي الإسلام وتعبر عنها «الشريعة الإسلامية» التي يجب أن تفرض على الدستور الذي يجب أن يعبر عن كل من على أرض هذا البلد؟
أعتقد أن الدستور يجب أن يضمن حريتك في الحياة وفق «هويتك» ودون إخلال بما تراه «الشريعة الإسلامية» فيما يخصك وفي الوقت نفسه يضمن لي حريتي وحرية آخرين في أن نختلف مع ذلك، وأن نحيا وفق غير هذه الهوية وهذه الشريعة أو بتفسيراتنا المختلفة لها.  لذلك أعتقد أنه من العادل أن يكون الدستور وثيقة لضمان حريتي وحريتك. وليس حريتك فقط التي ستكون ملزمة ومرجعا تقيد حريتي.
دعني أستوضح منك مرة أخرى. هل أنت لديك مشكلة مع أنني وغيري سننال حريات وحقوقًا تراها أنت مختلفة مع ما تراه «الشريعة الإسلامية»؟ هل تعتبر ذلك إخلالا بها؟

سلطوية إسلامية؟
أنا لا أعتقد أنك تتفق مع تيارات الإسلام السياسي التي هي في الحقيقة، في رأيي،  تيارات «السلطوية الإسلامية»؟ وتعريف «الإسلامي» عندها أو بالأصح «السلطوي الإسلامي» هو أنه مواطن لديه مشكلة مع حرية غيره. الإسلامي هو شخص قلق جدا من أن غيره سيحيا على خلاف ما يراه هو «الإسلام» أو «الشريعة». هل تقترح تعريفا آخر لأن كل العموميات عن السياسات الإسلامية عن العدالة الاجتماعية والحريات العامة والتنمية وغيرها لا تكاد تبين. لا يبقى فعلا غير أن الإسلامي هو شخص مشروعه السياسي المميز هو تقييد حرية غيره التي لا تعجبه، دون أن تمثل عدوانًا فعليًا على آخر، ولكنه يعتبر مجرد الاختلاف معه عدوانا على مشاعره وعلى سلطاته الإلهية في تنفيذ مخطط لإصلاح الكون بناء على معرفته القاطعة بما هو إلهي وما هو صالح.

لا أعتقد أن ذلك مكانه دستور يتحدث عن جمهورية ديمقراطية. كما أنني أرى أنه من حريتي أن أرى مفهوما مختلفا عنك عن الإله والوجود والصلاح. وأعتقد أن الأجدى أن نتناقش – فيما يخص الدستور -  عن طريقة ليتمكن كل منا من الحياة حرا وفق معتقداته وآرائه وهي الطريقة التي ستحقق «الحرية».

حسنا أنت تتحدث الآن عن تقييد للمساواة بين الرجل والمرأة بـ«الشريعة الإسلامية». أنت ذكرت أن القانون الحالي للأحوال الشخصية فيه تفاصيل تتضمن عدم مساواة في الميراث والنفقة وغيرها، دعني أسألك: ولماذا لا يكون هناك تعدد تشريعي يضمن للجميع حرية الزواج وفق شرائع دينية منها الإسلام وفق هذه الضوابط وحرية الزواج وفق غيرها وبعقد مدني يتضمن مساواة يطلبها الطرفان. ما هي مشكلة شخص ثالث؟

لا أعتقد أن هناك حمقى يفكرون أن إقرار الدستور لحرية السفر والتنقل مثلا سينتج عنه أنه «يجب» أن يحزموا حقائبهم الآن! أو أن دستورا يحفظ للناس حرية العقيدة كأنه سيجبره بعد قليل على اختيار ديانة أخرى! أو أنه يتيح للمرأة كامل حريتها الشخصية أنه سيجبرها على ارتداء البكيني! ولكن الحقيقة أن هناك من لديه مشكلة في حرية جاره في اختيار ديانة أخرى لا تعجبه ولديه مشكلة في حرية جارته في أن ترتدي شيئا لا يعجبه.

 أرسلت في مقالك تطمينات لتواجه مخاوف البعض من  «التسلط باسم الشريعة» لفرض المزيد من القيود والحريات. وقلت إن الدستورية العليا تحمي تفسير مبادئ الشريعة وأحكام الشريعة مما هو مختلف بشأنه. ولكنك في الحقيقة تجاهلت أن الوضع الحالي  يتضمن أصلا تسلطا يضر فعليا بحقوق وحريات أفراد وأقليات استنادا لفكرة الهوية الإسلامية والشريعة.
لندع الثورة وأحلامنا عن الحرية والمساواة. لنتكلم عن الواقع!
الواقع أن المواطنين من غير الديانات الثلاث لا يستطيعون الزواج رسميا في مصر! لأن القضاء المصري اعتبر أي ديانات أخرى هي خارجة على النظام العام ولذلك هي غير معترف بها ولذلك إن كنت ملحدا مثلا لا يمكنك إبرام عقد زواج في مصر. لأن الزواج إما أن يتم وفق الشريعة الإسلامية، وهي تفترض ان الذكر يجب أن يكون مسلما على الأقل، أو يكون عقد الزواج دينيا مسيحيا أو يهوديا.
والأمر نفسه لو كنت واحدًا من أتباع الديانة البهائية. توقفت الدولة عن الاعتراف بعقد الزواج الديني البهائي، ولا يزال البهائيون يعانون عدم تسجيل زواجهم رسميا إلا لو تظاهروا بأنهم مسلمون أو مسيحيون! وكذلك يفعل الملحدون!

 ما رأيك في هذا؟ ما رأي القانون؟ وما رأي السياسة؟ هذه الأقليات الصغيرة لا وزن انتخابي لهم ليهتم بهم الساسة أثناء صراعاتهم. والقانونيون والقضاء المصري والدستورية العليا يتفرجون على هذا الأمر وهو ما يخالف تطميناتك وأنت تتحدث قانون أو تتحدث سياسة. هل تعتبر وجود قانون للزواج المدني لمن يريد إخلالا بالشريعة الإسلامية كما تراها وتقبلها؟

قطاع من الأغلبية يعتقد أن هؤلاء الناس الذين يعتقدون أشياء مختلفة عنا وسيفعلون أشياء مختلفة عنا هم خطر علينا وتهديد لنا ومصدر ذعر ورعب لنا، والقضاء المصري يؤكد ذلك ويعتبرهم «خارج النظام العام» والأزهر المعتدل يؤكد ذلك ويصدر الفتاوي عن عدم الاعتراف بغير الأديان الثلاثة أو بمذهب غير أهل السنة. 

مواطن خارج النظام العام!
هل ما زلت تسألني عن مشكلتي مع قيد مثل الصندوق المغلق يتضمن أشياء لا أعرف محتواها بدقة، ومعرفتي عما يغلب على محتواها أنه مليء بما يضرني؟
أنت تبحث عن ضبط لذلك بكتابة مسودة توضح ما هي مبادئ أو أحكام الشريعة، ولكن من سيكتب ذلك؟ الأزهر؟
ولماذا تكون من سلطة علماء الأزهر التفكير والاجتهاد في قيود تفرض على كل الناس من كل الديانات حتى لو لم يرتضوا بالأزهر سلطة ومرجعا؟ هل هذه هي الديمقراطية؟

في مقالات سابقة تحدثت عن أن التيار الرئيسي من الاجتهادات والتفسيرات فيما يسمى بـ«الشريعة الإسلامية» كما يعبر عنها الأزهر المؤسسة الدينية الأبرز وكما يعبر عنها العلماء المقربون من الإخوان والدعوة السلفية، التيارت السلطوية الإسلامية الأبرز، التيار الرئيسي من هذه الاجتهادات هو في الحقيقة تيار الفكر الديني الراكدمنذ قرون، وهو في رأيي  مليء بأفكار تسلط المسلمين على غيرهموتقييد لحرية المرأة وتمييز ضدها وإخضاعها للرجل. الاجتهادات الأكثر تحررا وتسامحا وانطلاقا من فكرة مساواة الناس وحرياتهم هامشيةإن لم يتم إقصاؤها وتكفيرها، في مشهد مسيء للغاية للإسلام.

الديمقراطية أساسها أن الحكم للناس يتناقشون ويقررون السياسات بشكل تفصيلي ولا يوقعون شيكات على بياض لمرجعيات أو شرائع أو صناديق مغلقة أو أشياء سيجري تفسيرها فيما بعد بعيدا عنهم، بعيدا عن حكم الناس ورؤيتهم لمصالحهم. لأن هذه الصناديق والمرجعيات والشرائع ربما تعتبرهم هم أنفسهم «خارج النظام العام»!

اعتقد أن سؤالك – صديقي وابن عمي أحمد سمير -  قادني إلى أسئلة كثيرة وتفرعات كثيرة بدا لي غريبا أن أسألك عنها وأنا أعلم أننا ربما نكون متفقين في الكثير فيما يخص الحرية، ولكن أعتقد أن سؤالك هو السبب، لأن تقييد تشريعات أخرى تتيح لحريات آخرين أنت سلمت أنه «إخلال بالشريعة الإسلامية» ولذلك اعتبرت قدرا من التقييد مقبولا ومعقولا ومنطقيا وحاولت أن تبحث عن ضوابط وتطمينات من تفاقم التقييد. 
ولأن سؤالك يتجاهل أن التقييد واقع  أصلا ولأن سؤالك يسلّم أن «تواجد ما هو مختلف» هو «إخلال بالشريعة وصدام معها»، وذلك هو باب كل المشاكل العالقة التي تنتهي إلى تمييز وعدم مساواة وتوتر ديني وطائفي نعاني منه، بينما يحاول سؤال الحرية أن يفتح بابا لحل هذه المشاكل في إطار من التنوع واحترام الحريات والحقوق، وهي المظلة الأوسع من الشريعة والتي تضم كل الناس لا المؤمنين ولا المسلمين ولا التابعين للتفسيرات الأكثر شيوعا فيه سواء كان مصدرها الأزهر أو التيارات السلطوية الإسلامية.
 
 ولذلك أعتقد السؤال الذي يبدو لي أنه الأكثر ملاءمة لثورة تريد تغييرا وحرية وكرامة يجب أن يكون: أنا أريد المزيد من الحرية والمزيد من المساواة، ما هي مشكلتك؟