28 February 2006

الآخرون دائما



أليس مثيرا للحزن و الحنق و الغيظ أن تكتشف أن الذين عشت معهم لفترة ,هي كل عمرك , لا يفهمونك بشكل جيد .
لا أعتقد أنه مبرر كاف بالنسبة لهم , أنني قضيت – أو حاولت أن أقضي – أكبر قدر ممكن من الوقت من حياتي في غرفتي , متأكدا أن الباب مغلق بشكل جيد و أن الأصوات بالخارج لا تتسرب بشكل كبير إلى الداخل لكي لا تمس القدر الكافي من الهدوء الذي يسمح لي بأن يبدو لي شيئا بشأن وجودي هنا و الآن و علي هذا النحو وسط كل هؤلاء الآخرين الذين – علي ما يبدو - تبدو لهم أشياءا أخري , كثير منها بدا لي جديرا بالاهتمام و التأمل .
كما أنه ليس مبررا أيضا أنني لا أثرثر كثيرا ,و أتهرب من ذلك , بينما أنصت كثيرا لكل ما يقال, رغم كل ما قد يبدو لي بشأنه ,و عندما أتكلم أحاول أن أعبر عما بدا لي بشكل لا يكون مضجرا لي و للآخرين .

مصدر غيظي أن مبرراتهم تلك هي حججي تحديدا , فكوني أميل للهدوء و العزلة و لا أحب الثرثرة و لا الأعداد الكبيرة من الآخرين هو مبرر كاف لأن أفقد صوابي عندما يتناوب آخرون , ممن هم أكثر قربا مني و يسمون " أسرتي " , علي سؤالي عما يحزنني لأنني أجلس وحدي , أو لأنني لم أتحدث معهم كثيرا اليوم !
يتعقد الأمر عندما أبدي تعجبي من ذلك السؤال الذي يأتي علي فترات متباعدة متجاهلا ما يقطعها من سنوات حياتي التي لا تختلف كثيرا ,ليبدأ الآن في طرح نفسه حول الشيء الأكثر وضوحا و تكرارا مما أفعله في حياتي .. تعجبي يبدو لهم صدا للود و استنكارا للاهتمام .
يزداد الأمر سوءا لو قلت أنني فقط أفكر في شيء ما , أشعر بعدها أني قد اعترفت بأني مصاب بمرض عضال , أو أنني أعاني من أزمة نفسية حادة , أو أن التفكير لا يكون إلا بشان كارثة ما .. لا يبدو لي أن للتفكير دلالة سيئة الي هذا الحد .
يزيد إصرارهم علي معرفة السبب عندما أنكر في اقتضاب وجود شيء غير عادي , يبدأ الالحاح الودود في التصاعد مطيحا ما تبقي من صوابي و تركيزي , ليجعلني في حالة من الحنق التي يتعذر معها أن أواصل إنكاري ان هناك ما يضايقني .

الأكثر إثارة للغيظ أنه في هذه اللحظة بالضبط يبدأ فيها ودهم و إلحاحهم في الانحسار ,و يقررون أن يشيحوا عني و يتركونني و شأني مرددين أنني هكذا و لن أتغير أبدا ... بينما هذه اللحظة هي واحدة من اللحظات التي تحدث لي نادرا جدا و أتغير فيها كثيرا , فأفقد رباطة جأشي و سكوني التاريخي و أترك أمارات الغضب تظهر علي وجهي ... لا أجد في هذه اللحظة من يسألني عن سبب غضبي , الذي أتعجب من عدم إثارته لفضولهم , و كأنني في العادة هكذا , و كأنهم الآن يفهمونني جيدا فلا حاجة مطلقا إلى سؤالي .

21 February 2006

ما رواه " الشيخان" عن مصر المحروسة





كنسمة صيف شرقية وسط قيظ من موسيقي "الروك " , سمعت لاول مرة فرقة " اسكندريللا " في حفل " فتحي سلامة" الأخير في الساقية .. لذا سأغفر لـه ما فعله بأذني تلك الليلة عنما سمح , بالاضافة الي كل هذا " الروك " , لكل من يصدر صوتا أن يصعد علي المسرح ليشارك في العرض بدعوي أن تلك الليلة كانت عيد الحب علي حد زعمه !
و لانه لم يكن ممكنا أن أكتفي من " اسكندريللا " بأغنيات قليلة في حفل مختلط , فقد كنت هناك
مرة أخري الجمعة الماضية ,لأعرف " إيه العبارة " .. كما أحبوا أن يسموا حفلهم .
" اسكندريلا " تقدم أغاني الشيخين
سيد درويش و إمام عيسي برؤية موسيقية تضفي روحا قديمة جديدة علي الألحان .
فهي تستعيد الأجواء القديمة بفعل الموسيقي البسيطة للتخت , و لكنها تضيف أبعادا أخري من خلال التركيب الذي يقوم به اكثر من عود , بالاضافة للبيانو , و بشكل رئيسي الرؤية الموسيقية و التوزيع اللذان قام بهما
حازم شاهين , و فقرات الارتجال للعود و البيانو .
بالاضافة لحازم هناك شادي مؤنس و أشرف نجاتي يشاركونه الغناء و العزف علي العود , و نوار علي البيانو وهاني بدير علي الايقاع , و هؤلاء هم الفرقة . و شارك معهم بالغناء سلمي صباحي و محمد سلطان .

"إيه العبارة ؟ "
العبارة أن هذه الموسيقي, و لو حتى بدون كلمات , لا تشك للحظة أنها موسيقي مصرية .
ربما لا يمكن أن نحدد بشكل دقيق ما معني " موسيقي مصرية " , و لكنها بالتأكيد ما سمعته هناك .
كما أن " العبارة " لا تخلو من " التزام " ما , فهم اختاروا من أغنيات الشيخ سيد و الشيخ إمام تلك التي تنضح بالهوى حين تتحدث عن مصر ,إلى الحد الذي تعتقد أنها تقصد مصر حين تتحدث عن الهوى .
بدا لي عبقريا ذلك الالتفات للحوار و التواصل بين أغاني الشيخين و الجمع بين رواياتهما لما كان و رؤيتهما لما سيكون علي أرض المحروسة .
فلا يرد علي نداء الشيخ سيد
" قوم يا مصري " , إلا نبوءة الشيخ إمام " مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر !"

18 February 2006

المهندسون ضد الحراسة .. و في انتظار الديمقراطية



في الثانية من ظهر الاثنين الماضي , صوت ما يقرب من خمسة آلاف مهندس , في جمعيتهم العمومية غير العادية , علي رفع الحراسة المفروضة علي نقابتهم منذ 1994 .
و دعوا للإعداد لإجراء انتخابات نقابية لاختيار من يمثل المهندسين في مجلس نقابتهم و اختاروا سبعة ممثلين لمتابعة تنفيذ هذه القرارات حتى موعد الجمعية العمومية التالية في شهر مايو من العام الجاري .

بدأ تجمع المهندسين منذ الثامنة صباحا أمام قاعة " خوفو " بمركز المؤتمرات بمدينة نصر , و أغلق الأمن أبواب القاعة في وجوههم لفترات طويلة و سمح بدخولهم علي عدة مرات تخللتها هتافات احتجاج و طرق عنيف علي الأبواب الزجاجية من المهندسين الممنوعين من الدخول .
يبدو أن الأمن اتخذ هذا الإجراء انتظارا لقدوم سيارات هيئات حكومية تقل المهندسين العاملين بها لكي تتوازن مع حشود مهندسي الإخوان المسلمين التي توافدت مبكرا بأعداد كبيرة .
كما حاول الأمن الاكتفاء بالعدد المحدد لسعة القاعة ( أقل من ثلاثة آلاف فرد ) و لكن أمام احتجاج المهندسين بالخارج و تضامن نشطاء تجمع " مهندسون ضد الحراسة " معهم , تم السماح بدخول أعداد إضافية ملأوا الممرات وقوفا , و رفضوا التوجه لقاعة أخري مزودة بأجهزة صوت , حرصا علي التصويت الذي يتم يرفع الأيدي .





بحسب تقديري , أعتقد أن مهندسي الإخوان شكلوا نسبة لا تقل عن60% من إجمالي الحاضرين ,إن لم يكن أكثر .
و لم يكن ممكنا الحفاظ علي الأمن إلا عبر التنسيق معهم , فبينما واجه أفراد جماعة " المهندسون الديمقراطيون " صعوبات في سبيل إدخال أوراقهم , فان لافتات ضخمة حملت شعارات الإخوان : " الإسلام هو الحل " و " إلا رسول الله " (!!) احتلت وحدها كل الأفق أمام مدخل قاعة خوفو , كما اضطر رموز الإخوان " د.محمد علي بشر " الأمين العام السابق للنقابة و " د.محمد مرسي " النائب السابق لتهدئة شباب الأخوان أكثر من مرة , لكي يقبلوا بتواؤمات رآها أهل المنصة ضرورية , أو لكي يدفعوهم للتصويت لأسماء غير إخوانية – من أعضاء تجمع " مهندسون ضد الحراسة " الذي يضم كل القوي المعارضة للحراسة - ضمن لجنة السبعة .

يمكن ان نحدد خريطة حضور الجمعية العمومية , كتلتان كبيرتان : أولاهما مهندسو الإخوان المسلمين , ثانيهما : مهندسون ايجابيون غير مسيسين و موظفو الهيئات الحكومية التي حثتهم للحضور , و بجانبهما عدد قليل من ناشطي جماعتي " المهندسون الديمقراطيون " (يسار) و " المهندسون القوميون " الأعضاء في التجمع الواسع " مهندسون ضد الحراسة " الذي يضمهم و مهندسي الإخوان و أفرادا من باقي القوي و مستقلين .
من المفترض أن يدير اجتماعا ضخما كهذا جهة محددة و إلا تحول الأمر لفوضي , و هو ما حدث بالفعل .
لجنة التسيير - المنوط بها إدارة النقابة في زمن الحراسة – تخلت عن دورها للأمن الذي حشد عددا كبيرا من مفتولي العضلات و علي صدورهم المنتفخة بشكل استفزازي شارات " نقابة المهندسين " ! . كما أنها تخلت عن دورها في التحقق من هويات المهندسين داخل القاعة . مما دعا مهندسو تجمع " ضد الحراسة " للتطوع بجمع توقيعات الحضور علي أوراق أعدوها , و تحقق جامعوا التوقيعات – أحيانا – من هوية الموقعين .
حدث جدل و لغط حول من يدير الجمعية , هل هو الحارس و لجنة التسيير . أم أكبر الحضور سنا باستثناء أعضاء لجنة التسيير (الحراسة) . و انتهت تواؤمات و توازنات المنصة علي إدارة م.أحمد محرم للجمعية بصفته أكبر الأعضاء سنا بالاضافة إلي - أو بالرغم من - كونه الحارس , إلا أنه تم انتزاع الميكروفون منه حين أطال في حديثه الذي حاول تجميل وجه الحراسة و تبريرها , و قام م.عمر عبد الله ( إخوان, ضد الحراسة ) بأخذ التصويت علي قرارات الجمعية في ظل فوضي عارمة اجتاحت المنصة التي تحولت لحلبة توازن قوي .
التصويت أيضا تم في حالة فوضي , حيث كان يطلب من الموافقين رفع أيديهم و لا ينوه بالمثل للمعترضين لرفع أيديهم بالاعتراض في مرة ثانية .
التصويت كان بالإجماع علي رفع الحراسة و الدعوة لانتخابات , و لكن شهد انتخاب لجنة السبعة جدلا و فوضي , فمهندسو الإخوان يبدو انه لم يتم إبلاغهم بشان التنسيق مع القوي الأخرى فكانوا يظنون أن الأسماء غير الاخوانية هي بالضرورة حكومية و من لجنة الحراسة ,و يهتفون برفضها .
انتخاب لجنة السبعة لم يخضع لتصويت الحضور الذي لم يعرف كيف و لماذا ينتخب أو يرفض هذه الأسماء أو كيف يقترح أخري - لم ينوه مقترحوها في خطأ فادح إلى ان هذه الأسماء مقترحة من " مهندسون ضد الحراسة " - و في النهاية خضع الاختيار و اقرار الأسماء لصراع المنصة التي اختفت خلف غابات من المتجمعين , نسبة كبيرة منهم من شباب الإخوان .
في النهاية أسفرت توازنات المنصة عن ضم مهندس محسوب علي السلطة " د.علي صبري " للجنة بل و رئاسته لها , وسط سخط جمهور الاخوان الذي لم يكبحه سوي تنازل محمد علي بشر عن رئاسة اللجنة له لمكانته العلمية .

حسنا , تم رفع الحراسة .. رغم تشكيك الصحف الحكومية , و هلوساتها عن عدم شرعية الجمعية .
فبرغم كل ما شابها من فوضي فانعقاد الجمعية بعد مرور ساعتين من عدم اكتمال النصاب الأول – ربع الأعضاء – يصبح قانونيا بـ 301 مهندسا فقط و هو بالتأكيد ما تحقق , فعلي الأقل هناك 301 مهندسا توقيعاتهم صحيحة من 5000 جمعت توقيعاتهم و صوتوا كلهم لرفع الحراسة و باقي المقترحات .

و لكن المثير للإحباط , هو أن كل الجمهور من المهندسين غير المسيسين ( الكتلة الثانية – راجع تصنيفي ) حضر و لم يع من الاجتماع و توزاناته وتقلباته و لا صراع الأسماء في لجنة السبعة شيئا , أتصور أن يحرص كل من يهمه أمر نقابة المهندسين – و المجتمع المدني في مصر بشكل عام – أن يدرس كيف يمكن أن يشترك الناس في إدارة شؤونهم بشكل أكثر ديمقراطية بعيدا عن حسابات الناشطين و توازنات المنصات و حشود القوي . .. بغير ذلك فلا أظن أن هناك أملا ما .
لا يمكن أيضا أن ألوم علي الإخوان المسلمين إيجابية جماهيرهم الضخمة , و لكن أتصور أن شعاراتهم ثم هتافاتهم في المسألة الدنماركية بعد انتهاء الجمعية ثم ختام الجمعية بقراءة سورة العصر – وهي حتي ليست من المأثورات الاسلامية العامة في ختام المجلس و انما من مأثورات الاخوان الخاصة – ثم أسلوب إدراة ممثلهم للجمعية في بعض أوقاتها الذي لم يراع سوي جماهيرهم التي تحفظ أسماء رموزها عن ظهر قلب أو التي تم تلقينها ,و حتي التلقين كان فاترا فيما يتعلق برفقاء التجمع ضد الحراسة كما ظهر في التصويت للجنة السبعة .. كل ماسبق لا ينبيء عن مستقبل نقابي ديمقراطي مشرق في ظل اكتساح إخواني مرتقب , اللهم إلا إن قررت " الكتلة الثانية " أن تصحو من غفوتها و تقول كلمتها لتصبح الكتلة الأولي و تبدأ " ما كينة " الديمقراطية في العمل بشكل صحيح .

دفعا للإحباط , علي الأقل كانت هناك لحظة واحدة صادقة و حقيقية و ديمقراطية , تلك التي رفع فيها كل المهندسين الحاضرين – علي مختلف " كتلهم " و توجهاتهم - أيديهم و أصواتهم موافقة علي رفع الحراسة , التي انتهكت السلطة بواسطتها طيلة 12 عاما , حقهم في انتخاب ممثليهم و المشاركة في إدارة شئونهم .


08 February 2006

انفجار .. أم زهرة تتفتح ؟






... أم كلاهما معا !
الفارق بينهما ليس إلا " خيط أحمر رفيع "


مثل الفارق بين ما يفكر فيه المتظاهرون من أجل الخلاص و ما يحلم به جندي الأمن المركزي ...
الصورتان السابقتان – تأمل جيدا – مشهدان من أعلي لمظاهرات ميدان طلعت حرب

" خيط أحمر رفيع " : عنوان معرض " هاني الجويلي " الفوتوغرافي , الذي تحتل هاتان الصورتان مساحة مميزة فيه علي حائط كامل وحدهما في مدخل المعرض المقام حاليا باتيلية القاهرة

كاميرا " هاني الجويلي " التقطت مشاهد لما حدث في وسط البلد السنة الماضية وهي تحاول كشف الخيط الأحمر الرفيع بين المتناقضات .. أو التي تبدو كذلك .







هل " الخيط الأحمر الرفيع " هو ذلك الخيط الذي يصنع فارقا كبيرا -هل هو كبير فعلا - بين وقوفك العادي هناك خارج المظاهرة و بين وقوفك بداخل المظاهرة فيما وراء " الخط " الأحمر

أو ربما ما حدث من زخم السنة الماضية ما هو إلا " خيط أحمر رفيع " يجاهد ليصبح أكثر بروزا في نسيج الثوب البالي




اكتشفت المعرض متأخرا و للأسف - بالنسبة لمن لم يكتشفه - سينتهي سريعا , الجمعة القادمة 10 فباير


-------------------------------
أتيلية القاهرة : 2 شارع كريم الدولة من ميدان طلعت حرب


06 February 2006

منتهي الحماس




(1)

مال علي
علاء في مظاهرة " كفاية " بمعرض الكتاب , مقترحا أن نفكر في هتاف نحيي به نضال حماس و فوزها الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية ..
لم يكن علاء وحده يفكر في ذلك , فالبعض بالفعل أعد هتافا بهذا المضمون علي عجل و ردده المتظاهرون , قبل أن يبدأ الذين هم في قلب المظاهرة في مناقشة حامية الوطيس !
بعض الشباب اعترضوا علي الهتاف لحماس و حاول الاخرون الرد عليهم و تطايرت لتصل الي مسامعي شظايا جدل حول
البيان التأسيسي لـ" كفاية " !
لم تكن تلك حالة الجدل الوحيدة في المظاهرة التي شهدت حالة جدل بين الناصريين و بين شاب وفدي هتف لأحفاد سعد و النحاس .. و جدل بين أعضاء الغد و الآخرين ممن لا يستسيغون الهتاف لأيمن نور لفترة طويلة .
حالة الجدل الكبيرة كانت عندما اعتلي رجل مهووس " منبرا" أسمنتيا و بدأ في الخطابة مما جذب اليه جمهورا لا بأس به ممن تحمسوا و ساروا معنا , فاضطر الشباب للهتاف ضده و محاولة انزاله و اقناعه بالتخلي عن منبره .
افتقاد التظاهر – و هو النشاط الأبرز لحركة التغيير – للنظام , أدي إلي تبديد حماسة المتحمسين واهدار فضول المتطلعين للاقتراب و التفاعل , كما أنه- و ربما لأنه - سمح بحالات جدل غير حميدة أثناء أعمال جماهيرية يفترض فيها ابراز وحدة ما لصف حركة التغيير .
إذا أضفت لذلك حالة الجدل الداخلي العام الذي – رغم ثرائه – لم يصل الي مرحلة النقاش الجدي الفعال الذي يعرف مساحات التلاقي التي يمكن العمل فيها و حدود الاختلاف التي ينبغي التوقف دونها , و الذي يفضي بالضرورة لأشكال من العمل علي الأرض .. أذا أضفت ما سبق يمكن ان تصل لتشخيص ما لأزمة " كفاية " الحالية التي لا يعيبها الاعتراف بها , و يحسب لها محاولاتها لتجاوزها .

خلقت كفاية منذ ولادتها حالة من الجدل بين المثقفين و المحللين و المهتمين و الناشطين , كما ولدت دفقات من الحماس الوطني لدي الجماهير , و لكنها الآن أشد ما تفتقد الي تدشين جديد يجدد الدماء بالاضافة الي نظام يرشد من حالة الحماس و الجدل و يحيلهما الي طاقة منتجة .
يعتقد البعض – و هو صحيح – ان " كفاية " جبهة مؤقتة , لذا فانهم يعتقدون - وهذا ما أجادل فيه – أنه من غير المبرر أو المجدي , الاهتمام بتكوين هيكل ما ومجموعات عمل دائمة و أطر داخلية تتوزع أفقيا في أنحاء مصر , أو الاهتمام البالغ بتطوير و تنظيم الحركة من الداخل .
أعتقد أن " الحماسة " وحدها يمكن أن تنتهي بنا لأن نتخيل أن التغيير في مصر حدث متوقع في المستقبل القريب .. في رأيي أن طول معركة التغيير يفرض الاهتمام ببناء جبهة تغيير قوية تحاول اعادة خلق شارع سياسي يمكن لأحزاب و تيارات ساسسية ان تعمل في ساحته , بدلا من حالة اللعب بدون جمهور التي تحيا فيها كل الأطياف السياسية.
لا خبرة لي في شئون التنظيم الداخلي و لا في الآليات التفصيلية للعمل السياسي , و كنت أتمني لو كان لي , لأشارك بمقترحات ما في
ورش تطوير " كفاية " , و لكن أعتقد ان الخطوط العريضة التي تتبناها هذه الورش و حددتها كمجالات للنقاش و المقترحات , كافية لان يكون الحد الأدني منها خطوة جيدة للأمام .


(2)

في عامي الجامعي الأول , كان أول علاقتي بالتيار الإسلامي ( الأخوان المسلمين ) في الجامعة معرضا عن المقاومة الفلسطينية .
كانت حماستي كافية لأن أعرض خدماتي بينما لم أوطد علاقتي بشكل كاف بهم , و لكن حصافة " الإخوة " في العمل الجماهيري استطاعت ان تتجاوز هذا سريعا و توليت الركن الخاص بحركة المقاومة الاسلامية " حماس " .
و يبدو أنني أبليت بلاءا حسنا لكي تتوطد علاقتي بالاخوة و أبدأ رحلة معهم انتهت بي في السنة النهائية لأن تكون حلقة النهاية في علاقتي بهم , عددا من صحيفتهم, توليت تحريره و ووضعت فيه كل ما أومن به حقا , بدافع مزدوج من روح الالتزام الفكري و المغامرة المرحة ....مما جعلني بدوري أسمع جملة النهاية من مشرف الصحيفة بعد ان اطلع علي مسودتها : " من الوغد الذي صنع هذا العدد " اليساري " من صحيفة الاخوان المسلمين في جامعة القاهرة !؟ "

لم أكن بالطبع أنتظرهذه اللحظة لكي يتبين لي أنه لا مكان للسياسة داخل الأخوان المسلمين , يبدو واضحا جدا من الداخل ,أو من قريب , أن هناك مكان لكل شيء من التصوف الي الرياضة البدنية و لكن لا وجود للسياسة بمعناها الحديث اللهم الا واجب المشاركة الفعالة من قبل المسلم في شئون مجتمعه .
ربما يبدو هذا مناقضا لنتائج الأخوان الباهرة سواءا في الانتخابات البرلمانية المصرية أوالفلسطينية . إلا أنه صحيح بقدر ما يمكن أن نقول انه لا " سياسة " في التصويت و لا في الانتخابات برمتها .
ففي مصر صوت الناخبون للإسلام كمنهج الحياة " واسع و فضفاض " بدوافع ثقافية دينية و روح معارضة جذرية للسلطة و المجتمع " غير الإسلاميين " علي حد سواء .
و في فلسطين أضف خيار المقاومة المسلحة , و المعارضة لنمط التفاوض الانبطاحي لدي السلطة الفلسطينية .
و بالنسبة للوضع في الأخيرة , طالما اعتقدت – و أظن أعتقد غيري أيضا - أنه لا جدوي من النضال بدون الجمع بين البندقية و بين الجلوس علي مائدة المفاوضات... فحامل البندقية يمكن أن تنتهي به حماسته إلي عبثية قتالية – الموت لهم أو لنا أو كلانا معا – طالما انعدمت قنوات الحوار و التفاوض مع الطرف الآخر .. كما أنه لا تفاوض مجد بلا أوراق تفاوضية لها ثقل فعلي علي أرض الواقع .
الازدواج – بل و الصراع - بين المسارين كما تبدي في الشأن الفلسطيني , رأيته شكلا من أشكال عبثية الصراع الدامي الدائر هناك و السائر الي طريق مسدود .
أضف نفوري الشديد من نمط العمليات الانتحارية / الاستشهادية التي أراها اهدارا لفرصة الحياة - لدي المنفذ - بشكل عمدي , يتجاوز المخاطرة الكبيرة الي انتحار واضح ..و لا جدوي من تغيير اللفظ .
كما انه باستهدافه العشوائي يعد وسيلة " لا أخلاقية " لا تبررها لا أخلاقية الخصم و لا ظروف النضال الصعبة .
كما أني لا أستطيع أن أدفع بعيدا عن مسار تفكيري الآن مصير أجيال " يهودية " ولدت علي أرض فلسطين و لا تعرف لنفسها جنسية سوي الجنسية الاسرائيلية و هؤلاء لا أعتقد ان نظرة انسانية يمكن ان تتجاهل علي الأقل حقهم في الحياة بدون التعرض لخطر الانفجار في مطعم للبيتزا .

في المعرض الجامعي وضعت فقرات باكلمها من ميثاق حماس في لوحات ... كانت كلمات الميثاق كفيلة ببث الحماس في نفسي و نفوس الطلاب .. و لكن الأن عندما أعاود قراءة ميثاق الحركة ثم تصريحات قادتها و تعليقاتهم , لا أجد نفس الحماس فالأمر الأن اختبار حقيقي و صعب . .. كيف تتصرف حماس من موقع السلطة !
مبئديا تم تخفيض منسوب الحماسة باستثناء تلك المتعلقة بنشوة الفوز ... و بدأ الأخوة في مواجهة واقع يفرض عليهم دخول لعبة سياسية معقدة في الداخل و الخارج و تحت احتلال عنصري بغيض و في ظل أنطمة عربية متخاذلة و وضع عالمي مختل ... هو باختصار وضع شديد الوطأة و قاتل للحماس و الاندفاع خلف الحماس فيه قاتل !

(3)

يؤسفني أني لا أجد ذرة من الحماس للانخراط في المعركة الدائرة حاليا حول
الصور المسيئة للنبي (صلي الله عليه و سلم ) .. تلك التي يعتقد الكثيرون الأن أنهم بانخراطهم فيها بأشكال متعددة قد وجدوا أخيرا معركة حياتهم أوأنهم اكتشفوا فجأة غاية لوجودهم .
يؤسفني أيضا كوني مضطرا أن أذكر أن حبي للنبي أظنه لا يقل كثيرا عن حب هؤلاء .
و لكن أظن أن حبي له ان اتخذ منحي شخصيا او وجدانيا بشكل مبالغ فيه فلن يختلف كثيرا عن حب الوثنيين لأوثانهم , مع تفهمي لدوافعهم التي لا أقدرها كثيرا, و لن يكون أكثر من تعصب لذلك الرمز الذي يخصنا .
حبي للنبي هو حب لرسالته التي أدين بها , و حب لحياته و كلماته التي أراها معينا لحكمة انسانية صافية .. عميقة و بسيطة .. ملهمة و عملية في الآن نفسه .
ليست عندي الان حماسة كافية للانخراط في حوار مكررحول ملابسات الحدث و تداعياته , و لا حول عقلانية أو اخلاقية أو جدوي ما يفعله المنهمكون في المعركة , و لا أحب أن أصادر علي حقهم في التعبير عن مشاعرهم.
فقط أحب أن أذكرهم بأن يتساءلوا قليلا عن مغزي الموقف الرسمي للحكومات الذي تقف بجانبهم الان كتفا بكتف ... أتمني أن يتدبروا قليلا و يتلفتوا حولهم ليروا مواقعهم الخالية في ساحات معارك أخري ينبغي أن يخوضوها امتثالا لامر النبي بالسعي لتحقيق العدل و المساواة بين البشر و التصدي للطغيان و الاستكبار و الفساد و الاستغلال و البطش و امتهان الانسان .
أتمني أن يدهشهم و لو قليلا وقوف كل تلك الأنظمة بجانبهم و إذكاؤها لحماستهم من أجل الدفاع الرمزي عن اسم و صورة النبي , بينما نفس الأنطمة فعليا و واقعيا تأكل " مال النبي " و أموالهم .