31 January 2006

مسار إجباري



رضوي كانت ذاهلة و ممتقعة من الحزن , و أنا احتفظت بدهشتي الصامتة بلا تعبير.
لا زلت لا أجد كلاما معبرا في مثل هذه الأوقات , الموت يعبر عن نفسه بوضوح لا يحتاج لتعبير و تتضاءل جانبه التعازي .
رغم أن هذا لا يحدث لي كثيرا .. إلا أني فور أن علمت بالنبأ شعرت فجاة أني كان ينبغي أن أراه مرة أخري علي الأقل .
رضوي أصرت أن تري جدها مرة أخيرة بالفعل .. فألقت نظرة علي الجسد المسجي و قبلته ...و بعد أن رحل أخذت الغطاء الذي غسل عليه , و نامت تحته هذه الليلة .
أنا رأيته بعدها في كفن أبيض داخل تابوت وضعت كفي تحته , و طلب مني أحدهم أن أساعده في إعادته – التابوت - للعربة بعد ان تابعت مدهوشا جسده يغادره و ينزل محمولا الي حفرة .



صغيرا , مدركا بالكاد معني الموت , عزمت علي أن أدخر جيدا لكي أشيد لنفسي مقبرة جيدة فوق الأرض .. حجرة محكمة الغلق أوضع فيها فقط ... و لن أنسي أن أكتب في وصيتي ألا يتم وضعي في كفن و ألا يهال علي تراب ... ربما عندما يظن الناس موتي , فقط سأفقد اتصالي بهم ... إلا أنهم هم من " يقتلونني " بالفعل – أو يعذبونني – بما يفعلون .
فاضت عيناي لدقائق أمام " الحفرة " و لم أدر ساعتها – ناضجا بما يكفي الآن أن أدري - ماذا ينبغي حقا أن أفعل !


16 January 2006

" النبي تبسم "

لخمس سنوات , قضيتها في كلية الهندسة, كنت أمر عليه يوميا باسثناء أيام العطلات , أعطيه جنيها و أوجه اليه, بعد السلام الذي لا يرده , كلمة واحدة : " الحياة " ... و احيانا كنت أزيد المبلغ و عدد الكلمات مضيفا " العربي " , " آفاق عربية " أو " الأهالي " .. و لكن وجهه كان دائما ثابتا علي تعبير واحد جهم و لا مبال ...يمكن أن يردك اذا لم يكن يريد ان يقلب في " الكرتونة " ليبحث لك عن فكة للباقي .
فكرت أحيانا أنه ربما يتاجر في أشياء أخري و يتخذ من بيع الصحف ستارا , و حفز خيالي كثيرا مرأي وجهه القاسي و صرامته و زهده في جنيهاتي .
اعتدت بالعشرة علي سلوكه الخشن فلم يعد يضايقني كثيرا أن يردني بالعشرين أو الخمسين جنيها , كنت غالبا ما أعود اليه مرة أخري بين أوقات المحاضرات التي كنت أقضي معظمها جالسا في الكافيتريا , أقرأ أو أفكر أيا من الكليات كان يجب ان أكون فيها آنذاك.
مروري اليومي المنتظم عليه جعله , بمرور الوقت و الجينهات , يضعني في منزلة خاصة .. فسمح لي - تدريجيا - دونا عن " العامة" من طلبة الجامعة , بتصفح الكتب و المجلات و النظر في فهارسهم علي مهل , بينما مصير أسود ينتظر الآخرين ممن يحاولون فقط لمس الكتب او المجلات او الوقوف لمدة قد يراها أطول من اللازم أمام عناوين الجرائد و أغلفة المجلات .

هذه المعاملة الخاصة التي يحتفظ بها لزبائنه الجادين لا تتضمن أي تخفيف من ملامح وجهه الصارم أو لامبالاته بهم و بنقودهم .. و لكنه أحيانا ما كان يتبسط معي و مع غيري و يقلب في "الكرتونة " ليجمع الباقي في حالة شراء المجلات الفصلية أو الكتب ذات الثمن " المحترم" .
المدهش حقا هو ذلك التوحد الذي بينه و بين مساعديه , ربما يعرفون رد الفعل المناسب تجاه الزبون من تعبيرات وجهه ... فاذا ثبتت علي مستوي جهامتها المعتاد فالأمور علي ما يرام , و لكن اذا ما تحولت الي الامتعاض فان المساعد يبدأ في اتخاذ اللازم و ردع المتطفلين .
لثلاث سنوات أخري , أمر جيئة و ذهابا, من وإلي كلية الآداب , في الأغلب مرة كل أسبوع , أصبحت " الحياة " بجنيهين , و تغيرت أسعار كل الجرائد و المجلات , و أصبح مساعديه أكبر سنا و أقل عدوانية مع الطلاب و أكثر تهاونا و ودا معي .
أحد مساعديه اعتاد أن يأتي لي بالحياة فور ان يراني قادما , أضيف أنا مؤخرا : " و المصري اليوم " . ... بينما كبيرهم – عند الكلمة السابقة اكتشفت فجأة أني لا أعرف اسمه – لا يتزحزح , و كأنه تمثال مصري قديم يجلس هكذا منذ فجر التاريخ عند مدخل جامعة القاهرة .

صباح الأمس بعد أن قلت له كلمتي المعتادة :" الحياة " –كنت قد اشتريت المصري اليوم مساءا – وبعد أن تقبل مني الخمسين جنيها بلا مناقشة ثم جمع الباقي من " كرتونته ".... رفع بصره الي و ابتسم و هو يسألني : " انت لسه ما خلصتش ؟"
ليس من عادتي أن أحسن رد الفعل تجاه المفاجآت .. ولكن من حسن الحظ أن ابتسامتي اتسعت من الدهشة - و ليس حدقتاي - و أجبته في سعادة شارحا له قصتي و لكن باختصار ... لا يجب ان أتمادي مع تبسطه معي .
بدأت قسمات وجهه المتغضن تلين مفصحة عن حنو أبوي و هو يقول بصوت أجش غليظ : " أصلك ما بقتش تعدي كتير زي زمان "
اتسعت ابتسامته هو الآخر , تبادلنا جملتين أو أكثر, ثم تبادلنا السلام ., بل انه حياني بهزة من برأسه و أنا راحل .
توقفت قليلا أطالع أغلفة بعض الكتب المعروضة و انا أتابع خلسة كيف يعود وجهه ثانية كما كان, و كيف يرد طالبا بيده جريدة " المساء " و بيده الأخري الممدودة عشرون جنيها , قائلا في صرامة و اقتضاب " مفيش فكة " . .. ألمحه يلقي نظرة خاطفة الي مملكته قبل أن يشيح بوجهه مصوبا بصره الي بقعة ما بعيدا عني و عن الطالب الغاضب الذي لا يزال واقفا مادا يده في حنق .

10 January 2006

من أجل الإنسانية .. لا من أجل التغيير



(1)
الخميس الماضي (5-1-2006) قبل الخامسة بقليل , في الشركة التي أعمل بها و التي لا تبعد أكثر من مائتي مترا من ميدان المذبحة (مصطفي محمود سابقا )... الشركة تعج بالنشاط و الحركة اللذين لا علاقة لهما بالعمل .
اليوم الأخير قبل إجازة طويلة و الكل منتش باالحساب الذي امتلأ أول هذا الشهر بأضعاف ما يكون عادة , بمناسبة الأعياد و حوافز نهاية العام.
أظرف بيضاء تتنقل بين الغرف مكتوب عليها : كفالة أيتام او عمارة مسجد و ايضا عيد ميلاد فلان أو فلانة .... لم ينسوا من سيوافق ذكري ميلاده يوما من أيام العطلة , سوف يتم شراء هدية له بشكل عاجل اليوم .
الكل يخرج محفظته في أريحية و يضع في الظرف ... لا يعود ظرف من غرفة دون اضافة .
راودتني الفكرة و لكن لم أقدم عليها إلا بعد ان ألح علي زميل قائلا أن هذا أجدي من الوقفة التي ستقومون بها في الخامسة ..كما أنه يريد المشاركة, لكن مثل هذه الوقفات لا تلائم مزاجه كثيرا.
أخرجت ظرفا و كتبت عليه " مساعدات للجرحي و المشردين من اللاجئين السودانيين " و أنا أكتب ,حسبتها بسرعة و قدرت ماذا سيكون فيه بعد جولته علي مكاتب الزملاء ...أي من الغرف سيتغير فيها حاله ..و أيها سيخرج منها كما دخل .
كذبت نفسي و نزعتي الاستعلائية و دفعت عني سوء الظن بالآخرين و طويت الظرف , و بعد أن تركته قليلا لزملاء الغرفة , قمت به الي أقرب غرفة ..

" لا ....أنا ما ليش دعوة بالقصص دي ! "
هذا الزميل هو المنظم الاول للأظرف و التبرعات الخيرية المتعددة الأنماط بالاضافة لاعياد الميلاد التي يكون اصحابها من المقربين إليه ..
لم يكن هناك بد من بعض العدوانية ..
- " أنا آسف ... ما اعرفش حد من اللاجئين عيد ميلاده الأيام دي "
يخرج الظرف خاليا من هذه الغرفة ...في الغرفة التالية أذهب بها لصديق دمث لان اعصابي لا تحتمل كثيرا من السخافات .. اعطيه الظرف و اشرح له الموضوع و أطلب منه التنويه ان كان ثمة من يود المشاركة .
يأخذ الظرف دورته المعتادة مع عدد من الزملاء و يعود الي في نهاية الرحلة بلا أية اضافة .... و لكن مع كثير من الجدل مع من يأتون لغرفتنا لالقاء السلام و التهنئة بالأعياد ...
أحاول أن أخوض نقاشا يبدو لا علاقة له بمحاولة اقناعهم باخراج محافظهم .. و لكن أخيرا أكتشف أن الأمر لا يبدو لهم في وضوح كفالة يتيم او إعمار مسجد , كما انه لا عائدا اجتماعيا له مثل ان يجد صاحب عيد الميلاد اسم الدافع علي ورقة بهيجة تنبئه بمن جامله في عيد ميلاده المجيد .
أخيرا .. أعلن للملأ ان هذا الظرف لا علاقة له بجمع تبرعات .. عبروا عن مشاعركم جميعا كما ترغبون ... من يرغب في البصق عليهم بينما هم للأسف رحلوا, فليبصق في الظرف ...من يريد سب دين آبائهم فليترك ورقة بذلك ...حتي من يريد ان يخرج لهم إصبعه الوسطي ...فليقل لي و سأحاول نقل تعبيركم بأمانة !

(2)
الخامسة مساءا في ميدان المذبحة ... موعد الوقفة التي دعا اليها مجموعة المدونين التي أطلقت علي نفسها " متخلفون من أجل التغيير " والتي يعود " الأصل التاريخي" لتسميتها الي ذكري مظاهرة " كنس السيدة " التي أثارت فكرتها سخط المتنورين من أصحاب الفكرالجديد بالحزب الوطني التقدمي و تشكيلاته الأخري في الصحافة القومية و قيادات الأمن.
( كنت هناك بوصفي عضوا شرفيا في هذه المنظمة التي أحظي الآن بعضويتها العاملة بعدما تم تعميدي – بعد الوقفة – في جلسة سمر تدوينية في بيت الأمة : منزل علاء و منال )
كان عددنا قليلا في البداية و لكن بدأ الزملاء في التوافد ... تضامن مع دعوة " المتخلفين " تجمع " يد" كما " لجنة التضامن مع اللاجئين السودانيين " بالاضافة لمجموعة من شباب " شباب من أجل التغيير " و غيرهم .
مساء الخميس و المرور كثيف واعدادا من الناس تقترب و تنظر مليا الي اللافتات و الي وجوه الشباب الصامت الممسكين بها ..
أتخلي عن لافتتي بعد وصول عدد مناسب من الاوراق ... و أبدأ في توزيعها علي المارة و محاولة تجاذب أطراف الحديث معهم ...

- حضرتك أكيد عرفت اللي حصل هنا
- مش واخد بالي
- اللاجئين السودانيين اللي اتقتلوا هنا ... ما سمعتش حاجة زي كده ؟
- و الله طراطيش كلام ... سمعت انهم كانوا عاوزين فلوس و عملوا مظاهرة هنا و ضربوا البوليس و بعدين البوليس ضربهم و مشاهم من هنا .... عادي يعني .
- حضرتك سمعت الكلام ده فين
- اهو بيتقال و ساعات يعني بابص ع السريع في الجرايد
- (نفس عميق ) لا يا أستاذ الموضوع انه (..................)


- حضرتك أكيد عرفت اللي حصل هنا
- طبعا
- و ايه رأيك ؟ أنت من أي فريق ... اللي حصل ده تمام ...و لا مش تمام ؟
- و الله أنا مع الاتنين ... هما كان لازم يمشوا من هنا دول وسخوا المكان و كان عندهم ( ثم أنشودة الإيدز و الجنس في الهواء الطلق و نجيلة الحديقة و المنظر الحضاري ...إلخ )
-( مقاطعا ) اسمح لي حضرتك شايف ايه في الحاجات دي بالضبط تبرر قتل بني آدم
- مافيش , لكن ..
-( مقاطعا ) اسمح لي تاني ..الناس اللي واقفة هنا دي ممكن يكون عندها " لكن " او " المفروض كان .. " لكن احنا وافقن هنا علشان " مافيش " ...مافيش حاجة تبرر قتل بني آدم ..حتي لو كان متهم ... متفقين
- متفقين .
- لا مصريين زي اللي ماتوا في الانتخابات و لا سودانيين و لا من أي ملة أو دين ... الانسان – أي انسان – حياته شيء مقدس و لا يجب التعامل معه باستهانة زي اللي عند الشرطة المصرية ... مضبوط .
- كلامك مضبوط

- حضراتكم أكيد عرفتوا اللي حصل هنا
( شباب يرتدون حلات أنيقة كاملة ...غالبا موظفو بنك أو شركة كبري )
- ششت ...احنا مالناش دعوة
يواصلون طريقهم في مرح و تزيدهم لافتاتنا مرحا .. اكتم رغبة في الانتقام اللفظي ... لا يجب ان تحدث اي مشاحنات هنا ... أفراد الأمن بملابس مدنية هنا بأعداد أكبر منا ينتظرون ذلك

- حضرتك أكيد عرفت اللي حصل هنا
- اه طبعا ... و انت يا استاذ يعني مستني ايه ..دي حكومة وسخة بنت وسخة ... هو انتوا اول مرة تعرفوا؟
- لأ عارفين ..بس ايه الحل ... نسكت
- لا والله .. المفروض نطلع دين أبوهم
- محتاجين الاول نتعلم نرفع صوتنا و نطالب بحقنا ... ماحدش هيحافظ علي حقوقك و انت قاعد ساكت في بيتك
- صحيح ... ربنا معاكم .... سلامو عليكم


- حضرتك أكيد عرفت اللي حصل هنا
- طبعا
- و ايه رأيك ؟ أنت من أي فريق ... اللي حصل ده تمام ...و لا مش تمام ؟
- بصراحة انا مع انه كان لازم يحصل ... مش منظر يعني و ( ثم الأنشودة )
- معلش حضرتك اقرا الورق ده و حاول تدخل علي النت و تسمع كلام من مصادر تانية ..
- ماشي بس انا شفتهم بعنيا و الميدان اتقلب ما تآخذنيش في اللفظ زريبة
- طيب ما فكرتش ليه ممكن واحد ينام في الشارع ... مش أكيد عنده مشكلة
- ما هو مصر مش ناقصة مشاكل .. احنا فينا اللي مكفينا
- كل واحد فيه اللي مكفيه .. بس اخوك تقتله علشان ما يزودش مشاكلك ..و لا تقسم اللقمة بينك و بينه لحد ما تفرج ....
- و الله حتي اللقمة مش مضمونة الايام دي

- ...
-....
- يعني هو البوليس كان المفروض يعمل ايه ؟
- ده شغلهم هما يعرفوا ازاي ... انما اللي لازم يعرفوه انهم يتعلموا يحترموا البني آدم ..
- ما هو لازم السودانيين يحترموا القانون
- آه ..القانون .. القانون اللي بيجرم القتل .... ولا القانون اللي خلي ضباط الشرطة يتحرشوا بالمتظاهرات يوم الاستفتاء ..و يقتلوا الناخبين في الاقاليم .... و يعذبوا المتهمين و المشتبه فيهم في أقسام الشرطة ... انت عايش هنا و أكيد عارف
- معاك حق .. بس برضوا " احنا " كان مضطرين لكده
-لا يمكن ... حتي لو متهمين ... لازم تحافظ حتي علي حياة المتهم ...دي حياة بني آدم ... الانسان له الحق في تعامل أدمي يحترم كل حقوقه .. مش بس مجرد حياته ...فيه 56 بني آدم اتقتلوا هنا ... دي مذبحة ... مافيش مبرر أبدا للي حصل .. 56 نفس يا راجل ... الدور جاي علينا علي كل ضعيف هايطالب بحقه لو ما بدأناش نتعلم نقف جنب بعض ..

(3)
النتيجة كانت ايجابية في مجملها .. كثير من الناس اقترب و قرأ الأوراق و استمع لكلامنا و خطبت أميرة الطحاوي في الجموع و قرأ أحدنا بيانا عن المذبحة .
ساعدنا مساء الخميس و منحنا مرورا كثيفا من المارة و السيارات .
تكلمت كثيرا حتي أصبت بالصداع و لكن بعد أكثر من مناقشة بدأت أتعلم أن أحافظ علي مجري سليم للحوار .. أتجاوز بسرعة أنشودة النجيلة و الإيدز و أدخل في صميم الموضوع ..أحاول ان اتجنب الكلام المجوف و الثنائيات العقيمة التي تعترض مجري التفكير مثل ( مصر /السودان – نحن /هم – المفوضية /الحكومة - ..... ) أحاول التركيز علي كلمات مثل :( بني آدم – إنسان – حق –حياة – تعامل انساني – وحشية – تجاوز – بلطجة – مذبحة – نفس –روح – قتل – دم )
أقول أننا هنا مختلفون حول بعض حقوق او سلوك هؤلاء اللاجئين و حول مشروعية مطالبهم , و لكن كان علينا اولا بدلا من التفكير في ابعادهم من هنا ان نفكر قليلا في مشكلتهم لا مشاكل الحديقة , ثم اننا لا يجب أن نختلف في ان قتل الانسان هو جريمة لا مبرر لها اطلافا ... تحت أيه اعتبارات او ظروف حياة الانسان وحقوقه الأساسية هي الأهم مطلقا .

أعتقد انك ما ان تسير في المسار الصحيح .. يفاجأ محاورك نفسه أنه متفق معك و يبدا في الخجل من مبرراته و كلماته التي يكتشف انها مقارنة بما حدث بلا معني تقريبا .
الناس لم يفقدوا روحهم الإنسانية بعد ...و لكنهم فيما يبدو مضطرون لتجاهلها ليتمكنوا من الحياة ... مضطرون ان يتجاهلوها و الا سيصابون بالاكتئاب كل صباح و هم يطالعون في الجريدة : مصرع العشرات و اصابة المئات ...مذابح و تفجيرات و انتهاكات .... مضطرون لتجاهلها و اخفائها لكي يتمكن كل منهم من تجاوز حق غيره في طابور انتظار الاتوبيس وطابور رغيف الخبز , وأيضا في تجاوز حق غيره في الحصول علي وطيفة او مقعد دراسي او صفقة عمل ... لم يعد هناك ما يسمي بحق أحد ما – هناك استطاعة ( وساطة – رشوة - نفوذ ) تمكنك من تجاوز غيرك .
يلزم أن تطمس حسك الانساني لتحتفل هنيئا بأعياد الميلاد بلا شعور بالذنب تجاه المذابح الجماعية .. لتقضي عطلة أسبوع مرحة عابثة بلا أدني مشاعر مقلقة .
يلزم ان تطمس حسك الانساني لتتمكن من خوض الصراع في الاتجاه الخطا .. ان تنخرط في صراع المظلومين – بعضهم ضد بعض - علي لقيمات الخبز و علي المستقبل الأمن لاولادهم , بينما أنت مضطر - قهرا- لتجاهل وجود أيادي البطش و أيادي الفساد.

ملزمون بطمس انسانيتهم هم أنفسهم و من العسير أن نسألهم عما فعلوا اكتراثا بإنسانية غيرهم .


02 January 2006

مصر : هنا قتلت الإنسانية


".. التقارير الأولية لمعاينة جثث القتلى – 56 قتيلا حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا (السبت 31 ديسمبر2005)
معظم الحالات وفاة من اسفكسيا الاختناق
الحالات الأخري : - انفجار في الطحال - هبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة لنزيف داخلي - نزيف في المخ - انفجار في الرئة – البنكرياس
عدد كبير من القتلى هم من الاطفال "
من تقرير تجمع " يد " من معسكرات اللاجئين

" الحكومة السودانية تشكر مصر علي صبرها كل هذه المدة "
متحدث رسمي عن الحكومة السودانية بقناة الجزيرة

" هناك اتفاق مسبق بين الحكومتين المصرية و السودانية بشان فض الاعتصام "
محافظ الجيزة ( جريدة العربي 1-1-2006 )

" مظاهرتان بالقاهرة ظهر و مساء السبت 31-12-2005 تحت شعار ( هنا قتلت الانسانية ) "
/
في السودان : حفل غنائي بهيج مساء السبت 31-12-2005 بحضور الرئيس البشير بمناسبة عيد " استقلال " " دولة " السودان !! "

" أحمد نظيف يستهل مهام ولايته الجديدة بزيارة رجال الشرطة الذين أصيبوا خلال عملية فض اعتصام اللاجئين السودانيين "
المصري اليوم 1-1-2006

" استخدمت الشرطة خراطيم المياه الملونة التي تصيب الأجسام بالحساسية و العيون بالانتفاخ "
العربي 1-1-2006

" بدأ اللاجئون بالقاء الزجاجات و أنابيب البوتاجاز - ! - علي الشرطة "
عمر شعيب - موظف باحد الشركات المجاورة للميدان تواجد بالصدفة الساعة الرابعة فجرا بموقع الحادث -! - و أدلي بتصريحاته كشاهد عيان للاهرام ( الاهرام 1-1-2006)

" التقرير المبدئي لبعض الجثث به آثار عنف بارأس و منطقة الصدر نتيجة استخدام آلات حادة ضد المعتصمين السودانيين "
مصدر طبي بمستشفي الشرطة بالعجوزة( العربي 1-1-2006)

" الضحايا اختنقوا تحت أقدام زملائهم "
الاخبار 1-1-2006

" أدينا واجبنا بالكامل تجاه هؤلاء اللاجئين ... ( مصر ) كان عليها أن تتدخل حفاظا علي هيبتها و حقوقها "
المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية

" مصر تعاملت بحكمة و اقتدار مع أزمة اللاجئين السودانيين "
بيان وزارة الخارجية المصرية

" يا سيدي لك أن تتخيل ... المعتصمون السودانيون مارسوا ( الحياة )- تفهمني طبعا - في الميدان "
مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة الهلال في قناة الجزيرة

" ... و في ذلك كانت مصر نموذجا حضاريا فريدا عندما انتظرت أكثر من ثلاثة أشهر استنفذت خلالها كل الوسائل المتاحة , ثم بعد ذلك تحركت في إطار الشرعية و القانون لتفرض النظام و الأمن الذي هو غاية و هدف أي مجتمع " إنساني " متحضر "
محمد عبد المنعم الرئيس السابق لمؤسسة روزاليوسف في عموده " بالمنطق " الأخبار 1-1-2006

"اعادة تخطيط و تجميل حديقة ميدان مصطفي محمود "
الأخبار 1-1-2006

" هما يستهاهلوا ...دول صيع و شفتهم بعيني بيشربوا بانجو و هما قاعدين في الميدان "
أشرف - ساعي " نوبي " بشركة استثمار عقاري

" كان منظرهم مقرف جدا و ما كنتش قادرة أعدي من جنب الميدان من الريحة ...نعيش ازاي كده "
دينا - عضو هيئة تدريس باحدي الجامعات - تسكن في حي المهندسين

" يا عم ما يروحوا بلدهم او يمشوا جنب الحيط زي ما احنا ماشيين ..عاوزين ايه ... هو احنا يعني اللي عايشين "
سيد - بقال

" دول أكلوا نجيلة الجنينية - يضحك - أنا قلت دول هياكلوا العساكر كمان ... ما كانوش ممكن يمشوا غير بكده "
محمد -طالب بكلية الحقوق

" العمارات اللي حوالين الميدان جالنا منهم شكاوي كتير و كانوا عاوزين يعملوا مظاهرات ضد المعتصمين علشان يمشوا من هنا "
لواء شرطة لقناة العربية

" طب يعني البوليس يعمل ايه ... ما هو مش منظر حضاري برضه قعدتهم دي "
عبده - سائق خاص

" هي صحيح البلد كلها أصلا وسخة ... بس دي المهندسين ...و العرب يا ريس "
سائق ميكروباص

" تم رصد 17 حالة طرد لعوائل سودانية من المساكن التي يستأجرونها في أماكن متفرقة بالقاهرة "
من تقرير تجمع " يد"

" فقط هاتوا أهلنا ثم أطردونا إلى أقرب صحراء لنموت هناك ,وحدنا "
سليمان - احد اللاجئين السودانيين للمتظاهرين في ميدان مصطفي محمود مساء السبت 31-12-2005

" من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا "
قرآن كريم


** فقرة إعلانية **
بشري سارة !
- العشر الأوائل من ذي الحجة ...فرصة لاقتراف أكبر " كمية " من العمل الصالح و الحسنات المضاعفة
- تتوفر مسابح بالعدادات الاوتوماتيكية
- تملك في برج زمزم و تمتع بالحج مع أجمل view علي الحرم المكي الشريف

بمناسبة أعياد الميلاد ...
أجمل أيقونات للعذراء و وليدها المسيح .. الذين لجئا إلي مصر هربا من الاضطهاد ... و لكن بطريقة حضارية
توجها لحي المطرية الشعبي و لم يعتصما في ميدان حي راق !

****





" مَنْ سيُعلّقُ في الميدانِ الخاوي
أغنيةَ الميلادْ
دمّ الأطفالِ السودِ يلطخُ كل فروعِ السَرْو
ِيُـلطخُ كلّ هَدَايا الليل ِ , مَــتَاجرَ حيّ البيضِ الراقي.
مَنْ سيعلّقُ في المَيدانِ الخَاوي أغْنيةَ المِيلادْ
(سَانْتا كْـلُوز)
لا يعرفُ أنّ هناكَ أمانٍ للأطفالِ السودِ
ولا يَهْتم
ّللأطفال السودِ , الموتُ , هراواتُ الأمنِ المصريّ
جيشٌ من (سَانْتا كْـلُوز) أحرقهم أحياءً في الميدانِ
كي يتدَفــأُ أهلُ الحيّ الراقِي
ليلةَ أولَ يومٍ ,
من عامٍ مصريّ
سأبيت
ُوفي قلبي ثقبٌ أسودْ "
محمود عزت





" أولاد القحبة !
لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم
أن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى
أما انتم لا تهتز لكم قصبة
الان أعريكم
.....
يا حكاما مهزومين
و يا جمهورا مهزوما
ما أوسخنا ... ما أوسخنا ... ما أوسخنا
ما أوسخنا
لا أستثني أحدا"
مظفر النواب