30 March 2007

في الطريق إلي البذاءة

بالأمس , كما الخميس الماضي , قطعت الطريق إلي العمل في أربعة أضعاف الوقت المعتاد .
طريق النيل الضيق علي الكيت كات تتوقف السيارات فيه بشكل تام لربع ساعة , قبل أن تتحرك قليلا ثم تعاود التوقف .
سائق التاكسي يلح بكافة الأشكال البلاغية علي أن هذا الطريق يتوقف هكذا دائما , و أنه لا يحب اتخاذه أبدا , فضلا عن أنه لا يحب العمل في إمبابة أصلا - هو في الغالب يسكن في جاردن سيتي - ولا ينقصه إلا أن يلتفت إليّ و يقول " أنا اصطبحت بوش مين النهاردة ؟" .
أكتفي أنا بالقول مرة واحدة فقط أن الطريق هنا مزدحم قليلا و لكنه لا يتوقف أبدا بهذا الشكل , ثم أبدأ في تصفح "المصري اليوم " علي خلفية مونولوجه الحزين الشجي .
عند قسم إمبابة , أربع عربات أمن مركزي و سيارة مطافيء يقفون بشكل متأهب أحمق , باقي الطريق لا يكفي إلا لمرور صف واحد من السيارات . علي مداخل الشوارع المحيطة بالقسم المؤدية لمحكمة صغيرة تقف صفوف متراصة من الجنود خلف حواجز تمنع دخول الشارع نهائيا ,بينما يتجمع العشرات أمام الحواجز . المشهد يتكرر عند مدخل ثلاثة شوارع تبدو من خلف الحواجز خالية تماما , بل و المتاجر داخلها مغلقة .
هذا فضلا عن عشرات ضباط المرور المنتشرين في المكان . في العادة لا تجد في إمبابة كلها سوي عم أحمد الصول العجوز الطيب الواقف من أيام المماليك لينظم إشارة يتيمة أمام القسم ,و بالمرة يرفع يده بالتحية للباشا مأمور القسم عند قدومه .
المشهد دفع السائق لأن يتخلي مؤقتا عن معتقده بأن إمبابة دائما هكذا ,و أن يقترب بالسيارة من جندي المرور و يسأله عن سبب كل هذا ,فيرد الجندي باقتضاب و هو يشير إليه ليمر سريعا : " مرتضي زفت " .
السيد المستشار مرتضي منصور يحاكم في محكمة شمال الجيزة بإمبابة بتهمة سب القاضي السيد نوفل صاحب الحيثيات البديعة في الحكم علي البهائيين ,الذي - بالمناسبة - أصر مرتضي علي المرافعة أمامه متطوعا ضد البهائيين من أجل الوطن و ذودا عن الدين . الوطن صغير جدا هذه الأيام , لا يتسع للكثيرين , كما أن الدين منهك و لا يحتمل كفارا آخرين .
بالتأكيد لن أفهم كمواطن بذيء العقل و اللسان , ما وجه الخطورة الشديدة في محاكمة مرتضي زفت , لكي تتخذ هذه الإجراءات . و لن أفهم أيضا لم لم يحاكم في منطقة معارك سابقة , مثل وسط البلد , تعودت جيوش الأمن علي الانتشار بها و سحق الأعداء أينما ظهروا .
لا أفهم ..
لذا لن أنقل ما قاله السائق من بذاءات في حق مرتضي منصور و حق الوطن و الدين , كما أني لن أعلق من عندي لأني أحاول أن أقاوم ميلا كبيرا للبذاءة هذه الأيام .. و تكفي بذاءة ما حدث و يحدث, و لتعتبر ما سبق تقريرا عن الحالة المرورية في إمبابة , الدرس المستفاد منه تنبيه القادمين بكل أشكال المركبات من الوراق و إمبابة متجهين إلي المهندسين و العجوزة عبر طريق الكيت كات أن يسلكوا طريقا بديلا , لأن الأمر سيتكرر مرة أخري علي الأقل صباح الأربعاء الرابع من إبريل . صباح الخير يا مصر !

26 March 2007

استفتاء


- بنت قحبة !
- إيه ؟
- فترة بنت قحبة ..
و ناولني , و هو بالكاد يتمالك نفسه من الضحك , جريدة " الدستور " و أشار إلي " هلوسة آخر الليل " للدكتور أحمد يونس ..
" في تمام السابعة و النصف من صباح 23 يوليو 1952 , لا قبل ذلك كما يتصور البعض ,أفطر الذين يستيقظون مبكرا - مع طبق الفول بالزيت الحار - علي صوت السادات و هو يشدو علي الهواء مباشرة بالبيان الأول الصادر عن حركة الجيش المباركة ,و قد جاء في مطلعه بالنص ما يلي:
(اجتازت مصر فترة عصيبة من الرشوة و الفساد ...)
لو افترضنا - علي سبيل الجدل لا أكثر - أن شيئا من هذا النوع يمكن أن يحدث في الوقت الحاضر , فإن أهم المشكلات العويصة التي لابد أن تواجهها الحركة المباركة " القادمة بالطبع " ستكون لغوية قبل أي شيء آخر ,إذ كيف ستصف ما هو قائم حاليا ؟
ما هي الألفاظ التي من شأنها أن ترسم صورة حقيقية لواقع كهذا , مع مراعاة أن سائر حركات الجيش المباركة تحرص - خاصة في بدايتها -علي ألا يتهمها أحد بالبذاءة و طول اللسان .. بماذا سوف ستستهل إذن بيانها الأول ؟ ... "*
بدأت أشاركه الضحك ,فتوقف محاولا تصنع الجد ,و قال بصوت ساداتي منغم :
- ( لقد اجتازت مصر اليوم فترة بنت قحبة ...)
ثم انفجر في الضحك
- ما ينفعش فيها أدب دي , هي كده و لا مش كده ؟
- كده و نص .
- أصل لو ما قالوش كده يبقوا همَّ كمان ولاد قحبة زي اللي قبلهم !


* " الدستور" 14 مارس 2007
الصورة من عمرو عبد الله

18 March 2007

خالد عبد الحميد

khaled-sharqawy

خالد - أيضا - دفع معظم تذاكر من حضروا حفل زفافي بحديقة الأزهر ..
و نجح في اقتناص صحبة الورد الأبيض بعد أن رمتها رضوى , رغم مزاحمة شرقاوي , و بالتالي كان الدور عليه !

قلت لنفسي , الخميس الماضي ,بالتأكيد سيكون موجودا .
و بما إني لا أحمل ما يدعي بالمحمول, و بما أن أكواما من أوراقي ذهبت أدراج الزواج و فيها رقمه هاتفه , و بما أني لا أعرف له عنوان إيميل شخصي , لأنه ليس " كلبا إليكترونيا " مثلي -رغم أنه مدير موقع قد الدنيا الآن ...هي فرصة إذن لأتمكن أخيرا من دعوته علي العشاء عندنا و تناول محشي ورق العنب (و هذا طقس جديد استحدثته بعد الزواج ).

أول ما سمعت من فلول من نجوا من الاعتقال في ميدان التحرير ,و أنا أتراجع معهم بعيدا عن الميدان : أخذوا خالد عبد الحميد .
كان يوما عبثيا من أوله , أكثر ما شغل تفكيري هو أني خجل جدا من خالد, و أود لو يخرج سريعا لكي لا يتفاقم شعوري هذا . لا أدري لم لم أكن قلقا عليه أو علي أحد , كنت متسقا مع عبثية اليوم , و كنت مطمئنا بشكل ما .

خالد و رفاقه خرجوا أخيرا.
تعيش و تأخذ غيرها يا خالد . لا تلتقط الورد مرة أخري إلا و أنت تنوي دخول "القفص" الذهبي .
المحشي في انتظارك !


05 March 2007

و لماذا – أصلاً – يذهب الكلام إلي المحكمة ؟


إن كانت ثمة حرية رأي و تعبير في مجتمع ما، فإن الكتابات التي تقع في المناطق الدافئة و الآمنة ليست معيارا لاختبار هذه الحرية، بل الكتابات التي تقع علي تخوم المناطق الهلامية المسماة بالإزدراء و الإهانة و المساس بالمقدسات و الثوابت.

إن كانت ثمة حرية رأي و تعبير في مجتمع ما، فإنها تتحدد بمدي تقبل أفراد هذا المجتمع - علي إختلافهم - لوجود ما يرفضونه من الكلام و ما يختلفون معه بشدة، و إلا فأي حرية؟

إن أولى أوليات حرية الرأي و التعبير هو الاعتراف بأن المجتمع المتعدد الأديان و المذاهب و الاطياف الفكرية و الثقافية،لا تضع السلطة فيه مقدسات و ثوابت مجموعة معينة فوق النقد و لو كانت الأغلبية، و لا تحاكم معتقدات و أفكار مجموعات أخري و لو كانت أقلية صغيرة أو أفرادا معدودين أو فردا واحدا، وبالتالي لا تتدخل في الجدل و الانتقادات المتبادلة لتسحب ساحات الحوار و النقد إلي ساحات المحاكمة و العقاب.

لا تنجح المحاكمات و السجون في إرساء أسس التعايش مع التعدد و الاختلاف، و لا يمكنها أن تقوم الجدل لتدعم احترام و قبول الآخر و لا يمكنها معالجة خطاب الكراهية و التحريض. لا تنجح محاكمات الرأي إلا في إخفاء الاختلافات تحت سطوة ثقافة القهر و الخوف و النفاق، لتعود و تنفجر في ساحات أخري ليدفع كل المجتمع الثمن الفادح.

عندما تطول المحاكمات فضاء الإنترنت، أوسع ساحات الكلام و أيسر وسائط التعبير لمن لا منبر لهم، فإن ذلك نذير خطير بتقلص كافة مساحات حرية التعبير في المجتمع المصري. و عندما تعود تهم من نوع "إهانة رئيس الجمهورية" ليتم تفعيلها، لا يكون ذلك إلا إعادة فتح الباب لإرهاب و قمع عدد غير محدود من الصحفيين و الإعلاميين و أصحاب الرأي في الصحف المعارضة و الخاصة وفي القنوات الفضائية و علي الإنترنت.

المتضامنون مع عبد الكريم سليمان (كريم عامر) و المنددون بقسوة الحكم الذي طاله بسبب كتاباته التي تضمنتها مدونته علي الإنترنت و اعتبرتها المحكمة ازدراء للإسلام و إهانة لرئيس الجمهورية، يختلفون أو يتفقون مع مضمون أو أسلوب تعبيره، و لكنهم يرفضون ابتداء الذهاب بالكلمات و أصحابها إلي المحاكم.





شارك بتوقيعك علي هذه العريضة من أجل أن نبقي الكلام بعيدا عن ساحات المحاكم .


03 March 2007

لهذه الدرجة ؟

في الصباح أخبرني ضاحكا أن زميلة لنا بالشركة أخبرته مندهشة أنها التقتني بالأمس في حفل موسيقي بالساقية , و قالت أنها كانت تظنني متدينا متشددا , بسبب لحيتي و هدوئي !
ضحكتُ و فهمتُ لم كانت تتجنبني أحيانا ,و لم اندهشَت جدا عندما التقيتها في الحفل و حييتها , لا شك أنها – و هي الغير محجبة - لا تحب أن تُقابل أريحيتها بجفاء و تعال, مثلما يحدث كل يوم مع زوجتيجديدة علي هذه الكلمة - في محل البقالة الذي يتناوب علي العمل به شبان ملتزمون يحب بعضهم إشهار غض بصره بشكل فظ تجاه غير المحجبات.
منتصف اليوم أخبرني زميل آخر أن زميلة أخري - محجبة و كانت تتجنبني أحيانا هي الأخري - أسرت له مندهشة أنها رأتني أصلي , و سألته كيف ذلك و هي تعتقد أنني " شيوعي " . و أكدت كلامها له بأنها سمعتني مرة أتحدث في السياسة و الدين و عن غزوة الرسوم الدنماركية بشكل بدا لها غريبا .

في المساء أخبرني صديق قديم – لا يتجنبني الآن لحسن الحظ – أن أحد الشبان العاملين في محل البقالة " الإسلامي " سأله مندهشا إن كنت أنا نفس الشخص الذي كان يصلي معهم في مسجد " الإخوة " و يحضر دروس العلم , و أخبره أنه كان يراني دائما في المحل و يحييني و يظنني لا زلت " أخا سلفيا " , إلي أن شاهدني مع زوجتي – غير المحجبة - ذات يوم , و لم يفهم .
رد صديقي أنني هو نفس الشخص و أنني فعلا من كان يحضر معهم بعض مجالس العلم , و عندما تطوع و أضاف أنني في الفترة التي يقصدها لم أكن في الحقيقة سلفيا , بل كنت مع " الإخوان المسلمين " .. قاطعه الشاب ممتعضا صائحا :" لا حول و لا قوة إلا بالله , و هل وصل الإخوان في تحللهم لهذه الدرجة !؟ "