05 January 2013

الخروج





هناك شيء ما في مقبض باب الحمام. 

انفصل المقبض عن لسان الباب، أحاول أكثر من مرة كأنه يمكن أن يتراجع ويغير رأيه.

أبدأ في استيعاب الموقف. أنا وحدي في المنزل. نيفين لن تعود قبل ساعات. ليس معي الموبايل. شباك الحمام يطل على شرفة صغيرة تطل على المنور نستخدمها كمخزن، الشرفة الصغيرة بابها يفتح من المطبخ وهي مكدسة بالكراكيب. أنا محبوس في الحمام.

"محمد !" وقفت فوق التواليت وأخرجت رأسي من شباك الحمام وهتفت. لا أظن أن المنور سينقل صوتي من الدور الرابع إلى حجرته في الدور الأرضى، كما أنه عادة ما يتجاهل نداءي لكي يوفر على نفسه مشوارا فأضطر للنزول إليه. اكتشفت إني نسيت اسم جارتنا في نفس الدور، تذكرت إني نسيت اسمها لأنهم ينادونها بأم فلان، أم إيه؟  أم إيه؟ .. لا أذكر.

جلست على التواليت واكتشفت أنه لا توجد فوق الغسالة بجانبي أي صحف أو كوميكس، كما اعتدت أن أكومها فوق الغسالة من أجل قضاء الوقت فوق التواليت. تذكرت أن سحر - زوجة محمد البواب - قامت بتنظيف وترتيب الشقة قبل أيام. وكوّمت كل الصحف والأوراق في الصالة.

ما الذي أفعله الآن؟ 

بعد أن تجاوزت كل أفكار المحاولات والتسلية عدت إلى  الفكرة  التي خطرت لي في اللحظة الأولى ولكني تجاهلتها. فكرة الرواية التي بدأت في كتابتها في 2010. عن الفراغ والوحدة والكسل والتوازن النفسي الدقيق بلا يأس أو أمل. عن تأمل العالم من مسافة، تأمل شوارع مصر وهي تسقط في حالة من الانحطاط الاجتماعي المناسب للانحطاط الأخلاقي واسع النطاق، عن عالم يضطرب بالأسفل ويتبادل أفراده إطلاق الرصاص بسبب خلاف على مكان لركن السيارة، في الوقت نفسه الذي يقضي البطل - بطل؟ - أكثر وقته متجولا في أرجاء وحدته، ويموت مرارا بلا جدوى. 

في أحد مرات موته، لم يفلح البطل في فتح باب غرفة النوم. لماذا أصلا يغلق الباب وهو يعيش وحيدا ؟


ليس عنده تليفون، ولا يعرف اسم أي من الجيران. وقف فوق شنطة سفر. لا يوجد شيء مرتفع عن الأرض في غرفة النوم. لا سرير ولا كومود ولا كرسي. ومن فوق شنطة السفر كسر زجاج باب غرفة النوم، وحاول أن يمد ذارعه ليفتح من المقبض الخارجي، أخرج رأسه مع ذراعه ولكنه لم يتمكن من إدارة المقبض، انحشر في الفتحة الضيقة للشباك. حاول التملص بلا جدوى. وفي النهاية استسلم. وظل هكذا. وانتهى العالم.




تذكرت ذلك وأنا جالس على  التواليت، وتذكرت أني استغرقت في التفكير في أن كل ذلك المشهد يتوقف على ارتفاع الباب والمسافة بين فتحة شباكه وبين المقبض، وأبعاد الفتحة. ولكن في حالة البطل يمكن افتراض الأسوأ ببساطة. الرواية كلها تقوم على افتراض الأسوأ. كنت قد ضبطت مزاجي على ذلك الافتراض وضبطت توازنا نفسيا يبتعد بهذا الافتراض عن اليأس مسافة مناسبة، وعن الأمل طبعا. 

استعدت ذلك الضبط وانا أتجه إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011. أصبحت أشعر بالابتذال كلما سمعت كلمة 25 يناير وأشعر به وأنا أكتبها. ولكن ما حدث أني تحركت بمزيج عظيم من المشاعر التي استعدتها ، مزيج من مشاعر الحب والحماس والاحتقار والازدراء والغضب والقرف والرغبة في العنف وفي العودة  سالما بلا خدش، وكان المدهش ان كل هذا المزيج من المشاعر لم يبتعد أبدا عن افتراض الأسوأ وحافظ على توازن متوتر بين اليأس والأمل. تبخر تماما مزاج بطل الرواية الوحيد البعيد وسط هذا الزحام.

ضبطت نفسي متوترا بشدة وأنا أتخيل أن أبقى في الحمام لساعات في انتظار عودة  نيفين لتكتشفني محبوسا في الحمام. وبدون أن أفكر  كثيرا في أبعاد فتحة شباك الحمام ولا في المسافة بين المقبض والفتحة، أدرت عيني سريعا وقررت أن غطاء خزانة التواليت هو الأداة المناسبة. انتزعته سريعا وهشمت زجاج شباك الحمام، أخرجت ذراعي من الفتحة وبحركة لا إرادية وقفت على أصابع قدميّ مما أعطاني طولا إضافيا قليلا مكنني من إخراج كل ذراعي ووصلت إلى المقبض الخارجي وفتحت الباب وخرجت.



لم ينته العالم.
ارتديت ملابسي وخرجت من الشقة وأنا أفكر في مكان أذهب إليه لفعل أي شيء. وقررت أن أعود لألملم شظايا الشباك المكسور في وقت لاحق.

2 comments:

كلام وخلاص said...

دى رواية انا ممكن اقراها جدا...السرد الهادىء لصخب القاهرة

مملكة حواء said...

تابعوا معانا كل جديد فى عالم حواء
منتدى مملكة حواء