إذا كان هناك ما يسمى
«الثورة المضادة»، رغم أني لا أحب مطلقا استخدام هذا المصطلح، فإنها ستكون
من هؤلاء الذين يحاولون ترويج أن الثورة هي شيء على طريقة يوم 25 يناير وليس على طريقة 28 يناير.
يوم 25 يناير كان يوم التهديد والتلويح والإنذار، ولكن يوم 28
يناير هو اللحظة الثورية الفارقة التي نقلت السلطة من خانة امتلاك اللحظة
إلى خانة الاضطرار. ومن ساعتها والسلطة محبوسة في هذه الخانة، وكلما خرجت
منها قليلا واجهت عواصف عاتية وطاقات ثورية جامحة متنوعة الاتجاهات
والرغبات.
هذه الطاقات الثورية ليست كلها إيجابية وطاهرة، كما تحب نظرة «25
يناير الطاهر» أن تفعل. ولكنها طاقات متنوعة تمثل جانبا متصارعا أحيانا من
رغبات المجتمع والاتجاهات التي يطمح في السعي إليها أو ينجرف تجاهها.
في شوارع 28 يناير 2011،
حين حدث تحدي السلطة وهيبتها ووصل إلى الحد الأقصى كان هناك المتظاهرون
أصحاب المطالب السياسية والغضب من السلطة، والغاضبين بلا مطالب واضحة، كما
كان هناك من هاجموا محال وشركات وممتلكات وأفرادا. كانت هناك تيارات
ومجموعات سياسية ترفع شعارات ومطالب وتفاصيل وسط سيول البشر الذين صنعوا
أمواج اللحظة الثورية وصنعت كتلتهم الأكبر الأكثر صلابة المطلب الأكبر وهو
رحيل مبارك أولا قبل كل شيء، فكان.
ولكن ذلك لم يتحقق إلا بوضع السلطة في خانة الاضطرار ودفعها لحل الأزمة والتراجع خطوة فخطوة.
وأثناء ذلك حدث شد وجذب من جانب السلطة وجانب المطالبين أخذ عدة أشكال يبدو أنها تتكرر:
أولا: الزعيم يخرج ليؤكد
مشروعية تظاهر المطالبين بالحقوق والحريات ويدعو المعارضة للحوار، لكن
أجهزته وجماعته يمارسون الدعاية المنحطة الفجة ضد المطالبين والمعارضة.
ثانيا: ممارسة مساندي السلطة
الترويع والابتزاز باستخدام كل نتاج الطاقات الجامحة التي تنطلق وقت اهتزاز
السلطة ونسبتها للمطالبين وتحميلهم مسؤوليتها.
ثالثا: محاولة التعمية على
حقيقة أن المعارضة تحاول التعبير في صياغات سياسية عن مطالب الشارع الغاضب
باعتبارها جزءًا منه ولكنه ليس تحت سيطرتها. ومحاولة شخصنة المطالب وأسباب
الغضب باعتبارها ترتيبات مطالب فئة معارضة يتم الحديث عن وزنها النسبي
وفشلها الانتخابي، رغم تناقض ذلك مع مسؤوليتها عن اضطرابات واسعة مستمرة.
رابعا: الإنكار الحاسم أن هناك
غضبا شعبيا غير منظم. اختلاق الروايات عن مؤامرات ومخططات والتي تحتاج
لمتآمر ومخطط، لكي يرى الناس ما يحدث من اضطراب باعتباره أفعال «طرف» له
أهداف وأطماع وليس أبدا غضبًا متعدد الأطراف والأطياف أو اضطرابًا لا يمكن
نسبته لمركز واحد.
خامسا: ضغط خطاب السلطة والكتلة
الشعبية المؤيدة أو المعادية للتغيير والمفضلة للاستقرار يتم الاستجابة
له جزئيا من أطراف من النخبة السياسية التي تسعى لاجتذاب هوى المجتمع
القلق، فيتبنون مواقف «وسطية» تدين «الطرفين» وتصرخ بأن الجميع «قتلة»
و«مراهقون سياسيا» وتتخذ وضعا دراميا يلوم الجميع في حكمة أو هستيريا ويشتم
«الاستقطاب» دون أن يقدم قطبا بديلا سوى كرسي إضافي على مائدة الحوار
الوطني الذي تنظمه السلطة دائما في مثل هذه المواقف.
سادسا: عندما تصل السلطة لحالة
الاضطرار تضطر للاستجابة جزئيا للمطالب التي تعرفها وتسمعها جيدا، بعيدا عن
استعباط السلطة أو استعباط الوسطيين عن ضرورة الحوار لاستخراج المطالب من
بطن الحوت. تحاول السلطة الاستجابة أو إبداء الاستجابة لمطالب أو أجزاء
منها تدريجيا مع اختبار صلابة الغضب الشعبي بموجات قمع، مثلما حدث في
مهاجمة ميدان التحرير بعد خطاب مبارك العاطفي المستجيب لبعض مطالب
«المعارضة» لا مطلب «الميدان» الوحيد.
ما سبق هو «النظام» الذي تكرر
مرات عديدة في التاريخ، أو هو جزء من «نظام» التعامل السلطوي مع
الاحتجاجات الشعبية كما استمر دائما وما زال مستمرا.
يمكنك أن تتحدث كما تشاء عن
أخطاء ومثالب وعيوب المعارضة والتيارات السياسية كما تتحدث عن المشكلات
التي تحدث في ميادين وشوارع الاحتجاج. وكل تلك أجزاء من أزمة مجتمعية
وسياسية أوسع يجاهد ثوار في الشوارع وميادين الاحتجاج وفي داخل الأحزاب
الجديدة لتغييرها.
ولكن استجابتك وترديدك أن محيط
الغضب الواسع ومطالبه وبواعثه هي مجرد مخطط لقوى معارضة أو نتيجة لعنادها
أو اختزال كل ما يحدث في بعض جموح الشوارع الذي ترفضه، فإما أنك تساند
السلطة بترويج دعايتها، أو أنك لم تزر شارعا من شوارع الاحتجاج يوما لتعرف
ماذا يحدث هناك ساعتها، فأنت فعليا تحتاج لتعرف بنفسك بدلا من ترديد دعاية
السلطة.
ولكن إن كنت لم تستطع أن تنزل أو لن تنزل الشارع فأنصحك بالعودة إلى صحف وبرامج الأيام التالية ليوم 28يناير 2011وأن
تجري مقارنة بسيطة، لتعرف أن مساومات اليوم هي نفسها مساومات الأمس بشكل
مدهش، وإن لم يتمكن الثوار من إجبار السلطة على التراجع وقتها لكنا الآن
نتحدث عن كل الثوار والقوى السياسية، بمن فيهم السيد مرسي، باعتبارهم
المخربين والخارجين على الشرعية.
وستعلم ساعتها أن السلطة التي تتجاهل رضا الناس وتطيح به وهي تبني مسارا سياسيا أو تعد به وبتحسينه دائما سترفع إصبعها في مواجهة الغضب وتحذره بأنها إذا اضطرت ستفعل وها هي تفعل، ولكنها يحدث أن تتراجع وها هي تتراجع. ولو كانت تتراجع أمام «مخربين» لا مطالب وجيهة لهم فهي سلطة ساقطة. وإلا فإنها سلطة تعرف أن هناك «مطالبين» و«مطالب»، ولكنها سلطة ساقطة أيضا «تخاف ما تختشيش» وتحتاج لمن يظهر لها صلابة الغضب لكي تضطر أن تتراجع أكثر فأكثر، فساعدوها.
وستعلم ساعتها أن السلطة التي تتجاهل رضا الناس وتطيح به وهي تبني مسارا سياسيا أو تعد به وبتحسينه دائما سترفع إصبعها في مواجهة الغضب وتحذره بأنها إذا اضطرت ستفعل وها هي تفعل، ولكنها يحدث أن تتراجع وها هي تتراجع. ولو كانت تتراجع أمام «مخربين» لا مطالب وجيهة لهم فهي سلطة ساقطة. وإلا فإنها سلطة تعرف أن هناك «مطالبين» و«مطالب»، ولكنها سلطة ساقطة أيضا «تخاف ما تختشيش» وتحتاج لمن يظهر لها صلابة الغضب لكي تضطر أن تتراجع أكثر فأكثر، فساعدوها.
---
العنوان مستلهم من خطاب الإصبع والحظر الذي ألقاه محمد مرسي في27يناير وقال فيه:«إذا اضطررت سأفعل، وهأنذا أفعل». وطبعا من تراجعه عن بعض ما فعل كالمعتاد
نشر في المصري اليوم بتاريخ 30 يناير 2013
نشر في المصري اليوم بتاريخ 30 يناير 2013
No comments:
Post a Comment