لماذا يا ترى قد تقوم بوابة جريدة «الرأسمالي» ساويرس بإنتاج بروفايل فيديو لأحد كتاب البوابة لتبرز فيه كونه «يساريا»، رغم ما بين اليسار والرأسمالية مما تعرفون جميعا.
هناك احتمال أول: أن الرأسمالي واليساري وكل هؤلاء من غير الإسلاميين هم في النهاية «إيد واحدة» في "الحرب على الإسلام".
والاحتمال الثاني هو أن تعرف أن
«المصري اليوم» ليست مملوكة حصريًا لساويرس، كما تردد قنوات وصفحات
السلطويين الإسلاميين ليل نهار، كما أنه إن أردت ألا ترى العالم خنادق
متصارعة بينها صراع وجود، فإنك ستتخلص من تلك النظرة الساذجة لترى العالم،
كما يراه الفيلسوف محمد مرسي، معقدا مثل المكرونة الاسباجتي.
سيجعلك ذلك تلاحظ في الفيديو
أشياء ربما تبدو متناقضة، منها مثلا أنني أعيش في إمبابة وأجلس على شلتة
على الأرض وأمامي طبلية. لكن أمامي على الطبلية لاب توب وعلى يميني فوق
السماعات لاب توب آخر. ربما تقول إن اليسار تغير جدا عما شاهدته في فيلم
«السفارة في العمارة» ولكن الحقيقة أن اليسار يبدو أحيانا كما رأيته في
الفيلم، وأحيانا لا يكون له أدنى علاقة بما شاهدته.
الحياة ليست فقط اسباجتي، ولكن عليها أرز وعدس وصلصة. هي في رأيي أقرب إلى الكشري. واللاب توب الآخر ساءت حالته من فترة طويلة فركنته فوق السماعات، كما أنه أصلا جاءني كهدية. ولكن لا أعتقد أن ذلك هو الأكثر إثارة للتساؤل في الفيديو. بالطبع الرحلة من السلفية لليسار هي الأكثر إثارة لأنها تبدو كانتقال بين خندقين متصارعين.
الحياة ليست فقط اسباجتي، ولكن عليها أرز وعدس وصلصة. هي في رأيي أقرب إلى الكشري. واللاب توب الآخر ساءت حالته من فترة طويلة فركنته فوق السماعات، كما أنه أصلا جاءني كهدية. ولكن لا أعتقد أن ذلك هو الأكثر إثارة للتساؤل في الفيديو. بالطبع الرحلة من السلفية لليسار هي الأكثر إثارة لأنها تبدو كانتقال بين خندقين متصارعين.
ولكنني في الحقيقة لا أعتقد أن
الانتقال من السلفية إلى اليسار جاء انتقالا من خندق إلى خندق، وإنما
انتقال بين زاوية نظر تجعل الحياة خنادق عقائدية متصارعة وتهتف: نحن «سنحيا
كراما» وفق عقيدتنا، والآخرون سيحيون كرامًا ولكن وفق عقيدتنا أيضا، وبين
زاوية نظر أخرى تقول: سنحيا كراما «كلنا»، كلُ كما يحب ويرضى لنفسه.
السلفية تبدو محاولة لاستخراج
المكرونة من الكشري للعودة إلى النقاء الأول للمكرونة، بينما اليسار – كما
أراه - يقبل الكشري على علاته وعلى جمالياته – بحسب رؤيتك - وفي الطبق
الخاص لكل واحد يمكنه أن يعادي المكونات الأخرى لأنه يريد مكرونة نقية
وخالصة، بينما يمكن لزميله أن يتمتع بها في طبقه.
وما لا يمكننا أن نتفرق فيه،
ويجب أن نجتمع بشأنه، مثلا، هو عملية إنتاج وتوزيع مكونات الكشري، فاليسار –
كما أراه – يقترح اقتراحا بسيطا: ليكن لكل واحد الحرية في اختيار مكونات
طبقه كلما كان ذلك ممكنًا. ولنوزع ذلك بالتساوي كلما كان ذلك ممكنا ولنراعِ
أكثرنا حاجة وأقلنا قدرة على الإنتاج.
أنا أرى اليسار من الزاوية التييقترحها جيل دولوز كتعريف لليسار: أن تبدأ من الاهتمام بـ«الكل»، وأن تضع نفسك في مكان الأقلية والأضعف والأفقر والمختلف عن السائد. باختصار: سنحيا كراما .. كلنا.
من هذا المنظور ستكون معاناة
إخوتك المحاصرين من أهل غزة هي مشكلتك وهمك، بالضبط كما أن مشكلة عمال
المترو هي مشكلتك أيضا، وستتحمل يومًا تعيش فيه المدينة اختناقًا بسبب
إضرابهم، ولن تتبرم من مشاركتهم المعاناة حتى يحصلوا على حقوقهم، وأيضا
سيكون من همك حق أخيك البهائي في أن يكون مساويًا لأخيك من الأغلبية
المسلمة، ومهموما بحق المرأة في رغبتها في العيش بمساواة مع الرجل طالما
أرادت، وبحق أكثر «المتطرفين»، في رأيك، من الحياة وفق أفكاره طالما لم
يفرضها سلطة على غيره.
الاهتمام بالكل من موضع الأقلية
والأضعف والأفقر والأكثر اختلافا يجعلك ترى الديمقراطية اجتهادًا إنسانيًا
من أجل تقليص السلطة وتوزيعها وضمان الحرية والمساواة لا كلعبة يفوز فيها
الأكثر والأقوى ويؤكد سلطته. الديمقراطية من منظور يساري، كما يقول جاك
رانسير: «هي مفتاح صواميل المساواة المحشور بين تروس السلطة».
لم أقرأ تعريف جيل دولوز وجالك
رانسير إلا مؤخرا ولست متحمسا ليوتيوبيا المجتمع الاشتراكي الذي يحطم
الرأسمالية وتنحل فيه كل المشكلات، ولست واثقا من ذلك، ولكني تحمست جدا من
قبل ذلك لاقتراح الحرية والمساواة، ووجدته اقتراحًا مناسبًا لكي أنتقل من
خندق السلطوية الإسلامية «السلفية» و«الإخوانية» الذي يفتقد التعاطف
«الكافي» مع الآخرين المختلفين، التعاطف «الكافي» لأعترف بحقهم في التفكير
والاجتهاد معي لنحيا «كلنا» كرامًا ومتساوين. من ذلك الخندق يبدو هنالك
«تعاطف دعوي» ينظر إلي الآخرين كموضوعات يريد لها الهداية، ويريد لها أن
تحيا «كريمة» ولكن وفق اجتهاده الذي يراه عقيدة، ويرفق بها إن استسلمت
لسلطته ويبطش بها ويخضعها إن قاومت سلطته.
انتقلت من ذلك الخندق إلى ساحة واسعة أمتلك فيها التعاطف الكافي لأرى عقيدتي بالنسبة لغيري اجتهادا عاديا، وأن أحترم ذلك، وأن أمارس معه الاجتهاد لننظر كيف نحقق أوسع مساحة حرية وأكثر الترتيبات ضمانا للمساواة، وأكثرها إنصافًا للأضعف الذي لا يملك القوة الكافية للمنافسة على السلطة والتفكير معنا في هذه الترتيبات وصياغتها.
انتقلت من ذلك الخندق إلى ساحة واسعة أمتلك فيها التعاطف الكافي لأرى عقيدتي بالنسبة لغيري اجتهادا عاديا، وأن أحترم ذلك، وأن أمارس معه الاجتهاد لننظر كيف نحقق أوسع مساحة حرية وأكثر الترتيبات ضمانا للمساواة، وأكثرها إنصافًا للأضعف الذي لا يملك القوة الكافية للمنافسة على السلطة والتفكير معنا في هذه الترتيبات وصياغتها.
كل اجتهاد يقترب من ذلك هو في
رأيي اجتهاد من زاوية اليسار، وكل اجتهاد يحقق بعضًا من ذلك ويطيح بالبعض
الآخر هو اجتهاد سلطوي ولو تسمى باسم الاشتراكية أو تسمى باسم الإسلام.
واحدة من أكثر الأفكار ضحالة هي أفكار جربناها ونفعت، أو جربناها وفشلت. في كل لحظة هناك اجتهاد إنساني مختلف تماما مهما استلهم من حكمة إلهية متجاوزة أو تجربة تاريخية باهرة.
واحدة من أكثر الأفكار ضحالة هي أفكار جربناها ونفعت، أو جربناها وفشلت. في كل لحظة هناك اجتهاد إنساني مختلف تماما مهما استلهم من حكمة إلهية متجاوزة أو تجربة تاريخية باهرة.
محاولة استعادة التجربة
الباهرة النقية الخالصة التي تشكلت في عناية الحكمة الإلهية دون انتباه أنك
تمارس اجتهادًا جديدًا في لحظة جديدة هي المأساة التي تعيش فيها السلطوية
الإسلامية حاليا.
وسابقًا بدت لي النزعة السلطوية هي أبعد عن أن تسع «تعاطفي» الذي هو مدخلي للتفكير في الشأن العام باعتباره علاقة مع آخر ند لي أرغب في العيش معه، وليس باعتبار أن السياسة هي مباراة الحصول على السلطة لتحقق مشروعًا يعيش فيه الآخر معك ككومبارس أو تلميذ ستقوم بتهذيبه وتعليمه، لكي يهتدي يوما ويصبح مثلك فخورا أنه أغلبية قوية ويهتف «سنحيا كراما»، انتقلت إلى الساحة الأوسع التي يمكن لـ«الكل» - سواء من ينتمي إلى الطرف الأقوى والأكثر أو من ينتمي إلى الطرف الأقل والأضعف والأكثر اختلافا – وكل فرد على حدة، أن يفكر أننا سنحيا كراما «كلنا».
وسابقًا بدت لي النزعة السلطوية هي أبعد عن أن تسع «تعاطفي» الذي هو مدخلي للتفكير في الشأن العام باعتباره علاقة مع آخر ند لي أرغب في العيش معه، وليس باعتبار أن السياسة هي مباراة الحصول على السلطة لتحقق مشروعًا يعيش فيه الآخر معك ككومبارس أو تلميذ ستقوم بتهذيبه وتعليمه، لكي يهتدي يوما ويصبح مثلك فخورا أنه أغلبية قوية ويهتف «سنحيا كراما»، انتقلت إلى الساحة الأوسع التي يمكن لـ«الكل» - سواء من ينتمي إلى الطرف الأقوى والأكثر أو من ينتمي إلى الطرف الأقل والأضعف والأكثر اختلافا – وكل فرد على حدة، أن يفكر أننا سنحيا كراما «كلنا».
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يشرح قلب الجميع، خاصة الرأسماليين أصحاب هذه الجريدة إلى سماحة اليسار. آمين.
No comments:
Post a Comment