اتفقت مع بعض من ما زالوا أصدقاء من الإخوان على ألا يذكروا في حواراتهم معي كلمة «فلول» في تعبيراتهم السياسية في مقابل أن أتوقف عن وصف طريقة تعامل الإخوان مع مسألة «الفلول» بالطريقة اللائقة والبذيئة التي يفضلها الكثير من المصريين للإشارة إلى فعل «الكيل بمكيالين».
لا
يمكن للفظ الدقيق البذيء الأكثر بلاغة أن ينشر في الصحف والمواقع الرسمية
لأن الرقابة في بلدنا تكيل بمكيالين أيضا، وتعريف الأخلاق أصبح بشكل ما هو
عدم استخدام الألفاظ الصريحة التي تعبر بدقة وبوضوح عن أفعال بذيئة، فتحولت
الأخلاق السائدة إلى شكل من أشكال التأدب اللغوي في مواجهة البذاءة
الفعلية، فتحولت الأخلاق أيضا إلى شكل من أشكال الكيل بمكيالين.
ولكن
لندخل في الموضوع ونتحدث مباشرة عن المكيالين. لدى الإخوان مكيال أول يقضي
بأنه لو كنت سياسيا أو وزيرا أو مسؤولا تنفيذيا أو رجل أعمال تعاونت مع «النظام السابق«» ولكنك الآن مع «التغيير» فمن أجل المصالحة والاستقرار وعجلة الإنتاج، عفا الله عما سلف، ونفتح صفحة جديدة.
المكيال الآخر يقول بأنك إن كنت سياسيا أو وزيرا أو مسؤولا تنفيذيا أو رجل أعمال تعاونت مع «النظام السابق» ولكنك الآن مع «التغيير» فأنت تحاول التمسح في الثورة ولكنك في الحقيقة من «الفلول» ويجب أن تخرس أو تخرج خارج البلاد.
ما هو مصدر التعـ .. أقصد الكيل بمكيالين. مصدره هو أن الإخوان باعتبار موقعهم في السلطة يتلاعبون باصطلاحات «النظام السابق» و«التغيير».
فأنت إن كنت مع سياسات يرغب الإخوان في تغييرها فأنت مع النظام السابق
(سياسات)، وهم مع التغيير (سياسات أخرى). ولكن إن اعترضت على سياسات «النظام السابق» التي يرغب الإخوان في استمرارها، هنا يتحول النظام السابق إلى أشخاص وليس سياسات، ويصبح «التغيير» هو «الإخوان»
وأنت معارض للإخوان إذن أنت فلول معترض على التغيير (في شخوص الإخوان)
ويسألك ممثل الإخوان في التوك شو: لماذا لم نسمع لك صوتا في الاعتراض على «النظام السابق» (أشخاصه)؟ رغم أنك الآن تتحدث معارضا لاستمرار نفس سياسات «النظام السابق» تحت سلطة الإخوان.
قال أمل دنقل: «من
يملك العملة يمسك بالوجهين». وأقول: من يملك بالسلطة يمسك بالمكيالين.
فمن كان معها فهو مع الاستقرار أو مع التغيير، أو كليهما. ومن كان ضدها
فهو ضد الاستقرار أو ضد التغيير، أو ضدهما معا.
ولأن الكيل بمكيالين مرتبط دائما بالسلطة وبالتلاعب بالألفاظ، يسمى ذلك أيضا «التعريض» بالقول، فإن الكيل بمكيالين هو أدق توصيف لـ«التعريض» في خدمة السلطة.
تابع
المعارك التي قسمت مؤسسات الدولة والنقابات وغيرها، تحدث مع نقابيين
مهندسين أو أطباء أو صيادلة أو ناشطين طلابيين أو إعلاميين أو غيرهم. من
يتحالف مع الإخوان فهو آمن ومن عارضهم فهو «فلول». «الفلول»
صارت اللبانة في فم الإخوان، هي الأداة الرئيسية للتعريض من موقع السلطة.
ونتيجة لذلك تراكم في رأس السلطة تحالف الإخوان وكل من هم مستعدون وجاهزون
للتعريض والكيل بمكيالين على طريقة الإخوان. وفي المقابل فإن بعض من
يعارضون التغيير ذهبوا إلى الطرف الآخر، ونتيجة لتعريض الإخوان فإنهم وجدوا
طريقة للتعريض المقابل واستغلوا بؤس حالة الإخوان ليقولوا إنهم يعارضون
الإخوان بينما هم أيضا يعارضون أي تغيير. وفي حالة المؤسسات الرسمية التي
لم يقربها تغيير، فالصراع داخلها أصبح غالبا بين الفساد القديم والفساد
الجديد، بين من يريدون الحفاظ على مواقعهم وبين من اقتحموها بمنطق الكيل
بمكيالين.
الكيل بمكيالين له أصول شرعية عند الإخوان والإسلاميين، وكما يقول محمد خير، فإن «الاستعلاء بالحق» هو الاسم الشرعي للكيل بمكيالين.
تمكين
الأخ المسلم وسلطاته هو استعلاء بالحق. أما تمكين غيره فهو استبداد
بالباطل. ولكن دعنا لا نتحدث عن أي معايير، المعايير المزدوجة صالحة دائما
والجوهر الحقيقي للصراع هو أن يحل الأخ – أو تابعه وحليفه – مكان من هو
غيره. الأنصار بدلا من الأغيار.
من سكتوا في مواجهة النظام السابق لا يحق لهم «تغيير» أخلاقهم وسلوكهم وأن يتكلموا الآن عن الحريات والديمقراطية. أين كانوا صحيح؟! كانوا يقدروا يعملوا اللي بيعملوه دلوقتي؟!
أما من سكت في مواجهة النظام السابق ويسكت الآن في مواجهة السلطة الجديدة ونفس «سياسات النظام السابق» يلاطفه الأخ :«أين كنتم وقتها يا حبيب قلبي؟ كنت تقدر تعمل نفس اللي بتعمله ده؟». فيبتسم الذي سكت ويقول في دلال: «ما انت عارف بقى ما تكسفنيش، أيوه كنا مؤيدين برضه ونمارس التعريض في خدمة أي سلطة. كله علشان الاستقرار وعجلة الإنتاج».
أما من سكت في مواجهة النظام السابق ويسكت الآن في مواجهة السلطة الجديدة ونفس «سياسات النظام السابق» يلاطفه الأخ :«أين كنتم وقتها يا حبيب قلبي؟ كنت تقدر تعمل نفس اللي بتعمله ده؟». فيبتسم الذي سكت ويقول في دلال: «ما انت عارف بقى ما تكسفنيش، أيوه كنا مؤيدين برضه ونمارس التعريض في خدمة أي سلطة. كله علشان الاستقرار وعجلة الإنتاج».
لا توجد ضحكة رقيعة هنا استجابة للهوية الجديدة للسلطة وللأخ الذي يهز رأسه في شجن لا يخلو من شقاوة ويقول له : «ونعم الاستقرار والثبات على المبدأ».
وهذا هو ملخص رؤية الإخوان بخصوص دولة يوليو، وهو ما لا مقابل له شعبيا سوى مثل بذيء يشير إلى شيء ما فعله العيّان بالميت.
No comments:
Post a Comment