«لما حد ييجي يشتمني في بيتي أعمل معاه إيه؟»
من الواجب علينا جميعا أن نشارك جماعة الإخوان المسلمين
أسئلتها الوجودية التي انتشرت على ألسنة شبابها اليومين الماضيين، بعد أن
فاض كيل المهانة التي يوجهها إليها كل عابر سبيل.
ينبغي أن نتفهم جميعا ثقل الإحساس بالمهانة الذي دفع شباب
الإخوان أمس إلى النزول ومواجهة مجموعة حاولت أن ترسم جرافيتي عن بؤس
الإخوان المسلمين عند مقرهم، مما أدى لكتابة فصل آخر من تاريخ هذا البؤس.
فصول البؤس تتوالي، ومحاولة الوصول لأستاذية العالم انتهت
بوضع ذيل ورقي في مؤخرة ذلك الذي يقف أمام السبورة يحاول أن يكتب بخط جميل
نفس الديباجات الفارغة للأستاذ السابق ويعتقد من فرط بؤسه أن هذا يكفي.
من الصعب إقناع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ أستاذيتهمبأن
الإيمان بالديباجات الفارغة مدعاة للمسخرة والمهانة، فضلا عن أن محاولة
ممارسة السلطة وفقها باعتبارها أفكارا ملهمة ستؤدي إلى استشراء المهانة
والمسخرة أكثر فأكثر. ولكن فلنحاول إبراء للذمة.
لنأخذ مثلا السيد محمد مرسي. وهو عضو الجماعة الذي درس الهندسة ويحمل لقب الدكتور ودرجة «الأستاذية» ويشاع كونه رئيسا للجمهورية مما جعله يلتقي بقوات من الأمن المركزي ويلقي فيهم مجموعة من الديباجات الفارغة المعتادة التي يبدو أنها تجاوزت الحد هذه المرة، وتحولت إلى هلفطة واضحةضجت على أثرها ألسنة الناس بالمسخرة، عندما قال مرسي إن الشرطة شاركت الشعب ما وصفه بالعبور الثاني في 25 يناير و«كانت في القلب منه»! وأضاف: «وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة، وذكرى ما ضحت به الشرطة ضد الاستعمار وضد المحتل. وانطلقت شرارة أولى لمقاومة المحتل».
لنأخذ مثلا السيد محمد مرسي. وهو عضو الجماعة الذي درس الهندسة ويحمل لقب الدكتور ودرجة «الأستاذية» ويشاع كونه رئيسا للجمهورية مما جعله يلتقي بقوات من الأمن المركزي ويلقي فيهم مجموعة من الديباجات الفارغة المعتادة التي يبدو أنها تجاوزت الحد هذه المرة، وتحولت إلى هلفطة واضحةضجت على أثرها ألسنة الناس بالمسخرة، عندما قال مرسي إن الشرطة شاركت الشعب ما وصفه بالعبور الثاني في 25 يناير و«كانت في القلب منه»! وأضاف: «وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة، وذكرى ما ضحت به الشرطة ضد الاستعمار وضد المحتل. وانطلقت شرارة أولى لمقاومة المحتل».
وانطلقت أيضا شرارة أخرى لانقسام عم البلاد بين من هالتهم
مسخرة وفداحة الهلفطة وبين من تناقلوها باعتبارها شيئا عاديا وخطابا موفقا
للسيد الرئيس. محاولة ردم الهوة ليست سهلة ولكن أخوة الإنسانية تجبرني على
أن أتقدم ببعض الملاحظات على هامش الهلفطة لعلها تلقى سمعا عن إخواني شارد
عن «القطيع» تجعله يفهم لماذا يتعذب إخوانه في الإنسانية والوطن من هذه
الهلفطة التي تأتي لتتوج قمة تل القمامة السياسية التي تصيب الناس بالقرف،
فيسعى بعضهم إلى مقر جماعة الإخوان متعمدا إهانتهم لكي يرحمونا ويحافظوا
على نظافة هذا الوطن.
الملاحظة الأولى: أن التزوير والكذب فيما يخص الثورة لا يجب
أن يمتدا لهذه الدرجة من الوقاحة وإلى أولى الحقائق البسيطة عنها. وأنه من
الأفضل لرئيس استغل كلمة «الثورة» وكذب باسمها على حلفائه وناخبيه ألا
يجاهر بما يكشف كون «الثورة» عنده هي مجرد فرصة للهلفطة عن مشروع ثوري جامع
ليكسب به أصوات المنحازين للثورة كغطاء لمشروعه الأساسي السلطوي الطائفي
الذي يقف الآن في مواجهة الثورة.. التي كانت شرارة انطلاقها هي الاحتجاج ضد
انتهاكات الحقوق والكرامة على يد الشرطة، وهي الانتهاكات المستمرة تحت
قيادته و«في قلب» سلطاته. يمكن له البحث عن ديباجات أخرى فارغة للتقارب
معهم بعيدا عن الاستعباط بذكر وجودهم في قلب الثورة، وهو ما يوازي تحية
الجيش الإسرائيلي لكونه كان موجودا في قلب «العبور الأول في أكتور 1973».
الملاحظة الثانية: إذا كان الرئيس مضطرا لإرضاء واسترضاء
الشرطة لأنه لم يتبق له حلفاء كثيرون بفضل الانكشاف السريع لمشروعه السلطوي
الطائفي، فإن ذلك يكشف أكثر وأكثر عن مآل المشروع السياسي الذي أصبح كل
همه أن يصلب عود النظام مستندا إلى نفس المؤسسات بنفس بنيتها، وأن يحسن وضع
نفس الاقتصاد بنفس شروطه وأن يدعو المجتمع للعمل والإنتاج وفق نفس
العلاقات، وكأن الثورة كانت سوء تفاهم عابر بين الشعب والسلطة.
الملاحظة الثالثة: أن تطرق مرسي إلى تكوينه العقلي والديني في
حوار تليفزيوني، في إجابة عن سؤال ما لا علاقة له بالتكوين من قريب أو من
بعيد ــ يكشف عن امتنان عميق للهلفطة اللغوية التي تتهرب من الأسئلة
والتحديات وتجمع المتناقضات جميعا في حب ووئام وتؤسس مشاريع جميلة للتوافق
الوطني والانسجام العالمي، تحت قيادة الإخوان بالطبع. ويبدو أن لهذه
الهلفطة تاريخا عميقا في التفكير السياسي للإخوان الذين جعلوا نفسهم حزبا
سياسيا لكن اسمه «جماعة» ومارسوا أنشطة الأحزاب السياسية ثم أعلنوا
معاداتهم للحزبية السياسية عمرا طويلا لأنهم ضد التفرق ومع الوحدة
والانسجام، إلى أن اكتشفوا فجأة أن هذه الهلفطة قد انتهى عمرها الافتراضي
فاضطروا إلى التصالح رسميا مع فكرة الحزبية. وربما تشير هذه الهلفطة
التاريخية إلى جذور تناقض عميق بين ادعاء قبول الديمقراطية وبين الروح
الشمولية السلطوية على طريقة «الحزبية سيئة ولكن نحن الحزب الواحد الذين
يجب أن يكون»، وهي الروح التي لا تزال تضيق بالتعدد والاختلاف في أشكال
متعددة وتسعى لتقييده في الدستور وسلسلة مشروعات القوانين السلطوية لتنظيم
التظاهر والمجتمع المدني والحياة الطلابية والنقابية.
الملاحظة الرابعة تتعلق أيضا بتكوين مرسي وعقليته التي يبدو
أنها تأثرت كثيرا بتراث معاصر من الهلفطة الدينية التي تستغل استسلام عقول
وقلوب المؤمنين بالغيب إلى كلمات الخطيب المنسابة المطعمة بـ«قال الله وقال
الرسول» لكي تدس بينها أي كلام فارغ ومتناقض ينسب نفسه زورا إلى «الإرادة
الإلهية». لأنها وحدها القادرة على أن تقول للشيء كن فيكون وتبعث الاتساق
في جملة من نوع «أراد الله أن يكون يوم 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة» لتكون
ممكنة في سياق تحية الشرطة وليس توبيخها.
الملاحظة الختامية أن كل ما سبق، من بؤس مشروع الإخوان وفشلهم
وكذبهم وتزويرهم وهلفطتهم السياسية والدينية، كان فعالا وناجحا في حملهم
إلى السلطة بنجاح ولكنه يثقلهم الآن إلى درجة أنهم لا يقوون على النظر في
عين الثورة ومواجهة باعثها الأول فضلا عن فهم معناها ومغزاها وحركتها
وطموحاتها. ولكن عليهم أن يتقبلوا طوعا أو كرها أنه لا يزال للثورة أبناء
ودراويش وحواري، هي شغفهم وإيمانهم وبداية تاريخهم، ويسوؤهم جدا أن تتحول
الثورة إلى ديباجات فارغة وهلفطة، ومن الصعب عليهم أن يمنعوا أنفسهم عن
ازدراء واحتقار وإهانة من يراها ويجعلها كذلك.
وبناء عليه، فإن أمام السادة الإخوان المسؤولين عن المهانة والمسخرة خيارين: أولهما أن يتحلوا ببعض الخجل والحياء وربما منّ عليهم الله ساعتها ببعض الفهم وأدركوا لماذا يذهب إليهم الناس لإهانتهم في مقارهم بدلا من إضاعة وقتهم في أبحاث فقهية ونفسية تحاول أن تجيب عن السؤال: «لما حد ييجي يشتمني في بيتي أعمل له إيه؟». وثانيهما أن يستكملوا مشروعهم ويعتصموا بحبل الهلفطة على طريقة مرسي قائلين: «أراد الله أن يجمع بين الثوار والإخوان في قلب اشتباكات المقطم كما جمعهم في اشتباكات الاتحادية. وكان ذلك إشارة إلى عمق العلاقة بين الثوار والإخوان ووفاء الإخوان لروح الثورة».
وبناء عليه، فإن أمام السادة الإخوان المسؤولين عن المهانة والمسخرة خيارين: أولهما أن يتحلوا ببعض الخجل والحياء وربما منّ عليهم الله ساعتها ببعض الفهم وأدركوا لماذا يذهب إليهم الناس لإهانتهم في مقارهم بدلا من إضاعة وقتهم في أبحاث فقهية ونفسية تحاول أن تجيب عن السؤال: «لما حد ييجي يشتمني في بيتي أعمل له إيه؟». وثانيهما أن يستكملوا مشروعهم ويعتصموا بحبل الهلفطة على طريقة مرسي قائلين: «أراد الله أن يجمع بين الثوار والإخوان في قلب اشتباكات المقطم كما جمعهم في اشتباكات الاتحادية. وكان ذلك إشارة إلى عمق العلاقة بين الثوار والإخوان ووفاء الإخوان لروح الثورة».
No comments:
Post a Comment