مقطع فيديو لسيدة في لجنة الاقتراع. تتجه إلى الصندوق حاملة ورقة التصويت وتمد يدها إليه ثم تتراجع فجأة وتضم يدها إليها .. وينقطع التصوير.
أذاعت قناة مصر 25 – التابعة للإخوان المسلمين – هذا
المقطع أثناء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور كدلالة على محاولات
تلاعب. وقتها كانت المعارضة ومنظمات حقوقية تتحدث عن ضعف الإشراف نتيجة
مقاطعة بعض القضاة، مما يقلل من نزاهة العملية الانتخابية. وحاول الإخوان
المسلمون وحلفاؤهم من الإسلاميين بكل الطرق نفي كل ما يثار عن ضعف الضمانات
أو وقائع تزوير ومخالفات. ورغم أن هذه الواقعة تسير في اتجاه معاكس، لكن
احتفت بها قناة مصر 25 وسائر منصات إعلام الإسلاميين لأنها وبشكل واضح
محاولة «معادية» للتلاعب.
كان الدليل الواضح الدامغ أنها سيدة غير محجبة، تم وصفها في بعض المواقع والصحف الإسلامية بأنها سيدة مسيحية – كما لو أن ذلك يمكن القطع به من الفيديو –ولكن في النهاية سيدة غير محجبة بالضرورة هي في طرف «معاد» للإسلاميين،
هكذا قرروا وحسموا أنه لو كان هذا المقطع فعلا دليل على محاولة للتلاعب
فهو محاولة معادية للإسلاميين الذي يرغبون في تمرير مشروع الدستور.
تذكرت
تلك الواقعة على خلفية الجدل الأيام الماضية حول تقنين وضع جماعة الإخوان
المسلمين ثم معارك الشوارع التي دارت حول مقرهم العام في المقطم. الواقعة
تقول بشكل بسيط وواضح إنه رغم كل أغلفة الأذرع السياسية سواء للإخوان
المسلمين أو للدعوة السلفية، فهي في النهاية أذرع تجميلية لكيانات طائفية
لا يتصور أن يؤيدها من هم خارج هذه الطائفة، إلا حالات تستحق الدراسة مثل
حالة رفيق حبيب، المفكر المسيحي الملحق بجماعة الإخوان المسلمين.
كما أنها كيانات سلطوية ومعادية للحريات الشخصية ولديها تصور ضيق بخصوص حياة أولئك الآخرين المختلفين، ولذلك فإن ظهرت سيدة في مقطع فيديو به شبهة تلاعب في التصويت، ولا يبدو من زيها وهيئتها أنها من «مؤيدي السلطويين الإسلاميين» إذن فهي بالتأكيد وبلا شك محاولة من الطرف الآخر .. «الأغيار».
كما أنها كيانات سلطوية ومعادية للحريات الشخصية ولديها تصور ضيق بخصوص حياة أولئك الآخرين المختلفين، ولذلك فإن ظهرت سيدة في مقطع فيديو به شبهة تلاعب في التصويت، ولا يبدو من زيها وهيئتها أنها من «مؤيدي السلطويين الإسلاميين» إذن فهي بالتأكيد وبلا شك محاولة من الطرف الآخر .. «الأغيار».
لست
متحمسا للحملة على الإخوان المسلمين لأنهم جماعة غير قانونية، ومنحاز
لحرية التنظيم في حدها الأقصى وبأقل قدر من رقابة الدولة وما يمنع فقط
الفساد المالي، وأرى أن العديدين ممن يشنون الحملة على الإخوان تورطوا في
تبني رؤى تقيد حرية التجمع والتنظيم، وترويج أفكار لديها هوس «التقنين». وحتى أولئك الذين يدعون الجماعة للاتساق مع القانون السلطوي لتنظيم عمل الجمعيات،
فهم يقدمون حق التجمع والتنظيم هدية لجماعة سلطوية ستتمكن من توفيق
أوضاعها سريعا وسيساعدها وجودها في السلطة، ثم ستستخدم نفس خطابها الهجومي
للتضييق على حق التجمع والتنظيم بشكل عام، وبالنسبة للمنظمات والتجمعات التي تزعجها بشكل خاص، وساعتها سيكون أولئك المهووسون بتقنين الجماعة هم المطالبين بالاتساق مع انتقاداتهم.
في مواجهة السلطويين يمكن أن يكون هناك أيضا سلطويون آخرون. كما كان السلطويون الإسلاميون
في مواجهة سلطوية نظام مبارك. وكذلك الآن، ليس كل من وقف في مربع مقاومة
السلطويين الإسلاميين هو منحاز للتحرر حقا. ولكن السلطويين الإسلاميين يحبون دائما وضع أعدائهم في مربع واحد، كأن العالم انقسم إلى إسلاميين وأغيار، وهذا يعيدنا إلى مقطع الفيديو.
الجماعة
لن تجد صعوبة في تقنين أوضاعها وإخفاء بعض الأوضاع غير الملائمة للذوق
العام، والأزمة ليست في جذرها قانونية، فالدعوة السلفية التنظيم الحقيقي
وراء حزب النور هي جمعية قانونية. ولكن اللجوء إلى ازدواجية التنظيم
الحقيقي والذراع السياسية يكشف عن مكمن الأزمة الأساسية: هذه التيارات التي
لا تستطيع أن تذهب للديمقراطية بوجهها الحقيقي الطائفي هي التي تتصدر
العملية الديمقراطية وهي التي كان لها اليد الأكبر في هندسة العملية
الديمقراطية وكتابة الدستور. ولذلك تحولت العملية الديمقراطية إلى معركة صندوقراطية متكررة بين السلطويين الإسلاميين والأغيار.
وإذا
كانت عيون السلطويين الإسلاميين أنفسهم ترى مشروعهم السياسي ومقترحهم
لمشروع الدستور هي أشياء لا يتصور أن يتم تأييدها خارج المربعات الطائفية،
التي يمكن الكشف عن أتباعها بمجرد النظر، فكيف يمكن أن تبدأ ديمقراطية؟!
تتحول الإجراءات الديمقراطية إلى معركة إخضاع بالصناديق، غزوة صناديق حسب التعبير البليغ لمحمد حسين يعقوب. وهذه اللحظة تقول جيدا إن عملية إخضاع الأغيار لا تسير بنجاح، وممارسة السلطة متعذرة إلا بالتأرجح بين استدعاء أدوات ما قبل 28 يناير من قمع الشرطة أو استدعاء «الأنصار» لمواجهة «الأغيار»، أو مزيج منهما كما يبدو واضحا في اشتباكات المقطم وما قبلها.
تتحول الإجراءات الديمقراطية إلى معركة إخضاع بالصناديق، غزوة صناديق حسب التعبير البليغ لمحمد حسين يعقوب. وهذه اللحظة تقول جيدا إن عملية إخضاع الأغيار لا تسير بنجاح، وممارسة السلطة متعذرة إلا بالتأرجح بين استدعاء أدوات ما قبل 28 يناير من قمع الشرطة أو استدعاء «الأنصار» لمواجهة «الأغيار»، أو مزيج منهما كما يبدو واضحا في اشتباكات المقطم وما قبلها.
No comments:
Post a Comment