20 June 2012

بالمستقبل متفائلين





في الحلم كنا غدا، الخميس، يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، ولكننا كنا في تونس، أنا وآخرين أعرفهم. محتشدون في شارع بورقيبة بالقرب من مبنى وزارة الداخلية التونسية. نتطلع إلى الشاشات الكبيرة في المقاهي وشاشات أخرى ضخمة منصوبة خصيصا.
كنت واقفا بجوار لوحة إعلانات لشركة "تونيزيانا" أشرب الشاي في المج الذي أهدتني إياه هبة كتذكار من نيويورك عليه صورة وودي آلان. تذكرت كيف فشلت كل محاولاتي لتشغيل إنترنت الموبايل مع شريحة "تونيزيانا"، وكيف قضيت وقتا طويلا في مقارهم أمام لوحتهم الدعائية "بالمستقبل متفائلين" قبل أن يعلنوا لي مرة بعد مرة أن كل شيء على ما يرام بخصوص شريحتهم والإعدادات وفي الوقت نفسه لا أمل في تشغيل الإنترنت. 

قطعت أفكاري ضوضاء بدء المؤتمر الصحفي لإعلان النتيجة، الكل متوتر. توقعات بفوز مرسي. النتيجة: فوز شفيق. 
لحظة تم تفريغها سبقت الانفجار. وجدتني أطيح بالمج وأكسر لوحة الإعلانات، لا أستطيع أن أستبعد حنقي المسبق بسبب موضوع الإنترنت. ولكنني كنت غاضبا أكثر طبعا بسبب النتيجة. شفيق؟ ولم أكن وحدي. أحدهم كان بالفعل قد كسر الشاشة والآخر حمل كرسيا وأطاح به وسط الشارع. الشارع كله انفجر غضبا. 
حشود من جنود الشرطة فجأة ظهرت بيننا وكذلك حشود من السلفيين بقمصان سوداء. تتطور الاشتباكات وتندلع حرائق هنا وهناك. "الشعب يريد إسقاط النظام ... يا ولاد الوسخة!" . أفقد كل من أعرفهم وسط الجري والاشتباكات. أجد نفسي وسط مجموعة من السلفيين، كلهم يرتدون قمصانا سوداء. تطاردنا مجموعة من الجنود فنهرب إلى شارع جانبي. يخرج أحد السلفيين من حقيبته الجلدية زجاجة مولوتوف جاهزة مشتعلة. ويرميها باتجاه الجنود فيتراجعون. تشب النار في سيارة كانت بجوارهم. نتجه إليها ونقلبها ونتخذها ستارا. نرميهم بالطوب والمولوتوف وصوت رصاصهم يخبط جسم السيارة أمامنا. 
يهدأ التراشق قليلا. فينظر السلفيون إلي ويبدو لي أنهم يجدونني غريبا عنهم. يأتيني أحدهم ويحدثني بلهجة مصرية بها مسحة تونسية: عندكم في مصر الزمن متأخر أسبوع، لسه مش عارفين نتيجة تزوير الانتخابات. والإعلام الوسخ في كل مكان بيقول السلفيين بيحرقوا تونس علشان معرض فن تشكيلي. 


11 June 2012

عزيزي شريف عبد الشفيق .. حدثني أكثر عن الأصول الفقهية للشرمطة


تلقى أبى ذات يوم دعوة إلى اجتماع  يضم بعضا ممن يطلق عليهم "القيادات المحلية" في امبابة، وعندما سأل عن الحضور وجد أن هذا الاجتماع يضم  بعض أصحاب المناصب في الدولة وممثلي كبار العائلات بالإضافة لأعضاء سابقين في الحزب الوطني وبعضا من رجال الأعمال الذي كانت تربطهم علاقة عاطفية متقلبة بالحزب الوطني وعددا من المعرّصين المعروفين بكونهم "سماسرة انتخابات"،
وعندما قيل له أن هذا الاجتماع من أجل دعم حملة أحمد شفيق في امبابة سكت كثيرا ولم يجد ما يرد به علي من يدعونه سوى أن يسألهم: "هو إنتم ناويين تبطلوا شرمطة إمتى ؟"

بالأمس تذكرت ذلك الموقف الذي حدث قبل مؤتمر شفيق في امبابة الذي شرفت بمحاولة إفساده وكتبت لك بعده أطلب منك الرجوع إلى صوابك لأني لا أتخيلك بين هؤلاء المعرصين من بقايا الحزب الوطني الذين كانوا حوله يومها. اليوم أكتب إليك ثانية وأغلب ظني أنك قد تركت حملة شفيق وأن ذلك المنعطف الأخير من الشرمطة التي يقوم بها الفريق لم يترك لك هامشا للاختيار. 

صدقني، رغم أنك التففت حول كل ما حدثتك بشأنه عن شفيق، إلا أن ردك كان مهما جدا، سجلت منه نقاطا عديدا لأعود وأكتب عنها لاحقا، فلدي مشروع للكتابة عن كيف يبرر ولاد الوسخة مقاومتهم للثورات. نقاطك كانت ذكية حقا، تليق بذكي ضائع يعمل في خدمة ولاد الوسخة. نقاطك كانت نقدية وملهمة فعلا، ومن الضروري أن يقرأها جيدا كل من هو في الموقف الثوري لتساعده على ان يتخذ موقفا ثوريا أكثر اتساقا.

مثلا حديثك عن هؤلاء الإعلاميين الذين كانوا مقربين من النظام ومؤدبين معه ويقفون الآن وسط "الثوار"، حديثك عن كيف استبطن بعض "الثوار" اخلاق مبارك الذين عارضوه.  سخريتك من اختيار "الثوار" لعصام شرف بديلا عن شفيق، وهو ما كان بديلا فاشلا غير ثوري ولا إصلاحي ولا أي شيء. إشارتك حتى لألفاظي البذيئة باعتبارها من ميراث "بكابورت مبارك" الذي ورثه معارضوه. لانه في رأيك، أفسد مبارك النظام والمعارضة معا. إلا أنه لم يستطع إفساد جناح النظام الذي كان فيه شفيق، ولذلك اختار، مبارك، ذلك المفسد، شفيق، ذلك النظيف، ليكون رئيس وزراؤه بعد اندلاع الثورة ليكفر عن خطاياه بحق هذا الشعب ويأتي بالجناح النظيف في النظام لعل الله يغفر له خطاياه. 

أنا لن أناقشك في طهارة ذلك الجناح في السلطة ولا في طهارة قرار مبارك والمجلس العسكري بالإتيان به كرئيس للوزراء من أجل التغيير فعلا، فأنا لا أناقش الشرمطة.  
ولكني ساعترف لك فعلا أن صف "الثوار" به الكثير من المهرجين والمنافقين والمتسلقين والمتلبسين بكل الموبقات، ليس فقط لانهم جماعة بشرية عادية، ولكن تحديدا لأن "الموقف الثوري" أصبح ذا جاذبية في بعض الأوقات. وأصبح له بريق وقدر من "السلطة" تبرر للكثيرين التظاهر بالتواجد فيه. ولكن بالنسبة لي الموقف الثوري ليس مجسدا في تلك الجماعة التي تقف في الموقف الثوري إلا أن ظلت بشكل ما تنقد نفسها وتطهرها وتتساءل كل لحظة عن الموقف الثوري فعلا.

الجماعة التي تقف أو تحاول أن تقف في "الموقف الثوري"، وبينها بالطبع الطامع والمتسلق، ليست جماعة منزهة بل هي بالأساس ثورية لأنها تحاول بناء طريق جديد، وفي محاولتها هذه تخطيء وتتعثر كثيرا. وقد تضل أصلا عن "الموقف الثوري" وتعود وتبحث عنه. الثورة ليست من يحاولون أن يتحدثون باسمها دائما، ولكن من يحاولون أن يقفوا في موقفها ويتحروه.

هذه الجماعة التي يصفونها بـ"الثوار" وهم ليسوا كذلك "حصريا" لو تابعتها لوجدتها أشد عنفا في نقد سلوك بعضها عندما يكون ضد "الموقف الثوري" أو بخلافه أو يضعفه. وعندما يكون السلوك ضد "الموقف الثوري" تماما يحدث استبعاد ما ولو معنوي. تماما كما يطهر النظام نفسه من جيوب "الإصلاحيين" المترددين في حسم انحيازهم للنظام أو ممن يحاولون الإصلاح من داخل النظام. في اللحظة الحادة التي تصنعها الثورة داعية إلى طريق جديد، بعضهم يحسم أمره معها أو ضدها، كذلك فعل عصام شرف، الذي انحاز للثورة وسار في مسيراتها يوم 25 يناير بينما ظل شفيق آمنا مطمئنا تحت الجناح النظيف للنظام الفاسد، يمكنني أن أعترف بلا مشكلة أن عصام شرف فشل في أن يكون رئيس وزراء في موقف ثوري تحت حكم المجلس العسكري، ولأننا نجرب لاول مرة شخصية كانت تمثل حلا وسطا، قالت أنها من "الجناح الإصلاحي داخل النظام" قبل أن تنحاز للموقف الثوري، فإننا عرفنا الآن أن ذلك الحل كان خاطئا. هكذا ببساطة يا  عزيزي شريف. أما شفيق فقد كان خيارا من ولاد الوسخة الذي يحاولون إنقاذ النظام فبصقنا في وجوههم وبصقنا عليه وقلنا له خلي عندك دم يا ابن الوسخة وارحل مع اللي جابك. ولكن للشرمطة رجالها.


لماذا هذه الألفاظ البذيئة طيب؟ هناك مواقف بذيئة يا عزيزي شريف يصعب التعبير عنها بالألفاظ المهذبة، وهناك انفعال لا يمكن وصفه بألفاظ فصحى. هناك أمور يجب أن تصور كما هي في بذاءتها ويتم نقلها بأمانة، تماما كما نقل البلتاجي عن اللواء الرويني أنه قال يوم "موقعة الجمل" لمبارك: "لم الشراميط بتوعك".  

لقد أبلى الفريق شفيق حسنا في "لم شراميط مبارك" من كل ركن وكل صفيحة زبالة بعد ما تفرقوا بعد حل الحزب الوطني. وهذه الحملة التي جمعت شراميط مبارك من كل مكان ليس غريبا أن يكون سلوكها على هذه الدرجة من الشرمطة.

عندما حدثتك عن شفيق وعلاقته بمبارك كان معظم ردك عن هؤلاء الذي كانوا يتملقون مبارك ثم الآن يتملقون الثورة ، كان ردك هذا يحاول أن يقول "لسنا وحدنا شراميط مبارك، كل المجتمع شراميط نظام مبارك، هناك آخرون كثيرون كانوا أيضا شراميط لمبارك". 
منطق "يا عزيزي كلنا شراميط" في كلامك كان مبهرا، واستخدمته بذكاء ودرامية ويتسق مع خطاب شفيق بتاع "عاوزين ناكل عيش" أو "الإخوان كمان كانوا من النظام السابق"، هذا المستوى من الشرمطة كان عاديا بالنسبة لي ولكن كان المستوى الفائق هو أن ينتقل شفيق مع حملته إلى مستوى "تكلم القحبة تلهيك واللي فيها تجيبه فيك".
وصل يا شريف إن شفيق وحملته يحاولوا بمساعدة شراميط الأمن والمخابرات وشراميط الإعلام اللي لمهم شفيق مرة تانية إنهم يتهموا الإخوان بالتورط في مهاجمة الثوار يوم "موقعة الجمل"؟   
أنا طبعا لن أناقش ذلك لأني كما قلت لا أناقش الشرمطة ولكني فقط أحاول أن أجعل الشرمطة واضحة وأن أسميها شرمطة.
صوتي لن أعطيه للإخوان،  الإخوان الذين يقفون أحيانا في الموقف الثوري ولكنى أراهم أبعد عن أن يكونوا في الموقف الثوري وهم في السلطة أو قريب منها. والثورة التي أردتها حرية وتحرر ومساواة  لا أقبل أن أجعلها خيارا يهدد حريات الناس وشعورهم بالمساواة والعدل إلى الدرجة التي تدفعهم لانتخاب ابن وسخة زي شفيق.
ولكن الأمر هنا مرة ثانية لا علاقة له بالثورة ولا بالموقف ولا بالإخوان الذي كنت أنت واحد منهم في يوم ما. الإخوان هم الذين هاجموا الثوار في التحرير يا شريف؟ 

لقد كنت أنوي أن أكتب إليك مهنئا إياك ومن معك في حملة شفيق وأقول لكم أنكم فعلا تبلون بلاء يناسب مقامكم، وأنكم في السلطة إن شاء الله ستتمكنون من ارتقاء مستويات أخرى من الشرمطة. ولكني الآن أظنك لا تحتمل الوصول لهذا الحد، صعب. أظنك الآن خارج الحملة تراجع كل لحظة قضيتها بداخلها. 
ولكن إن كنت ما زلت في الحملة، ومشارك في الوصول لهذا المستوى أو ساكت عنه،  فلا أملك إلا إن أقول لك يا شريف  يا عبد الشفيق: إنت هاتبطل شرمطة إمتى؟ 

09 June 2012

لماذا أحمد شفيق؟



ربما وجد الكثيرون فيه صورتهم، صورة الواقفين على مسافة مما يحدث يتقلبون بين التعاطف النسبي مع ما يحدث في الثورة وبين عدم الاستيعاب أحيانًا والرغبة أحيانًا أخرى في أن ينتهي كل هذا ونعود إلى «حياتنا الطبيعية».

يمثل أحمد شفيق لكثيرين صورة «رجل الدولة»، المسؤول الذي أدار مشاريع وليس مثل باقي المعارضين القادمين من ساحات النضال، البعض في مصر لا يزال يفكر في رجل دولة. كان بجانب مبارك ورئيس وزرائه وكان أحد محاولاته لفرملة الثورة؟ بالنسبة لكثيرين هذا شيء حميد.

يمثل شفيق لكثيرين صورة تشبههم، الصامتين داخل النظام من أجل أن «يأكلوا العيش» - كما عبر ببلاغة في مؤتمر صحفي له - الساكتين عن الفساد أو المشاركين فيه أو من يرونه يمر بجانبهم، ممن ليس لديهم أدنى خيال لتغيير ما يحدث بشكل جذري، ربما يفكر بعضهم في تغيير محدود لبعض الأشخاص والسياسات.

البعض يراه مثله كان من الكتلة الكبيرة الساكتة الساكنة التي تؤدي عملها وأقصى أمالها أن تكون ناجحة في «الكارير»، ومثلت لهم الثورة فترة من الغموض والمغامرة غير المحسوبة وذات الآثار الضارة على «الكارير».

البعض الآخر يرى فيه صورة الباشا، العسكري القديم، الذين يفكر في مصلحة الجميع وشفته ممتعضة في حزم ولهجته مستهينة وواثقة تستند إلى سلطة ما خفية تقبع وراءها. البعض لا يزال يفكر كالعبيد ويحب السيد ذا الشرف والحسب والنسب والتاريخ العسكري والمناصب في الدولة، طيب القلب أحيانًا، لكنه أحيانًا ينظر باحتقار لمن لا يفهمه ويوجه له الأوامر التي سيفهمها لاحقًا، يمكنه بهذه الطريقة أن يدير رعية عزبته ويفكر في مشروعات تستفيد من كونهم أنفار «يعملون بملاليم» كما عبر في أحد البرامج.

طريقة كلامه؟ الهذيان والهجص العملي عن المشروعات السياسية الاستثمارية بعيدًا عن عالم الأفكار مقنع لكثيرين ويشبه كلامهم عن السياسة باعتبارها طريقة لإدارة الشركات والمزارع.

وعود شفيق بالتصالح مع الجميع يبدو جذابًا بالنسبة لمشوشي الذهن الذين لا يعرفون أين يقفون تحديدًا. لا هم مع الثورة ولا ضدها. أو هم معها قليلاً أو ضدها كثيرًا أحيانًا. شخصيته المشوشة المثيرة للسخرية بالنسبة لكثيرين تشبه تشوش الكثيرين الذين أعياهم مشهد الثورة المعقد ولا يفهمون حماسة وانفعال وفخر أولئك الذين هم داخل هذا المشهد.

هؤلاء المشوشون الذين يقفون على مسافة يبدون أحيانًا تعاطفًا حذرًا أو عداوة شرسة، حسب تقلب الأحوال والمزاج. يبدو شفيق شبيهًا لهم وهو يبدو تارة تعاطفًا مع شباب الثورة والألتراس ويريد أن ينشئ لهم مراكز شباب ويوفر لهم بونبوني وأحيانًا أخرى يتوعدهم بسيناريو العباسية اللطيف من وجهة نظره.

المسخرة التي تبدو عليها حالة أحمد شفيق في نظر البعض، جعلته بالنسبة للبعض الآخر «واحد منهم» وسط حلقة المرشحين أصحاب الفرص التي تبدو كلها مندفعة باتجاه الثورة بمن فيهم عمرو موسى الذي يحاول مجاراة المعارضين،

لكن شفيق هو الحذر المشوش تجاه الثورة، المتعاطف والعدواني، العسكري والمدني، رجل الدولة المقرب أحيانًا والمستبعد وعلى مسافة من النظام أحيانًا. إنه صورة التشوش والهذيان وتجمع الطاقات المعادية للثورة التي تراوغ في إعلان ذلك أو المتبعة منها وتصرخ من ذلك وتزعق بالشكوى تريد الاحتماء بسلطة قريبة مما تعرفه. سلطة تعيد العالم إلى ما كان عليه أو أقرب إلى ما كان عليه، لا مانع من بعض الحديث عن التطهير والتحديث ومواجهة الفساد مثلما كان يتحدث مبارك. المهم أن تتوقف هذه المغامرة المرعبة ويعود إليهم العالم الذي يعرفونه.



من "بين صورتي خالد سعيد وأحمد شفيق" 

قلة أدب


مخبر حمساوي بتابع جولاتنا في شوارع غزة 

أشكر مصطفى الصواف وكيل وزارة الثقافة لدى ميليشيات حماس القمعية في غزة على اعترافاته التي سردها في رده على تقرير أخبار الأدب  عن احتفالية فلسطين للأدب. رغم أنه كان من اللائق أن يرد مندوب عن وزارة الأمن الداخلي لا وزارة الثقافة لكي يوضح لنا ملابسات اقتحام الحفل الختامي للاحتفالية. ولكن ربما كانت الثقافة في حكومة حماس تابعة للأمن الداخلي. 
 ولعل من يدفعون له أجره ليكون متقنا للدفاع عن التسلط بمعسول الأدب والكلام أن يراجعوا اختيارهم لأنه اعترف بكل انتقاداتنا بشكل باهر واعترف بدور حماس في جزء من الحصار المفروض على غزة وأهلها.
اعترف أنه يجب على زوار غزة أن يخبروا مخبري الأمن بكل تحركاتهم الشخصية لأن تلك هي الأعراف والتقاليد واعترف أن الأنشطة الثقافية يجب أن تمارس وفق ما تراه سلطة حماس من ضوابط. ولو كان إقامة حفل موسيقي بدون فصل بين  الجنسين ضد تقاليد الناس لكان الناس اعترضوا بدافع من ضميرهم وأخلاقهم ولكني أراه يتهم أهل غزة بانهم معدومي الأخلاق والضمير ويحتاجون شرطة حماس لكي تحميهم من الانحراف ولكي تعلمهم تقاليدهم وأخلاقهم التي لا يعرفونها. واعترف بأن مخبري حماس تجاوزوا باقتحام الحفل الختامي وإعاقته ولم يفلح في تبرير ذلك إلا بأن المتحدثين في الحفل أرادوا أن يعيشوا في غابة  بلا ضوابط !
ولعل حكومة حماس أن تحسم موقفها باعتذار أو اتهام أو أن تستأجر واحدا غيره يعرف كيف يكون تبرير أفعال المخبرين أو كيف يتقن اتهام الناس بدلا من الهذيان غير المفهوم عن الغابات.
ولعله من سوء أدبه وقلة فطنته أن يصف بعض كلماتنا في الحفل الختامي بسوء الأدب رغم التصفيق الحار التي قوبلت به هذه الكلمات، فهو بالتالي يصف جزء من شعبه بسوء الأدب. أو لعل لدى كل منا مفهوما مختلفا عن الأدب. فأنا فعلا لست مؤدبا من قبل سلطة مثل الصواف ولا مؤدبا تجاه السلطات القمعية، وكانت كلمتي بالفعل تدعو إلى تجاوز الأدب في التعامل مع السلطات القمعية التي تفرض الخضوع بالبندقية وتطالب الخاضعين بالأدب وتستأجر من يعلمون الناس ثقافة الأدب في مواجهة الظلم.
لعل "غير المؤدبين" من أهل غزة يتمكنون يوما من تعليم حكامهم وتابعيهم مثل الصواف بعض الأدب المفيد وترتد على المقاومين السابقين/ المخبرين الحاليين عاقبة ما يحاولون فرضه على الناس من أدب الخضوع والمهانة.