يحكى أن رجلا ذهب يحتج ضد ظلم وعسف السلطة، فعبأت تلك السلطة
آلاف الرجال يتظاهرون أمام بابها تأييدا لها لأنها منتخبة وشرعية وجاءت بها
الصناديق وأن هذا الرجل لا حق له في الاعتراض عليها. هذه هي الديمقراطية؟
لا الأضعاف المضاعفة من مؤيدي السلطة ولا التعلل بـ«إجراءات
الديمقراطية» هي رد مناسب على انتهاك حق وحرية فرد واحد. لأن تلك الإجراءات
هي مقاربات وضمانات لكي يعيش الناس جميعا وحرياتهم وحقوقهم مصانة. فما
بالك بملايين المعترضين.
لا تأييد حشود ضخمة للإعلان الاستبدادي يجعله ديمقراطيا ولا
تأييد حشود أضخم لمسودة دستور طائفي تم تمريره لإنقاذ الرئيس من أزمة
الإعلان الاستبدادي سيغطي على فضيحة التمرير وخسة من قاموا به ويستحقوا
جميعا أن يوضعوا في قائمة عار.
مطالب المحتجين التي يثبتون كل يوم أنها مطالب قطاعات واسعة
من الشارع تثبت أن هناك انقساما في الشارع. ولكن السلطويين الإسلاميين
لديهم في مواجهة ذلك الانقسام طريقتين.
الأولى هي التعلل باجراءات الديمقراطية في مواجهة ضمانات
الحريات والحقوق في الديمقراطية. والتعلل باجراءات الديمقراطية في مواجهة
فتح المجال السياسي لرضا وتفاعل أوسع نطاق من الناس.
النموذج الأبرز لذلك هي تصريحات عصام العريان التي ساومت
الناس بين قبول الدستور أو استمرار الإعلان الدستوري ولذلك فإن الحل
الوحيد هو «نعم»!
وبذلك تكون الإجراءات التي اتخذها مرسي وإخوانه بالإعلان
الدستوري وبالإنهاء السريع لعمل التأسيسية هو تعبير صادق ومكثف عن فكرة
الديمقراطية عند الإخوان. هي مجرد إجراءات ليست مهمتها احترام الاختلاف أو
فتح فعلا المجال السياسي لخيارات الناس، لكن هي إجراءات تسمح بتمرير ما
تريده السلطة عند الاختلاف وأن تسمح لها بهندسة المجال السياسي لصالح
خيارات السلطة لا رضا الناس.
والطريقة الثانية هي الالتفاف حول رضا الناس وإنكار وجود
الانقسام والاستهانة بحجم المعارضين وتخوينهم وتصويرهم على أنهم إما مخربين
أو متآمرين أو من أتباع النظام القديم، وحتى الخيابات الفارغة من نوع:
إنها معارضة من أجل المعارضة.
وفي النهاية عندما يتجاوز الحشد المعارض قدرتهم على الإنكار تأتي خيابة حشد الآلاف على باب السلطة تأييدا.
ما يفهمه المؤيدون من أن حشد المعارضين يتطلب حشدا مقابلا
مضاعفا هو تعبير طفولي ولكنه جيد عن رؤيتهم للديمقراطية باعتبارها مسابقة
المزايدة بأعداد البشر في مواجهة الأعداء.
تعبير صادق عن رؤيتهم للديمقراطية باعتبارها غزوة صناديق،
اجراءات الوصول إلى السلطة، تعبئة للناخبين، تكتيكات لكسب الشارع وتطمين
المعارضين وكسب متحالفين. ولكنها ليست أبدا توجها لجعل «كل» الشعب «حاكما»،
وإلا فكيف يرضون بمشاركة من يصفونهم بأنهم أعداء الإسلام وكارهي شريعة
الله ومعهم «كل مَنْ بَعُدَ عن الله ووقع في قبضة الشيطان الذى يحركه اتجاه
لحرب الإسلام، والكيد للمسلمين، والحرص على التخريب والإيذاء المتعمد لأمة
مسلمة تريد أن تعيش للبناء والتعمير والسعي في الأرض لعمارتها .. هؤلاء لا
يريدون إلا الفساد والتخريب وإهلاك الحرث والنسل والصد عن سبيل الله»
والكلام بين المزدوجتين من أحدث مقال للشيخ محمد عبد الله الخطيب، في جريدة
الحرية والعدالة، وهو واحد من أهم علماء الإخوان المسلمين والعضو السابق
في مكتب الإرشاد.
الإخوان الآن يقفون كطائفة بليدة مفتقدة للخيال والانحياز
المبدئي للحرية وللديمقراطية تعاني فعلا من الحيرة بين مطالب المنحازين
للحرية وبين السلفيين أعداء الحرية والديمقراطية بوضوح وبدون إنكار. محاولة
الإخوان التظاهر بالوسطية تفشل في اللحظات المفصلية وتضطر للاصطفاف إلى
جانب كارهي الحرية والديمقراطية أو تستدعيهم وتنصب لهم «سيرك الشريعة» من
أجل الدفاع عن مكاسب «غزوة الصناديق» المسماة بالشرعية.
أما بناء الديمقراطية فهي المساحة الواسعة التي تمثل رضا
الناس كلهم أولا وقبل أي شيء، وذلك لن يحدث قبل التخلي عن الرغبات السلطوية
وأوهام الغزوات. وإلا فإن الرغبات السلطوية تصنع أمامها مقاومة باسم
الحرية. أو بالأصح استمرار المقاومة من أجل الحرية في مواجهة الرغبات
السلطوية الجديدة للنظام في ثوبه الجديد.
No comments:
Post a Comment