12 December 2012

افهم بقى مطلبي!

قبل 8 سنوات من اليوم كان الصندوق لا يزال يقول «نعم» لمبارك، والإخوان يناضلون في صناديق أخرى لكنهم لا يرغبون في منازعة صندوق مبارك. يعارضون حكومته ولكنهم يعترفون مثل غيرهم بأن مبارك «أب لكل المصريين» ويرفضون بشدة هتاف «يسقط مبارك» عندما ترفعه الأقلية الفاشلة من كل التيارات التي لا تستطيع مزاحمة مبارك في صندوقه ولا الإخوان في صناديقهم.
قبل 8 سنوات من اليوم، بدأت حركة رفعت في وجه «مبارك» شعار «كفاية». كان اسمها «الحركة المصرية من أجل التغيير» ولكن عرفت باسم شعارها: كفاية. الشعار الأكثر جاذبية كان يتحرك في إطاره بالإضافة للحركة المصرية من أجل التغيير، حركة أخرى وهي «الحملة الشعبية من أجل التغيير/ الحرية الآن» التي كانت تضم تمثيلا أكثر لقوى اليسار وكان شعارها مثل «كفاية»: «لا للتمديد لا للتوريث» ويضيف عليه «لا لحكم العسكر».
قبل 8 سنوات، بدأت أرفع الملصق الأصفر الدائري تتوسطه كلمة «كفاية» في وقفاتها ومسيراتها التي بدأت بعشرات ووصلت حدها الأقصى ببضعة آلاف. كانت مشاعري وقناعاتي تتشكل وأنا أقف هذا الموقف داخل كردون الأمن المركزي المحيط بنا، كان موقفي واضحا منحازا إلى «كفاية» و«يسقط مبارك»، وفي الوقت نفسه  أبدأ التعرف على من هم في نفس الموقف، الذين أصبحوا الآن أصدقاء أعزاء، ثم أذهب لأدوّن «ما بدا لي» عما حدث مبتهجا بما أعجبني ومنتقدا لما لم يعجبني.
كان الموقف والانحياز لها يشكلنا، رغم أنه لم يرقني كثير من قيادات ورموز حركة كفاية ولا كثير من كلامهم، ولكن كنت سعيدا بموقفي هذا لأن الموقف كان يتشكل من أحرار يدافعون عن حريتهم ولأن الحركة في الشارع تجاوزت القيادات والرموز و«الحركة المصرية من أجل التغيير» و«الحملة الشعبية من أجل التغيير»، وأصبحت حركة شعبية شابة تبادر وتتحرك من أجل التغيير الذي يعني في المقام الأول حريتها وكرامتها.
في ساحة الموقف ذلك التقيت كثيرا من شباب الإخوان الذين تسربوا تدريجيا إلى خارج الجماعة لأن مواقفهم المنحازة إلى الحرية والكرامة للجميع صارت أوسع من أن تتسع لها الجماعة، وكان منهم بعض ممن عرف بـ«مدوني الإخوان» الذين شكلوا حلقة من حلقات «المدونين» التي كانت من أنشط وأثرى حلقات الحركة في الشارع والجدل على الإنترنت. وبفعل الانحياز المشترك المبدئي للحرية وضد السلطة والتسلط كان انحيازنا للموقف واشتراكنا فيه يتشكل أكثر وأكثر، والانتماءات القديمة للإخوان أو حتى للتيارات السياسية التقليدية العتيقة تتباعد عن بؤرة انتباهنا.
قبل 8 سنوات، كانت الدعاية تتصدر الصحف القومية والقنوات التليفزيونية أن هؤلاء قلة قليلة وأحزاب فاشلة في الانتخابات تحاول تعويق الديمقراطية وعجلة الإنتاج، والمرور طبعا! وأنهم مأجورون وعملاء للغرب وأنهم منفصلون عن الشارع ويريدون القفز على معطيات الواقع ويريدون مساحات من الحرية لا يقبلها الشعب ولا يحتملها النظام العام! كما أن لديهم أقرب صندوق، ويجب أن يتقبلوا الخطوات المبذولة والمساحات المتاحة من الحريات والديمقراطية وأن يحاولوا كسب الشارع لرأيهم أولا بدلا من دفع البلاد إلى الفوضى خاصة أنهم يفتقدون البديل الواضح.
في ساحة ذلك الموقف، وقفنا ضد حبس المدون الإخواني- وقتها -عبد المنعم محمود وضد حبس المدون اليساري علاء عبد الفتاح وفي حرية كل من كريم عامر في انتقاد الإسلام وفي حرية أبو إسلام أحمد عبد الله في انتقاد المسيحية والكنيسة دون أن تتدخل السلطة باعتقالات ومحاكمات حتى لو تجاوزوا في تعبيرهم. وقفنا ضد المحاكمات العسكرية للإخوان ولخيرت الشاطر وضد سجن أيمن نور ووقفنا من أجل حقوق متساوية للبهائيين وضد الطائفية وضد التعذيب.
في ساحة ذلك الموقف، عادت مشاركتي للسياسة بإيمان بعد أن كان آخر عهدي بها وسط صفوف الإخوان، الذين تعلمت كثيرا منهم وسعدت بصحبة كثيرين منهم وما زلت أسعد بصحبة أغلبهم لأنهم الآن خرجوا من صفوف الطائفة المغلقة المنغلقة على نفسها، ويتوزعون على صفوف أخرى «للأقلية» من اليسار إلى اليمين ولكنهم يجمعهم رغم الاختلافات ساحة الموقف نفسه، الانحياز المبدئي للحرية ضد التسلط والوصاية والطائفية  الضيقة. وفي ذلك الموقف كانت حريتنا غير قابلة للمساومة مهما كنا أقلية صغيرة تسخر منا الكيانات الديناصورية من كل نوع. حرية كل واحد منا ودفاعه عنها هما أساس حركتنا لا طلب السلطة والتسلط والفخر بالكثرة والقوة. 
أنا لا أتذكر ساحة ذلك الموقف بحنين وشجن لأني أعتقد أنني ما زلت فيه حتى هذه اللحظة، ولكني أتأمل تبدلات الأشخاص والكيانات على الموقف وتشابه لسان السلطة وحالها وتبدل الكيانات الديناصورية عليه. لا يزعجني أن أظل في هذا الموقف المزعج الذي لا يرضى بنصف التغيير أو بتغيير مشوه، لا يزعجني أن أظل فيه وحيدا أو وسط قلة.  ولكني عندما أتأمل المسيرة من 2004إلى الآن، أتأكد من بعض الأشياء. أن حركة الشارع التي قالت «كفاية» وكانت أكبر من حركة «كفاية» تنبهت أن إسقاط السلطوية هو بداية الطريق للتغيير، وأن من ينتمي مشروعهم لسلطوية أخرى يكونون على استعداد دائما للشراكة ويبدون مرونة أكثر لذلك، وعندما تحين دولتهم تنضح مرونتهم بتشابه واشتراك كانا يبرران ذلك الاستعداد للشراكة.
الأكيد أكثر وأكثر أن ساحة الانحياز للحرية سواء ضمت العشرات أو المئات أو الألوف أو الملايين، وسواء انحاز لها الأغلبية أو حوصرت فيها الأقلية، ومثلما نزلت من بيتي وتركت «طائفتي» ورضيت بصحبة رفاق «الموقف»  قبل 8سنوات على تنوعاتهم ونبالتهم وعلاتهم لأقول معهم  «كفاية»، الآن  أحب وما زلت أن أكون فيها، وأنزل إليها من بيتي مع كل رفاق هذا الموقف، على كل تنوعاتهم ونبالتهم أو علاتهم لأقول «لا»  للسلطوية والطائفية ودستورهما.
فلتكن نتيجة كل جولة ما تكون، وقد ينتهي العالم، كما يقولون، ولكن لا يبدو أن هذا الموقف ينتهي أمره أو تخلو ساحته من أهله القدامى والمتجددين.

* لمن لا يعرف فالعنوان مقتبس من أغنية للألتراس: يا نظام غبي .. افهم بقى مطلبي .. حرية! .. حرية!

1 comment: