«ما تقلقش! الإسلام جامد في الجيزة وفي الفيوم، صحيح الإسلام مش جامد قوي يعني في المنوفية بس لنا إخوة هناك برضه».
هكذا سمعت الشاب السلفي يطمئن
زميله القلق من أن يحصد «أعداء الإسلام» نسبة تصويت أعلى في المرحلة
الثانية من التصويت على الاستفتاء، مؤكدا أنه بالرغم من أن الدستور «مش
إسلامي ولا نيلة» على حد تعبيره، إلا أنه ينبغي أن يمر بأكبر «سكور» scoreلكي «يخسأ أعداء الإسلام ويخنسوا».
نقلت لكم ما سمعته وفق تعبيرات
الشابين السلفيين اللذين تقدماني في طابور التصويت في لجنتي في إمبابة،
التي أكدا أنها «أجمد مناطق الجيزة من حيث الإسلام بإذنك يا رب».
ويبدو أن الإخوة الفاتحين الجدد
عليهم أن يهتموا أكثر بالمنوفية لكي يشتد عود الإسلام وطبعا بمدينة
القاهرة ذات الألف مئذنة التي امتلأت بأعداء الإسلام حيث فاقوا أنصار
الإسلام في غزوة الصناديق، ويبدو أيضا أن عليهم خوض حروب الردة في
«إمبابة»، التي كانت لهم فيها ذات يوم صولات وجولات وقيل «جمهورية
إسلامية»، لأن نسبة رفض الدستور في لجانها قاربت 46% والعياذ بالله.
الإحساس بالتماهي بين من يطلب
السلطة باسم الإسلام والإسلام نفسه ليس نكتة مضحكة من شاب سلفي غير منضبط.
فكلمات الشاب السلفي ذكرتني بتعبيرات حسن البنا، مؤسس الإخوان المسلمين في
رسائله.
في رسالته إلى الشباب يبدأ
بعنوان: «دعوة الإخوان المسلمين، أو دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع
عشر». وفي نهاية العديد من رسائله كان الختام كالآتي: «يا رئيس الحكومة،
ويا رجال الأزهر الشريف، ويا أعضاء الجماعات والأحزاب ويا ذوي الغيرة على
هذا الوطن، و يا أبناءه جميعا .. إليكم أوجه القول: عودوا إلى الإسلام
تغنموا وتسلموا ..»
ألهبت هذه الكلمات مشاعري في
وقت ما، كما أظن أنها تلهب مشاعر الشاب السلفي الواقف يتخيل أن صوته في
الصندوق هو مشاركة في حرب الإسلام ضد أعدائه، أو هو مشاركة في دعوة
«الآخرين» إلى دعوة الإسلام بمن فيهم رجال الأزهر.
الأمر ليس مؤديا بالضرورة إلى
التفكير والحكم بالجاهلية، ولكنه في حده الأدنى يؤدي إلى إحساس بين
السلطويين الإسلاميين بالتماهي بين شخصهم وبين الإسلام في المعركة الأزلية
الأبدية، معركة العقيدة بين الإسلام وبين أعدائه. تتفاوت الدرجات وحدة
الممارسات بين «توفيقية» الإخوان و«حماسة» السلفيين.
ربما يمثل فكر سيد قطب الخيط
الواصل بينهما في تقريره الحاد والحاسم والملهم للشباب السلطوي الإسلامي
بأن الحق والباطل لا يتعايشان أبدا، وأن الجهاد من أجل حاكمية الإسلام في
العالم كله هو جهاد تحرير لكل الناس من النظم السياسية والاجتماعية البشرية
لا لإكراههم على الإسلام، ولكن لإزالة «الضغط السياسي» – بتعبيرات قطب –
ليخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد في ظل حاكمية الله وحاكمية
الإسلام. ألم تنس شيئا عزيزي الشهيد سيد قطب؟
في التقرير الأخير هناك نسيان
تماما للبشر الذين سيقيمون حاكمية الله والإسلام، كأنهم بشر شفافون لا وجود
لهم أو أن حاكمية الله قد حلت فيهم، ستمر حاكمية الله من خلال أجسادهم
وعقولهم وأفواههم نقية شفافة من أي أثر بشري.
بينما حاكمية الله في أيامنا
هذه لن تمر إلا من خلال حازم أبو إسماعيل أو نجم التعريض بالقول الشيخ
برهامي أو المرشد الأعلى لرئيس الجمهورية السيد بديع. عبر هؤلاء ستمر
حاكمية الله. وما ذنب النباتات؟!
ولكن بالنسبة لجمهور السلطوية
الإسلامية المعتنق لهذا التماهي ولفكرة «الحرب على الإسلام» فنصرة هؤلاء هي
جزء من معركة العقيدة ومشاركة في صد الحرب على الإسلام، ويقوم بدور أعداء
الإسلام في هذا الموسم كل التيارات المعارضة للتيار السلطوي الإسلامي.
وفي مقابل كل التجميل اللفظي
والتجميل السياسي وابتسامات البلتاجي التي تعد ركنا من أركان ممارسته
للدعوة، فإن «الحماسة السلفية» تتحدث عن نفسها وتعبر بصدق عن دواعي
انحيازها مما يدفع في النهاية بالشاب السلفي للوقوف في طابور الاستفتاء
كأنه في جبهة دفاع عن الإسلام رغم أنه يعتقد أن الدستور «مش إسلامي ولا
نيلة».
تعبيرات الشاب السلفي في
الطابور هي نفسها الفكرة التي عبر عنها مقال احتفت به «الجبهة السلفية» على
صفحاتها باعتباره معبرا عن رأيها في الاستفتاء على الدستور. عنوان المقال:
«لا .. ولكني سأكتبها نعم».
فبرغم عدم الرضا عن الدستور إلا أن المقال يذكر أن التصويت بنعم ضروري
لأنها أصبحت «معركة عقدية» أي معركة عقيدة، ويأتي التفصيل بأن رفض الدستور
سيمثل إحراجا وتعطيلا للتيارات السلطوية الإسلامية ولمشروعها ونجاحها في
تحقيق تقدم في هذا الوقت المأزوم وسط معارضة أعدائها من التيارات الأخرى.
وفي هذه الحالات من المعارك المستعصية كل ما عليك فعله هو ارتداء «نظارة الحرب على الإسلام» –
كما ترتدي في السينما نظارة الرؤية ثلاثية الأبعاد – لترى أعداء الإسلام
مجسدين في المعارضة وتتماهى أنت نفسك مع الإسلام. ويتحول الموقف من الدستور
ومن معركة حريات وحقوق وحديث معقد ومركب وعويص عن طرق كفالتهم وضمانهم
وتجاوز ألاعيب التحايل عليهم – واسألوا برهامي - إلى معركة عقيدة تحسم
ببساطة من أجل أن تقول الصناديق للدين: نعم.
No comments:
Post a Comment