هناك
اقتراح جميل من مؤيدي الإعلان الاستبدادي الذي لفظه مرسي بكل بذاءة في
وجوهنا قبل أيام. الاقتراح هو أن نثق بأن تمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة لفترة
مؤقتة لن يدفعه لاتخاذ أي إجراءات تمس حقوق وحريات مواطنين أو أي قرارات
قمعية ضد معارضته.
هذا الاقتراح الجميل اقتراح
صادق فعلا، أشعر بصدقه فعلا لأن حدسي الشخصي يخبرني كيف أن الأصدقاء
الإسلاميين من مؤيدي مرسي يثقون به فعلا ويحبونه فعلا ويدعون الله أن ينصره
على معارضيه الذين لا يثقون بهم.
ولكني لا أعتقد أن ثقتهم به مبنيّة على أنه مثلا شخص معصوم لا يخطئ. لا يمكن أن يخطر على بالي أنهم يفكرون بهذه الطريقة.
إذن عدنا نستبعد هذا الاحتمال.
ربما تنبني ثقتهم في الرئيس مرسي لأنه فرع من ثقتهم في «الديمقراطية» التي
أتت به. ولكني أعتقد أن الديمقراطية بالأساس حكم الشعب، ليس لأن ممثلي
الشعب هم نسخة متطابقة مع أحلام وأفكار كل مواطن، ولكن لأنها تضمن الفصل
بين السلطات وتوازنها عبر مراقبة كل سلطة للأخرى، ويحاول أن يمنع ذلك
انحراف ممثلي الشعب أو استبدادهم بالرأي والقرار. ويعطي لمعارضي كل سلطة أن
تكون لهم فرصة التظلم واللجوء لسلطة أخرى. الطعن على القرارات الإدارية
للسلطة التنفيذية أمام القضاء الإداري، والطعن على عدم دستورية القوانين
أمام المحكمة الدستورية. محاسبة البرلمان للسلطة التنفيذية. قدرة الرئيس
على الدعوة للاستفتاء وحل البرلمان، وقدرة البرلمان على التشريع فيما يخص
السلطة القضائية لإصلاحها أو تعديل مسارها. واشتراك الرئيس في اختيار أعضاء
الهيئات القضائية.
الإخلال بأحد جوانب ذلك هو إخلال بفكرة الديمقراطية وبالضمانات الأساسية للديمقراطية بأنها لا تنتج استبدادا.
فالديمقراطية شأن القانون
محاولة للتعاقد الجماعي بخصوص الحفاظ على حرياتنا وحقوقنا ومصالحنا جميعا،
والتعاقد الأساس فيه هو الضمانات وليس الثقة. الثقة هي بوابة الاستبداد
وتسلط الزعماء والجماعات والأوصياء على الناس.
ولكن ربما يبني أصدقائي
الإسلاميون ثقتهم في الرئيس لأننا ما زلنا في بداية بناء الديمقراطية وما
زلنا من أجل ذلك في معركة مع بقايا النظام الفاسد ومنه «القضاء». والرئيس
في رأيهم في معركة مع «القضاء» لأنه مليء برجال ساندوا النظام السابق ولأنه
يخطط لمؤامرات انقلابية ضد الشرعية الديمقراطية ولأن القضاء يتسلط ويستخدم
سلطته بشكل جائر ومعاد لاختيارات الناس وفق الديمقراطية.
أنا أعتقد فعلا أن القضاء ككل
مؤسسات الدولة فيه فساد وأنه استخدم سلطاته بشكل سياسي في أوقات كثيرة،
ولذلك أنا لا أثق تماما في مؤسسة القضاء مثلما لا أثق تماما في إدارة
الرئيس محمد مرسي.
الرئيس لم يستخدم صلاحياته وفق
الديمقراطية لكي يتجه لإصلاح القضاء ولكنه استخدم صلاحية تتجاوز
الديمقراطية في إهدار سلطة واستقلال المؤسسة القضائية كلها في مواجهته.
وبعض الهيئات القضائية التي شارك مرسي في تعيين أفرادها مثل محكمة النقض
ومجلس القضاء الأعلى تعارض إعلانه.
كما أن مبرراته في معركة القضاء
ليست نزيهة وتدعو للشك والريبة لا الثقة. فهو يعمل في حكومته مع بعض من
رجال النظام السابق ثم ينتهك سلطة القضاء لأنهم ساندوا النظام السابق.
وهو يحدثنا عن مؤامرات لا
إثبات لها كما كان يهددنا النظام السابق بأن معارضته وراءها مؤامرات
ومخططات خارجية للفوضى. وقدّم عدم ثقته في الناس الذين انتخبوه ديمقراطيا
وخوّنهم واعتبر أنهم سيساندون انقلابا على سلطة انتخابه.
فهو أصلا مارس التخوين مع
المحكمة الدستورية العليا وربما المؤسسة العسكرية التي يفترض أنها تابعة
للرئيس مرسي ضمن سلطته التنفيذية ومارس تخوين الشعب والقوى الثورية التي
افترض أنها ستجتمع كلها ضده وضد الثورة والديمقراطية وتعيد المجلس العسكري
للحكم، وفق المؤامرة التي يتحدث عنها الإخوان.
الرئيس في قراره وإعلانه
الاستبدادي يعلن عدم ثقته إلا بجماعته ومؤيديها وحلفائها من الإسلاميين.
وهو حتى في اتخاذا القرار خان الديمقراطية وخان كل رجال إدارته وحكومته
وهيئاته الاستشارية والمعاونة، التي من المفترض أن تتشارك حتى ديمقراطيا
لكي يمثل تشاركها في القرار ضمانة أولية للديمقراطية.
أعضاء الحكومة والمستشارون
والمساعدون يتخبطون الآن بين الدفاع جزئيا عن الإعلان الدستوري ورفضه
ومحاولة التحليل والفهم والتفسير أصلا، بينما كان من المفترض أنهم شركاؤه
في القرار من الأساس. كيف يمكن أن تثق في رئيس لا يثق في مستشاريه وكيف
تدافع عنه بحجة الديمقراطية بينما هو يهدر أساسها الأول. فلا هو يستشير
مستشاريه ولا يستعين بمساعديه ولا يشارك حكومته الحكم.
لا يتبقى أمامي إلا أنهم يثقون
في المشروع السياسي الإسلامي للجماعة التي ينتمي إليها الرئيس. صحيح هو
بالنسبة للسلفيين مشروع أقل سلطوية من رغباتهم ولكنه خطوة على الطريق.
ولذلك فهم آمنون مطمئنون – مع تحفظات - أنه لن يظلمهم ولن يضرهم مهما
استخدم سلطته في صراعاته السياسية وفي تجاوزه للتشارك والتشاور وفي تجاوزه
للديمقراطية فكرة وتطبيقا وفي استهانته بمؤسسات الدولة التي من المفترض أن
يمارس عمله من خلالها وفي التوازن معها، بل في تخوينه للكل واعتبارهم
مستعدين للانقلاب على الثورة والديمقراطية إلا إياهم!
مبررهم للثقة فيه وفي مشروعه
الذي يجعلهم يستحلون القفز على كل شواهد التخوين والفشل والاستهانة وإهدار
حق غير الواثقين في مشروعه السياسي في محاسبته (هذا هو تعريف المعارضة
والمعارضين )، هو ما دعاني ويدعوني لتسمية مشروعه ومشروعهم بـ«المشروع
السلطوي الإسلامي».
ما يحدث الآن في الشارع هو مشهد
واضح للانقسام. بين من يثقون في «المشروع السلطوي الإسلامي» وبين من
يعارضونه ولا يثقون به ويعتبرونه تهديدا لحريتهم وحقوقهم ولضمان استمرار
الديمقراطية ويعتبرون الإعلان الاستبدادي إعلانا فجا صارخا وبذيئا عن نوايا
هذا المشروع المعادية للديمقرطية والحرية.
هناك مخرج اسمه «العودة
للديمقراطية» التي تعني التشارك وضمان الحريات والحقوق أولا والنزول عن
الرغبات السلطوية وأولها الإعلان الاستبدادي البذيء. وهناك مخرج آخر يقود
إلى ساحة صراعنا لا اتفاقنا اسمه أن تستمر في الثقة في الرئيس.
No comments:
Post a Comment