- قال لي: لقد كنا– نحن الإسلاميين–
في الميدان حتى إسقاط مبارك، ولكن لم نرفع مطالب «الهوية الإسلامية»
و«تطبيق الشريعة»، لأنها ستفرق الميدان وستؤدي للفرقة والاختلاف وضياع
الهدف المشترك. قلت له: نحن الآن نريد بناء التوافق من أجل إنجاز دستور
يعبر عن كل المصريين، ولكنك تصر على أن تضع فيه ما رفضت التصريح به سابقًا
وقلت إنه يسبب الفرقة والاختلاف وضياع الهدف المشترك، ثم تتهم الآخرين
بالتسبب في ذلك!
2- قال لي: إن هذه اللحظة مختلفة،
لأنها لحظة بناء، والبناء يجب أن يتم وفق «الصواب» وليس وفق أي «توافق»
والسلام، و«الصواب» هو «تطبيق الشريعة» الذي هو ضرورة في اعتقاد «الأغلبية
المسلمة». قلت له: إنني محسوب ضمن تلك الأغلبية المسلمة التي يتحدث عنها.
وضمنها أيضًا غالبية أعضاء ومؤيدو القوى السياسية التي تعارض ما يراه.
3- قال لي: إن المسلم الذي لا يريد
«تطبيق الشريعة» فهو كافر أو يلزمه مراجعة عقيدته. وعندما نبهته إلى أنه
يجب عليه حينها أن يخصم الكفار من نسبة الأغلبية قبل أن يتحدث عنها، قال
لي: إنهم أقلية، نبهته مثلاً لنتيجة انتخابات الرئاسة وسألته إن كان يعتقد
أن الذين أعطوا أصواتهم لأحمد شفيق كانوا يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية!،
بينما لم يكن للشفيق مشروع سياسي يذكر إلا التخويف من «دولة الإسلاميين»،
أم يعتقد أن نسبة غير المسلمين في مصر قد قاربت على النصف!
4- قال لي: إن الحقيقة، بصراحة، أن
الإسلام لا يقول بأن الصواب بالضرورة مع الأكثرية، بل الصواب ما أنزله الله
على نبيه وكما فهمه سلفه الصالح، وأن الديمقراطية فعلاً مناقضة للإسلام،
لأنها «يمكن» أن تأتي بما يخالف ذلك، ولكنهم– يعني الإسلاميين– قبلوا بها،
لأنه يغلب على ظنهم أنها ستأتي بهم، لأن غالبية الناس يؤيدون تطبيق
الشريعة. ولكن ماذا لو لم يرد غالبية الناس؟، قال إن الديمقراطية هنا تكون
وسيلة غير فعالة لتطبيق شرع الله.
5- قال لي: إن الديمقراطية أيضًا ضد
الإسلام، لأنها تجعل «الصواب» الذي يؤسس القانون شيئًا نسبيًا، يحدده نواب
البرلمان بنقاشهم وتصويتهم، ولكن الحمد لله أن غالبية هؤلاء من الإسلاميين.
وعندما سألته: «وإن حدث غير ذلك». قال لي: مرة أخرى إن الديمقراطية هنا
ستكون وسيلة غير فعالة لتطبيق شرع الله. سألته: «وما العمل؟». قال: «نبحث
عن طريقة غيرها أو نعود إلى مساجدنا».
6- ثم استدرك قائلاً لي: أنت تراوغ
لتهرب من الوضع الحالي، إن هناك أكثرية تريد تطبيق شرع الله والأقلية ترفض.
هل هذه هي الديمقراطية؟، قلت له: أنت قلت إن الديمقراطية تشرع القوانين في
البرلمان بعد نقاش وتصويت، ولذلك يمكن للنواب أن يقترحوا من القوانين ما
يشاءون من أي مصدر وتصدر بعد نقاش وتصويت. ومحاولات تقييد ذلك باسم
«الشريعة» أو أي شيء آخر هي تقييد للديمقراطية.
7- قال لي: إذن أنت لا تمانع من تطبيق
قانون مستمد من «الشريعة الإسلامية». قلت له: لا ولكن بشرط ألا ينتهك أصل
الحرية والمساواة بين الناس الذي هو أساس اجتماعهم في جمهورية ديمقراطية،
وأن يخضع للنقاش إن كان يحقق مصالح الناس كما يعبرون عنها. قال لي: أنت إذن
مثلي ترفض الديمقراطية عندما لا تكون على مزاجك!، قلت له: إن مثال ذلك
عندما نجتمع في مكان ونقرر أننا جميعًا أصحاب هذا المكان ولا واحد منا له
حق أكثر من الآخر ولكل واحد حريته فيما يمكن أن نتنوع فيه وسنقرر شؤوننا
«الجماعية» فيه بالنقاش، ثم برأي الأغلبية بعد نقاش، فاقترح البعض التصويت
على طرد أحدنا، لأنه يقوم بشيء لا يضر الآخرين ولا يمسهم، ولكنه لا يعجبهم،
وحدث فعلاً. هل يصح؟
فأخذ يفكر
فأخذ يفكر
8– قال لي: ولو فعلوا وأرادوا طرده
فعلاً! قلت: لذلك هناك دستور أو اتفاق أول يقيد الاتفاقات الجزئية بالأصل
في ضمان الحرية والمساواة بين الناس. قال لي: ولو أن أغلبهم رفضوا كتابة
الدستور والاتفاق بهذه الطريقة، لأنهم يبيتون النية في طرده مسبقًا، ولأنهم
يؤمنون بصواب مطلق فوق الحق في الحرية والمساوة؟، قلت له: لا ضمانة
للديمقراطية إلا اتفاق الناس عليها، وغير ذلك تسلط القوي ومقاومة الأضعف
الذي انتهكت حريته وانتهك حقه في المساواة.
9– قال لي: أنت في الواقع تقيد رغبتي
ورغبة قطاع كبير من الناس في تحكيم شريعتهم وما يرونه صوابًا. قلت له: وفق
ما سبق من كلامنا، فأنت يمكنك أن تحيا وفق ما تراه شريعتك كما تحب، وأن
تستلهم منها ما تشاء من أفكار للسياسة والإدارة والقانون، وهو الحاصل
بالفعل. أما الجزء الذي أرفضه من رغبتك هو ما يقيدني ويحرمني من حرية لا
تضرك بشكل مباشر، لأنك تعتقد أنها مخالفة للصواب الذي تعتقده. قال لي: ديني
يأمرني بهذا التقييد، وأنت تقيّد التزامي بديني. قلت له: هل تقصد أن تقول
أنني أقيد حريتك في التحكم في أفعالي وفق ما تعتقد أنه صواب!، قال: نعم.
فقلت له قولاً بذيئًا!
فقلت له قولاً بذيئًا!
10– قال لي: ولكني لا أعرف كيف تعترض على «الشريعة». ماذا رأيتم من الله كي تكرهوا شريعته؟
قلت له: اعتقادك أن أفكارك هي صورة «بالكربون» من نص وحي
تعتقد يقينًا أنه من عند الله، ولذلك فهو الصواب والحق والحقيقة، اعتقاد لا
أتفق معه ولا يلزمني. ربما أختلف مع علاقة أفكارك بالنص أو في الإيمان
أصلاً بهذا النص أو في الإيمان بالله أو في الإيمان أصلاً. فالاتفاق بيننا
أن حرية العقيدة مطلقة ومصونة، وإن مارست ذلك لا يجعلني ذلك خارج التشارك
الديمقراطي بين أفراد يبحثون في كون التشريعات والسياسات محققة لمصلحة
الناس التي يعبرون عنها وفي دفع العدوان عنهم مع ضمان حقوقهم الأساسية.
11- قال لي: تلك الضمانات التي تلصقها
في نهاية كل جملة تجعلك مثلي ترفض الديمقراطية إن قامت على أسس غير الحرية
والمساواة، وأنا أرفض الديمقراطية إن لم تكن وسيلة لتطبيق شرع الله. ولذلك
لن نلتقي أبدًا. قلت له: كيف نلتقي طالما كنت متمسكًا بحريتي وبحقي في
المساواة وأنت متمسك برغبتك في تقييدها؟
12- قال لي: إذن فهو الصراع. يحتاج
الحق أحيانًا للقوة لكي تمهد له. لم نكن لنكون مسلمين لولا فتح مصر بالقوة.
قلت: لقد جرت مياه كثيرة تحت النهر منذ كانت مصر جزءًا من الخلافة حتى
أصبحت جمهورية ديمقراطية، ثم تحاول الآن أن تبدأ عهدًا جديدًا بعد ثورة
جعلت مصدر الشرعية للنظام السياسي هو الجموع الشعبية التي لم ترفع لا هوية
ولا شريعة. قال لي: أخبرتك سابقًا لم نكن نريد الصراع!، قلت له: ها أنت
تريده الآن وكأنك تريد إعادة «فتح مصر» لتبني بالقوة ما تراه «صوابًا»
بعيدًا عن التشارك الديمقراطي. قال: هكذا كانت دولة الخلافة، وهذا جائز
شرعًا. قلت: وتسألني ماذا رأيت لأرفض تطبيق «شريعتك»؟!
No comments:
Post a Comment