هناك شيعة يمثلون خطورة بالغة على الأمة، مما يستدعي
تحالف الأزهر والإخوان والسلفيين لمواجهتهم، وهناك مصريون بهائيون وأحمديون
وشهود يهوه يعيشون خارج النظام العام طبعة مبارك وسيظلون خارج النظام
العام طبعة الإخوان، وهناك مجموعات تكره الإخوان والسلفيين كره العمى، وبعض
المجموعات تبلغ بها الكراهية إلى حرق أتوبيسات الجماعة ومهاجمة مقراتها،
وهناك إعلام له شعبية كبيرة يعيش على مهاجمة الإسلاميين – كما يرى
الإسلاميون - وهناك مجموعات سلفية تتبنى خطابًا دينيًا يراه الأزهر مغالاة
وتزايدًا، بينما ترى المجموعات السلفية أن ما يتبناه الأزهر من مذاهب
الاعتقاد والتصوف هو بدعة وضلالة.
وهناك مواطنون لا يحبون كليهما أصلًا، لا تنسَ أن هناك
مسيحيين من طوائف متعددة، كما أن هناك ملحدين ـ يا للهول ! - يظهرون في
عزبة النخل وفي فاقوس وقبلهم في دمنهور وأسيوط، وهناك نجوم سينما يدفع
الملايين ليشاهدوهم ليأتي شيخ ومعه ملايين أخرى يقفون بصورهم الفاضحة
معترضين أمام المحاكم. وبعد كل ذلك، ووسط كل هذه المعمعة، يفتح البعض فمه
على اتساعها ويتحدث عن «هوية مصر» !
أعتقد أن سبب المشكلة يكمن في أن بطاقة الهوية بالنسبة لمعظم
المصريين لا تعبر عنهم فعلاً. فمعظم المعلومات قديمة تحتاج لتحديث،
بالإضافة إلى أن صورتهم فيها بائسة أو مضحكة وهم يعتقدون أن صورتهم بخلاف
ذلك، وهو صحيح غالبًا وليس دائمًا.
ولذلك ينتشر في مصر اعتقاد أن الهوية هي شيء آخر غير ما أنت
عليه الآن، هي شيء تكتبه السلطة في مكان ما ولا تعترف إلا به، باقي معلومات
حياتك تحتاج لإثبات وإن لم تثبتها السلطة في بطاقة الهوية فهي لا وجود
لها.
ولذلك فإن كفاح السلفيين من أجل الحفاظ على «هوية مصر» في
الدستور يتمثل في محاولتهم أن يكونوا موظفي السجل المدني ـ آسف! السجل
الإسلامي ـ الخاص بالسلطة الجديدة التي تكتب تلك المعلومات التي لا تتحدث
بالضرورة عنا كلنا هنا الآن، والتي تضع الصورة الفوتوغرافية التي لا تضمنا
كلنا بالضرورة. وعندما يحدثه أحدهم عن كل هذا التنوع الذي يضطرب الآن
ويتصادم ويتصارع فإن رده يكون: أنتم ضد الهوية!
حاولت أن أفكر كثيرًا – باعتباري واحدًا من هؤلاء - كيف أكون
ضد هويتي! وهل يمكن أن يكون الموجود ضد هويته! ما مصدر هذه الهوية إذن إن
لم يكن وجوده الآن وما هو عليه؟ هل هي شيء مستقر في التاريخ، أم شيء كامن
في أعماق الأرض، أم هو شيء منثور في الهواء المحيط بنا، أم هو شيء مُشفر في
الجينات؟
وإذا كانت هوية الجماعة ليست ما يجمعهم فعلًا، فماذا تكون؟ هل
ما تعتقد الأغلبية أو من يتحدثون باسمها أنه يجب أن يكون؟ وبذلك تكون
السياسة هي محاولة الأغلبية تطويع الأقلية لتوافق هويتها؟
حاولت أن أفهم مثلًا تصريحات الشيخ يونس مخيون، طبيب الأسنان
وعضو التأسيسية عن حزب النور السلفي، الذي يسمي من يدافعون عن دستور آخر
فيه ضمانات أوسع للحريات والحقوق ويحترم التعدد والتنوع القائم ويفتح الباب
له في المستقبل، أنهم يريدون «دستورًا علمانيًا» وعليهم أن يبحثوا عن شعب
آخر!
الشيخ يونس مخيون يعتقد أن معه بطاقة هوية هذا الشعب، لا أدري
أين وجدها، ولكن في هذه البطاقة الهوية واضحة، وأي معلومات وصور مختلفة
عما في البطاقة هي بالتأكيد تنتمي لشعب آخر. طيب وماذا عن هؤلاء الذين
يطالبون بـ«الدستور العلماني»، هل هم أشباح؟ هل رأيت بطاقاتهم يا مخيون،
تأكدت أنهم ينتمون إلى هذا الشعب؟ المصيبة إن كانوا ينتمون لهذا الشعب فهم
جزء من الهوية القائمة، الهوية ليست صافية إذن، هل تسمعني يا مخيون؟
قل بوضوح إن «ما يجب أن تكون هوية مصر» في رأيك «كذا»، ولكن
لا تحدثني عن هوية الشعب الآن، ولا تحدثني عن الديمقراطية وأنت تريد
«تثبيت» هوية الشعب. بالتأكيد أنت مثل الآباء الذين يتركون لأبنائهم حرية
اختيار كلية طب الأسنان لأنهم أبناء طبيب أسنان، ولذلك فإنك تخجل من القول
«هذا ما يجب أن تكون عليه هويتهم في المستقبل». هويتهم التي أقررها أنا
باعتباري الأب/ الأقوى/ الأغلبية ويجب أن وأجبرهم عليها إن كانوا لا
يريدونها، فتقول بدلًا من ذلك: هذه هويتهم فعلاً وأنا فقط أصونها وأحميها.
اترك البطاقة التي في يدك يا مخيون وتوقف عن النظر في الصورة
وانظر إليّ جيدًا، أنا موجود، عائلة أبي من الصعيد وعائلة أمي من الدلتا،
وأسرتاهما سكنتا إمبابة وأنا ما زلت أسكن في إمبابة. تتلمذت فترة على مشايخ
سلفيين، ثم نشطت فترة مع الإخوان، وتجولت فترة حول الصوفية، وكان لدي وقت
لأقرأ لشيعة ومعتزلة وخوارج وديانات شرقية وفلسفات غربية، وتأثرت بابن
تيمية وابن حزم وحسن البنا وسيد قطب وعلي شريعتي وعادل حسين وحسن حنفي وعبد
الوهاب المسيري وسارتر وميرلوبونتي وماركس ونيتشه وكارل بوبر وفوكو
وهابرماس ووودي آلان وجورج ساينفيلد، وأصدقاء كثر من مُدونين وناشطين تعرفت
عليهم عبر الإنترنت وفي الشارع، حيث رأيت هناك أيضًا تيارات وأناسًا
ينتمون للشعب الآخر العلماني الذي يندس بيننا الآن ليثبت أن كلامك عن هوية
مصر هو كلام فارغ.
إن كنت تريد أن تتأكد من «هويتي» – كواحد من هؤلاء الشعب
الآخر الذي يجب أن يبحث عن نفسه في مكان آخر - قابلني عند مصنع الكراسي.
المكان معروف هناك وألف من يدلك، وعندما تراني ولا يعجبك كوني واحدًا من
هؤلاء الذين يجب أن تتحدث عن هويتهم أيضًا وأنت تتحدث عن «هوية مصر» سأضع
أصابعي العشرين – أصابع يديّ وقدميّ- في عينيك، ولا أعتقد أن ذلك سيضرك
كثيرًا، بل على العكس سيمنحك مبررًا له معنى وأنت تدعي عدم رؤيتي وأنت تكتب
الدستور الذي يتحدث عن هويتي، لأنني لا أنوي قريبًا الذهاب إلى مكان آخر.
No comments:
Post a Comment