31 October 2009

تحت السلم


أحاول ألا أعتاد ذلك المنظر اليومي، مدخل حجرة بواب العمارة الذي يضطره عند دخوله إلى الانحناء.
هذا ليس منظرا استثنائيا لمن يعرف تصميمات العمارات القاهرية الجديدة، حتى الفاخر منها. ولكنه فقط مجرد تجسد ظاهر للحالة غير الآدمية التي تردى إليها "الحد الأدنى" الذي يستحقه هؤلاء الذين يقبعون في أدنى سلم العرض والطلب.
حاولت بهذا التقرير ألا أنسى، وأن أسجل أن الغرفة الواحدة الضيقة فوق سطح العمارة التي تجمع أسرة البواب، قد أصبحت في العمارات القديمة في وسط البلد سكن بعض شباب المثقفين والفنانين أو الطلاب القادمين للدراسة من المحافظات الأخرى للدراسة في الجامعة. أما الحد الأدنى فقد تحول إلى جحر حقير تحت سلم. صاحبة العمارة التي أسكنها لا تفوت أي مناسبة تمكنها من تذكير الجميع أنها تضحي بهذا الجحر من أجل البواب. من المؤسف - بالنسبة لأصحاب العقارات- أنه لا يمكن ترك البواب وأسرته ينامون في الشارع. النوم في الشارع فقط هو ما يتجاوز "الحد الأدنى" إلى حد غير مقبول. ولكن مساحات الجحور جعلت البوابين وأسراتهم يعيشون فعليا في الشارع.
أثناء إعداد التقرير، انحنيت للمرة الأولى ودخلت أكثر من جحر، بعد أن وصل حواري مع أحد البوابين إلى درجة ودية تسمح أن أطلب ذلك دون أن يسبب له ذلك حرجا، وبعد أن علمت أن زوجته وأولاده بالخارج. وأثناء إعداده أيضا كدت أشتبك بالأيدي مع مجموعة بوابين. طلب أحدهم مني إبراز كارنيه الصحافة، فحاولت أن أجيب بود أنني أكتب لجريدة جديدة- كان ذلك قبل بدء صدور "الشروق"- وأنني لا أطلب منه غير أن نتحدث لدقائق إن كان يريد، ومازحته بأنه هو نفسه لا يملك كارنيه بواب! ولكنه كان عصبيا ومتشنجا وأمسك بتلابيبي وصرخ: "إنت مين إنت؟ وعاوز إيه؟" وصاح مناديا زملائه وكأنه أمسك لتوه جاسوسا.
فشل الود فعدت بسرعة إلى شرنقة "وضعي الاجتماعي" ونهرته بقوة وبعض التعالي - للأسف- وأظهرت له بطاقتي المدون فيها أنني مهندس، موضحا أنني أحاول أن أكتب لجريدة جديدة عن أحوالهم و"حقوقهم"، وكأن نصا مكتوبا للمشهد يدفعني لأن أقول "التي لا تستحقونها يا غجر!" ولكن لم أقل ذلك. كان ذلك التوضيح فيما يبدو بالغ التأثير لأنه سارع بالابتعاد عني خطوة وكذلك فعل زملاؤه الذين تجمعوا. اندهشت أن تشنجه وانفعاله اتخذا مسارات أخرى فكادت الدموع تطفر من عينه وهو يقول: "معلش يا بيه. إحنا يا ما بنشوف. إحنا تعبانين والله". وانحنى قليلا وهو يكرر اعتذاره: "حقك على راسي يا بيه".


الصورة لـ محمد الميموني

4 comments:

We2am said...

:'(

Anonymous said...

بالعكس يجب أن تعتاد هذا المنظر وعشرات المناظر غيره
يقولون أنه لم يعد هناك طبقة وسطي فقط الأغنياء والفقراء
ولكني أري أن الوضع صار إلي غير ذلك
إلي طبقتين

فاحشي الثراء
و
المعدومين

تقرير ممتاز
بالتوفيق دائما

موقع نادى الزمالك تيم said...

موقعك متميز للغايه

Amira Hassan said...

OMG !
انا بجد رد فعلهم الاخير ده كان هيخليني اعيط :(