28 November 2008

لكن مكسوف أقول

black Theama

لم أفهم لماذا كان الفتيان يختلسون النظر إليّ، وبهذه اللوعة! لم تراودني أحلام الشهرة ولا أعتقد أنه كان غريبا جدا أن أكون جالسا مع عدد قليل وسط جمهور يفضل الوقوف، على الأرض أو فوق الكراسي، في حفل "بلاك تيما" الأخير.
ولكني فهمت عندما اصطدمت يدها برأسي من الخلف، الفتاة الجميلة بالتي شيرت الأبيض والجينز والبيريه اللطيف الذي يخفي بعض شعرها الطويل، ثم اعتذرت لي وهي تربت بكلتا يديها على كتفيّ، وباقي جسدها يواصل الرقص في منتهى النشوة.
عرفت أيضا، وأنا أبتسم وأخبرها أنه "لا مشكلة" ثم أنظر أمامي، أن هؤلاء الفتيان يعتقدون الآن أنني كنت محظوظا للحظات، ولكنني لا زلت صاحب أسوأ مكان في الحفل.


19 November 2008

الشرطة والجنس والجريمة



هناك بالتأكيد سوء تفاهم كبير يقف وراء "النشاط الجنسي" المتصاعد مؤخرا للشرطة المصرية. ويبدو أن المتسبب فيه هم من طالبوا الشرطة ببذل المزيد من الجهد لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي، ومن ظلوا يرددون أن مدونين ونشطاء هم الذين اخترقوا حالة الصمت تجاه هذه الظاهرة وكشفوها على الإنترنت وتناقشوا حولها قبل أن تتحرك وسائل الإعلام.
الشرطة فهمت أن المطلوب هو حصار النشاط الجنسي للمصريين، ونظرا لصعوبة هذه المهمة فإنهم استعانوا بنفس التقنية المبهرة: الإنترنت، تلك الساحة التي تنكشف فيها الظواهر الخفية.
وفي الغالب قضى ضباط ساهرون لحماية الشعب والوطن، وقتا طيبا ولذيذا في تصفح المنتديات وساحات الدردشة التي يمرح فيها الأشقياء، وشاهدوا كما لا بأس به من الفيديوهات المثيرة للشكوك قبل أن يخرجوا بقضايا خطيرة وتهم كل مصري: القضية التي عرفت بـ"تبادل الزوجات"، وقضية فيديو النجم الكبير سعد الصغير والراقصة قليلة الحياء في فرح شعبي.
أما عن قضية "تبادل الزوجات"، التي يذكرني اسمها بتبادل الطوابع، فلا أظن أنها تهمني بأي حال أوتهم الكثيرين ممن يشاركونني الميكروباص على خط إمبابة- الجيزة، الذين تتلخص مشكلتهم يا حضرات في أن الميكروباص بعد أن يقسم الرحلة إلى رحلتين أو ثلاث، كل واحدة مقابل أجرة كاملة، يرفض في النهاية أن يتخطى نفق إمبابة ليصل إلى محطته النهائية عند كشري أبو مداح، فيما عرف بظاهرة "إمبابة أول النفق"، التي تنتشر بلا رادع.
وإن كانت الشرطة لا تفضل العمل على الانضباط في مثل هذه المجالات ثقيلة الظل، وتفضل مطاردة المتبادلين في أوكارهم، فأنا أفضل أن تبدأ بمطاردة هواة تبادل الطوابع. على الأقل هؤلاء المدللون لا يزالون يثيرون حنقي منذ أن كنت طفلا أراهم يتبادول الزيارات بصناديق وأكياس الطوابع ويجلسون في خشوع يتأملونها ويتبادلونها بينما كان يجبرني أبي على قضاء الإجازة الصيفية أتعلم الكاراتيه. ولأنه حقا يجب ردع هؤلاء، بعيدا عن الحساسيات الشخصية، لأن طوابع الدول ليست لعبة، الحكومات تطبعها لغرض محدد وهو اللصق على الرسائل البريدية وليس للعب والكلام الفارغ.
وأما عن كليب سعد الصغير، فأعتقد أنها خطوة غير محسوبة من جهاز الشرطة. قد تبدو لهم خطوة تجاه معين لا ينضب من فيديوهات القضايا الجاهزة لمطربين وراقصات من المحتمل أن يكونوا قريبا نجوما للغناء الشعبي أو نجمات للاستعراض، وهو ما يعني مساحات كبيرة في الصحف تنقل أسماء السادة الضباط من صفحة الحوادث إلى الصفحات الأولى. يكفي فقط أن تبحث عن "فرح شعبي" في أي محرك بحث أو موقع تحميل لملفات الفيديو لتعرف ما أعنيه. ولكن في المقابل قد يغري ذلك البعض ليطالبوا الشرطة بضبط الجناة متلبسين، وهو ما يعني اضطرارهم إلى مداهمة الأفراح الشعبية في أحراش العشوائيات ومنازلة الشعب المصري على أرضه وبين جمهوره.
الأفراح الشعبية، مثل تلك التي يغني فيها سعد في الفيديو القضية، هي مناسبات يستغلها قطاع كبير من السكان الأصليين لمصر لتكون فرصتهم للتمتع بليلة من المجون والانفلات، بالإضافة للخمور والمخدرات المجانية التي يوزعها أهل الخير والكرم، لذا فهم ليسوا بحاجة لعراقي كردي يهودي ليغويهم على منتدى إلكتروني.
هناك بروتوكول غير مكتوب بين الشرطة وسكان الأحياء الشعبية أن صوان الفرح منطقة حرة، يتم التغاضي عن كل ما داخلها بدءا من إغلاق الشارع تماما وسرقة الكهرباء إلى التبادل العلني للمخدرات والخمور المغشوشة، مرورا بكلمات الأغاني وحركات الراقصة والمطرب. وتجاهل هذا البروتوكول لم يحدث أبدا من قبل الشرطة التي تعرف جيدا العواقب، ولكن ما حدث هو أن تطورات أخيرة تسببت في سوء تفاهم آخر. فمن جهة نقلت كاميرات الموبايل الأمر إلى المواطنين الجدد الذين يظنون أن الأفراح الشعبية هي التي يغني فيها حكيم، فأصيبوا بالصدمة. ويبدو أن ذلك حدث أيضا للضباط حديثي التخرج الذين يقضون يومهم في النقر على الكيبورد وعلى رأسهم الهيد فون، والذين اكتشفوا الفيديوهات على اليوتيوب.
سوء التفاهم يحدث أيضا من تغير الخريطة العمرانية للمناطق الشعبية. وهو ما حدث في "أرض الجمعية"، موطني الأصلي والحالي، والموطن المختلط لأغلبية من البرجوازية الصغيرة الصاعدة من أبناء إمبابة وأقلية من السكان الأصليين.
كانت المرة الأولى التي يقام فيها "فرح شعبي" في أرض الجمعية، وحدث ذلك في شارعنا، لأفتح النافذة ذات ليلة، لأجد الشارع وقد أغلق من الجانبين وامتلأ بطاولات مستديرة يجلس حولها المدعوون وأمامهم زجاجات البيرة وأنواع أخرى من الخمور لم تسعفني ثقافتي لأعرف اسمها، وأكوام من سجائر لا يحتمل إلا أن تكون سجائر حشيش وبانجو، وكان هناك أيضا أكواب غامضة يضع فيها المدعوون أنوفهم، علمت فيما بعد أنها أكواب حشيش. وفي أحد طرفي المساحة المحررة من الشارع كان مسرح كبير عليه فرقة موسيقية ومطرب يرتدي بدلة حمراء وراقصة من الوزن الثقيل.
كان فرح ابن أحد الفاكهانية، وكان ذلك مثيرا لفزع أهل الشارع الذين يستعد أولادهم للامتحانات الجامعية،. كان عندي صباحا امتحان في تصميم المنشآت المعدنية، وهو ما كان أحد أسباب حنقي وتوتر مزاجي تلك الليلة، فتشاورت مع أبي في أن نقوم بإبلاغ الشرطة، على الأقل ليجبروهم على إنهاء الفرح مبكرا بدلا من الاستمرار حتى الصباح.
وكإمبابي أصيل يعرف مدى عدم لياقة إفساد فرح أحد الجيران، مهما انتمى لحيز حضاري مختلف، فإن أبي أجرى اتصالاته ليعرف من هم أصحاب الفرح وليتشاور مع أهل الرأي من باقي جيراننا. ولكن كان بعضهم قد سبقنا بالفعل وأبلغ الشرطة. وجاءت الشرطة وحصل لنا الشرف. وقف الضابط ممتقعا عند أول الشارع، واستقبله المطرب ذو البدلة الحمراء بتحية حارة، وشكر جهاز الشرطة وسرد عددا من أسماء العمداء واللواءات، وختمهم باسم الباشمهندس إسماعيل هلال وكيل أول وزارة الكهرباء ونائب مجلس الشعب عن إمبابة، الذي يسكن أيضا في أرض الجمعية وفي شارع متقاطع مع شارعنا، وشكره على توفيره الكهرباء لهذه الليلة الحلوة.
كان ذلك تعارفا سريعا، عرف عندها الضابط حدوده جيدا واستمر واقفا يفكروبجواره بضعة أفراد أمن يتمنون لو كانوا داخل هذا الفرح، بينما يتطلع العديد من أهل الشارع إليه من البلكونات ينتظرون ماذا سيفعل.
أنقذه رجل من أهل الفرح، وذهب إليه مسرعا يدعوه للجلوس. ولكن بعد محادثة قصيرة بينهما حدثت صفقة، على إثرها قام الرجل بتسليم الضابط صندوقا من البيرة، أمر الضابط رجاله بكسر كل زجاجاته على جانب الطريق قبل أن يشير بإصبعه إلى ساعته مخاطبا المطرب فوق المسرح وهو يبتسم ابتسامة عشم. وعلى الفور قطع المطرب أغنيته صائحا "أوام أوام يا سعادة الباشا، مسافة السكة" وضحك ضحكة ساخرة وطلب من الفرقة " أحلى سلام لكل باشوات أرض الجمعية وإمبابة ومديرية أمن الجيزة يا جدع إنت" وعزفت الفرقة اللحن الشهير للفنان شعبان عبد الرحيم "ما بخافش وإنت عارف، أنا أقدر أعمل إيه!".


-العنوان لاعلاقة له بكتاب"النفس والجنس والجريمة"، ولكنه مجرد عنوان "شعبوي" مناسب للتدوينة، ولضرورات الحملة الانتخابية في مسابقة "البوبز" للمدونات.
- والصورة بالطبع لشعبان عبد الرحيم، الذي لا علاقة له بأي مشكلات مع الشرطة أو الجنس أو الجريمة.. حتى الآن.

13 November 2008

بمناسبة البرتقال والأفراح

وأنا أتأمل في شاعرية البرتقال وأتذكر محمود درويش، تذكرت أيضا الصورة البديعة لعمر مصطفى "علشان هواكي ريحته فانيليا، طعمه مزازة برتقان ... ". شاعرية مزازة البرتقال لا يمكن لأحد عادة أن يلتفت إليها إلا إن كان محبا أحد أسباب انتظاره للشتاء هو حب البرتقال مثلي، أوأن يكون شاعرا فنانا كعمر.
الساحة الخلفية لمسجد عمرو بن العاص التي عقد عمر فيها قرانه منذ أيام كانت دليلا آخر على التفاتاته المميزة. كان كله مساء مميزا واحتفالا بسيطا وجميلا، حظيت فيه بلقاء العديد من الأحباب وسماع "مولاي صلّ وسلم دائما أبدا". وكان ذلك نموذجا آخر يقدمه جيلنا، الذي يمتلك أسبابه الخاصة الوجيهة للفرح، ليثبت أنه يمكن الفرح بأشكال أخرى غير "الأفراح" المزعجة المعلّبة.
ويبدو أن عمر كان متحمسا للدروب الأخرى للفرح من قبل زفافه، لأنه صنع بحضوره وعوده وصوته ما كنت أتمناه تحديدا عندما دعوت الأصدقاء لحفل زفافي الذي أقيم على نجيلة حديقة الأزهر.

للأسف، لم أستطع أن أقدم شيئا في فرح عمر. محاولة رفع صوتي بشيء ما سيتم إساءة تفسيره نظرا لأن الذوق العام غير مستعد لتقبل جماليات صوتي المختلفة، كما أن محاولاتي للتصوير باءت بهذه الصورة.
سأنتظر مرور فترة العسل لكي أزور عمر ببعض الهدايا والبرتقال، ولكن ما يمكن أن أقدمه لكم الآن هو هذا الرابط لأغان كتبها أو لحنها عمر، اكتشفته حالا.
كما لا أنسى أن أذكر المدعوين منكم، وأنبه العالم، بأن غدا هو موعد عقد قران زوج جديد من المتمردين على الأفراح، ربيع وأزميرالدا. أرق التهاني للعروسين، وتحية نضالية لهذا الجيل المجاهد.

11 November 2008

تعرف إيه عن المنطق ؟

حريق الغد
تصوير: عز الدين عبده

يحتاج الأمر لأكثر من المنطق البسيط لكشف المؤامرات المدبرة بأقل قدر من العناية، لكن يمكنه وحده أن يكشف المساخر الفجة.
ما يزيد عن 6 عربات أمن مركزي وعشرات من الضباط وأفراد الأمن بالملابس المدنية انتشروا في ميدان طلعت، وكانوا في انتظار أقل من عشرين شخصا أعلنوا عزمهم الوقوف أمس في الميدان أمام مقر حزب الغد المحترق، تضامنا مع الحزب ضد التخريب الذي تم في غيبة كاملة من الأمن الحاضر على الدوام في الميدان وأمام الحزب. وعندما انتقلت الوقفة إلى سلم نقابة الصحفيين بعد حصار المتظاهرين وتهديدهم، انتقل الأمن معهم إلى هناك حرصا على الواجب وشرف المهنة، ولمساعدة الصحفيين على التقاط صور الوقفة بلوازمها من الجنود.
ولكن عندما عزم الباشمهندس موسى مصطفى موسى على تنظيم مسيرة تتجه إلى الميدان لاستعادة مقر الغد فيه، وهو المقر المؤقت الذي لا يزال قانونا ملكية خاصة لأيمن نور، لم يشاهد أحد ظل جندي عابر في الميدان.
وربما لو كان الأمن تواجد كعادته وفتح الأبواب عنوة لأنصار موسى بحجة تنفيذ الأحكام التي قضت بأحقيته في رئاسة الحزب، كان سيمكن تفسير الأمر على أنه مشاجرة بين الطرفين داخل المقر وتضيع مسئولية الحريق بينهما.
الباشمهندس موسى أيضا لم يكلف نفسه عناء التفكير قليلا فجر يوم المؤامرة ليخصص بعضا من الألاضيش لتسيير موكبه، وبعضا آخر تكون مهتمهم إشعال النيران وتخريب العمارة وما حولها. ليكشف عمر الهادي في "البديل" أن الذين كانوا يفسحون الطريق لموكب موسى هم الذين كانوا يشعلون النيران في أبواب المبنى ويخربون السيارات ويعوقون عمال المطافيء.
حريق الغد ليس واحدا من سلسة الحرائق الأخيرة التي اجتاحت مصر. فهذه السلسة كانت كلها مساخر يكشف المنطق البسيط دور الإهمال فيها، بينما تتجاهل نظريات المؤامرة كليهما- الإهمال والمنطق - وتهيم وراء ما يثير خيالها. أما الإهمال في حريق الغد فكان إهمالا في المؤامرة جعلها مسخرة لا تدع ثغرة للخيال.