27 May 2006

... تصبحون علي بلد


PICT0625


اللحظات القليلة مع مالك علي مقهي ممر " أفتر إيت after eight " بوسط البلد هي وحدها التي سارت في الاتجاه المعاكس ليوم أمس الحزين .
مالك صمد في قسم الخليفة رافضا الترحيل مكبلا بالأغلال, يده إلي يد حارس يسافر به إلي الإسكندرية , ليطوف به دورة إذلال بين القسم التابع له و مديريات الأمن و أمن الدولة قبل أن يفرج عنه .
تم ترحيل محمد عادل و محمد عبد اللطيف إلي المنصورة بعدما لم يستطيعا الصمود طويلا أمام الضرب المبرح الذي تعرضا له و الذي شارك فيه كل زبانية قسم الخليفة البواسل .
مالك صمد حتي النهاية , حتي ملوا من مقاومته و عناده و ألقوا بأمتعته علي الرصيف أمام القسم و طردوه .
مالك كان صلبا و مرحا . و بدا مختلفا في ملابس السجن البيضاء و الشعر القصير .
كان يحكي عن المواقف العنيفة التي تعرض لها بالداخل و في يده الشيشة و في عينيه بريق التجربة و المغامرة , لا أثر للخوف أو الألم .. فقط دمعت عيناه و صمت قليلا و هو يروي مشاهدا لمعتقلين إسلاميين رآها في لاظوغلي قبل ترحيله لقسم الخليفة .. سيحكيها لاحقا بالتأكيد .
لم تمر دقائق و أنا و رضوي معه , حتي جاءنا نبأ الاعتداء علي الشرقاوي في شارع معروف و اختطافه ثم بعدها بفترة قصيرة نبأ اختطاف كريم الشاعر و الاعتداء علي دينا سمك و تحطيم سيارتها التي أقلت كريم فيها خوفا من اعادة اختطافه بعد ما حدث للشرقاوي .
" لماذا ؟ "

PICT0613

قبل ساعات عانقت شرقاوي ثم كريم علي سلم نقابة الصحفيين مداعبا : " كفارة يا شباب ! "
عزيت نفسي برؤيتهما بعد الإفراج عنهما , محاولا الإفلات من الإحباط ...
عددنا كان قليلا .. لقد نجحوا عبر شهر التنكيل هذا في أن يرهبونا .. أتذكر عددنا في أول وقفة تضامنية مع القضاة , كان عددنا أكبر و رغم ذلك كنا أيضا متذمرين من قلة عددنا , نجح الشباب يومها في فك الكردون و جلسنا بعرض شارع عبد الخالق ثروت أمام نادي القضاة نغني و نهتف إلي أن عقد القضاة اجتماعهم .
أمس استغلوا قلة عددنا و قاموا بغلق الكردون و منعوا الدخول و الخروج و فوتوا علينا الوقوف مع القضاة أما دار القضاء العالي ..
كان مشهدا دالا : محمد عبد القدوس يتشاجر مع الضباط من خلف رؤوس الجنود ليسمحوا له بالخروج , قبل أن يرشوا في وجهه و وجوهنا جميعنا غازا مهيجا للأعصاب , بينما يخرج المراسلون الأجانب جوازاتهم و يمرون في ثوان ! ..... الحثالة !
الأعداد التي توجهت إلي دار القضاء العالي مباشرة , و شاركت القضاة وقفتهم , كانت قليلة هي الأخري .
بعد أن أنهي القضاة وقفتهم تمكننا من الخروج و عندها التقينا مالك علي المقهي و لحظات سعيدة قليلة قبل أن تأتي الأنباء السيئة .
أحاول أن أفهم و تتراقص في ذهني الــ " لماذا ؟ " بلا جواب .. شرقاوي كان هادئا اليوم و اكتفي برفع ورقة بها أسماء باقي المعتقلين .. و لم أره يهتف قط .. رأته رضوي يهتف مرة واحدة عندما أتي القضاة ليحيونا في محبسنا و رفعوا لنا أيديهم بعلامات النصر . كنت مشغولا بمحاولة التصوير من فوق رؤوس الجنود .

PICT0599

في المساء ... أكملت علي أعصابي الأنباء الأسوأ .. الاعتداء بأساليب جنسية حقيرة علي شرقاوي و الشاعر في قسم قصر النيل .. و المحامون الذين رأوهما يصفونها كالخارحين من أبي غريب ... كدمات في كل مكان من جسديهما النحيلان ... ضرب مبرح و آثار واضحة للعنف المفرط !
الحثالة !
جرح ينفتح في قلبي و ينزف حنقا و غضبا , و أنا أشاهد شرقاوي في " وثائقي المدونين " يهتف في وسط ميدان التحرير , لا أستطيع أن أدفع عن ذهني تعابير الألم و الضعف و الامتهان كما أتخيلها علي وجهه وقت الاعتداء عليه .
تتراقص أمام عيني الكلمات البذيئة لكنها تغضي حياءا أمام بذاءة الواقع .

PICT0586


حسنا ... وصلت رسالتكم يا حثالة البشر !
..لا كرامة هنا و لا شرف .. هنا المرور فقط لمحنيي القامة أسفل نعال أحذية الجنود الغليظة ..
احنوا رؤوسكم جميعا !
تصبحون علي بلد ...

misr

25 May 2006

اليوم موعدنا


المؤشرات تقول أن اليوم سيكون أفضل من سابقيه .
سنقف اليوم في الواحدة ظهرا بجانب القضاة من أجل استقلال حقيقي للقضاء في مصر , و من أجل وقف التزوير و التلاعبات في الانتخابات , و من أجل الافراج عن المعتقلين .
وقفة القضاة الرمزية مختلفة هذه المرة , فهم دعوا كل المصريين المتضامنين مع مطالبهم للوقوف إلي جانبهم .
و المتضامنون مع القضاة من شتي أنحاء العالم سيقفون اليوم من أجلهم .
لا تخذلوهم .

قبيل و أثناء اعتصامنا من أجل القضاة في ميدان التحرير في 16 من إبريل الماضي , سجلت الجزيرة معنا - مجموعة من المدونين , كنت من بينهم - فيلما وثائقيا عن التدوين و المدونين و السياسة و أصواتها الجديدة في مصر .
المجموعة ضمت أيضا الطبيب الإفريقي و وائل عباس و واحدة مصرية و البراء أشرف و عمر مصطفي , بالاضافة لعلاء و مالك فك الله أسرهما , وربما آخرين .
يذاع الفيلم الثانية عشرة من منتصف هذه الليلة بتوقيت القاهرة .

jazeera


21 May 2006

! شرقاوي " راجع يا وسط البلد "


sharqawi

قررت النيابة اليوم الإفراج عن محمد الشرقاوي مع سبعة آخرين و تجديد حبس 12 آخرين 15 يوما منهم علاء و الزميلات الثلاث ندي و أسماء و رشا .
في الغالب أفرج عن الطلبة فقط تجنبا لـ " صداع " اللجان الخاصة أو الامتحان تحت الحراسة في اللجان العادية .. كان ذلك سيكون دعاية رائعة لحكم السيد رئيس دولة الأمن المركزي و المعتقلات بين صفوف طلبة الجامعة .

لا أصدق أنهم سيفرجون عن شرقاوي المتوقع خروجه صباح غد الأحد ..
فشرقاوي هو المنسق العام للشغب و تكدير الأمن العام في " وسط البلد" .
شرقاوي يكره النظام بشكل عام .. من النظام الحاكم إلي النظام في المظاهرات .. مرورا بكل أنواع النظام المعروفة في العالم كما يبدو من شكل غرفته في الصورة .
بصفتي واحدا من محبي النظام في الغرف و المظاهرات , فشعوري في غرفته أو في أية مظاهرة غالبا يتراوح بين الرغبة في القبض علي رقبة الشرقاوي أو تسليمه للأمن ليقبض هو عليها و عليه .
و لكن لوجه الحقيقة , شرقاوي يفرض نظاما آخر خاصا به في الشارع . حيث أنه يتحول لقلب المظاهرة و مركزها , سواء في تأججها أو فوضاها ... فأحيانا يقود الهتاف و " ينظم " المسير , و أحيانا أخري يتشاجر مع أعضاء الغد – تحديدا - لأسباب مختلفة و متنوعة و طريفة .

لا أعتقد أن شرقاوي سيعود إلي غرفته إلا ليأخذ قسطا من النوم قبل أن يعاود نشاطه ضد النظام بكل أشكاله , و سيبدأ في الترتيب للوقفة مع القضاة الخميس القادم .. سأبحث عنه يومها و سأهتف خلفه و سيضطر للانضباط قليلا لأننا سنكون بجانب القضاة .
قفوا إلي جانب القضاة !


18 May 2006

علاء أقرع .. و مالك نزهي



أخبرتني مني شقيقة علاء , بعد زيارتها الأخيرة له في سجن طره , أنه و باقي المعتقلين في حالة جيدة و روحهم المعنوية مرتفعة للغاية و كثيرون منهم كتبوا علي صدور قمصانهم : " يسقط مبارك " و " تنظيم 30 فبراير " !
مني أكدت لي الأنباء عن حلق شعر علاء . لست أدري هل هو حليق بالكامل أم فقط قاموا بتقصير شعره .. ولكن خلها " أقرع " تمشيا مع تقاليد الإثارة الصحفية و لأن " القافية " أيضا تحكم .
رغم ذلك علاء بخير , و إن كنت أظن انه يفتقد , اكثر ما يفتقد , حاسبه الشخصي ... بعد منال طبعا .
أما مالك فقد أرسل لي رسالة مع مني فيها سلامات للجميع وطلب مني أن أرسل إليه كتبا و روايات ... و أردف أنه يفضل روايات ماركيز .
يبدو أن مالك – طالب الفلسفة - لا يجد متعة في قراءة كتب المنطق الرمزي و علم الجمال داخل سجن طره ... سأرسل له " مائة عام من العزلة " !

الصورة أعلاه من أحد اجتماعاتنا العفوية في منزل علاء .... غالبا كانت ليلة 30 فبراير الماضي ... ساعتها كان مالك يعد لنقل مدونته لدروبال .. و علاء يشرح له كيفية التعامل مع النظام الجديد .
واضح أن مالك يبدو عليه الفهم التام لما يقوله علاء !

تخيل تلك الصحبة الرائعة هناك ... خمسون زميلا علي مجموعتين يقضون وقتهم في الثرثرة و القراءة و الغناء .
اليوم .. فرصة أخري لمن يريد أن ينضم إليهم !


15 May 2006

خرافة الاعتراف

! عن البهائية و السماوية و مقاييس صحيح الأديان


كل ذلك الجدل حول البهائية و البهائيين لا يستطيع أن يخفي حقيقة كبري جلية واضحة كالشمس و هي : إن البحث و النقاش حول " الاعتراف " أو " عدم الاعتراف " بدينهم , سواء بإثباته في بيانات البطاقة الشخصية أو برفض السماح بفتح أماكن لتجمعهم و ممارسة شعائرهم , ما هو إلا انتهاك واضح للحرية الدينية و تمييز بين المواطنين علي أساس الدين .
و " حق الاعتراف " , ذلك الذي تملكه الدولة أو ينص عليه الدستور أو تشرعه الشريعة الإسلامية , و يتعلل به الذين يعارضون منح البهائيين – أو غيرهم مستقبلا - حقوقا متساوية .. ما هو في الحقيقة إلا محض خرافة و مجموعة من المغالطات الصارخة .
و لقد تفضل الأستاذ عصام الإسلامبولي بجمع هذه المغالطات فيما كتب في " المصري اليوم " يوم 13/5/2006 تحت عنوان " القضاء والبهائية بين العقيدة والديانة " . و عرضها مؤيدا بها وجهة نظره في أن حكم محكمة القضاء الإداري الذي قضي بأحقية البهائيين بتسجيل ديانتهم في بيانات البطاقة الشخصية , هو حكم مخالف للدستور و القانون و أرجع " سبب الوقوع في هذا اللبس والخلط " إلي " كثرة القضايا الدقيقة والشائكة المعروضة علي هذه المحكمة " .
لكن عند مناقشة مبررات الكاتب التي ساقها يمكن التعرف فعلا علي اللبس و الخلط اللذان يندرجان تحت ذلك المفهوم الخرافي المسمي بـ " الاعتراف " . لنحاول البحث عنه و عمن بيده سلطة منحه أو منعه.
ينقل الكاتب و يستدل بحكم المحكمة الدستورية الذي ينص علي " أن الأديان التي تجب حماية شعائرها هي الأديان المعترف بها، هي الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية" و يعقب :" والنص مقصور فقط علي شعائر هذه الأديان الثلاثة . ولا يسمح باستحداث آي دين أخر " !!
و إذا تساءلنا عمن له حق أو سلطة الاعتراف فالكاتب يجيب أنه الدستور الذي ينص علي أن " الإسلام هو الدين الرسمي للدولة و هو مصدر رئيسي للتشريع " . و لأن " كلا المفهومين الإسلام أو الشريعة الإسلامية، لا يقران إلا بالأديان السماوية الثلاثة ( اليهودية- المسيحية- الإسلامية " كما قال . و أيد كلامه بفتاوى علماء المسلمين " منذ فتوى الشيخ سليم البشري عام 1910 وما تلي ذلك من فتاوى صادرة عن الأزهر ودار الإفتاء: أنها – أي البهائية - ليست من الأديان المعترف بها " .

و رغم أن التناقض بادي في حكم المحكمة الدستورية لأنه يناقض صميم المادة 46 من الدستور: " تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية " فحرية العقيدة و ممارسة الشعائر المرتبطة بها أصبحت وفق هذا الحكم مقيدة باختيارات ثلاث . أي حرية هذه ؟ و من ذا الذي يملك حق حصر الأديان التي يمكن للبشر ممارستها في وطن ما ؟ أتسمي هذه حرية دينية .
يستشكل الكاتب بأن هناك – علي حد قوله - " خلط بين حرية العقيدة ومعني الديانة، .. الأصل أن حرية العقيدة مطلقه محلــــــها القلب لا يرد عليها قيد ... " و ما يقوله هذا هو أن نص الدستور تحصيل حاصل. فاعتقاد القلب الحر الذي لا يمكن أن يرد عليه قيد , كيف إذن يكفله الدستور و تحميه الدولة ؟ , إنما يكفل الدستور حرية ممارسة الشعائر المرتبطة بهذه العقيدة و عدم التمييز بين المواطنين من أتباع الديانات المختلفة .
و لننتقل مع الكاتب عبر استدلاله لنبحث في جوانب " حق الاعتراف " .
فالكاتب يستدل أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي و يدعي أنه – هو و الشريعة الإسلامية لا يقران – أو يعترفان – إلا بالديانات السماوية الثلاث ...
أولا : و لنناقش الكاتب علي أرضية الإسلام و الشريعة الإسلامية ... لا يوجد في الإسلام أي نص يتحدث عن أديان سماوية و غير سماوية , و لا يوجد في التشريع الإسلامي ما يقسم أتباع الديانات إلي سماوية و غير سماوية . و إنما هو تقسيم متعسف غير علمي و محض خلط . ذلك لأن كل الأديان تعتقد أنها تمثل حقيقة العالم و إذا كانت أديانا مؤلهة فان كل دين يعتقد ان نصوصه و عقائده مصدرها الإله – أو الآلهة ( ما يرد اختزالا تحت لفظ السماء ) . و إمعانا في إيضاح مدي عدم انضباط مصطلح " السماوي " في المنظور الإسلامي , فوفق العقيدة الأشعرية –التي تدرس في الأزهر تحت مسمي عقيدة أهل السنة و الجماعة - فان كون الله في السماء أو تنزل الوحي من السماء هو محض مجاز , و أن الله لا يحده مكان ! .. فلنبحث عن صفة " السماوية " هذه الذي نتحدث عنها !
و حتى إذا فرضنا جدلا كون الأديان الثلاثة السالف ذكرها هي " أديانا سماوية " فلا يوجد في الإسلام ما يفرق في المعاملة بين أتباع هذه الديانات و غيرهم . و لا يوجد أصلا في الإسلام ما يسمي بـ" الاعتراف " . فالإسلام أقر مبدءا للتعايش المشترك و هو "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين " ( الممتحنة - 8) و منه جاء المبدأ الإسلامي " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " تعبيرا عن هذا البر و القسط . و حرية العقيدة في الإسلام مطلقة لا تحدها شروط سماوية و لا أرضية بل أنه أقر حرية " الكفر " – سماويا كان أو أرضيا - : " لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " (البقرة -256) و " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (الكهف -29) .
و ما ورد بشان أهل الكتاب – المسيحيين و اليهود – هو مجرد تنويه عن القرب و الأصل الواحد الذي يقربهم و المسلمين بحكم أصل الرسالة الواحد و بعض المشتركات التاريخية بين هذه الديانات , التي تضع أرضية للحوار و الجدل معهم .
و لا يوجد في هذه النصوص أدني تخصيص أو قصر للتعايش معهم - او الاعتراف بدينهم - دونا عن بقية أتباع الديانات الأخرى .
و فتاوى العلماء المذكورة ليست حجة علي الإسلام بل تناقش وفق مبادئ الإسلام و أصوله .
و لنفترض جدلا أنا سلمنا بنظرية الاعتراف التي تختص بها " الأديان السماوية " فما هي البهائية . البهائية من وجهة نظر العلماء الذين ساق الكاتب فتاواهم هم فئة " ضالة " مبتدعة من المسلمين . يؤمنون بنبوة محمد و كل الأنبياء السابقين و لكنهم يدعون استمرار الوحي و نسخ الشرائع السابقة بشريعتهم الجديدة ؟
نحن إذا أمام ديانة ذات أصل سماوي - وفق هذا المصطلح الغير منضبط – بل أنهم يؤمنون بنبوة محمد و بالقرآن ككتاب سماوي أنزله الله , هذا بينما ينكر أتباع الدينات السماوية الأخرى " المعترف بها " نبوة محمد (ص) أصلا و كون القرآن منزلا من الله !
هذه كانت فقط جملة اعتراضية غير جوهرية لأتساءل حول مدي الخلط و اللبس الذي يقع فيه علماء دين أجلاء عند مناقشة القضية .
ثم أن الاحتجاج بأن هذه الديانة باطلة , هو مغالطة كبري تتجاهل مفهوم الدين من الأساس , بوصفه نسقا كليا مغلقا يؤمن بصوابه وحده و أن ما سواه غلط و خروج عن الدين الصحيح ( كفر ) و لا يوجد دين إلا و هو علي هذه الصورة . و هذا ينطبق علي كل ديانتين سماويتين من وجهة نظر الديانة الثالثة .. و اذا كان هناك اعتراف بهم رغم تسليمهم ببطلان بعضهم البعض . فكيف يمكن الاحتجاج بان ديانة رابعة باطلة و لا يصح الاعتراف بها !
و إذا كان " ثمة " اعتراف فمن يمنحه . أتباع واحدة من الديانات الثلاث . أم لجنة مختصة " للاعتراف " تضع مقاييسا للدين تحاكم المعتقد وفقه , علما بان الأديان ليست انساقا متشابهة . فمكانة و طبيعة الإله – أو الآلهة - و الإنسان و العلاقة بينهما و ترتيب الشعائر و غيره غير متسقة فيهم جميعا . فما هو مقياس الاعتراف أفادكم الله !
يبدو لي أن الكاتب في ثنايا مقاله يقترح أنماطا أخري من المقاييس فهو في فقرة أخري يقول أن الدين البهائي " ليس بدين أصلا وفق صحيح الأديان السماوية الثلاثة ودستورها- أي مصر القائم " ليت شعري أي مقياس أطرف و أكثر غرابة من هذا المقياس " صحيح الأديان السماوية الثلاثة " , هذا المصطلح وحده يعبر عن خرافة أخري تنافس خرافة " الاعتراف " فـ " صحيح الدين " هذا قد أعيى أهل كل دين علي حدة أن يجتمعوا عليه . فالأديان تتوزع علي فرق تبعا لهذا الصحيح ,و الفرق تتشعب إلي فرق أخري و مدارس و مذاهب و أطياف تبعا لهذا الصحيح أيضا . و من الخرافي أن نبحث عن " صحيح الأديان الثلاثة " تلك التي يقضي كل منها ببطلان غيره و انحرافه عن المعتقد الصحيح الذي تمثله كل ديانة من منظور معتنقيها !
ثم نأتي للنصف الآخر من المقياس " و هو الدستور و أتمني |أن يفيدنا الكاتب في أي موضع بالدستور توجد مقاييس ما هو دين و ما هو ليس بدين . إلا إذا كان سيعيد الكرة فيستدل بالإسلام و الشريعة الإسلامية و يتحدث عن ذلك " الاعتراف " الوهمي الذي يكمن فيهما .
ثانيا : و لننقل النقاش إلي أرضية الدولة الدستورية الحديثة تلك التي تكفل مساواة مواطنيها أمام القانون و تكفل لهم حق و حرية الاعتقاد و الممارسة الدينية دون تمييز .
كيف يستقيم إذن وفق مبدأ المساواة أن يحكم دين ما – أهله و علماؤه و مقاييسه الداخلية – علي دين آخر يدين به مواطنون في الدولة ,و يكون من حقه تقييمه و " الاعتراف " به كدين , بينما هو في عالم الأفكار و المعتقدات خصم له و يعتقد جزما ببطلانه و عدم صحته , بضرورة كونهما معتقدين مختلفين . كيف يكون الخصم حكما ؟
ثم أية مساواة هذه التي تقيد حق مواطنين في إعلان دينهم و ممارسة شعائرهم بانتظار اعترافٍ ما لست أدري كيف حصلت عليه أديان المواطنين الأخرى , يبدو لي أنها تاريخيا حازت " الاعتراف " الوهمي بحكم الأمر الواقع . هذه هي ديانات من يعيشون هنا... لا يوجد مقاييس أخري و إلا فليذكرها العارفون .
وفق مقياس الاعتراف هذا فان تقييد " الاعتراف " بأي دين أو معتقد يدين به مواطن هو تمييز واضح و خرق للدستور .. بل انه يفوق التمييز الذي يمنع حقا هنا و مزية هناك .. انه الحد الأقصى من التمييز – ذلك الاعتراف الخرافي – الذي لا أجد وراءه إلا الاضطهاد الديني الصريح .
و هنا يجدر التنويه أن سوق روايات عن أعمال جاسوسية تورط بها أتباع دين معين في فترة تاريخية معينة , في معرض مناقشة حقوق أهل هذا الدين , لهو دعوة واضحة للاضطهاد و التمييز و الكراهية , تسحب هذه الاتهامات – صحت أو لم تصح – علي كل أهل الديانة و هو ما لا يجوز لا عقلا و لا قانونا .
سأنهي حديثي بالمغالطة الأخيرة في كلام الكاتب تلك التي ذكر فيها أنه كما " لا نقبل أو نرتضي أن تفرض علي شخص ديانة لا يؤمن بها أو يعتقدها، وغير راغب فيها، فكيف نجبر الدولة علي الاعتراف بدين هو ليس بدين أصلا "
إن المغالطة هنا واضحة , فالدولة من واجبها بحكم الدستور أن تكفل حقوق المواطنين و في هذا هي تقوم بواجبها و دورها , لذا فانه يلزمها – دستورا و قانونا - كفالة هذه الحقوق , و لا إكراه في الأمر , إلا إذا كان الكاتب استنطق الدولة و عرف إنها كارهة لكفالة هذه الحقوق لطائفة معينة !
الدولة تسير وفقا للدستور الذي مرد شرعيته إلي قبول المواطنين – كل المواطنين - لا العكس !
و أخيرا فلا أجد ما بقي من خرافة " الاعتراف " سوي أن الدولة ملزمة وفقا للدستور الذي يكفل المساواة و يمنع التمييز بين المواطنين علي حماية الحرية الدينية و ممارسة الشعائر و عدم تقييدها , و الدين هنا ينطبق علي معتقدات أي مواطن يعيش بين حدود هذا الوطن . هذا هو معني " الاعتراف " المنضبط الوحيد الذي يمكن أن نجده فيما أعتقد . و هو معني يبطل مشروعية البحث عن مقاييس له أصلا و يكشف خرافيته و تعسفه و انطوائه علي ميول تسلطيه واضحة غير مبررة .
الدين - الذي يكفل الدستور بشأنه حرية الاعتقاد أو ممارسة شعائره - هو " كل و أي " ما نعتقده " نحن " , كل المصريين أو أيا منهم , " هنا " علي أرض مصر التي تسعنا جميعا بلا تفرقة , وتظلنا سماؤها جميعا بلا تمييز .


12 May 2006

! " شيء ما عفن في " مصر الجديدة




كما يليق حقا برئيس تجاوز في الحكم ربع قرن من الدوران في المكان , و ممانعة التقدم إلي الأمام .. كان سيادته في معرض الآثار المصرية الغارقة ببرلين . بينما كانت الفوضي تجتاح وسط القاهرة صباح الخميس , و المعارك علي أشدها – من طرف واحد - بين قوات أمنه و بين المتظاهرين المتضامنين مع القضاة و ناديهم المنتخب , المعترضين علي إحالة اثنين منهم إلي محاكمة تأديبية بتهمة إهانة القضاء , بعد إدلائهم بمعلومات تفيد حدوث تزوير و تلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة .
و تأكيدا لهذه اللفتة الدالة التي تليق به حقا , فإنه صرح في نفس اليوم انه حريص علي عدم التدخل مطلقا في شئون القضاة .
رئيس الجمهورية الذي يختار فعليا وزير العدل و المجلس الأعلي للقضاء لا يتدخل في شئون القضاء ! ... و الخلاف بين نادي القضاة الذي تلتف الأغلبية العظمي من القضاة حول مجلس إدراته المنتخب بأغلبية ساحقة , و بين وزير العدل و المجلس الأعلي للقضاء المعينين من قبل السلطة التنفيذية..هو حقا خلاف لا شأن لرئيس السلطة التنفيذية به .
هكذا يحب أن يصور الرئيس الغارق المسألة متجنبا الصورة الحقيقة لها و هي أنها إحدي جوانب صحوة الفئات المصرية المطالبة بالاستقلال و الحرية . و أطراف المسألة هم بوضوح : الممثلون المنتخبون للفئة الطامحة إلي التحرر و الاستقلال و إقرار حكم القانون لا حكم الفرد , وعلي الجانب الآخر ممثلو السلطة التنفيذية التي تجمع السلطات بيدها و تهبها للفرد المعتلي سدتها , و الذي يريد أن يبقي المجتمع المصري تحت الوصاية , وتحت تصرف المزاج الرئاسي و تقديراته لجرعات الحرية و الديمقراطية المناسبين للمجتمع القاصر غير الناضج , أو تفضيله لهراوات و حواجز الأمن و من خلفهما قانون الطواريء : صك عبودية المجتمع و ارتهانه تحت قبضة الأمن .
هذه المعركة هي صورة مكبرة لمعارك و أزمات أخري كثيرة تدور قرب السطح و منها ازمة الحراسة المفروضة علي نقابة المهندسين منذ أكثر من عشر سنوات , و أزمة المطالبة استقلال الجامعات و وقف التدخل الأمني في شؤونها و غيرهما .
معركة استقلال القضاء نجحت في فرض نفسها , لأن بعض الاستقلال الذي يحظي به مجتمع القضاة – و الذي لا يزال منقوصا وفق رؤية القضاة أنفسهم – قد غل يد السلطة عن قمعهم أو التلاعب بقضيتهم تحت مسميات مختلفة , و قصة الخلاف الداخلي بين القضاة , و الرئيس الحريص علي عدم التدخل لا تقنع إلا الحمقي في الإعلام الرسمي .
لا يمكن أيضا أن نصدق أن التراجع عن إعادة حق المواطنين في التظاهر السلمي هو محض اجتهاد من موظف كبير بدرجة بلطجي يسمي وزير الداخلية . فمثل هذه التغيرات المفاجئة لا تحدث في مصر إلا وفق مزاج السيد الرئيس . الذي كان توقفه عن قمع أنشطة الشارع السلمية بتوبيخ مباشر من الإدارة الأمريكية .
يبدو فعلا أن مزاج السيد الرئيس قد تغير .. فمعركة القضاة قد عكرته إلي أقصي حد .
فمن جانب يلوح ان السيد الرئيس لا يجد حرجا من ان يسمع المطالبات الديمقراطية في الشارع لأنها فعلا غير ذات قدرة علي الحشد الجماهيري , و لكنه يشعر بالقلق من الالتفاف حول - أو عقد الأمل علي - أشخاص بعينهم .. ما زال التنكيل بأيمن نور مستمرا في قضية ملفقة .. و القضاة يحالون إلي محاكم تأديبية , و التعدي عليهم لم يتوقف , من تجاوزات الشرطة ضد القضاة المراقبين للجان إلي التعدي علي القاضي محمود حمزة . و العدوانية الشديدة تطال المتضامنين معهم للحيلولة دون تفاقم مظاهر الإعلاء من شان قادة حركة القضاة و إكبارهم مقابل التردي المستمر لمكانة الرئيس و هيبته بين النخبة و الشارع علي حد سواء .
كما أن معركة القضاة قد جمعت كل اطياف المجتمع المصري النشطة تحت راية التضامن معهم , التيارات السياسية جميعها , و الحقوقيون , و النقابيون و غيرهم و معظم رموز المجتمع المستقلين تضامنوا بشكل أو آخر , و توافدوا لتحية القضاة و الشد من أزرهم . أضف المجتمع الدولي و في مقدمته تجمعات القضاة في العالم التي تتضامن مع حركة القضاة المصريين و مطالبهم .
الاستفزاز إذن كان شديدا , و ذلك التوازي بين حركة القضاة و حركة كل أطياف الناشطين و مؤازرة المجتمع الدولي , يبدو انه أفزع الجالس وحيدا في القصر الجمهوري , و نكأ موقفه الضعيف في مواجهة القضاة الذي يتقدمون بخطي وئيدة و لكنها ثابتة , و الضعيف المتعجرف عندما تضيق من حوله الحلقات يلجأ إلي الشراسة و العدوانية المفرطة التي تصل الي حد السفالة .
و لكن تلك العدوانية و ذلك القمع لم ينجحا بعد في إيقاف حركة القضاة , بل إنه علي ما يبدو يقلل أكثر فأكثر تلك المسافة التي يحافظون عليها بينهم و بين المعارضة السياسية و حركة التغيير .
فالقضاة - الذين بدأوا يستخدمون وسائل الضغط السياسي مثل الوقفات و الاعتصامات - ردوا تحية التضامن معهم بأفضل منها و اعلنوا تضامنهم مع المعتقلين منذ أول موجة اعتقالات , و تدخل القضاة في أكثر من موقف لايقاف قمع الشرطة ضد رموز حركة التغيير ,و انتهاء باعلان المستشار البسطويسي مقاطعته للمحاكمة و رفضه المثول أمامها حتي تغيير تشكيلها الذي يطعن في نزاهته, و حتي الافراج عن جميع المعتقلين من المتضامنين مع القضاة و وقف الاعتداءات البوليسية عليهم في المستقبل .
جوهر الصراع يزداد وضوحا مع ازدياد قمع الدولة و صلفها في مواجهة القضاة و حركة التغيير علي السواء . حركة التغيير ليست حركة سياسية متجانسة تطمح لاعتلاء الحكم , و مطالبتها بالتغيير جوهره في الحقيقة - خلف الشعارات القصوي باسقاط النظام - اطلاق الحريات و وقف انتهاك الحقوق بما يسمح ببناء دعائم مجتمع ديمقراطي يحكمه القانون , لا الفرد و لا القوة البوليسية و العسكرية .
و مطالب القضاة و معركتهم هي في القلب من مطالب المنادين بالتغيير في مصر .
و حركتهم هي في القلب من حركة تغيير عامة, أوسع من حركات التغيير السياسية المعروفة , التي بدأت في مصر و لا ينبغي ان تتوقف .
علينا أن نعي أن الطريق طويل و وعر نحو التغيير الشامل , و لكن ما يحدث حاليا في جانبيه هو شوط أساسي و أولي من مشوار التغيير .
فمعركة القضاة , من جانب , تمثل نموذجا للتدافع بين " الناس " و السلطة لتوسيع مساحة الحرية للناس و فاعليتهم و رؤاهم و أحلامهم , و تقليل مساحة التسلط و الوصاية و الاستبداد و الاستغلال .
كما أن مواجهة القمع ضد حركة التغيير و مواجهة مصادرة حق التجمع و التظاهر و الاعتصام السلميين , هو قضية مصير لهذه الحركة . ليس لان التظاهر و أنشطة الشارع هي أقصي الأماني و لا هي طريق التغيير . و لكن لان مساحة الحرية الممنحة لادوات النشاط السياسي في الشارع هي الوجه المقابل لمساحة الحرية الحقيقة التي يبدا فيها النشاط السياسي الجدي , بانتظام " الناس " في تجمعات سياسية او اجتماعية او فئوية او مطالبية تخوض المعركة الحقيقة من أجل الديمقراطية الجذرية التي يحدد فيها الناس - بانفسهم و لأنفسهم - مصيرهم عبر تحديد مصالحهم و مطالبهم القريبة المحددة و النضال من أجلها .
مساحة الحرية الحقيقية هذه تحتاج لحرم من حرية التعبير و الاحتجاج لحمايتها و تعزيزها خاصة اذا كانت حركة المجتمع في مهدها و تحتاج لاوسع مساحة ممكنة من الحرية لتخوض معركتها الأولي التي تناضل فيها لتخرج فيها الي الوجود في مواجهة سعي الآثار الغارقة لإبقاء الوضع تحت السيطرة .
تحررنا الحقيقي لا ينفصل عن حريتنا في التعبير و القول و تحديدا ضد من اختاروا أن يكونوا أعداءنا .. و رفع أصواتنا في مواجهتهم بلا مواربة.
لا تعود حركة التاريخ الا الوراء مادام هناك مطالبون بالتقدم الي الامام . و لا يطفو الغارقون مرة أخري إلا جثثا عفنة .

08 May 2006

! الحركة لا تقبل القسمة علي 15




كارتباط شرطي ما بالرقم 15 عند الاعتقالات , حملت الأخبار في البداية نبأ اعتقال 15 من نشطاء التغيير , من شهود النفي و المتظاهرين أمام محكمة جنوب القاهرة بباب الخلق .
بعد إخلاء سبيل ثلاثة هم: سارة عبد الجليل و محمد عواد و ياسر عباس ,المعروف من أسماء معتقلي الدفعة الرابعة الآن ثمانية, هم : علاء سيف و أسماء علي و كريم الشاعر و ندى القصاص و رشا عزب و فادي إسكندر و أحمد عبد الغفار و أحمد عبد الجواد .
كالعادة , تم ترحيلهم إلي نيابة أمن الدولة بمصر الجديدة و تم حبسهم 15 يوما علي ذمة التحقيق , بعد أن وجهت إليهم تهمتي إهانة الرئيس و تكدير الأمن العام !
وائل عباس سجل لحظات ما قبل الاعتقال , و الصورة أعلاه نقلا عنه بها معظم المعتقلين . وائل نجا أيضا هذه المرة !
أعتقد أن الأمر يحتاج وقفة أكثر جدية , و تنسيقا بين " كفاية " و كل حركات و مجموعات التغيير لتنظيم فعاليات احتجاج جدية علي هذه الهجمة التأديبية , بدلا من سيل الفعاليات المتناثرة ذات الـ 20 مشاركا و التي تتسبب حتي الآن في مزيد من الاعتقالات و الهدر لجهود الحركة .

04 May 2006

! هذا يليق بك



عادة, في هذه السن المتقدمة , تكون ذكري الميلاد فرصة للتأمل لا للاحتفال . هي فرصة إذن لتتأمل جيدا ما يليق بك !

في هذه اللحظة تحديدا التي تتصدر فيها تهاني الخصيان و الغلمان لك بعيد ميلاد سعيد أولي صفحات صحفنا القومية المستلبة , تستمطر آلاف الأسر من أهالي معتقليك اللعنات علي رأسك . تليها دعوات مكلومة – لو تعلم فحواها ! - ليس بينها و بين الله حجاب . ..
يعلم هؤلاء , أنك ديكتاتور ذو عصا غليظة , و لكنهم ظنوا أن هذا لا يمنع أن تكون رجلا يفي بوعوده . ظن هؤلاء أنك ستفي بوعدك بإنهاء حالة الطواريء , ليروا أولادهم و أزواجهم و إخوانهم المعتقلين بلا تهم و لا أحكام , كما ظن الصحفيون أنك ستفي بوعدك لتوقف حبسهم في قضايا النشر , كما ظن القضاة أنك ستكون بحسب وعدك في صف استقلال سلطتهم .. و لكنك لست كذلك .. ابتلع وعودك ..فهذا حقا يليق بك !
يليق بك أن تقف في الصف المواجه لقضاة مصر الشرفاء و ناديهم المنتخب , كما يقف المجرمون في موضع الاتهام خلف أسوار العار .. هذا حقا يليق بك !
يليق بك حقا أن تظل حاكما بالطواريء حتي تهلك .. من أين لك الحكم بالقانون ... كيف ستفرض احترام سلطتك أو هيبتك .. تلك التي احتجت لكي تفرضها إلي مادة قذرة من ترسانة قوانين القهر يدبجها ضابط حقير في مذكرة أحقر لكي تعتقل معارضين لك و تحيلهم للتحقيق بتهمة العيب في ذاتك و إهانتك .. هذا ما يليق بك !
أنظر لحشود البلطجية الذين يحاصروننا , لا أدري أهؤلاء جنود أم بلطجية مأجورون .. و لكن الأمر سواء فهذا يليق بك . أن تفرض سلطتك و تواجه معارضيك – الضعفاء المأزومين – بكل تلك الجحافل من البلطجية .. هذا يليق بك !
أن لا يغل يدك عن البطش بمواطنيك إلا التأنيب المباشر و الصريح من جهات دولية .. ثم تبسط يدك به مجاهرا عندما يغضون أبصارهم عنك ... هذا يليق بك !
أن يبدو واضحا علي مرأي من العالم أجمع أنك أجبن من أن تعترف بممارسات أجهزتك الأمنية فيخلع الجنود ملابسهم المميزة و يرتدون ملابسا مدنية, حتي لا تلتقط الكاميرات حقارتك و حقارة جهاز أمنك .. هذا الاعتراف منك يليق بك !
هل شاهدت صورا لمشهد الجحافل و هي تفض اعتصاما لعشرين ناشطا أمام نادي القضاة و تمزق علم مصر المعلق خلفهم ... لا تعليق سوي أن هذا يليق بك !
عندما يضم " حزبك" كل هؤلاء الحثالة , الذين تسير بأمر قذارتهم الركبان , ثم لا يتبق شريف ذو عزيمة إلا و انتفض ضد استبدادك .. قضاة و أساتذة جامعات و صحفيون و مهندسون و أطباء و محامون و طلاب ... فهذا يليق بك !
عندما ترسي أسس تزوير إرادة شعب .. من انتخابات اتحاد الطلاب حتي الانتخابات البرلمانية و الاستفتاءات .. حتي أصبحت كلمة انتخابات لفظا مرادفا لكافة معاني الألعاب القذرة .. هذا يليق بك يا منتخب !
عندما يسجل العالم معاركا دامية خاضها مواطنون – و قثل بعضهم - لا لشيء إلا انهم يريدون الإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في البرلمان .. فهذا يليق بك !
عندما تمر من تحت قبضتك أية انتخابات , تنجح رغم أنفك في أن تكون حرة و نزيهة – نادي القضاة مثلا - , فتظل نتائجها دوما شوكة في جنب سلطتك , تؤرقك و تؤرق نظامك .. فهذا أيضا يليق بك !
عندما تتصلب قبضتك الأمنية و تمتد حالة الطواريء إلي ما لا نهاية , ورغم ذلك – أو بسببه - لا تحصد مصر إلا تصاعد الإرهاب , وتزايد احتمالات الفوضي التي تطل برأسها من خلف الفتن الطائفية المتكررة.. هذا يليق بك !
هل تري ذلك الانحطاط الذي يحيط بنا من كل صوب .. أتسمع ألسنة الناس و هي تلعن البلد و الزمان و المكان و الحكومة بأقذع الألفاظ .. عندما يسمع الناس كلمة " حكومة " يتحسسون جيوبهم و يحوقلون و يستعيذون .. هل تتذكر أمنيتك التي أعلنت عنها في أن تكون مجرد مبعوث لبلاد " الإكسلانسات " .. ألا تعتقد ان قدراتك و طموحك لم يكونا ليتجاوزا ذلك .. لا يعيبك أن تري أن هذا ما يليق بك ... و لكن تأمل الآن ... أنت لمصر أشبه بالخلفية السوداء .. الناصعة السواد .. أشبه بقاع مستنقع آسن .. لست حتي مسؤولا عن كل ما نحن فيه .. أنت فقط " مايسترو " فاشل يقف ساكنا .. عاريا من المكانة و الموهبة .. يهز يده الممسكة بعصا القيادة بحركات رتيبة لا معني لها ... بينما النشاز و الفوضي هما القانون ... عصاك التي بلا معني هي فقط للدفاع عن منصتك القصيرة التي لا تكفي لتضيف هيبة ما إلي قامتك المتواضعة ... هذا حقا ما يليق بك !

هناك المزيد مما يليق قوله , و لكن ما سبق يكفي جدا لكي تخجل ... يليق بك حقا أن تخجل !

كن معهم


ليس من الضروري أن تكون قد شاركت في الاعتصام أو التظاهر تضامنا مع القضاة .
إذا كنت مؤيدا لمطالب قضاة مصر من أجل استقلال السلطة القضائية..
و إذا كنت تعارض إحالة مستشارين للتحقيق بتهمة كشف التزوير و التلاعب في نتائج بعض الدوائر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ..
و إذا كنت تري أن الاعتصام و التظاهر السلميين هما وسيلتان مشروعتان للتعبير عن الرأي و التضامن مع القضاة , لا تستوجبان الإعتداء و الاعتقال و المحاكمة ..
ساند المعتقلين و وقع علي البلاغ و تضامن معم في التهم الموجهة إليهم .