12 May 2006

! " شيء ما عفن في " مصر الجديدة




كما يليق حقا برئيس تجاوز في الحكم ربع قرن من الدوران في المكان , و ممانعة التقدم إلي الأمام .. كان سيادته في معرض الآثار المصرية الغارقة ببرلين . بينما كانت الفوضي تجتاح وسط القاهرة صباح الخميس , و المعارك علي أشدها – من طرف واحد - بين قوات أمنه و بين المتظاهرين المتضامنين مع القضاة و ناديهم المنتخب , المعترضين علي إحالة اثنين منهم إلي محاكمة تأديبية بتهمة إهانة القضاء , بعد إدلائهم بمعلومات تفيد حدوث تزوير و تلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة .
و تأكيدا لهذه اللفتة الدالة التي تليق به حقا , فإنه صرح في نفس اليوم انه حريص علي عدم التدخل مطلقا في شئون القضاة .
رئيس الجمهورية الذي يختار فعليا وزير العدل و المجلس الأعلي للقضاء لا يتدخل في شئون القضاء ! ... و الخلاف بين نادي القضاة الذي تلتف الأغلبية العظمي من القضاة حول مجلس إدراته المنتخب بأغلبية ساحقة , و بين وزير العدل و المجلس الأعلي للقضاء المعينين من قبل السلطة التنفيذية..هو حقا خلاف لا شأن لرئيس السلطة التنفيذية به .
هكذا يحب أن يصور الرئيس الغارق المسألة متجنبا الصورة الحقيقة لها و هي أنها إحدي جوانب صحوة الفئات المصرية المطالبة بالاستقلال و الحرية . و أطراف المسألة هم بوضوح : الممثلون المنتخبون للفئة الطامحة إلي التحرر و الاستقلال و إقرار حكم القانون لا حكم الفرد , وعلي الجانب الآخر ممثلو السلطة التنفيذية التي تجمع السلطات بيدها و تهبها للفرد المعتلي سدتها , و الذي يريد أن يبقي المجتمع المصري تحت الوصاية , وتحت تصرف المزاج الرئاسي و تقديراته لجرعات الحرية و الديمقراطية المناسبين للمجتمع القاصر غير الناضج , أو تفضيله لهراوات و حواجز الأمن و من خلفهما قانون الطواريء : صك عبودية المجتمع و ارتهانه تحت قبضة الأمن .
هذه المعركة هي صورة مكبرة لمعارك و أزمات أخري كثيرة تدور قرب السطح و منها ازمة الحراسة المفروضة علي نقابة المهندسين منذ أكثر من عشر سنوات , و أزمة المطالبة استقلال الجامعات و وقف التدخل الأمني في شؤونها و غيرهما .
معركة استقلال القضاء نجحت في فرض نفسها , لأن بعض الاستقلال الذي يحظي به مجتمع القضاة – و الذي لا يزال منقوصا وفق رؤية القضاة أنفسهم – قد غل يد السلطة عن قمعهم أو التلاعب بقضيتهم تحت مسميات مختلفة , و قصة الخلاف الداخلي بين القضاة , و الرئيس الحريص علي عدم التدخل لا تقنع إلا الحمقي في الإعلام الرسمي .
لا يمكن أيضا أن نصدق أن التراجع عن إعادة حق المواطنين في التظاهر السلمي هو محض اجتهاد من موظف كبير بدرجة بلطجي يسمي وزير الداخلية . فمثل هذه التغيرات المفاجئة لا تحدث في مصر إلا وفق مزاج السيد الرئيس . الذي كان توقفه عن قمع أنشطة الشارع السلمية بتوبيخ مباشر من الإدارة الأمريكية .
يبدو فعلا أن مزاج السيد الرئيس قد تغير .. فمعركة القضاة قد عكرته إلي أقصي حد .
فمن جانب يلوح ان السيد الرئيس لا يجد حرجا من ان يسمع المطالبات الديمقراطية في الشارع لأنها فعلا غير ذات قدرة علي الحشد الجماهيري , و لكنه يشعر بالقلق من الالتفاف حول - أو عقد الأمل علي - أشخاص بعينهم .. ما زال التنكيل بأيمن نور مستمرا في قضية ملفقة .. و القضاة يحالون إلي محاكم تأديبية , و التعدي عليهم لم يتوقف , من تجاوزات الشرطة ضد القضاة المراقبين للجان إلي التعدي علي القاضي محمود حمزة . و العدوانية الشديدة تطال المتضامنين معهم للحيلولة دون تفاقم مظاهر الإعلاء من شان قادة حركة القضاة و إكبارهم مقابل التردي المستمر لمكانة الرئيس و هيبته بين النخبة و الشارع علي حد سواء .
كما أن معركة القضاة قد جمعت كل اطياف المجتمع المصري النشطة تحت راية التضامن معهم , التيارات السياسية جميعها , و الحقوقيون , و النقابيون و غيرهم و معظم رموز المجتمع المستقلين تضامنوا بشكل أو آخر , و توافدوا لتحية القضاة و الشد من أزرهم . أضف المجتمع الدولي و في مقدمته تجمعات القضاة في العالم التي تتضامن مع حركة القضاة المصريين و مطالبهم .
الاستفزاز إذن كان شديدا , و ذلك التوازي بين حركة القضاة و حركة كل أطياف الناشطين و مؤازرة المجتمع الدولي , يبدو انه أفزع الجالس وحيدا في القصر الجمهوري , و نكأ موقفه الضعيف في مواجهة القضاة الذي يتقدمون بخطي وئيدة و لكنها ثابتة , و الضعيف المتعجرف عندما تضيق من حوله الحلقات يلجأ إلي الشراسة و العدوانية المفرطة التي تصل الي حد السفالة .
و لكن تلك العدوانية و ذلك القمع لم ينجحا بعد في إيقاف حركة القضاة , بل إنه علي ما يبدو يقلل أكثر فأكثر تلك المسافة التي يحافظون عليها بينهم و بين المعارضة السياسية و حركة التغيير .
فالقضاة - الذين بدأوا يستخدمون وسائل الضغط السياسي مثل الوقفات و الاعتصامات - ردوا تحية التضامن معهم بأفضل منها و اعلنوا تضامنهم مع المعتقلين منذ أول موجة اعتقالات , و تدخل القضاة في أكثر من موقف لايقاف قمع الشرطة ضد رموز حركة التغيير ,و انتهاء باعلان المستشار البسطويسي مقاطعته للمحاكمة و رفضه المثول أمامها حتي تغيير تشكيلها الذي يطعن في نزاهته, و حتي الافراج عن جميع المعتقلين من المتضامنين مع القضاة و وقف الاعتداءات البوليسية عليهم في المستقبل .
جوهر الصراع يزداد وضوحا مع ازدياد قمع الدولة و صلفها في مواجهة القضاة و حركة التغيير علي السواء . حركة التغيير ليست حركة سياسية متجانسة تطمح لاعتلاء الحكم , و مطالبتها بالتغيير جوهره في الحقيقة - خلف الشعارات القصوي باسقاط النظام - اطلاق الحريات و وقف انتهاك الحقوق بما يسمح ببناء دعائم مجتمع ديمقراطي يحكمه القانون , لا الفرد و لا القوة البوليسية و العسكرية .
و مطالب القضاة و معركتهم هي في القلب من مطالب المنادين بالتغيير في مصر .
و حركتهم هي في القلب من حركة تغيير عامة, أوسع من حركات التغيير السياسية المعروفة , التي بدأت في مصر و لا ينبغي ان تتوقف .
علينا أن نعي أن الطريق طويل و وعر نحو التغيير الشامل , و لكن ما يحدث حاليا في جانبيه هو شوط أساسي و أولي من مشوار التغيير .
فمعركة القضاة , من جانب , تمثل نموذجا للتدافع بين " الناس " و السلطة لتوسيع مساحة الحرية للناس و فاعليتهم و رؤاهم و أحلامهم , و تقليل مساحة التسلط و الوصاية و الاستبداد و الاستغلال .
كما أن مواجهة القمع ضد حركة التغيير و مواجهة مصادرة حق التجمع و التظاهر و الاعتصام السلميين , هو قضية مصير لهذه الحركة . ليس لان التظاهر و أنشطة الشارع هي أقصي الأماني و لا هي طريق التغيير . و لكن لان مساحة الحرية الممنحة لادوات النشاط السياسي في الشارع هي الوجه المقابل لمساحة الحرية الحقيقة التي يبدا فيها النشاط السياسي الجدي , بانتظام " الناس " في تجمعات سياسية او اجتماعية او فئوية او مطالبية تخوض المعركة الحقيقة من أجل الديمقراطية الجذرية التي يحدد فيها الناس - بانفسهم و لأنفسهم - مصيرهم عبر تحديد مصالحهم و مطالبهم القريبة المحددة و النضال من أجلها .
مساحة الحرية الحقيقية هذه تحتاج لحرم من حرية التعبير و الاحتجاج لحمايتها و تعزيزها خاصة اذا كانت حركة المجتمع في مهدها و تحتاج لاوسع مساحة ممكنة من الحرية لتخوض معركتها الأولي التي تناضل فيها لتخرج فيها الي الوجود في مواجهة سعي الآثار الغارقة لإبقاء الوضع تحت السيطرة .
تحررنا الحقيقي لا ينفصل عن حريتنا في التعبير و القول و تحديدا ضد من اختاروا أن يكونوا أعداءنا .. و رفع أصواتنا في مواجهتهم بلا مواربة.
لا تعود حركة التاريخ الا الوراء مادام هناك مطالبون بالتقدم الي الامام . و لا يطفو الغارقون مرة أخري إلا جثثا عفنة .

11 comments:

وليد said...

نظام ساذج وحقير
هذا النظام الذى يبطش بالعزل ويسفك الدم ويهتك العرض
هو نظام فى نفسه الأخيرة يلفظه قريبا
القضاة فعلوها ووقفوا بجدية والتيارات كلها ساندتهم وعلى راسهم الأخوان فى مشهد مصرى خالص
وبإذن الله يقترب هذا الفيلم من نهايته
وسيمرح الشعب فى قصر القبة قريبا
ويومها سنعرف من كان يحكم مصر

Anonymous said...

اخوان ايه يا استاذ وليد
بلا نيلة
يفتح الله على الاتنين

Mirage said...

المشكلة ان الاخوان فعلا مش ليهم اى وجود فى العملية دى .. وده شئ محير

لازلت عند رأيى بان النظام لن يسقط بمجرد مظاهرات واعلان رفضنا التام له .. نحتاج الى ما هو اكثر .. واتمنى ان نعثر عليه قريبا

Anonymous said...

الإخوان اعتقل منهم المئات في اليوم الذي نزل فيه شبابهم إلى الشارع. من اليوم سيكون علينا الحديث عن مئات المعتقلين بلا تفرقة بين اتجاهات، و بالذات إذا التزموا بخط الهتاف و المطالب العام بلا تخصيص.

تعجبني صياغتك للأحداث يا عمرو.

bent abdelwahab said...

When Hosni makes such comments at this time, I honestly wonder if he is an idiot or if he believes Egyptians are idiots.
Amr, This is very well said. Why don't you get this published in a newspaper, it is definitely worth a wider readership.
My regards,

Anonymous said...

هذا النظام أصبح لا يملك أى شرعية للحكم و لكن بسبب عدم ردع الشعب له و خوفه من بطش النظام فهو يتمادى فى غيه و الأخوان المسلمين الذين يقولون أن اتباعهم كثر لا نرى منهم أى تفاعل فى الشارع المصرى فلبنان ذذات ال3 مليون نسمة استطاع حزب الله أن يخرج بمظاهرة بها مليوم متظاهر بينما نحن فى مصر لا يتجاوز عدد المتظاهرين أكثر من بضعة الأف و لن يشعر النظام بضرورة التغيير إلا لو خرج الملايين من المصريين للتظاهر مطالبين بالتغيير و إسقاط هذا النظام الفاشل

شايفنكم said...

ادخل على موقعنا او البلوج الخاص بينا و خد شعارتنا و حطها في مدزنتك و انشر الشعار للتضامن مع القضاه

عمرو عزت said...

لست ممن يعتقدون ان المعارضة في مصر قادرة علي اسقاط النظام
و اعتقد ان معاركا كثيرة علي جبهات عدة ينبغي خوضها
يصبح بعدها الحوار عن اسقاط النظام لا معني له
لان هذه المعارك ستعيد النظام الي مصر
هذه المعارك هي التي اشرت اليها
معارك استقلال الفئات المختلفة
الضغط من اجل مزيد من الحريات
الحصول علي حق التعبير و التنظيم كاملا
و لكن التاريخ ليس بهذه البساطة
هو مليء بالمناورات و الطرق الجانبية
لذا فان لحظة صدام حاسمة يمكن ان تحدث
و لكن اعتقد انها لن تكون فعالة ابدا الي عندما يكون المجتمع عفيا و قويا و منظما
هذا ما اعتقد ان علينا العمل من اجله بفاعلية اكثر

وصول الاخوان سيناريو لا اتمناه
و ان كنت لا اعارضه في ظل المجتمع القوي العفي الذي تحدثت عنه
لا احبذ ايه انقلابات او تغيرات تفرض بشطل سلطوي و تجهض تطور المجتمع و نهوضه
و لكن صعود ايه قوة بشكل ديمقراطي و في ظل مجتمع قوي يمكن للمجتمع ان يصحح مساره و يجبر حكامه علي تعديل مساراتهم
او استبدالهم
و في النهاية الديمقراطية خبرة و ممارسة

الاخوان في قضية القضاة يتصرفون بحكمة و نضج
يحشدون الشباب بلا لافتات تحمل اسمهم و لا رفع لشعارت اسلامية
فقط شعارات وطنية عامة و تضامنية مع القضاة
فقط لافتات زرقاء تميزهم

شكرا لك ألف و لك يا أمل
اعتقد ان سقف الحرية في الصحف لا يصل لنشر هذا
علي الاقل يجب ان تعاد صياغته
ارسلته من باب التجربة للدستور الاكثر حرية و شغبا
و لم اتلق ردا

admin said...

عزيزى عمرو
عجبنى ردك الاخير جدا
برغم انك مش مع الاخوان الا انك بترحب بيهم لو جم فى ظل حرية للكل
ودة فى حد ذاتة حاجة جميلة جدا واسلوب عقلانى

للعلم انا مش اخوان
علشان فى ناس كتير فاكرة انى اخوان

لا انا مش اخوان ولى اصدقاء من اليسار واليمين والوسط كمان

وشايف ان موضوع ان كله يفهم الباقى محتاج فهم منه الاول

اشكرك على اسلوبك الممتاز

Anonymous said...

عظيم يا شباب مصر
أحى شجاعتكم فى منازلة الفرعون وجنوده

مدونة سودانية

Anonymous said...

Very cool design! Useful information. Go on! Brazilian shemales barebackin seo company mahe Beltronics express 906 radar laser detector store buick rating rendezvous Wellbutrin xl tablet size