يري " هانز يوناس " أن الوجود أفضل بما لانهاية من اللا وجود , و يتخذ من ذلك منطلقا لفلسفته الأخلاقية الداعية الي الفعل بما يحفظ الوجود الإنساني الآني و استمراره في المستقبل .
بقدر من التلفيق الفلسفي الشائع في الفكر العربي يمكن أن أبرر لنفسي - وفق يوناس – احتفالي اليوم بذكري ميلادي ( بداية وجودي ) باعتبار ان ذلك كان حدثا نقلني الي حالة افضل بما لا نهاية.
في الجملة الأخيرة تحديدا , يبدو تلفيق يوناس هو الآخر واضحا ...فلا أحد كان موجودا أو سوف يكون في حالة اللا وجود – أو حتي يمكنه تخيل ذلك - ليمكنه ان يحكم علي هذه المقارنة .
و لكن علي كل حال انا موجود الأن و أنتم موجودون , و بغض النظر هل ذلك فعلا أفضل أم لا , أو أفضل من ماذا , فــ " ماشي الحال " بدون " يوناس " أو غيره .
بدا لي الأمر طريفا لو أني كنت قد تناولت فلسفة يوناس و قمت بانتقادها علي هذا النحو في اختبار " فلسفة الأخلاق " أمس . إلا إني لم أفعل و فضلت أن أتناول فلسفة " إيمانويل ليفيناس " لما بها من طرافة و ما تثيره لدي من ذكريات ... فـ" ليفيناس " يري أن تجربة وجه الآخر هي مصدر الشعور الأخلاقي ...فوجه الأخر عند " ليفيناس " هو مظهر وجوده الذي يثير فيك المسئولية عنه و تجاهه .... ربما هذا ما حدث لي قبل أكثر من عام في حديقة معهد جوته .. وجه رضوي و هي تقرا لي قصيدة الشاعر عبد الحميد عبد الهادي عن ولده آثر , قررت أن تقرأها لي بلا سبب مفهوم سوي أنها تذكرتها , و أمام تعابير وجهها و هي تقرأ القصيدة بانفعال , أدركت أني أمام واحد أخر- غيري - من " أبناء الله المدللين " – سوف أحدثكم عنهم فيما بعد - و تلقائيا شعرت بتلك المسئولية التي يتحدث عنها " ليفيناس " فدعوتها علي آيس كريم ثم خطبتها ثم أوقفت لها تاكسيا و ودعتها ثم رجعت الي البيت و نمت .
هل كان هذا فعلا من أفعال المسئولية ...تبدو أفعال رضوي مصداقا أكثر لأفكار " ليفيناس " فهي من ساعتها تعتني بي عناية كاملة و تظهر نحوي مسئولية " أمومية " نادرة تجعلني خجلا من أخلاقي الفلسفية " الباردة " .
رضوي أهدتني اليوم السيرة الذاتية لإدوارد سعيد " خارج المكان " , لا تعرف الي اي حد مسني ذلك , فبالاضافة أني كنت أكن ودا عميقا علي البعد للراحل إدوارد سعيد كانسان , فانا متيم بشكل كامل بالنموذج الذي كانه كمثقف .
كم أن هذه العبارة " خارج المكان " – يا الله – ...لا شيء يعبر عن " مكاني " أكثر منها .
يوم أمس في الاختبار.. تلك الدكة في طرقة قسم الفلسفة , بدت لي تحديدا مكاني الذي أريده ...حين امتشقت كل ما لدي من حاسة تحليلية نقدية و أخذت أرصد العلاقة بين فلسفة كانط الأخلاقية و بين مثيلتها عند يورجن هابرماس ...أيه متعة تلك التي جعلتني أتناسي عاقبة من يجرؤ علي الاجتهاد في جامعات مصر المحروسة هذه الأيام ... لا يهم ..تكفي جدا تلك اللحظات التي استمتع فيها بكوني محلا للمسائلة والاستجواب الفلسفي .
هل هذا فعلا مكاني علي الأرض أم أني خارج المكان ...مكتوب بجوار اسمي ذلك التوصيف العجيب ( طالب نظامي / منتسب / مؤهلات عليا ) ..لا تسألني عن ذلك التناقض بين نظامي و منتسب ..اسأل الفلاسفة الذين في شئون الطلبة .
هل مكاني هو مكان اسمي الموجود وحده في ورقة منفصلة تحت هذا التوصيف , و بحذائه رقم جلوسي ...الرقم الأخير في القائمة و الطرقة.
هل مكاني هو مكان اسمي - لم لا - فوق لافتة من تلك اللافتات المعلقة علي يمين و يسار طرقة القسم و التي تحمل - بجانب أسماء لها قدرها - أسماء بعض الموظفين علي درجة أستاذ فلسفة .
أم مكاني هو ذلك الذي يحتله اسمي بعد كلمة مهندس أسفل يمين اللوحات التي تحمل تصميماتي الانشائية .
أم هو ذلك الذي يحتله اسمي أحيانا تحت بعض كلمات تشغل حيزا من صفحات جريدة أو مجلة .
أم هو مكان اسمي تحت كلماتي هذه هنا و حسب !
لم يكفني ربع قرن من التسكع و المراوحة و التجريب ... لذا احتجت " يوناس " لابرر احتفالي بذكري ميلادي مع رضوي التي أصرت علي ذلك ... بينما أري أنا في تلك الذكري معاني النفاذ و الفوت و الانقضاء و الأيام المبعثرة... و أري معهم ذكري طموحات كبيرة معلقة و آلاف الكلمات و الأفكار و الاحلام و الخطط و التوقعات و التحولات و الخيبات و المراوحات ثم معاودة الكرة مرة تلو أخري و..........." ماشي الحال " .
الأكثر تعبيرا عما أشعر به اليوم في إيجاز فلسفي غير مخل – دعك من يوناس و ليفيناس و كانط و هابرماس - هو, في الحقيقة , خالد الذكر" عمرو دياب " الذي فاجأني اليوم بأدائه شديد الايحاء لمقطع من أغنية هزلية له .. اعتبرت ذلك موجها لي بشكل خاص , حين قال باسما و هو يرفع رأسه قليلا في منتصف جملته :
" كل سنة بقي و انت طيب ! "
-------------------------------------
هوامش :
- " ماشي الحال " : الفلسفة المصرية الأكثر أصالة .
- صورة متفلسفة لي بدون مناسبة ... يمكن أن تفيد في حال اضطر المدونون للتضامن معي لاحقا لأي سبب .
- المقطع المذكورلصاحبه من أغنية " معاك بجد " من آخر عبوة غنائية له .
" كل سنة و انت طيب " : وجه آخر للفلسفة المصرية الأكثر أصالة .
9 comments:
كل سنة وانت طيب يا عمرو..ليه يا عمرو بتقول على اغنية عمرو دياب اغنية هزلية؟
رشااسامة
ايها الفيلسوف الكبير ..كل سنة وانت طيب
على العموم يا عمرو.. أكيد بالنسبة لنا إحنا "وجودك أفضل بما لا نهاية من عدم وجودك" :)
كل سنة وإنت طيب :)
قبل ما أقولك كل سنة وانت طيب عايزة أقولك إن التكامل اللي ما بين اللي كتبته هنا عن تعاملك مع عيد ميلادك وبين اللي قالته رضوى في مدونتها فعلا حاجة نادرة جدا وجميلة جدا
كل سنة وانتوا طيبين
:)
عمرو ربما لا نعرف بعضنا بعضا لكني اكتشف ما تدونه و أجدني مدركا لما تشعر به و تفكر فيه و هو ما يعني أني أعرفك بقدر يكفي لأن أبارك لك و أقول كل سنة و أنت طيب و عقبال 100 سنة و سنة!! أيضا مما اكتشفته هو أنك و رضوى في الطريق نحو قصر الزوجية، مبروك و ربنا يخليكم لبعض. هل نحن بصدد رضوى و مريد برغوثي كلاكيت تاني مرة؟ مجرد سؤال مع ملاحظة أن رضوى هذه المرة شاعرة!!
و انتم ( بقي ) جميعا طيبين
معلش مافيش تورتة و لا جاتوه
رشا :
انا بحب جدا الاغاني و الافلام الهزلية
يا ريت عمرو دياب يخلي كل اغانيه كده
ده حتي كان دمه خفيف
رضوي
خللي فيلسوف كبير دي لبعدين شوية
انا لسه علي الدكة بره في الطرقة
عمرو
تسلم و الله و يسلم وجودك
سامية
احنا متكاملين هنا كويس
بس في الحقيقة كل مناسبة لازم نتخانق شوية - احيانا كتير - لحد ما نعرف نتكامل
و ساعات بنكمل علي بعض
حازم
(قصر الزوجية )
هو مش قصر قوي يعني يا حازم
اوضتين و صالة
بس تكفي الحبابيب ان شاء الله
اقولك حاجه بس احلف ان انت مش هتزعل ... لا لا لازم تحلف ...... بصراحه انت معق....بس اسكت يابقي
عارفه انها قديمه اوى بس كنت باستكشف
و الفضول واخدنى عشان اعرف القصيده بتقول ايه
البوست حلو
I check your blog almost regularly and I do share most of your "silly" "speculations".. By the way, our "existence" starts right on fertilization of an ovum by a sperm to make one single cell.. I mean it. That cell is a marvulous creature that practices "awareness" and undergoes innumerous "PURPOSEFUL" changes to end up being a -70 trilion cell- ignorant, arrogant and noisy creature.. We "exist", "sahre" and "react" with the external environment, everthing around, through channels offered by our mom's body.. I believe the influences of this period on us are tremendously big.
You need "Bambi" by the "Sindrella" at this moment and I'd like to offer it to you and your beautiful mate.
Happy "birth"day..
Post a Comment