(1)
تصورت ان تلك اللحظات من مساء أمس , هي من تلك اللحظات الطيبة التي يجود بها أحيانا قدري السمح , و التي يجب أن تملأ أعماقي فرحا , بعضها كان كذلك بالفعل , الا إن بعضها بدا لي غير ذلك , فالتساؤلات هي التي تدفقت سيالة من روحي .
(2)
في الوقت الذي وقفت فيه في منتصف شارع عبد الخالق ثروت أمام نقابة الصحفيين رافعا لافتتي الخاصة المذيلة باسم هذه المدونة و التي تحمل عنوان تحيتي التدوينية لنهي الزيني , كان أحد الضابط ينظم المرور قانعا بما تبقي من الطريق خاليا منا , و كلما اختبرته و تقدمت خطوات ليبدو وجه لافتتي أوضح للسيارات القادمة , يتقدم هو الآخر موجها سخطه للسيارات لتسرع في مرورها من أمامنا .
رضوي ترفع لاقتة مكتوب عليها بخطي " ارفعوا أيديكم عنا يا حثالة " تحت خبر الاعتداء علي أسماء حريز صحفية " الكرامة " ...الضباط يقرأونها مبتسمين و أيديهم في جيوبهم أو ممسكة باللاسلكي ...
و عندما اقتربت يد أحدهم مني , في شارع 26 يوليو و نحن نسير في فوضي بين صفوف السيارات السائرة أو الواقفة في الاشارة , كانت لأن ضابطا ربت علي كتفي في حنو ينبهني لأتفادي احدي السيارات معتذرا في أدب معللا ذلك الانتهاك الذي بدر منه تجاه حق التظاهر الحر في الشوارع " معلش علشان سلامتكم " .
(3)
المظاهرة كانت من أجل نهي الزيني و أسماء حريز , تضامنا مع القضاة و الصحفيين ضد انتهاكات الانتخابات ..و لكن تدريجيا تحولت المظاهرة كلها لمجاميع كومبارس خلف أعضاء الغد بلافتاتهم المطالبة بالحرية لأيمن نور الحبيس حتي السبت القادم , و خلف بعض شباب الإسلاميين الرافعين صور " أبي إسلام أحمد عبد الله " الصحفي المختطف لأجل غير مسمي ...شعارات كفاية الفضفاضة توارت معالمها و تلبستها أرواحا أخري علي خلفية تلك اللافتات التي ترفع صور و اسمي الثنائي الحبيس .. و التي تجاوزت أعدادها أعداد لافتات الدعوة الأساسية للمظاهرة .. لم تفلح الهتافات التي تهتف بالحرية للجميع في تجاوز هذا المازق .....شيء أشبه بأن يعتلي أحدهم كتفك رغما عنك و يهتف....
في شارع رمسيس نحتل نصف الطريق فقط ... جميلة اسماعيل " تنشق " عنا و تأمر شباب الغد باحتلال النصف الآخر بلافتة برتقالية عريضة يتصدرها اسم زوجها , تتجاهل اعتراضات الضباط المهذبة جدا , و نفير السيارات الغاضب المزعج .
يتحول الألف متظاهر - تقريبا - لنثار من السائرين بلافتات أو بدون , يهتفون أو يراقبون في صمت , افراد علي الرصيف و آخرون بين السيارات , بعضهم يثرثر ضاحكا و اخرون يتناقشون بجدية – في خضم هذا الصخب - حول إشكاليات الديمقراطية و التغيير .
بعد جولتين في شوارع وسط البلد ,عودة الي نقابة الصحفيين .
الأمن رافقنا في الجولتين و كان في منتهي الرقة مما استفز بعض الشباب الذين ضخموا من بعض الأمور (اصطدام غير مقصود أو احتكاك طفيف ) محاولين تسخين الجو.
هذا التسامح لا يبدو طبيعيا .
(4)
اللحظات الطيبة بالفعل.
قمة تدوينية مصغرة في النادي اليوناني ...
التقطني عمرو غربية في نهاية المظاهرة و عرفني علي مالك و جين و توجهنا الي النادي و هناك انضم الينا منال و علاء ثم نورا يونس .
بعد فاصل لذيذ من الدردشة و المزاح , توجهنا – عدا نورا و عمرو غربية – الي منزل أبي إسلام أحمد عبد الله لمقابلة ابنه إسلام (و هذه قصة أخري )
بعد اللقاء عودة الي مقهي البورصة ...عمرو غربية و محمود توفيق ينضمان الينا بعد لقاء حضراه حول " تطوير " حركة كفاية.
عمرو – باسما - ينقل لنا اشكالية اللقاء الرئيسية : هل حركة كفاية " بوتقة " تصهر ناشطيها بمختلف اتجاهاتهم, أم أنها " قفة " – أي و الله – يجتمعون فيها مع حفاظ كل ناشط علي كيانه و اتجاهه الخاص .
(5)
سأحاول أن أدلي بدلوي في الاشكالية السابقة " بوتقة أم قفة ؟ " , علي خلفية تلك اللحظات التي قضيتها متظاهرا و التبست علي ّ , أهي لحظات طيبة ام غير ذلك .
مؤكد أنكم منذ قليل علمتم ما فعل الحثالة في اعادة الجولة الثالثة من الانتخابات .
هم حثالة بالفعل حتي ولو ظللنا نطوف وسط البلد حتي الصباح برفقة زملائهم .
تسامحهم معنا اذن ليس الا سحبا لتنظيمهم المجاني لنا بالكردونات و صفوف الجنود.. ليس الا سحبا لفرص كادرات جذابة تجمع المناضلين مع جنود الطاغية .. يتركوننا في مواجهة فوضانا ... و لم لا ؟ ... نحن نخوض معركة افتراضية في شارع لا يعرفنا جيدا ... بعض قائدي السيارات و المارة يظنون أننا جميعا أنصار أيمن نور ...و آخرون لا يعرفون عما يحدث سوي كلمة" كفاية " ... لا أحد تقريبا يعرف نهي الزيني و لا ما فعلت ... اللافتة التي حملتها كانت بلا معني سوي للزملاء المتظاهرين .
وجوه الحثالة تظهر جيدا هناك حيث المعركة الحقيقية عندما تجاوزالاخوان توقعات أصحاب الفكر الجديد , و تجاوزت مقاعدهم عدد المقاعد المرسومة في الديكور الديمقراطي .
" بوتقة أم قفة ؟ "
فلنخرج من هذه الثنائية و لنفتح أفقا أرحب و أكثر شاعرية للسؤال .
هل كفاية " وردة" في عروة السترة الديمقراطية...التي يعدل النظام من هندامها مخفيا في " الصديري " الطبنجة لوقت الجد ...
أم هي " علم " ننصبه و نتظاهر حوله غاضبين كلما جد جديد , سواء تجمعت حولنا حشود الحثالة أم لم تتجمع ؟
" وردة أم علم ؟ " تبدو الإشكالية الآن أكثر شاعرية !
(6)
ليست أعراضا مرضية أن يطمئنني رد الفعل العنيف و يقلقني التسامح الزائف .
النشوة العابرة و أنت تسير حرا تهتف , يجب أن تتحول لغصة عندما تسمع الآن عن اعداد القتلي أمام لجان الانتخاب .. و أعداد معتقلي الأخوان في الدوائر الساخنة ... و تقرأ عن انتهاكات فاضحة في دائرة حمدين صباحي ...و عن اهانة القضاة غير المنبطحين .
لذا فرغم تعاطفي الشديد و غضبي لما حدث في امبابة الأسبوع الماضي , من طعن شاب بعد خروجه من مركز " تضامن " أهل امبابة ( مقر كمال خليل الانتخابي سابقا ) , و الذي أدي لاصابة بالغة في فخذه التئمت بثماني عشر غرزة ,الا ان تذكري لذلك أعاد لي بعضا من الأمل أن هناك تهديدا ما, يشكله قطاع من حركة التغيير قرر التحرك بشكل مختلف , و تحركه استوجب ردا و ارهابا و سفورا للوجوه القبيحة ..
ربما تكون أجمل اللحظات من مساء أمس علي الإطلاق , عندما التقيت الشاب المصاب في المظاهرة " يزكّ " علي ساقه المصابة .
ذلك الذي ملأ أعماقي فرحا و أملا .