هل هرب محمد محرز من "فتنة" الصراع السياسي في مصر واتجه لساحة معركة أكثر وضوحاً ليموت برصاص جيش الأسد في سوريا؟
المحاولات التقليدية للتعليق على خبر "استشهاد شاب مصري ذهب للجهاد في سوريا" واجهت أمواجاً متلاطمة من التعقيد. هل كان ذهابه انحيازاً إلى ثورة من أجل الحرية ضدّ نظام قمعي أم هو مجاهد إسلامي مناصر لدولة إسلامية أم مقاتل طائفي يريد النكاية بنظام ينتمي لطائفة أخرى؟
سبب التعقيد كان البعد الشخصي لمحمد محرز، المدوّن الذي كانت شبكة علاقاته وصداقاته تجمع أشخاصاً من طرفي الاستقطاب المحتدم الآن في مصر. وكانت شخصيته وحواراته معهم والتي تناقلوها بعد خبر استشهاده على شبكات التواصل تجعل من دوافعه للذهاب إلى سوريا أعقد من أن تتم قولبتها هي الأخرى.
لا تبدو هناك إجابة بسيطة تمزج بين ما يعرفه أصدقاؤه عنه من رغبة في الانحياز لثورة من أجل الحرية ضدّ الطغيان، وبين ما كتبه في وصيته من أنه ذهب للقيام بفريضة الجهاد ونصرة لأهل سوريا الذين تعرّف على بعضهم في مصر لاجئين، وما قاله في حوار مع صديق له على فيس بوك: “هانروح نجِيب بشّار في شِوال ونيجي"، وسط حوارات يستخدم فيها محرز لغة متحرّرة لا تبتعد عما يعتبره المصريون المحافظون "ألفاظاً بذيئة”.
الأمر لا يتعلق باستثنائية محرز، وهو الأمر الذي يبدو برّاقاً الآن بعد ترسيمه "شهيداً". ولكنها مساحة الاستثنائية المتوقعة لكل فرد لكونه فرداً، ومساحة الاستثنائية المتوقّعة لكثيرين من المشاركين في الثورة المصرية والمتفاعلين معها باجتهاد ومبادرة وبحث دائب ولحظي عن الانحياز والموقف، بكل ما يعنيه ذلك من معاناة وقلق بعيداً عن يقين وثقة كتل أخرى من الجموع يتم حشدها وصرفها بأوامر تنظيمية.
عرفت محرز بشكل شخصي مدوّناً وناشطاً في احتجاجات الشارع منذ حراك 2005 وطرفاً في نقاشات كثيرة على هامش الحياة والاحتجاج ثم في الثورة ومعاركها. لم يكن استثنائياً في كونه فرداً قلقاً باحثاً ومتفاعلاً. لم يقتنع بالانتماء الإخواني مثل أفراد عديدين في عائلته، وكان أقربهم أخوه وهو أحد المتحدثين باسم جماعة الإخوان حالياً.
عرفته لفترة قريباً من حزب الوسط - ذي المرجعية الإسلامية - متأثراً بأفكار عبد الوهاب المسيري بشكل خاص. ولفترة بعد انطلاق الثورة كان مؤيداً لمحمد البرادعي، ولاحقاً اعتبر ذلك سذاجة ثورية.
في الفترة الأخيرة كان أقرب إلى مجموعات الشباب التي تحاول البحث عن موقف مختلف على أرضية من اجتهادات إسلامية نقدية أحد روافدها نقد المسيري للحداثة والدولة الحديثة والقيم الغربية وتستلهم تجارب "العودة لإسلام حضاري" على طريقة علي عزت بيغوفيتش.
كان موقفه مؤخراً، مثل كثيرين من هذا الطيف، مزدرياً لطرفي الاستقطاب السياسي العنيف بين تحالف الإسلاميين وجبهة معارضيهم. موقف يتخذ مسافة من تيارات السلطوية الإسلامية ولكنه يتفهم الانطلاق من "هوية إسلامية". بعض أبناء هذا الموقف ابتعدوا خطوات وقالوا إن ما يحدث في مصر "فتنة" يحسن تجنّب الانخراط فيها، على خلاف الآخرين الأكثر تأثراً بسيد قطب الذين اجتذبهم غبار المعركة واستنفرهم إلى جوار تحالف السلطوية الإسلامية مهما كانت الاختلافات.
كانت آخر حواراتي معه تحمل تفهماً منه لانتقادي لـ "سلطوية" المشروع الإسلامي، وكان تساؤله: ولكن هل هناك في العالم المعاصر ودولته الحديثة ذات السيادة القانونية مساحة حرية لجماعة من المؤمنين داخل مجتمع ما، يتبعون في ما بينهم نظاماً قانونياً من شريعتهم الدينية بدون إكراه آخرين من نفس المجتمع لا يرتضون ذلك؟
جرى بيننا مع آخرين نقاش طويل حول اللامركزية واللاسلطوية وتعدّد النظم القانونية في إطار الدولة الواحدة، وحول فكرة الدولة الحديثة نفسها. كان النقاش أكثر تساؤلاً من كونه إنتاجاً لموقف نهائي. وهو كان حائراً بين منطلق الهوية ومنطلق الحرية.
من دون محاولة البحث عن إجابة تخصّ شخص محرز، أتساءل إن كانت زاوية النظر، التي انتهى قريباً منها، تجد في معركة سوريا لقاء يجمع بين منطلق الهوية ومنطلق الحرية.
لا يزال الجهاد من منطلق الهوية هناك في خانة واحدة مع مقاومة السلطة الغاشمة والتحرر من سلطويتها.
ولكن لاحقاً ربما تحتلّ الهوية مكانها في السلطة وتبدأ المشكلة نفسها في الظهور مرة أخرى لتصبح "فتنة أخرى" تضع الرؤية الإسلامية النقدية الوسطية الحضارية أمام مأزقها المستمر وهروبها المتكرر.
المحاولات التقليدية للتعليق على خبر "استشهاد شاب مصري ذهب للجهاد في سوريا" واجهت أمواجاً متلاطمة من التعقيد. هل كان ذهابه انحيازاً إلى ثورة من أجل الحرية ضدّ نظام قمعي أم هو مجاهد إسلامي مناصر لدولة إسلامية أم مقاتل طائفي يريد النكاية بنظام ينتمي لطائفة أخرى؟
سبب التعقيد كان البعد الشخصي لمحمد محرز، المدوّن الذي كانت شبكة علاقاته وصداقاته تجمع أشخاصاً من طرفي الاستقطاب المحتدم الآن في مصر. وكانت شخصيته وحواراته معهم والتي تناقلوها بعد خبر استشهاده على شبكات التواصل تجعل من دوافعه للذهاب إلى سوريا أعقد من أن تتم قولبتها هي الأخرى.
لا تبدو هناك إجابة بسيطة تمزج بين ما يعرفه أصدقاؤه عنه من رغبة في الانحياز لثورة من أجل الحرية ضدّ الطغيان، وبين ما كتبه في وصيته من أنه ذهب للقيام بفريضة الجهاد ونصرة لأهل سوريا الذين تعرّف على بعضهم في مصر لاجئين، وما قاله في حوار مع صديق له على فيس بوك: “هانروح نجِيب بشّار في شِوال ونيجي"، وسط حوارات يستخدم فيها محرز لغة متحرّرة لا تبتعد عما يعتبره المصريون المحافظون "ألفاظاً بذيئة”.
الأمر لا يتعلق باستثنائية محرز، وهو الأمر الذي يبدو برّاقاً الآن بعد ترسيمه "شهيداً". ولكنها مساحة الاستثنائية المتوقعة لكل فرد لكونه فرداً، ومساحة الاستثنائية المتوقّعة لكثيرين من المشاركين في الثورة المصرية والمتفاعلين معها باجتهاد ومبادرة وبحث دائب ولحظي عن الانحياز والموقف، بكل ما يعنيه ذلك من معاناة وقلق بعيداً عن يقين وثقة كتل أخرى من الجموع يتم حشدها وصرفها بأوامر تنظيمية.
عرفت محرز بشكل شخصي مدوّناً وناشطاً في احتجاجات الشارع منذ حراك 2005 وطرفاً في نقاشات كثيرة على هامش الحياة والاحتجاج ثم في الثورة ومعاركها. لم يكن استثنائياً في كونه فرداً قلقاً باحثاً ومتفاعلاً. لم يقتنع بالانتماء الإخواني مثل أفراد عديدين في عائلته، وكان أقربهم أخوه وهو أحد المتحدثين باسم جماعة الإخوان حالياً.
عرفته لفترة قريباً من حزب الوسط - ذي المرجعية الإسلامية - متأثراً بأفكار عبد الوهاب المسيري بشكل خاص. ولفترة بعد انطلاق الثورة كان مؤيداً لمحمد البرادعي، ولاحقاً اعتبر ذلك سذاجة ثورية.
في الفترة الأخيرة كان أقرب إلى مجموعات الشباب التي تحاول البحث عن موقف مختلف على أرضية من اجتهادات إسلامية نقدية أحد روافدها نقد المسيري للحداثة والدولة الحديثة والقيم الغربية وتستلهم تجارب "العودة لإسلام حضاري" على طريقة علي عزت بيغوفيتش.
كان موقفه مؤخراً، مثل كثيرين من هذا الطيف، مزدرياً لطرفي الاستقطاب السياسي العنيف بين تحالف الإسلاميين وجبهة معارضيهم. موقف يتخذ مسافة من تيارات السلطوية الإسلامية ولكنه يتفهم الانطلاق من "هوية إسلامية". بعض أبناء هذا الموقف ابتعدوا خطوات وقالوا إن ما يحدث في مصر "فتنة" يحسن تجنّب الانخراط فيها، على خلاف الآخرين الأكثر تأثراً بسيد قطب الذين اجتذبهم غبار المعركة واستنفرهم إلى جوار تحالف السلطوية الإسلامية مهما كانت الاختلافات.
كانت آخر حواراتي معه تحمل تفهماً منه لانتقادي لـ "سلطوية" المشروع الإسلامي، وكان تساؤله: ولكن هل هناك في العالم المعاصر ودولته الحديثة ذات السيادة القانونية مساحة حرية لجماعة من المؤمنين داخل مجتمع ما، يتبعون في ما بينهم نظاماً قانونياً من شريعتهم الدينية بدون إكراه آخرين من نفس المجتمع لا يرتضون ذلك؟
جرى بيننا مع آخرين نقاش طويل حول اللامركزية واللاسلطوية وتعدّد النظم القانونية في إطار الدولة الواحدة، وحول فكرة الدولة الحديثة نفسها. كان النقاش أكثر تساؤلاً من كونه إنتاجاً لموقف نهائي. وهو كان حائراً بين منطلق الهوية ومنطلق الحرية.
من دون محاولة البحث عن إجابة تخصّ شخص محرز، أتساءل إن كانت زاوية النظر، التي انتهى قريباً منها، تجد في معركة سوريا لقاء يجمع بين منطلق الهوية ومنطلق الحرية.
لا يزال الجهاد من منطلق الهوية هناك في خانة واحدة مع مقاومة السلطة الغاشمة والتحرر من سلطويتها.
ولكن لاحقاً ربما تحتلّ الهوية مكانها في السلطة وتبدأ المشكلة نفسها في الظهور مرة أخرى لتصبح "فتنة أخرى" تضع الرؤية الإسلامية النقدية الوسطية الحضارية أمام مأزقها المستمر وهروبها المتكرر.
No comments:
Post a Comment