18 April 2010

أم رامي

كان قد بدأ يغالب النوم وهو يقود السيارة نصف النقل على الطريق الضيقة المظلمة من الجوادية إلى بلقاس ليوصلنا إلى موقف البيجو المتجه إلى القاهرة، ولكن المصوّر المحشور بيني وبينه أنعشه بسؤاله عن الراقصات.

ابتسم وقال إن الصغيرة منهما- كانتا اثنتين- تابت أكثر من مرة ورجعت، و الفرح الذي كنا فيه هو ثالث فرح لها بعد العودة من التوبة الأخيرة. أما الأكبر سنا فهي أم رامي. ضحكنا لسماع الاسم، فأكمل أن أم رامي راقصة مشهورة في المنطقة وأنها مختلفة جدا – مثل اسمها- عن باقي الراقصات.

في الفرح كانت أم رامي ترتدي بدلة حمراء ضيقة بها فتحات يبرز منها لحمها المضغوط، وعلي ثديها الأيسر وشم يبدو من بعيد كختم النسر. ورغم أن الراقصة الأصغر كانت أجمل بقوامها الملفوف المائل للامتلاء- تشيه منة شلبي في أول ظهورها- إلا أن الجمهور كان أكثر إقبالا على مشاركة أم رامي الرقص. الراقصة الأصغر- التي نسيت اسمها فعلا- لم تكن بنفس الحماسة. بينما أم رامي كانت مبتهجة بشكل يبدو حقيقيا. كانت تأخذ المايك أحيانا لتشارك في الغناء. أو لتؤدي فواصل مع الفرقة. مثلا: يهتف النوبتجي: "بنحيي الحاج أيمن" فترد أم رامي" الحاج أيمن أخلاق". "بنحيي بلقاس- بلقاس أخلاق" وهكذا.

الجمهور المتسابق على الرقص مع أم رامي ملأ المسرح، مما اضطر العريس إلى التنبيه على النوبتجي الذي أعلن أن العريس لا يريد أن يرقص أي أحد مع "البنات"- سألت وعرفت أن البنات هن الراقصات- وأضاف النوبتجي أن العريس نفسه لن يرقص مع البنات!

العريس كان وسيما وميالا للهدوء ويرفض القيام للرقص. وكان مشهدا عظيما والسيدة ذات العباءة البنفسجية تمر بين الجمهور الغارق في أنهار البيرة وسحابات الحشيش وتصعد المسرح وهي ممسكة بالصينية بيد وتقلب بالأخرى كوب شاي وتناوله للعريس، الذي قام لها شاكرا وأخذ رشفة من الشاي باستمتاع ووضعه بجانبه قبل أن يتبادل ضحكة مع عروسه التي كانت ساكنة تماما معظم الوقت مختبئة خلف مكياجها الثقيل.

قال وهو ينحرف إلى طريق أوسع: “أنا اشتريت لأم رامي كمبيوتر لأني بافهم في الحاجات دي ودخلت بيتها وركبته. أم رامي فعلا أغرب رقاصة عرفتها". كان يحكي وعيناه مفتوحتان عن آخرهما أنه وجدها في بيتها ست بيت عادية. زوجها إداري في مستشفى، وابنها شاطر في المدرسة ويفهم جيدا في الكمبيوتر. أضاف أن الراقصات الأخريات يتزوجن كثيرا لمدد قصيرة من هذا وذاك، ولكن أم رامي عندها أسرة مستقرة وزوجها هذا أول من تزوجها. سأله زميلي المصور:" وهو ما يعرفش ولا إيه إنها رقاصة؟". أجاب مستنكرا:”ما يعرفش إزاي. يعرف طبعا. كل الناس عارفة. أم رامي مشهورة".

ترك عجلة القيادة وأشاح بيده وهو يقول "مشهورة"، ثم أضاف أن أم رامي هي الراقصة الوحيدة التي يعرفها و تسكن وسط قرية بشكل مستقر بدلا من أن تختبيء في زحام مدينة بعيدة أو تتنقل بين القرى تقيم فترة مع فلان وعلان.

"لا مش بس كده. دي كمان أم رامي هي اللي بانية البيت اللي ساكنة فيه". ابتسم وهز رأسه متعجبا: "الله يمسيكي بالخير يا أم رامي" ثم انتبه إلى الانطباع الذي يتركه ذلك المسا فأردف جادا:”على فكرة أم رامي مالهاش في الغلط مش زي الباقيين".

قبل رحيلنا من الفرح صعد إلى المسرح وسلم على بعض أعضاء الفرقة وعلى أم رامي. كان مطرب ثقيل الظل قد بدأ يغني لأم كلثوم ثم يشير لأم رامي كل فترة لكي تخفف قليلا من وطأة سخافته بفاصل من الرقص وكلام تقوله بصوت أجش ولكنه مترع بالشبق. كان المايك رديئا والموسيقى صاخبة ولم أفهم من كلامها سوى عبارة واحدة كانت تكررها :"إحنا النسوان الحريفة".