14 January 2010

الشاعر يذهب إلى البحر





(1)

كل صباح ٍ
أفكر أنه الآن..



سأقوم الآن و أبدّل ملابسي
أختار كتابا
أصنع شايا و أشربه
أحشو جيبي بالنقود
و أترك ورقة لمن يهمه الأمر
على طاولة السفرة ْ



ذلك أنه في صباح ٍ عادي ٍ
في يوم عادي ّ
في منتصف الأسبوع
أكون فيه عادة في المدرّج
أستمع إلى تمثال نصفي
يشرح دورة حياة التماثيل النصفية
أو مصلوب على عمودي الفقريّ
أتأمل صنيع المخلوقات اللا مرئية
بمهندس الكوكب
سأكون عند البحر..
أبلل قدمي بالماء
و أكتبُ


كل صباحٍ ..
تذوي روحي على حافة المدرّج
أتقيأ روحي على باب المدرّج
ثم أسير فارغا بقية اليوم..


(2)

قال الشاعرُ
_ الذي يرغب في أن أكون شاعرا _
" كم شاعرا تقابل في الطريق..؟
إذن..
كم طبيبا تفكر فيه حين تسعل فجأة ؟
لا مقارنة يا صديقي
انضم إلى القبيلةِ
لا تنضم إلى الجميع... "


يقول أبي
_ الذي يفضل أن أكون طبيبا _
" الأطباء ينامون مبكرا
و يأكلون الخُضَر
الأطباء مهذبون و حليقو اللحية و وسيمون
كن طبيبا
ثم كن بعدها أي شي ء آخر... "


يقول المعنيّ بالأمر..
_الذي يفضل أن يكون نائما على ظهره الآن
يبلل رأسه الموج _ :

" دعوني الآن قليلا..."

(3)


الآن عليّ أن أذاكر شيئا
عن كرات الدم الحمراء
بينما أكتب ذلك..


كرات الدم الحمراء
التي كان من الممكن أن يخلقها الله بنفسجية ْ
فيسير الناس في الطريق
بوجنات زرقاء..
و تلمع عيونهم بضوء داكن ٍ
و ينزفون من جروحهم الصغيرة
بقعاً بنفسجية مبهجة ..


كان سيقول الشعراء :
آه يا قلوبنا البنفسجية ْ
يا شقيقات الورد البنفسجي
و كان سيكون بابا ضخما
في كتاب أمراض الدم
ذلك الذي يحكي عن كرات الدم البنفسجية..
فلا أكون الآن متوترا
من أي كرات حمراء في هذا الكون
تهرول ورائي كالذنب الصغير
صاعداً في القصيدة..



كرات الدم الحمراء
التي لو كان الناس يشترون القصائد
كعلب الدواء
المكدسة في الدرج وفوق الكومودينو
لكنت الآن
لا أعرف عنها أي شيء
ولا أود
فقط أذهب إلى البحر
أغمرُ قدمي في الماء
و أكتبُ..


(4)

حين أكتب الشعر
حين أدرك أنني أكتب الشعر
حين أفكر أنني أدرك أنني أكتب الشعر
فيندفع الضوء الأزرق
في الشعيرات الدموية الكثيفة
في رأسي ..
و أتحسس اللذة..
التي تتصاعد ُ كمنسوب النهر
إلى حافة القلب السفلى
ثم تغمره تماما


أعرفُ يقينا..
أنني قبلا لم أكن أعلمُ من اللحظة
لم ركب الله بين رئـتيّ قلبا
ثم قال : عِش ْ


وأعرف ما الذي جعل كل هؤلاء
_ كفافيس..
و ناظم حكمت..
و السيّاب.. _
يقفزون إلى عربة القطار الأخيرةِ
الذاهبة إلى البحر..


يلوحون للواقفين على الجانبين
جوار حقائبهم الثقيلة المعتمة..
يلوحون
و يصيحون...


أريد أن أذهبَ إلى البحر..
أريد أن أذهبَ إلى البحر...

(5 )


الشاعر..
هو الذي تفوته كل المحطات
ليصل إلى محطة واحدة
لم يقصدها
فيقفز إليها بغتة ْ
الراكب في القطار الخطأ
إلى المدينة الخطأ
و يلوح للناس من النافذة ْ
المتمني في روحه
لو تتحول الساعات إلى آنية للسمك
يروح و يجيء فيها الوقت بسَكِينة ْ
فلا يخاف من الفقد


الشاعرُ ..
وددت لو أقابله
سأصافحه و أشدّ على يديه
أطلب توقيعه
ثم اكتب هاتفه على راحتي
الشاعر..
الذي لا يشبه الشعراء
الذين لا يشبه كل منهم الآخر
أفكر فيه كثيرا
كلما فكرت في أحدهم
يسافر إلى الإسكندرية صباحا
بدلا من المدرّج
يبلل قدميه
و يغني..


(6)


أريد أن أذهب إلى البحر..
هذا فقط ما أطلبه من الجميع
لن يصابَ أحد بسرطان الرئة
لن تصابوا بالجذام
لست طبيبا..
فقط دعوني أذهب إلى البحر



أريد أن أذهب إلى البحر
من ديوان "عن الكائنات النظيفة"
ميريت 2010



6 ب شارع قصر النيل بجوار سينما ومسرح قصر النيل - وسط القاهرة

3 comments:

فادي العبد الله said...

مبروك الكتاب، بس عايزينه :)

ام مليكة said...

حلوة قوي يامحمود، الدمعة فرت من عيني على راي امي بجد كرهتني في الطب والدكاترة والحقن وكرات الدم الحمرا وخليت البحر يوحشني قوي
تسلم يا دكتور شاعر / محمود عزت
معلش ياعمرو داخلة اعلق عند على قصيدة كتبها اخوك ومجبتش سيرتك...يلا الاخوة ليها تمن برضو..

الا بالمناسبة عمو بقى بعد ماكان عنده مهندس ودكتور وفجاة تحولا لصحفي وشاعر حاسس بايه دلوقتي؟؟

-_- said...

محمود عزت ؟؟

امال مين عمرو ؟؟