30 June 2008

عن الظهور المربك لشيطان الرأي العام

أربك الظهور الإعلامي المفاجيء والمكثف لأحمد عز منطق الجدل العام حوله. لا يعني هذا أن حديث عز كان متماسكا بالكلية أو أنه لا يخلو من ثغرات، و لكنه حاصر تلك الصورة المشيطنة التي تشكلت باعتباره خصما غائبا وغامضا يصح نسبة كل شيء وأي شيء إليه.

من السهل أن نهاجم الغائبين بما نشاء، ولكن في اللحظة التي يطرقون فيها الباب علينا أن نبحث عن حجج جدية ومتماسكة لهجومنا الذي سيتحول من منطق الحكي إلى منطق السجال.

الدفاع الذي أعده عز جيدا وكرره في حواره مع "المصري اليوم" وأمام منى الشاذلي في "العاشرة مساء" على شاشة دريم ، لم يكن فذا بقدر ما كشف عن التعقيد الذي بلا شك يتدخل في الحكم على مسائل من نوع الاحتكار وتداخل المصلحة الخاصة و العامة في العمل السياسي.

كرر عز أكثر من مرة أن الشيطان في التفاصيل، بينما أسهبت تحقيقات ومقالات، بعضها ساخر، في أن الشيطان موجود بعيدا عن التفاصيل وبالرغم منها.

الافتقار إلى التفاصيل والتعقيد في صورة عز الغائب، هو الذي جعل تفاصيل عز "مدوخة" على حد تعبير الأستاذ محمود الكردوسي في "المصري اليوم"، بينما التفاصيل من نوع نسبة مسئولية ارتفاع أسعار الحديد بين عوامل أخرى عن ارتفاع تكلفة البناء، ومن نوع العلاقة بين حجم الزيادة في رأس مال شركاته وأرباحها وبين صعوده السياسي... كان من المفترض أن تكون نقاطا بالغة الأهمية في الحوارات التي بذل من أجروها أقصى ما وسعهم لكي يقفوا بثبات على الضفة الأخرى من "شيطان الرأي العام".

الأكثر أهمية ودلالة على الارتباك في رأيي، أن عز ومحاوريه استندوا لنفس المنطق في السجال حول عدم وجود تشريعات تقيد اشتغال رجل الأعمال ذي المصالح الحاضرة بالسياسة. لقد اعترف عز بعدم وجود هذه التشريعات، ولكن محاوريه سألوه: ولماذا لا توجد؟ وبدا عز نافذ الصبر وهو يرد على هذا السؤال الذي يحمله المسئولية. ربما لأنه لم يكن يتوقع أن يتم اتهامه بأنه لا يتقدم بمشروعات قوانين قد تضيق عليه واسعا .. هل ننتظر حقا أن يتقدم عز كقديس ويفعل ذلك أم أننا نحاسب عز راعينا الصالح لمَ لمْ يغلب مصلحة رعيته على مصلحته !

أظن أن ما أحرج عز هو أنه يفكر بنفس المنطق، ولم يكن شجاعا بما يكفي ليقول أن هذا الوضع يلائمه، وليتساءل مستنكرا كيف يرفض وضعا يتيح له أن يتكيء هنا على منصبه السياسي وهناك على قوته الاقتصادية.. يبدو هذا بلا شك مخالفا لمنطق السياسي الراعي، في حين أنه "أمين التنظيم" في الحزب الوطني "الديمقراطي" الذي لا تتسع ديمقراطيته الداخلية لاختيارات الرعايا من أعضائه ،بل تخضع لعناية القيادات الرشيدة. السياسة من منظور الحزب الوطني هي تبادل الأدوار والكراسي ليكون الواحد منهم رعية هناك وراعيا هنا.

أعتقد أن إعادة دراسة الموقف من عز مع إعادة الاعتبار للتفاصيل وللعمق الذي يفرضه التعقيد الشديد لحجج الاتهام، قد تفضي في النهاية إلى تفكيك صورته كشيطان رجيم، لتتشكل مرة أخرى في صورة رأسمالي يمارس السياسة. وهذه الصورة الأخيرة ستؤدي بناقديه إلى إعادة صياغة موقفهم منه: إما في صورة لائمي وناصحي صاحب المال والسلطة لأنه من المفترض أن يمثل الراعي الرشيد، وفي هذه الحالة يقدمون نموذجا لما يتصورنه عن السياسة... وإما سيعتبرون أنفسهم خصوما سياسيين له، ينطلقون من انحيازهم لتصور آخر للمجتمع ولتوازن المصالح فيه، المصالح التي يمارس أصحابها الحضور في ساحة السياسة للتعبير عنها. في هذه الحالة لن يصبح شاغلهم الأكبر لوم عز لأنه يعبر ويدافع عن مصالحه، بل سيلومون أنفسهم وكل من يجلس في مقاعد المفترجين أو يستسلم لذلك، تاركا اللاعب الوحيد يحرز أهدافه.


7 comments:

AHMED SAMIR said...

انا باشوف ان الحوارات الاعلامية لاحمد عز لم تفيده ولم تضره
الشعب ميت اساسا لا يتأثر بالحاجات دي
تحياااتي

صفية الجفري said...

يعني المسألة في النهاية مسألة تشريعات وعز كده في السليم وفقا لقاعدة ان الأصل براءة الذمة حتى يثبت دليل على شغلها باتهام ما

مـحـمـد مـفـيـد said...

من اجمل ما قرأت عن احمد عز
اعتقد ان احمد عز لم يستغل كل الفرص المتاحه لتجميل وجه القبيح

Unknown said...
This comment has been removed by the author.
Unknown said...

التفسير الوحيد لفشل احمد "عز" فى اقناعنا بسلامة موقفه ,رغم سلامة منطقه هو اننا شعب فقرى " مما يشكل فجوة انطولوجية بيننا و بينه تحيل اى محاولة للتواصل الى محض عبث

Unknown said...

عز؟!أنت بتقول عز؟؟!تبقى أنت اللى قتلت بابايا!" عبارة شهيرة تكررت على لسان شويكار فى أحد الأفلام فى بداية الستنينات و منذ ذلك الحين ذهبت مثلا و دخلت التاريخ كأحد أشهر الجمل فى تاريخ السينما المصرية و أستقرت عميقا فى اللاوعى الجمعى المصرى ويبدو أن هذه المقولة قد أعيد شحنها و تفعيلها خلال السنوات القليلة الماضية عندما بدأ نجم أحمد عز فى الصعود . و هو ما قد يفسر الأرتباط الشرطى (والذى يقارب فى "
والذى يقارب فى بعض الأحيان الأنعكاس البفالوفي) فى الوعى(أو اللاوعى , ليس بمعناه الفرويدى بل بمعنى غياب الوعى أو تغييبه قصدا أو عفوا) الجمعى المصرى بين لفظ "عز " و جل , أن لم يكن كل مظاهر الفساد والظلم التى أستشرت فى الأعوام الأخيرة . و اذا كانت نهاية الفيلم قد كشفت عن فساد و تهافت فرضية العلاقة المفترضة بين لفظ "عز" و قاتل بابا شويكار , فلا يمكن للمرء أن يستبعد تماما أحتمال حدوث الشىء نفسه فى حالة الفيلم الجارى
عرضه
فى مصر الأن والذى تشير الكثير من الشواهد أن نهايته أصبحت وشيكة و حينئذ قدنتكتشف أن عز ليس هو اللاعب الوحيد الذى يحاور ويسجل أهداف كما ذكرت بل بالأحرى اللاعب الذى يتحرك ببراعة بدون كرة كيما يشتت أنتباه الخصوم و يجذب أنظارهم بعيدا عن الهداف الحقيقى و الذى يعرفه الجميع أو ربما لاعب أخر تماما , أحد "القادمين من الخلف "غير مراقب" و غير معمول حسابه

عمرو عزت said...

أحمد سمير
في رأيي أن أي مشهد إعلامي يتوافر فيه سؤال وجواب وأخذ ورد هو في صالح الناس، لأنه يعقد من مهمة الإعلام ويجبره على الاهتمام بتفاصيل معقدة.
ولو اهتمت الناس بهذه التفاصيل دفاعا عن حقوقها لتغير الأمر كثيرا.

صفية
نعم، ولكن الصراع السياسي و الاجتماعي هو صراع من أجل وضع القانون أو تغييره.
لذا فإن الالتزام بالقانون من عدمه ليس مانعا من الاتهام.
ولكن أي اتهام ، هذا ما ناقشته.
الاتهام باللصوصية أو السرقة أو غير ذلك هي اتهامات "قانونية" ، أما الرغبة في تقييد مصلحته في الربح لصالخ سواد الناس من المستهلكين هي معركة سياسية اجتماعية أراها تتحول إلى وجهة خاطئة بشيطنته.

محمد مفيد
شكرا يا شهبندر

dasein
أعجبتي جدا فكرة الفجوة الأنطولوجية بين الشعب الفقري ورجا الأعمال الكبير !
وبخصوص اللاعب القادم من الخلف ، فأعتقد أن أحد جوانب التعقيد في المشهد هو أنه لا يلعب أحد لصالح أحد، ولكنه تنسيق مصالح فيما أظن.
أعتقد أن مصالح رجال الأعمال ورؤيتهم لما يجب أن تكون عليه مصر ، تتقاطع مع رؤية أمين السياسات . لذا فإنهم فريق واحد، ولهم خصومهم حتى داخل الحزب الوطني.
لا يوجد بالطبع لاعب وحيد، ولا حتى فريق واحد، ولكن في مباراة ما قد يكون نجمها لاعبا وحيدا، يفتقد لمنافسين وحراس مرمي بينما لا يعدم متفرجين متذمرين ولعانين.
هذا ما أتحدث عنه