30 January 2008

عن القرار الأصعب

في مواجهة المخاطر التي تهدد النظام العام و السلام الاجتماعي, من جراء شعور المواطن المصري السماوي بوطأة و قسوة وجود اسم ديانة غير سماوية في خانة ديانة بطاقة هوية أخيه البهائي الواقف بجانبه في الأتوبيس أو طابور العيش .. اتخذت محكمة القضاء الإداري قرارها الأصعب, و تجاوزت عن قسوة و خطورة وجود الأخ البهائي نفسه و وجود دينه المشكلة هذا في رأسه, و قضت له في خطوة شجاعة بحقه في وضع شَرطة أفقية قصيرة, وصفتها المحكمة بهذه الدقة و إن لم تحدد طولها, بدلا من إلزامه بكتابة دين سماوي كما أصرت محكمة سابقة في سابقة غير مسبوقة .
هذا الحكم ,و هذه الشَرطة, شجاعة خالصة لا اضطرار فيها, فالخيارات المنطقية الأخرى كانت متاحة أمام هيئة المحكمة. أبسطها أن تمنحهم -بدلا من الإلزام - مهلة للإقتناع بدين سماوي معترف به فيدخلون فيه أفواجا و السلام, و إن رفضوا فيمكن العمل بنظام الـ" بدون " في مصر, و البهائي سيظل مصريا فالموطنة لا جدال فيها, و لكنه سيكون مصريا "بدون بطاقة", يمكنه أن يلتحق بإخوانه من الـ"بدون" و الطيور الجارحة و الضباع في جبال الصعيد أو مجاهل الصحراء ... و إن تعنت البهائيون في قبول هذه الحلول المعقولة يظل هناك خيار المذبحة الجماعية التي اقترحها نواب الإخوان باعتبار أن البهائيين في حكم المرتدين.
شجاعة المحكمة تجاوزت كل هذه الحلول الممكنة, و وازنت بين ضيقها بهذه الأقلية الممتنعة الوجود فلسفيا و دينيا, و بين رغبتها في "إثبات حقوق هذه الفئة " مع مراعاة " منع اندساسهم بين أصحاب الديانات الثلاث " بحسب نص الحيثيات .
و لكن شجاعتها تجاوزت كل الحدود في حكمها الآخر برفض إثبات تحول محمد حجازي المسلم إلى بيشوي المسيحي, عندما أثبتت في حيثياتها أن " كافة الدساتير المصرية قد أقرت جميعها حرية الاعتقاد", أي نعم و لكن " الأديان السماوية قد أنزلت من رب العزة في تسلسل زمنى يجعل من الارتداد من الدين الأحدث إلى الدين الذي يسبقه خروجا عن المألوف ولذا فمن أسلم وآمن فأنه قد مارس بالفعل حريته في العقيدة ولا يجوز له الارتداد عن الإسلام وإلا كان مرتداً ومتلاعباً بهذا الدين الحنيف ".
و بهذا يقدم القضاء المصري أطروحته الجديدة في تفسير معني حرية الاعتقاد في الدستور التي تعتمد على "حداثة" الدين, و تحدد التنقل حصرا من الأقدم إلى الأحدث. و عليه, يكون من حق اليهودي نقلتان و للمسيحي نقلة واحدة, بينما- أعزائي المستمعين - للأسف الشديد .. لا حرية اعتقاد للمسلم في هذا البلد !



. العبارات بالخط و المنطق المائلين من نص حيثيات المحكمة

22 comments:

Anonymous said...

اصبر يا عمرو لحد مانشوف اصلا نص الحكم. انا قاري في الجرايد ان الحكم يطبق بس على البهائيين اللي طلعلهم أوراق "بالخطأ" مدون فيها ديانتهم. يعني الموضوع تصحيح أوراق فئة معينة بس مش منح حق للبهائيين. لسه ماشفتش الحيثيات بشكل رسمي دون تدخل الصحافة لكن لو ده صحيح يبقى لسه بدري قوي

فادي العبد الله said...

يعني مش ممكن بقى يكون فيه مسلم بشرطه؟ :)

رغم كل شيء، ألأيس من الممكن أن يكون الأمر، في قضية البهائيين، خيراً؟ هل هناك احتمال أن يستطيع مسلم بالوراثة، أو بالاقتناع، لاحقاً، أن يطلب بوضع شرطه أيضاً؟
أي أن تصبح هذه الشرطة علامة على بدء قيام لاطائفة؟
هذا سؤال

السؤال الثاني
أية قوانين ستطبق على أصحاب الشرطة؟
خاصة في الأحوال الشخصية؟

السؤال الثالث:
أي منطق قانوني يجيز استخدام "حداثة"الدين معياراً قانونياً، في حين أنها لم ترد في أي قانون أو دستور أو اجتهاد، ولا حتى في الإٍسلام نفسه الذي لم يجعل من حداثته مرجعاً لكونه الأصلح، بل بكونه لم يفسد!!
ألأيست البهائية أحدث من الإسلام بعد؟

على العموم،
الطليات التي تخرج المحامين هي عينها التي تخرج القضاة!
والعبرة بالآتي

فادي العبد الله said...

ملاحظتان إضافيتان

كيف يكون الخروج عن المألوف ممنوعاً والأصل في الأشياء الإباحة؟
ليس كل مألوف قاعدة إلزامية

ثم كيف تكون ممارسة الحرية في العقيدة محدودة زمنياً وليست حقاً متمادياً ومتواصلاً في الزمن؟

عمرو عزت said...

بهائي مصري

ما فهمته من رواية الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=egyp4.htm&DID=9477
أن المحكمة لم تقض لكل البهائيين , و إنما قضت للمسجلين كبهائيين أن يضعوا الشرطة , و لكن غيرهم - المسجلين كمسلمين أو مسيحيين - فلا حق لهم في الشرطة بحسب ما فهمت .
و بهذا يكون الحكم خطوة للأمام للبعض و خطوة للوراء لآخرين .
الأيام القادمة سنتبين معنى لعثمة المحكمة

فادي
ما فهمته , أن الشرطة حل لعدم استمرار وجود كلمة " بهائي " في بعض البطاقات . و لكن الحيثيات كانت واضحة في عدم قبول " الرجوع إلى الوراء" فيما يخص الأديان , و بشكل أوضح لا تقبل " الردة " عن الإسلام .
طبعا لا أحد يعلم مجاهل هذه الأحكام و الحيثيات , الأمر مسخرة مكتملة . و ملاحظاتك تصلح فقط إن كانت المحكمة تعترف بالمنطق الإنساني الذي لن أصبحت أشك في معرفته .
لا ينقص هذه الحيثيات لتكون متسقة سوى النص على إعدام المرتد سواء أكان مسلما حقا او مسجل كذلك . ساعتها فقط تتسق هذه الحيثيات و نعلم إلى أين تأخذنا .

Anonymous said...

يا عمرو مفيش فايدة، لاو جود لأي قيم إنسانية متى تدخلت الأديان ، لا وجود لأي منطق متى تدخلت الأديان

لا رأي لمؤمن - رواه أحمد

أبوفارس said...
This comment has been removed by the author.
أبوفارس said...

" الأديان السماوية قد أنزلت من رب العزة في تسلسل زمنى يجعل من الارتداد من الدين الأحدث إلى الدين الذي يسبقه خروجا عن المألوف ولذا فمن أسلم وآمن فأنه قد مارس بالفعل حريته في العقيدة ولا يجوز له الارتداد عن الإسلام وإلا كان مرتداً ومتلاعباً بهذا الدين الحنيف ".
ﻷ..دى شديده بصراحه
عموما
السيد وكيل نيابه المرور أفتى ﻷحد أصدقائى القاهريين أنه قد أنهى معاملته على النت فى سرايا النيابه ولكنها حتاخد لها ٣-٤ أيام على ماتوصل للجيزه..ﻷن النت عندهم مختلفه شويه..صديقى المثقف قال لى أنه كان يظن -وبعض الظن أثم كما تعلم- أن النت تعمل بسرعه تقارب سرعه الضوء.. ولكن السيد وكيل نيابه المرور أستطاع بمفرده تغيير قوانين الفيزياء والطبيعه ...وطز فى نظريات النسبيه والكم..تحياتى خالد
ع الهامش
أختياراتك الموسيقيه تدهشنى..من شكوكو ﻷوسكار بيترسون..
أتاحت اﻷقدار لى فرصه حضور حفل له هنا فى مهرجان الجاز بمونتريال..أسطوره..مثله بى بى كينج أخر عمالقه البلوز والجاز اﻷصلى..

صوت من مصر said...

اعتقد انه مش حقهم لاننا مش فى بلد كوسه ولا حتى بلد فوضى ول هى فوضى

Coca said...

حريه الاعتقاد لها معايير اخري في بلدنا

كأشياء كثيره

بس ما احبه في حكومتنا الوجيه السخصيات الفذه التي تدستر الدساتير

ولكن لعلنا نقول الايان القادمه قد تعطي معنا اخري لحريه الاعتقاد مصر بردو اتغيرت للاحسن بمالمقارنه بالعهود الماضيه

Azza Moghazy said...

"تحدد التنقل حصرا من الأقدم إلى الأحدث. و عليه, يكون من حق اليهودي نقلتان و للمسيحي نقلة واحدة, بينما- أعزائي المستمعين - للأسف الشديد .. لا حرية اعتقاد للمسلم في هذا البلد !
"
وما الذى يثبت للمسيحى ان الاسلام ديانة سماوية اصلا ؟
وما الذى يثبت لليهودى ان هذا المسيح الذى يؤمن به المسيحيون هو المسيح الذى ينتظره
وقياسا عليه فلماذا لا تكون البهائية لى كمسلمة ديانة سماوية احدث ؟
ما الذى يجعل المحكمة واثقة بان معيار الحدائة هذا لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ما اجملك يا مصر
ما ابدعك
صبرنا يا رب
انهى واحد فيهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

Osama Sherif said...

السلام عليكم

أعتقد أن تدوينتي هذه متعلقة بالموضوع
فأردت أن أسوقها لكم لعلها تفيد
http://osamasherif.wordpress.com/2007/07/28/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af%d8%a9/

والسلام عليكم

عمرو عزت said...

مجهول:
هناك أيضا : الحكمة ضالة المؤمن.
و من زاوية أخرى لدي شكوك في أنه يمكن أن نتحدث عن " قيم إنسانية " لها مصدر إلزام و صدقية بلا أساس ديني أو إيمان .
هذا موضوع يطول و لكن على الأقل لا أتفق معك في أن الموضوع محسوم بهذا الشكل و بهذه الحدة .

أبو فارس
أهلا بك
يبدو أن صديقك حسد الإنترنت فانقطعت الكابلات , و الآن فعلا نتيجة للأعطال الإنترنت ليست واحدة في كل مكان,و السرعات مختلفة من شركة لأخرى ... و هذا هو الاستشراف و الاجتهاد والإبداع الحر !

بيترسون عظيم و لكن ليس لدرجة شكوكو!
و إن كنت لا أعرف بي بي كينج . معلوماتي الموسيقية عشوائية إلى حد كبير . أستكشف في الشبكة و أجرب ما يقع تحت يدي , اكتشفت بيترسون من فترة و أعجبني كثيرا .


صوت من مصر :
هذا يتوقف على فهمك لمعنى النظام و الفوضى !

كوكا :
الأمر مغري بتأليف كتاب في تحقيق معنى " حرية الاعتقاد " في أحكام القضاء المصري .
القضاة ماضون في طريقهم و يحطمون كل الحواجز و العوائق و لا يقف في طريق تدفق أفكارهم المروعة شيء .

عزة :
لقد حان الوقت لنعرف سلبيات " الحداثة " يا صديقتي !
انتظري ما بعد الحداثة في أحكام القضاء!

Azza Moghazy said...

تعرف ان استاذى يسميها ما بعد الحداقة
لم احب التسمية من قبل ولكنى بدأت اشعر بصدقها الان

Anonymous said...

الحقيقة احنا كأمة لم نستوعب بعد حرية الاديان و الحرية بكل معانيها وحقوقها وواجباتها
و القضاء المصري الغير مستقل تماما ابسوليوتلي
لن يعترف بحرية العقيدة
المشوار طويل حتى نصل لمعاني الحرية و الديموقارطية
نحن الان فى مرحلة الكلام عن تلك الامور وليس ممارستها
شكرا عمرو

Anonymous said...

انا شايف ان الموضوع ما هو الا بداية لسلسة من التغيرات هنخضع لها غصب عننا

بس المهم مننساش يا جماعة اننا في دولة مسلمة من المفترض انها تستمد من الشريعة الاسلامية قوانينها ..

فيه دول كتيرة في العالم غير مسلمة و غير علمانية .. بيكون فيها حساب كبير اوي لاي قضية تخص الدين ..

الفكره هنا لما انت بتقول حق البهائي .. بتفكر بعقل بس و لا بتستمد تفكيرك من الدين .. و انهي اللى مفروض ..ومين اللى يثبت للمسيحي ان الاسلام هو المنطلق الاصح للحكم على الامور ..

الموضوع متلغبط .. عن نفسي انا مسلم قبل ما اكون مصري .. كل واحد بقى حر في ترتيب انتمائاته

Anonymous said...

أسف على التأخير يا عمرو

الموضوع محسوم بهذه الحدة و أكثر، كيف يمكن الإعتماد على الأديان (التي تقول بالتعذيب في النار لحماية أخلاقيات وهمية ضيقة الأفق) كمرجع لأي شئ أصلا

أليس التعذيب أصلا أبشع جريمة إنسانية !؟

عموما أتمنى أن تقرأ هذا المقال عن الإسلام و الأخلاق و أنصحك عموما بمتابعة بن كريشان

http://benkerishan.blogspot.com/2007/05/blog-post_18.html

و أتوقع من عقلية محترمة مثلك أن تتخذ موقفا صادقا و حاسما ضد الأديان

أحمد

عمرو عزت said...

أحمد

بالنسبة لي, موضوع الدين أعقد من أن يؤخذ فيه موقف حاد أو جازم في أي ناحية

و لكن لي ملاحظة أن الموقفين المتطرفين ( الرؤية التقليدية السلفية - الرؤية المعادية للدين ) يتشركان في طريقة واحدة لتبسيط موضوع الدين لكي يمكن أخذ هذا الموقف المتطرف : هذه الطريقة هي نزع الدين من سياقه التاريخي, كما إضفاء القداسة على أفكار عصر ما باعتبارها نتاجا نهائيا مطلقا يجب أن يكون الدين في إطاره : عهد السلف أو العصر الحديث .

يمكنني أن أراجع حجتك التي عرضتها هنا, أنك انتزعت فكرة بشاعة التعذيب بين البشر لتجعلها معيارا للعلاقة بين إله و بشر , بالإضافة أنك نزعت سياق ذكر آيات العذاب من غرضها الذي يتيح تأويلات أعقد من مجرد الاحتراق بالنار .
و لكن لنتكلم عن الفكرة الأولي , أنت فعلت تماما مثلما يمكن أن يحتج واحد بقوله أن إنهاء الحياة هو أبشع الجرائم . و لكننا ننسى مثلا أننا متفقين على ذلك بين البشر أنفسهم لا مطلقا . ثم يقول أن الإنسان يرتكب جريمة بشعة عندما يأكل نبتة الجرجير أو لحم البقر !
كل نسق أخلاقي مرتبط بترتيب ما بين الموجودات : يضع الإنسان نفسه في مرتبة أعلى تتيح له أن يسخر الموجودات الأخرى لخدمته و ينهي حياتها بدون أدنى شعور بالذنب .
الحكم بما اتفق عليه البشر من نسق أخلاقي " بينهم " على ما هو خارج اتفاقهم خلط للأمور يا صديقي .

الموضوع أعقد من المواقف الجازمة , و أعقد مما يكتب بن كريشان في رأيي .

Anonymous said...

ماشي يا عمرو، أعترف أنك عقدت الموضوع

مبدئيا، إن كانت لك أي تحفظات على النقاش هنا في صفحتك أغلقه فورا و دون أي حرج، لأني شخصيا لا أتحدث في هذه الإتجاهات و أنا أفصح عن شخصيتي الحقيقية

نعم يا عمرو، الحضارة الحديثة مقياس لي لأنها تمثل فكر إنساني حر تراكمي و ليست شعوذات متحجرة كالتي يعتمدها السلف ، في رأيي لا مجال للمقارنة بين الإتجاهين

بالنسبة لنسبية الأخلاقيات، أرى أنك عممت الموضوع قليلا، قيامي بقتل مخلوق غير واعي للحفاظ على وجودي و بطريقة رحيمة و فورية(ليس الذبح طبعا) لا يقارن بتعذيبي لمخلوق أخر مهما كانت ضألته لأنه لم يقدم لي الإحترام اللازم

و لكني أعترف أنني لست بتلك المثالية دائما فأنا مثلا من هواة صيد الأسماك و تراودني تساؤلات عن أخلاقية ترك السمكة تختنق في الكولمان، لنقُل أن هذه النقطة لك


لكي أكون محددا ، المعيار الأخلاقي هو سبب كرهي للدين أما سبب رفضي له فهو المعيار العقلي الذي يجزم بأنه إشتغالة كبيرة في رأيي

و على الأقل و بغض النظر عن كوني قاتل الأسماك و بالعودة الى المثاليات ثانية لا أعتقد أنه من الأخلاق أن تسعد كإنسان بخلودك في الجنة بينما تعرف أنني (كإنسان أيضا)أعذب في جهنم

ألِف said...

بخصوص رأي المحكمة أن "الأديان السماوية قد أنزلت من رب العزة في تسلسل زمنى يجعل من الارتداد من الدين الأحدث إلى الدين الذي يسبقه خروجا عن المألوف ولذا فمن أسلم وآمن فأنه قد مارس بالفعل حريته في العقيدة ولا يجوز له الارتداد عن الإسلام وإلا كان مرتداً ومتلاعباً بهذا الدين الحنيف"

بغض النظر عن عوار و قبح إقحام "رب العزة" في حيثيات حكم قضائي في ظل قانون مدني وضعي، فإن المحكمة قد وضعت ذاتها في مأزق، في رأيي، لأن البهائية دين أحدث من الإسلام و بالتالي فلا ارتداد هنا بل تقدم، و ذلك إن تحرينا المعاني اللفظية للكلمات و التي أؤمن بأنها المعاني الجوهرية في مسألة "الارتداد". لو كان قال بدعة كان خلص نفسه جزئيا في حدود الطرح دا:) لكنه كان سيرجع إلى مزنق "الاعتراف". مزنوق مزنوق يعني.

أما نقطة الدفع بكون البهائية ليس دينا سماويا و بالتالي هي "بدعة" و لا يجوز، فالبينة على من ادعى؛ و هو مقارب لما تقول عزة في تعليق سابق.

ثم أي حرية تلك التي لها صمام يفتح في اتجاه واحد!

و دا بيفكرني بموقف المسيحي الذي يريد أن يصبح بهائيا و كيف أنه يجب أن يمر على محطة الإيمان بالإسلام أولا ليصح إيمانه البهائي :)

كتبت يا عمر "و من زاوية أخرى لدي شكوك في أنه يمكن أن نتحدث عن " قيم إنسانية " لها مصدر إلزام و صدقية بلا أساس ديني أو إيمان."

أذكر أنك كتبت هذا في مكان آخر هنا يا عمرو، و اجب أن أعرف رأيك بتفصيل أكثر.

فأنا أظن أني لم أنح ذاك النحو بشكل قطعي من قبل بما أني لا أساوي بين الإيمان و كل من الدين أو الدين المنظم كما تُعرف فئة منه في مثل هذه النقاشاتP إذ كان موقفي حتى الآن أن "الأخلاق" أأصل من "الأديان"، لكني أومن بكون الإنسان كائنا روحيا و بهذا فالإيمان عنصر في كينونته.


في رأيي كذلك أن أسئلة فادي مهمة جدا: حول اللاطائفة و حول قوانين الأحوال الشخصية.
و أظن أن موازين الأمور ستتغير عندما تتجه أعداد من المسلمين وراثيا لطلب "الشَّرطة/أخرى". سواء لأنهم أصبحوا يرون ذواتهم خارج الإسلام، أو لأن لهم عقيدة مختلفة عن عموم المسلمين في مجتمعهم و لا يتماهون معهم، أو ببساطة لأنهم يرفضون تدخل الدولة في تلك التفصيلة في حياتهم، حتى إن كانوا مسلمين على ما هو شائع في مجتمعهم.

الأحوال الشخصية هي العقدة الرئيسية، لكنها غالبا محلولة بما أن أغلب البلاد الإسلامية، بما فيها التي تدعي تطبيق الشريعة مثل السعودية ليس بها خانة ديانة. و عندي أن تطبيق الأحكام الإسلامية في المواريث و الزواج مقبول، و هو ما يجري حاليا في حال اختلاف ديانات المتقاشين حتى لو لم يكن أي منهم مسلما. و أظن أن الاستدلال في مثل تلك الحالة تاريخيا يكون بسؤال القاضي الشرعي المتقاضينَ عن دياناتهم. طالما كان الشخص يعلم مقدما القانون الذي سيحتكم إليه فلا مشكلة (إلا قانون الإرهاب و ما شابه يعني :).

لكن استحداث قانون مدني للأحوال الشخصية لا تكون الشريعة الإسلامية عنصرا صريحا فيه، و لا مانع أن تشكل جوهره و البنية التي يقوم عليها، هو كذلك أمر مطلوب في رأيي. شريطة أن لا يعود خاضعا لقواعد الاستدلال الفقهي بشكل مباشر في تطوره، لما يستتبعه ذلك من إحالة حتمية إلى النص المقدس، بل يمكن أن تكون تلك "الروح" هي ما يستند إليه المشرعون أو المطالبون بتعديل التشريعات من خلال القنوات الديموقراطية، و بما يتلافى الصدامات مع "اللانهاية و ما بعدها".

عمرو عزت said...

عذرا لتأخر الرد

أحمد :
أهلا بك دائما
و لا حرج من النقاش أبدا

لم أعقد شيئا , التعقيد سمة هذا الموضوع .
مثلا , أنت قلت " قيامي بقتل مخلوق غير واعي .. "
و أعتقد أن التعقيد الكامن هنا يظهر لو لم نتجاهل التساؤل حول العلاقة بين الوعي و بين احترام الحق في الحياة .
أولا : لماذا يكون " الوعي " معيارا ؟
أو كيف يمكن أن يكون شيء معيار أصلا ؟ و هو سؤال فلسفة الأخلاق المعلق دائما , باستثناء الاعتراف بأن ما يمكن أن نتفق عليه هي أخلاق عملية لا تتسم بوثوق أو إطلاقية .
ثانيا : يمكن أن نستبدل الوعي بمفهوم " التواصل " , نحن لا نستطيع التواصل مع كائنات معينة فنحكم عليها بعدم الوعي . لو أن كائنا آخر تملك أمرنا و لم يستطع التواصل معنا , و اعتقد أنه يفكر بشكل أرقى منا و أحكم منا , سنكون في نظره مثل الحيوانات . و سيكون قتله لنا من أجل غاية ما لديه أمرا مشروعا , أليس كذلك ؟
ربما لا تكون هذه صورة قريبة من العلاقة بين إله و مخلوق و لكن يمكن أن تكون مؤشرا يقربنا من طبيعة العلاقة و إشكالياتها .
ثالثا : لا يمكن أن نتجاهل في نقاش من هذا النوع , أن العلاقة بين صانع و مصنوعاته أمر مختلف و معقد جدا , عن العلاقة بين كائنين يلتقيان وجها لوجه و يريدان تحديد علاقة ما بينهما .
كل احتجاج على الدين من منظور أخلاقي يجب أن يسائل نفسه , من أين تستمد أخلاقه تلك الوثوق التي يمكننا من خلالها أن نحاكم إلها مطلق الإرادة و القدرة , بحسب النموذج الديني .
لماذا يمكن ان نحتج على الدين بقيمة " المساواة " , التفكير الأكثر جذرية إما أن يقول أني أريد ذلك , أريد المساواة و لا أريد هذا الدين الذي لا يوفرها .
و لكن التفكير الذي يناقش الدين كدعوى و كتفسير مفترض للكون يتجاوز فكرة الإرادة و التفضيل الشخصي إلى مناقشة فكرة مفترضة تمثل حقيقة للوجود .
هنا نحن أمام "نيتشة" , المساواة ليست حقيقة , و إنما أخلاق , و هي إرادة الضعفاء أمام إرادة التميز لدي الأقوياء . و ما الأخلاق و لماذا و هل يمكن للإنسان أن يضعها وضعا ثم يؤمن بها ,و هل توجد أخلاق أفضل أم أنها إرادات مختلفة . هذه أسئلة ضرورية لا تنفصل عن تعقيد موضوع الدين و الأخلاق .
من هذه الوجهة, الخطاب الديني - حتى التقليدي منه - متسق جدا , فالله عادل , وفق العدالة التي يحددها , لا تلك التي نحددها نحن و نسائله وفقها , بأي حق نسائله و بأي معيار , و الله مطلق الإرادة في صنعه , و ذلك بالتبعية ليس ظلما لأنه هو العدل و هو محدد العدل .
و لكن من جهة أخرى هناك تفسير ديني مختلف : لا أعتقد أن الله يعذب من لا يحترمه , الإله العالم بالنيات لن يعذب إنسانا يعلم نيته الصادقة في طلب الحقيقة و نبذ الباطل , و إن أخطأ و ظن الله باطلا . الله ليس أتباعه محدودي النظر الذين ليس لهم إلا الظاهر . هذا بخلاف أن هناك تفسيرات مختلفة للنعيم و العذاب جديرة بالنظر في التراث الديني .

عمرو عزت said...

ألف
فيما يتعلق بمشكلة تأسيس أخلاق بدون إيمان ما , فمعظم نقاشي مع أحمد هنا هو في هذا الاتجاه .
المشكلة هي عينها ما أسهم به نيتشة في تاريخ الفلسفة, تفكيك فكرة "الأخلاق" و إطلاقيتها .
ما تبقى من الأخلاق هي إرادات لا وجاهة لواحدة منها في مقابل الآخرين . أما " الأخلاق " بمعني وجاهة فكرة و سلوك على غيره , فهو يحتاج لقيمة أو مرجع ثابت ,و كيف يمكن بدون " إيمان " ما أن تكون هناك قيمة أو مرجع ثابتين ؟
أعني في كلامي بالدين ما يمكن أن يجمع الإيمان في إطلاقه و الدين المنظم .

Anonymous said...

"
و لكن من جهة أخرى هناك تفسير ديني مختلف : لا أعتقد أن الله يعذب من لا يحترمه , الإله العالم بالنيات لن يعذب إنسانا يعلم نيته الصادقة في طلب الحقيقة و نبذ الباطل , و إن أخطأ و ظن الله باطلا . الله ليس أتباعه محدودي النظر الذين ليس لهم إلا الظاهر
"

فقرة رائعة، لو كان هذا هو الفكر
الديني السائد لدى الناس لقبلت الدين من الناحية الروحية على الأقل

أنا مهتم جدا بمعرفة تلك التفسيرات للنعيم و العذاب التي تحدثت عنها ، و لو هناك اي مقالات عنها فارجو ان تخبرني اين اجدها

لقد استوعبت منطقك المبني على وجود الايمان في الأساس ، اعتقد انه متى وجد الايمان سهل تقبل منطق الدين،يمكنني القول انه لا يمكن مهاجمة الدين اخلاقيا بالمرة طالما سلمنا بصحة هذا الدين،و لهذا فالطريق الأصح اذا اردنا نقد الدين هو مهاجمة الايمان ذاته، يبقى لي تحفظ واحد حول لم نضع الاخلاق ثم نؤمن بها و حول ضرورة وجود مرجعية ما لأي شئ أصلا، سأحاول العودة لنقاش تلك النقطة لاحقا

شكرا يا عمرو

أحمد