... و لأنه لابد لي أن أعود إلي البيت, فكان التشبث بوضعي الطبقي الدقيق حلا .. بدلا من "امبابة " أهتف " أرض الجمعية " . بل لا أهتف مطلقا و أحاول ألا أنحني و لا أتحرك من مكاني, و إذا لم يهديء السائق من سرعته بشكل مرضِ أتجاهله – ذلك يجعلهم يرجعون أحيانا – و إذا توقف بعيدا لا أذهب إليه .
بالإضافة للمظهر العام و الحقيبة و ملامح الخارجين لتوهم من عمل ذهني مرهق , فذلك يرسم لديهم مع " أرض الجمعية " صورة البرجوازي ساكن ذلك المربع الصغير المهذب المنزوي بين غابتين من العشوائيات - بين امبابة القديمة " المنيرة " و بين الوراق – و له طريقه الخاص من النيل , بعيدا عن الغابات , ليصل إلي شوارعه المتوازية المتعامدة المعبدة معقولة الأبعاد, التي نجت بفضل تخطيط " الجمعية " من عشوائية بناء الفقراء. لتصبح سكن الإمبابيين الجدد أبناء ثورة يوليو الذين لا يمكن أن تناقشهم بشأن " عبد الناصر " . الذي لولاه لم يكونوا ليقتنوا هذه الشقق الآدمية في هذه الشوارع المعقولة, و لا كان يمكنهم أن يكون لديهم تلك السيارات العادية التي لا يمكنها دخول بعض طرقات إمبابة فيضطرون لتركها علي حافتها, ليقضوا العطلات في الحارات, و يفرح الأجداد بأبنائهم الأطباء و المهندسين و المدرسين, و أحفادهم الذين في المدارس الخاصة .
في الغالب سيذكرني السائق الذي سأحظي بمعيته بكل ذلك, عندما يؤكد أنه لا يذهب مطلقا لامبابة إلا لأرض الجمعية . و إذا كان خبيرا سيذكرني أنهم تأخروا في إصلاح أسفلت بعض شوارعها ,و ربما تصبح مثل بقية امبابة و لن يدخلها بعد ذلك .
أسأله وقتها أين يسكن . واحد يسكت , و آخرون يقولون أنه في غياب سياراتهم يركبون الأتوبيس لأن السائقين زملائهم من حقهم " الاسترزاق " من زبائن مرتاحين في شوارع جيدة ترحم سياراتهم التي لم ينتهوا من أقساطها بعد .. و المعيشة صعبة.. مصاريف العيال و الدروس الخصوصية, والشائعة تملأ البلد بأن الجامعات كلها ستصبح مصاريفها مثل الجامعة الأمريكية, و ساعتها لن يترك لأبنائه إلا رخصة التاكسي ليصبحوا سائقي تاكسي أولاد سائق تاكسي " و ماله مش عيب, صحيح الواحد نفسه يشوف أولاده أحسن , لكن العيب علي اللي هايدخلوا ولادهم الجامعات دي من حرام , و حد الله ما بيني و بين الحرام .. بس لو مش هاندخّلهم مدارس و لا جامعة ,مش عيب علشان نأكلهم ندوّر علي القرش مع الزبائن القادرة" .
واحد مرة قال مثل ذلك تقريبا ثم أضاف : " أما بالنسبة لمعنى سؤالك يا بيه .. فأنا فاهم قصدك . أنا ساكن في دار السلام ...طبعا عارفها .. علشان كده وعزة الله , لو لقيت أمي واقفة في عز الظهر ما هاروّحها .. هاها ... ده أنا بيصعب عليّ آخر النهار إني باروّح نفسي و أدخل بالعربية المناطق دي ! .. نازل فين بالضبط في أرض الجمعية سعادتك ؟ ".
9 comments:
"أنا ساكن في دار السلام ...طبعا عارفها .. علشان كده وعزة الله , لو لقيت أمي واقفة في عز الظهر ما هاروّحها .. هاها ... ده أنا بيصعب عليّ آخر النهار إني باروّح نفسي و أدخل بالعربية المناطق دي ! "
الراجل ده راجل دكر صحيح
يتسحق الجنسية و ربنا
لم أزر "امبابة" إلا من أطرافها أو تخومها الجنوبية!
لقمة العيش في هذا البلد أصبحت العصا الغليظة التي تخيف الكثيرين في أغلب الأحيان، وتقصم ظهورهم في بعضها!!
أتابعك باستمرار
(ملحوظة) أردت أن أدلي بدلوي في النقاش الذي احتدم حول فكرة حد الردّة في الإسلام في تدوينة سابقة، لكن وجدت أن الغث زاد عن السمين. إن كنت لازلت مهتماً، أحيلك إلى كتاب للدكتور أحمد صبحي منصور بعنوان "حد الردة".
يا محمود
لا أدري أكان هذا إرهابا لي أم مجازا عن كراهيته للمناطق الشعبية , و بالتالي لنفسه و لأمه و اللي جابوه
أم أنه " الاغتراب " الذي تحدث عنه ماركس.
شكله كده ماركس
علاء الدين
التخوم الجنوبية هي مناطق ملتبسة الهوية تراوح بين امبابة و المهندسين
أهلا بك في عمق امبابة و ضواحيها الشمالية
سعيد بمتابعتك
هل تعرف نسخة كاملة من كتاب أحمد صبحي منصور علي الانترنت؟
لا يا عمرو
هو مش بيقصد كراهيته للاماكن دي
ف الغالب بيعمل شو علي سعادتك عشان لما تيجي تدفع متزرجنش بل بالعكس عاوزك لما تيجي تدفع ازيد ما انت متعود تبقي مكسوف ووشك ف الارض ان مهما دفعت هو يستحق اكتر لانه اتكرم عليك ووداك الاماكن دي اللي محدش بيدخلها .. أسألني انا..ههههههه (هعمل ام العرف) طبعا انا مبيهمنيش عارفة التسعيرة كويس بما ان لي جيران سواقين تاكسي بديه التسعيرة وهو حر مع نفسه و أن كان احيانا بيركب دماغي الهطل الاشتراكي بتاع صديق ليا وادفع زيادة
بس نصيحة لو تركب تاكسي اوعي تركب مع صديق يساري لانه بيشحتف قلبي ع سواقين التاكسي رغم انى مش مفترية
:)
تحياتي
والله ان رأى انك تشتغل سواق تاكس او تشترى محموعة تكسيات وتشغلها
90 فى المائة من الشعب ساكن فى العشوائيات والمناطق الشعبية ولا البلد كلها تروح تسكن فى المهندسن والزمالك احنا حنضحك على بعض ولا ايه
دا عشان الناس اللى بتكسف تقول انها ساكنة فى اى حى شعبى
زنزانة
أيوه صحيح , هذه الحركات لتقوية موقفه التفاوضي وقت الجد
و لكن مشواري اليومي ذهابا و إيابا حددت له تسعيرة ما , لكن المشكلة في التسعيرة
عندما ينكر الطرف الاخر فهو يدعي وجود تسعيرة أخري - عرف آخر - بينما أتمسك أنا بتسعيرتي التي أعرفها
هنا يكمن الصراع
الأخ اه يا دماغي
يا سلام , لو عندي فعلا مجموعة تاكسيات
علي الأقل أخلي واحد يوصلني من غير وجع قلب و قلبة دماغ
"بل لا أهتف مطلقا و أحاول ألا أنحني و لا أتحرك من مكاني, و إذا لم يهديء السائق من سرعته بشكل مرضِ أتجاهله"
هو دا النظام و حي على النضال ضد التاكسجية ال بينقوا الزباين و المشاوير.
أفكر في توسيع نشاط تجمع الخامس من كانون الأول ليشمل النضال ضد جليطة سائقي التاكسي
Post a Comment