27 January 2012

لماذا يجب أن "يسقط حكم العسكر" وليس مجرد "تسليم سلطة"



حكي لي صديق، ستعرف حالا لماذا لا يمكنني أن أقول اسمه، عن والده صاحب الرتبة الكبيرة سابقا في جهاز أمن الدولة المنحل، وكيف أنه كان قبل انطلاق الثورة دائم الانتقاد للمؤسسة العسكرية ومميزات العاملين بها بينما وزارة الداخلية هي التي تتحمل العبء الأكبر في «الحفاظ على البلد».

هناك طريقتان للحفاظ على البلد: الحفاظ على حرمة حياة وكرامة وحرية كل فرد فيها، ومن أجل ذلك تكون الحدود والمؤسسات والمنشآت ويكون المسؤولون الذين يعملون ثم يحاسبون، لكني أظن أن «الحفاظ على البلد» عندنا عادة ما يعبر عن طريقة ثانية: حماية الحدود والمنشآت وهياكل المؤسسات وهيبة القيادات وما يرونه المصلحة العامة للناس ولو تطلب ذلك التضحية بحياة أو كرامة أو حرية الكثير منهم، في النهاية، واضح أنهم العنصر الأكثر توافراً وتجدداً ومصر، تحديدا، ولادة!

أعتقد أن كل المؤسسات ذات الطبيعة العسكرية تميل تلقائيا للطريقة الثانية إن لم تكن تحت ضغط معايير قوة فوقها ترشدها وتقوّمها، ولذلك أعتقد أن الشرطة والجيش في مصر يشتركان في ميلهما في أغلب الأوقات للطريقة الثانية في «الحفاظ على البلد».

وقائع فض الاحتجاجات والاعتقال والتعذيب مع الشرطة قبل الثورة ومع الجيش بعدها تثبت ذلك. بالإضافة لأحوال الأفراد في قاع الهرم داخل المؤسستين وما يعانونه.

بعض التوتر المكتوم بين العاملين في المؤسستين قبل الثورة ليس إلا نزاعا على المميزات والصلاحيات التي يتلقاها كل منهم بناء على جهده في حماية البلد وفق نفس الطريقة والفلسفة وليس لاختلاف حقيقي.
قبل انطلاق الثورة كان يمكن لي أن ألتقط من هنا وهناك ومن أفواه ضباط جيش سخطهم من النفوذ المتصاعد لضباط الداخلية وامتيازات الداخلية التي بدأت في التصاعد في مقابلهم.

في الفترة الماضية كان الدور السياسي للجهاز الأمني في مصر هو الأهم فعلا في «الحفاظ على البلد» في الفترة الماضية بعد أن قامت السياسة الخارجية المصرية بركوع استراتيجي واستتب الأمر.

شعور ضباط الجيش في السنوات السابقة على الثورة بالقلق من التوريث وما يعلنوه حاليا من ذلك، كان مؤشرا على أن كثير من الخطوات الأخيرة لنظام مبارك التي تولاها المحروس ولده كانت ضدهم، ليس لأن العسكر قلقون ويريدون أن يحافظوا على البلد بالطريقة الأولى، لكن لأنهم قلقون عليها بالطريقة الثانية، على «الأمن القومي»، وأيضا لأن جمال مبارك كان يقود محاولة لتجاوز تسلط «حكم العسكر» من أجل منظومة حكم تسلطية يشيّد أركانها كومة من التكنوقراط ويموّلها كومة من الرأسماليين يقبلون مساحة الحرية الاقتصادية مع أكوام الفساد في ظل ديمقراطية شكلية ونظام أمني قمعي يتولى _ بدلا من العسكر_ الحفاظ على البلد بالطريقة الثانية.

من «حركة الجيش المباركة» في 1952التي أرست الدولة المصرية التسلطية التي يحميها الجيش ويقودها قائده الأعلى، إلى حركة «العبور إلى المستقبل» في بداية الألفية مع أبناء مبارك في حراسة أمن الدولة، كانت مسيرة خراب البلد تحت شعار «الحفاظ على البلد»،

تفاصيل فساد الحركة الأخيرة وتسلطها كان من الصعب ألا يمر عبر الإعلام في ظل ادعاءات عن ديمقراطية وحريات، أما الحركة الأولى، وفي قلبها المؤسسة العسكرية، كانت حتى وقت قريب خارج المحاسبة وفوق الانتقاد.

يعرف كل العاملين بالصحافة كيف كانت المؤسسة العسكرية قبل انطلاق الثورة التابو الأكبر الذي لا يمكن المساس به أو ذكر شيء عنه إلا بإذنه.وما زالت مؤسسات صحفية مدنسة بهذا التقليد.

كان يمكنك أن تستمع إلى حكايات وحكايات ممن خدموا في الجيش عن سلبيات «مصنع الرجال».

والآن يمكن أن تستمتع وتقرأ حكايات عن فساد بعض قيادات الجيش المسيطر على جزء معتبراً من الاقتصاد المصري. يمكن أيضا أن تستمتع إلى أضعاف ذلك مما يشتهي خيالك من الحكايات،
ليس لأن هناك مؤسسة شيطانية، مبارك أيضا لم يكن شيطانا، لكن الجيش مؤسسة كأي مؤسسة بشرية يمكن أن تفسد وتحتاج للمراقبة والمحاسبة ومن يجعل نفسه فوق المحاسبة عليه أن يتحمل كل ما لا يمكننا توثيقه عن فساده أو استقامته، خاصة أن ظهر في خطاب قيادات هذه المؤسسة وسلوكها وسلوك بعض أفرادها أنها تتبع في الغالب الطريقة الثانية في «الحفاظ على البلد».
انطلاقة الثورة بدأت في حفر قبر هذه الطريقة، فكسرت جهاز الشرطة وتسعى لهيكلة وزارة الداخلية.
وإذا كان من الصعب أن تستمع إلى انتقادات ضد الجيش قبل شهور، رغم أنها كانت حاضرة في كثير من الحوارات الجانبية ومقالات قليلة مثل ما كتبه مايكل نبيل وتسبب في سجنه، فإن الهتافات بسقوط حكم العسكر وضرورة محاكمتهم التي دوت أمس في مسيرات الشوارع وحشود الميادين تعلن أن 25 يناير الجديد ليس ذكرى ثورة بل محطة على طريق ثورة مستمرة تريد إنهاء مسخرة الحفاظ على البلد بالطريقة الثانية.
شخصيا لا أشك أن العسكر سوف يفسحون الطريق لانتخاب رئيس مثلما أفسحوا الطريق لانتخاب برلمان، وسيعلنون أنهم قد سلموا السلطة، لكن الضغط لتسليم السلطة فورا والهتاف بسقوط المجلس العسكري ليس نفاد صبر أو رغبة في الصدام، بل هدفه أن تستلم المؤسسات المدنية السلطة تحت ضغط ثوري بشروط ثورية تبدأ فعلا ديمقراطية حقيقية يمكنها أن تحافظ على البلد بالطريقة الأولى، وأن تتولى مراقبة ومحاسبة وتطهير المؤسسة العسكرية، لا أن يتم التسليم بشروط المؤسسة العسكرية وترتيبها، لأنها ستحاول الإبقاء على سلطاتها الكثيرة وامتيازاتها وحصاناتها في قلب الدولة المصرية بدعوى «الحفاظ على البلد» بالطريقة الثانية.
أقول قولي هذا وأذكركم ونفسي أن والد صديقي الضابط السابق في أمن الدولة، قد أدهش صديقي منذ انطلاق الثورة بدفاعه الحار عن المجلس العسكري والجيش وحقهم في إدارة البلد في هذه المرحلة الصعبة رغم انتقاداته السابقة للمؤسسة العسكرية. إنه الانحياز والحنين إلى نفس الطريقة في «الحفاظ على البلد»!
قديمة يا أفندم منك له! خربتم البلد ستين عاما عاشت مصر فيهم مع تشكيلة متنوعة من حكم العسكر والضباط ووصايتهم. كفاية!


نشر في موقع "المصري اليوم" 26 يناير 2012
الصورة من الاعتصام عند ماسبيرو مساء 26 يناير 2012

1 comment:

Anonymous said...

ثقافة الهزيمة .. عصابة البقرة الضاحكة 6‏

و فى حوار مع القيادى الأخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام 1957 و نشرته جريدة المصرى اليوم فى 23 إبريل 2011 جاء فيه وما صحة ما نشرته بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟ - حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال أنه بعد أندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة 1000 - 1500 متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب أصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو 4000 دولار، ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.

الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم أستخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية.

و تحت عنوان " لواء شرطة : مبارك كان يتسلى بالشرائط الجنسية للفنانات" ...باقى المقال فى الرابط التالى

www.ouregypt.us

و المقال به معلومات هامة عن عمر سليمان.