28 October 2010

أنا ومنتصر وسارتر وتامر حسني



في مقالات هذا الكتاب يصر أحمد منتصر على الخلط بين البنيوية والتفكيكية وأشياء أخرى ويرفض نصيحتي بمراجعة ذلك، ولكن ذلك ليس مهما.

الأهم أن هناك تفاهم كبير مضمر بيني وبين منتصر، ولذلك أكتب هذه المقدمة. التفاهم لا علاقة له بالاتفاق أو بالاختلاف مع ما يكتبه ولكن بـ"كيف يفكر أحمد منتصر؟". لا أقصد الكيفية التي يفكر بها فعلا، ولكن اختياره لعبارة "كيف يفكر أحمد منتصر؟" كعنوان لسلسة كتاباته في صفحته على الفيس بوك التي كانت المسودات الأولى لمعظم مقالات هذا الكتاب.

مصدر التفاهم، المتوهم من جانبي على الأقل، تلك الروح التي تطل من خلف العبارة تعلن الاعتزاز الشديد والمفرط أحيانا بالذات وما تعبر عنه، مع بعض السخرية منها استباقا لأي سخرية مضادة وتبسطا مع الذوات الأخرى التي من حقها أن تعتز بنفسها أيضا وأن تعبر عن ذلك.

الكثير من الفلاسفة الكبار كانوا سيخجلون من اختيار عنوان لهذا. فضلا عن أن معظم دارسي الفلسفة ومدرسيها يفنون أعمارهم يحققون في أفكار الآخرين: "كيف يفكر أفلاطون؟" مثلا. وذلك سؤال- وغلاوتك عزيزي القاريء- إجابته قد تكون صعبة على أفلاطون نفسه. والنتيجة الطبيعية أن معظم المتفلسفين يظلون حتى نهاية تلك الأعمار الفانية بدون أن يعرفوا حقا وبدقة كيف فكر أفلاطون، وبالتالي يخجلون من إطلاعنا على أفكارهم هم، إن كانوا قد جرءوا على ذلك ولم يحبطهم أنهم لم يفهموا جيدا أفكار ناظر مدرستهم القديمة.

أعتقد أن هناك فارق رئيسي بين من نعدهم فلاسفة وبين من نعتبرهم مجرد دارسين ومدرسين للفلسفة، يتمثل في الجرأة على قول "أنا أقول لكم كذا". وجاهة الـ"كذا" أو عدمها موضوع آخر.

أنا ومنتصر متفاهمان بخصوص تلك الجرأة. فلا منتصر يخجل من أن يخوض في هذا الكتاب في محاولات تنظير بلغة مستهترة أحيانا بتراث التنظير قبله ولغته واصطلاحاته، ولا أنا أخجل من أن أكتب مقدمة لذلك، بل إن آخرين أيضا لم يخجلوا وكتبوا مقدمات مجاورة لنفس الكتاب.

لا داعي للخجل على الإطلاق، فأولا: الزمن وحده كفيل بإطلاعكم على الأهمية البالغة لواحد منا على الأقل. ثانيا: أن الكتب ليست تقديسا لبعض الكلام ورفعه درجة فوق باقي الكلام غير المنشور في كتب، ولا المقدمات هي الغلاف المحلّى بماء الذهب الذي يتصدر أوراق الكتاب، ولذلك فإن كلانا ليس بحاجة أصلا لتلك الأهمية.

أما ثالثا: بخصوص الجرأة على التنظير، فالأمر ببساطة يعبر عنه جان بول سارتر الذي أعتقد أن تفاهما مضمرا آخر بيني وبينه كان سببا في محبتي المفرطة له. يقول سارتر في أحد حواراته: "نحن نعرف أنفسنا قليلا جدا، ما زلنا لا ننفتح على بعضنا البعض بشكل كامل ... بينما حقيقة الكتابة أن تقول : أنا أمسك بالقلم، اسمي سارتر، هذا ما أفكر به".

لا أعتقد أني أكن تقديرا كبيرا لهؤلاء الكتاب الذين يكتبون مشيرين إلى البعيد محاولين أن يمنحوني معرفة "موضوعية" بالعالم والإنسانية. أنا أقدر أكثر الكاتب، أو أي مؤلف ومبدع، عندما أشعر أنه يشير إلى نفسه لأنه سيحاول أن يمنحني معرفة أعمق بذاتيته، يكشف لي بوضوح أكثر عن نفسه، عندما أشعر أنه يقول ببساطة: أنا اسمي سارتر – أو تامر حسني - وهذا ما أفكر به. عندما يحاول أن يفسح قليلا، أو يقترب كثيرا، لأشاركه رؤية العالم والإنسانية من منظور موقفه الوجودي المتفرد.

آه! بخصوص الوجودية والتفكيكية والبنيوية والبراجماتية والماركسية والمثالية والمادية، وكل ذلك الكلام الكبير الذين يتحدث عنه منتصر هنا وهناك في مقالاته. فأنا أنصح القاريء أن يعود إلى كتابات رموزها إن كان لديه وقت ويريد أن يعرف ماذا كانوا يقصدون حقا بهذه المصطلحات. ولكن إن كان القاريء غير مهتم ويريد فقط أن يعرف كيف يفكر أحمد منتصر، لأنه يشاركنا - أنا وسارتر وتامر حسني - تقديره لهذا النوع من التعبير الوجودي، فسيعرف من خلال هذا الكتاب.أنا أقدر في منتصر صراحته وجرأته وطريقة تعبيره "الحقيقية" وفق ما يقوله سارتر عن "حقيقة الكتابة". انظر كيف يحدثنا منتصر عن طريقة خداعه لنا وعن تفاصيل مؤامراته البراجماتية خلف قناعاته المعلنة، رغم أن الإفصاح عن ذلك ليس براجماتيا أبدا. كيف يمكن أن أكون ممتنا أكثر يا منتصر؟

مممم .. كنت سأكون ممتنا أكثر لمنتصر لو أنه لم يعد صياغة كتاباته الأكثر عفوية التي نشرها على الفيس بوك في قالب المقال الأكثر تقليدية. وأنا نصحته بالرجوع عن ذلك ولكنه لم يسمع نصيحتي.


مقدمة كتبتها قبل أسابيع لكتاب أحمد منتصر "ربنا يهديك" الذي صدر قبل أيام

No comments: