بلا تردد فكرت في عم علي عندما طلب مني صديقي السكندري أن أساعده في البحث عن شقة في أرض الجمعية. قبل أربع سنوات وبعد بحث مضن في كافة أنحاء القاهرة أتاني عم علي بالشقة التي ناسبتني تماما ولا تزال. سألت أبي عن عم علي السمسار فأعطاني رقمه وقال أنه بواب العمارة التي يسكن فيها صديقه اللواء.
لا زلت أذكر لواء أمن الدولة الدمث الهاديء وشقته الواسعة وزوجته اللطيفة وابنته الذكية ذات العينين لامعتي السواد والابن ذا الشعر الفاتح. رقم عم علي خارج الخدمة. مررت على العمارة قبيل منتصف الليل، وأنا أقترب حاولت أن أخمن في أي طابق كانت شقة اللواء، ربما كانت في الدور الأول حيث توجد البلوزة الزهرية التي ربما تخص البنت والفستان الرمادي الذي يناسب الأم. دخلت إلى حوش المنزل وكان باب حجرة البواب مفتوحا وعندما اقتربت رأتني المرأة وقامت وهي تقول: "أيوه". سألتها عن عم علي فقالت وهي تعدل طرحتها وتخرج من الحجرة: "مش هنا والله". سألتها إن كان في مكان قريب فقالت وهي تشيح بوجهها وتستعد لدخول الحجرة مرة أخرى: "ولا أعرف".
لم تسمعني أشكرها فخرجت وأنا أفكر أن ردها يشي بحزن وعتاب، وتجاهلها يخفي غضب مكتوم. قد تكون غاضبة من غياب زوجها هذه الساعة وتركها وحيدة ترد على الأغراب.
وأنا خارج حاولت أن أتذكر مرة أخرى مكان شقة اللواء، فتذكرت مشهدا في شقتهم عالقا بذاكرتي. عيد ميلاد البنت أو الولد، ربما كنت في العاشرة أو أصغر قليلا، كل الأولاد وقفوا في صف واحد لكي يمثلوا "قطارا" عندما بدأت أغنية "توت توت" لعبد المنعم مدبولي. إلا أنا، لم أتحرك رغم إلحاحهم. قام معهم كهل أعتقد أنه زميل اللواء، قد يكون عميدا أو عقيدا مثله آنذاك، ويبدو أنه شعر بالإهانة من اشتراكه معهم بينما أنا جالس أتفرج. تركهم وجلس بجانبي وأصر على أن يعرف لماذا لم أقم معهم لنلعب لعبة القطار. لم أعرف كيف أرد عليه ولكني هززت كتفي وصمتت. جاءت زوجة اللواء اللطيفة وقالت له: "ما تسيبه بمزاجه"، وأعطتني قطعة جاتوه معظمها شيكولاته. ابتسمت وقلت بخجل أني لا أحب الشيكولاته وأفضل الكريمة. ضحكت وقبلتني وهي تقول: "أمرك يا سيدي!" وذهبت لتغيّرها بينما استمر الرجل السمج في مجادلتي قائلا: إنت بتحب تبقى "خالف تعرف"؟ نظرت إليه ولم أعرف حقا كيف أرد عليه ولماذا فهززت كتفي مرة أخرى وكدت أقوم لأنضم إلى القطار هربا منه.
وأنا خارج حاولت أن أتذكر مرة أخرى مكان شقة اللواء، فتذكرت مشهدا في شقتهم عالقا بذاكرتي. عيد ميلاد البنت أو الولد، ربما كنت في العاشرة أو أصغر قليلا، كل الأولاد وقفوا في صف واحد لكي يمثلوا "قطارا" عندما بدأت أغنية "توت توت" لعبد المنعم مدبولي. إلا أنا، لم أتحرك رغم إلحاحهم. قام معهم كهل أعتقد أنه زميل اللواء، قد يكون عميدا أو عقيدا مثله آنذاك، ويبدو أنه شعر بالإهانة من اشتراكه معهم بينما أنا جالس أتفرج. تركهم وجلس بجانبي وأصر على أن يعرف لماذا لم أقم معهم لنلعب لعبة القطار. لم أعرف كيف أرد عليه ولكني هززت كتفي وصمتت. جاءت زوجة اللواء اللطيفة وقالت له: "ما تسيبه بمزاجه"، وأعطتني قطعة جاتوه معظمها شيكولاته. ابتسمت وقلت بخجل أني لا أحب الشيكولاته وأفضل الكريمة. ضحكت وقبلتني وهي تقول: "أمرك يا سيدي!" وذهبت لتغيّرها بينما استمر الرجل السمج في مجادلتي قائلا: إنت بتحب تبقى "خالف تعرف"؟ نظرت إليه ولم أعرف حقا كيف أرد عليه ولماذا فهززت كتفي مرة أخرى وكدت أقوم لأنضم إلى القطار هربا منه.
في وقت متأخر من اليوم التالي ذهبت مرة أخرى ودخلت حوش العمارة. رأتني زوجة عم علي فقامت. سألتها عنه فقالت: "لا والله يا أستاذ مش هنا". قلت أني أريده لأني أبحث عن شقة. فقالت: "ما أعرفش والله". خرجت بنت صغيرة من الحجرة فضربتها وهي تعيدها إلى الداخل: "خشي يا بنت الكلب!" قلت لها:" طيب تليفونه معايا بس مش بيرد". ردت: "أنا ولا أعرف تليفونه خالص!" شكرتها ومشيت. وفكرت أنها غاضبة منه جدا، ربما يكون قد تزوج بأخرى أو يخونها أو يضربها أو بينهما خلاف كبير يدعوه لهجرها بهذا الشكل.
وأنا خارج كانت فتاة طويلة شقراء تدخل العمارة وهي تضع مفاتيح سيارتها في حقيبتها. لا تبدو شبيهة بالبنت التي أعتقد أنها كانت قصيرة وشعرها فاحم السواد. تذكرت أنها كانت متفوقة وأنها حصلت على منحة لدراسة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية وأن أخاها دخل كلية الهندسة، ربما كان اسمه أحمد أو محمد ولكن كنا نقول له ميشو. وظل هو لفترة طويلة يقول لكل من يناديه بذلك: "أنا مش ميشو. أحمد لو سمحت". أو محمد، لا أذكر. أذكر مشاهد ضعيفة الإضاءة في حديقة شاليه في الإسماعيلية، أذكر جيدا الضحكة الصاخبة للبنت، وصورة لي مع أبي أظنها من هذه الإجازة، يجلس هو على كرسي ويضع رجلا على رجل وأنا أستند إلى كرسيه وكأني أضع رجلا لى رجل وأنا واقف.
ذهبت إلى بيت أبي وسألته إن كان معه رقم آخر لعم علي وسألته عن أخبار أسرة اللواء. لم يكن هناك رقم آخر وبدأ يحكي لي أن البنت تخرجت وتعمل في بنك في دبي وأن ميشو - هكذا قال - يعمل مهندسا ولا يزال يسكن مع أبيه اللواء الذي تقاعد في مدينة نصر بعد أن تركوا شقة أرض الجمعية. ثم أضاف أني بالتأكيد أذكر إصابة الزوجة بالسرطان ووفاتها بسرعة، وأن ذلك حدث من فترة طويلة.
تذكرت أني زرت زوجته وهي مريضة مرة مع أمي، ونحن عائدين بكت أمي بكاء حارا ففكرت أنها تحبها كثيرا رغم أنهما لا يتزاوران عادة، ولم أفهم إلا عند وفاتها بعد ذلك بقليل. حاولت أن أتذكر ملامح ابنتها وابنها وهما أكبر سنا فلم أجد في ذاكرتي إلا صورا طفولية. فكرت أني لم ألحظ أبدا وجود بواب في عمارتهم، ثم تذكرت أني لم أر عم علي أبدا وأن أبي هو الذي قابله وقتها وأني أتخيله يشبه نجاح الموجي.
وأنا أقترب من العمارة في اليوم التالي في وقت متأخر أيضا انقبض قلبي وكأني رأيت وجه الزوجة في شرفة. ليست هي.
وجدت المرأة تكنس الحوش. سلمت عليها فردت بود. فكرت أنها أحسن مزاجا الليلة وأن عم علي قد عاد أو انصلحت الأمور. سألتها فسألتني: "هو مش إنت اللي جيت قبل كده يا أستاذ وسألت عليه؟". أجبتها فردت: "ما أنا قلت لك إن عم علي مشي من العمارة دي من شهور. ومش عارفين راح فين. وإحنا جينا بداله".
اللوحة لهبة خليفة
اللوحة لهبة خليفة
7 comments:
روعة ... مش لاقية تعليق تانى أقوله ...!!!!
عجبنى اسلوبك فى السرد
بالتوفيق دائما
--------
ممكن تشيل تأكيد الكلمة حين ارسال التعليق
آخر أيام الخريف
موناليزا
شكرا لكما
غيرت الإعدادت وأوقفت كلمة التأكيد
I have to say I'm speechless, and you know why
you have a homework
http://sebamboot.blogspot.com/2010/06/blog-post.html
حصرياً للبنات و الستات بالذات تابعوا مدونتي الجديدية عن الطبيخ لوصفات الأكل اللذيذة و الاستثنائية
تسلم ياباشا على المقالات المميزة والبلوج الاكثر من رائع
السلام عليكم
دعوة الى
منتديات بانوراما مصر منتدى مصرى للحوار والنقاش و يهتم ,أخبار مصر ,أخبار منوعة أخبار التعليم ونتائج الامتحانات اخبار الفن والفنانين الرياضة المصرية أفلام الموسم الرشاقة والتخسيس الموضة والمكياج والازياء كلمات الاغانى برامج مجانية تحسين نتائج البحث وغيرهم الكثير من المنتديات الفرعية .
Post a Comment