03 November 2006

" ربـك يعـدّلها "


" إنها المادة 76 ! "

هكذا سيهتف شيخ هرم لحفيده الصغير مشيرا إلي المجلد الضخم الذي يناهز الألف صفحة ..
سيروي لحفيده قصة تطور الديمقراطية المصرية عبر القرون , و التي عبرت عن نفسها في معارك تعديل المادة 76 . هذه المادة التي حازت - منذ أول تعديل - شرف أن تكون أطول مادة دستورية عرفتها البشرية , ثم استمرت تعدّل علي الدوام و بشكل مزمن ملخصة أشواق و مواجيد مرتادي موالد الوعود الديمقراطية و ضغوط الخارج و شغب المعارضين .

في بدء كل واقعة تعديل , كان السيد الرئيس يعلن نيته في تعديل الدستور فينخرط الكل في جدل حول إهتراء الدستور و الضرورة العاجلة لتعديل المادة 77 التي تقيد الرئاسة بمدتين لا غير , فينتظر الرئيس أياما ثم يلقي في مؤتمر الحزب بقنبلة من نوع النية لبدء مشروع نووي أو ضرورة ارتياد الفضاء أو حتمية تجربة استنساخ البشر ...فينبري الكل للنقاش حول المشروع الجديد و ينسون ما انخرطوا فيه سابقا .. فيعود الرئيس مفاجئا الجميع أنه ينوي فعلا تعديل الدستور .. و بالتحديد إعادة تعديل المادة 76 , بغرض إتاحة الفرصة لمرشحي بعض الأحزاب لكي يتمتعوا لفترة محدودة بمنافسة الرئيس الحالي و القادم في انتخابات مسلية و مجزية , إن لم يكن المرشح متشنجا و ذا أطماع طبقية وقحة تدفعه لمحاولة تجاوز أصل خلقته كمرشح فحسب .
و حدث بالتوازي مع وقائع تعديلات المادة 76 تطورات عديدة فيما يخص قانون الأحزاب للحيلولة دون تطلع الإخوان المسلمين للعرض الخاص . كان أهم هذه التطورات دمج الأحزاب في الحزب الوطني و إعادة تجربة " الاتحاد الاشتراكي " الناصري مع "منابر " الرئيس المؤمن , و لكن تحت مسمي " الاتحاد الوطني " الذي يضم بالإضافة للمنبر الحاكم منبرين آخرين لليمين و اليسار .
و قد حل منبر اليسار في هذا الاتحاد مشكلة " اتحاد اليسار المصري " الذي ظل لبضعة قرون في طور الحوارات التحضيرية الساعية لتعريف مصطلح " اليسار " , و اضطرت معظم فصائله للتوحد قسريا آنذاك . بينما لجأت إحدي الفصائل اليسارية المتمردة للاندماج في كتيبة الإخوان بإمبابة تنديدا باتحاد اليسار المهادن .
الجدير بالذكر أنه تم إلغاء لجنة شؤون الأحزاب و تم نقل تبعية كل المنابر المعارضة إلي وزارة الأوقاف .

و رغم العدد الكبير من التعديلات , ظلت المادة 76 لفترات طويلة في التاريخ المصري يشغل نصها " ثلاث ورقات " فقط من الدستور المصري , كتعبير رمزي عن وظيفة الدستور و القانون في المجتمع .
إلي أن بدأت التعديلات الدستورية تأخذ منحي آخر عندما دون أحد الرؤساء رؤيا رآها في نص المادة معلنا أن سيأتي بعده رئيس اسمه أحمد ,مكتوب بين عينيه : " حاكم " , لا يقرأها إلا أعضاء الحزب الحاكم , و يقطن إحدي قري المنوفية !
من بعده انفتح الفقه الدستوري علي التصوف وعلوم الفلك و التنجيم و الأنساب , فبدأت كتابة الهوامش و الحواشي للمادة 76 , ثم أتبعت بتعريفات للمصطلحات الصعبة و رسوم توضيحية و معادلات كيميائية باللغة الفارسية , و لم يكن هناك بد من إفراد مجلد خاص بالمادة .
و كان من نتائج هذه التطورات نقل تبعية المنابر من وزارة الأوقاف إلي المجلس الأعلي للطرق الصوفية , باعتبار أن مذاهب السياسة ما هي إلا طرق , كما أن السياسة أحيانا يمكن أن تؤدي إلي الله بأسرع الطرق . و هي أولا و آخرا نوع من التصوف الذي يعرض عن المكاسب الدنيوية القريبة الفانية , لانشغاله باهتمامات أخروية مثل ديكتاتورية البروليتاريا و و حدة الأمة العربية و عقد اجتماع موحد لشباب من أجل التغيير.

هذا و قد كان الرؤساء يقومون دائما باستفتاء رأي الشعب المصري في استفتاءات حرة مفتوحة المصدر ... أي يمكن لأي إنسان فيها أن يصوت نيابة عن بعض الآخرين أو كلهم , أوحتي نيابة عن الجن الأزرق , في طريقة تقترب من طريقة التصويت في مسابقة البوبز .
و باستمرار شهد القضاء المصري العلماني بتزوير هذه الاستفتاءات, بينما أعلن كثير من الرؤساء تمسكهم بالشريعة الإسلامية و بتفسيرهم الخاص للسنة النبوية التي تحض الحاكم علي أن يستفتي نفسه و إن أفتاه الناس و أفتوه !

14 comments:

Anonymous said...

هو الراجل ده بيلعب معانا استغماية ؟

انا لسة مش مستوعب إنه هيعدل ستة وسبعين تاني
بعد كل المولد والهيصة والاستنزاف اللي حصل رجع في كلامه وهيعدلها ؟

عموماً لا أجد في هذه المناسبة التاريخية - أعادها الله علينا وعليكم باليمن والبركات - إلا الأغنية التراثية العريقة لفرقة حالة على مسرح نقابة الصحفيين - قبل تحويلها إلى سايبر - :

ده خيار على أبوه . . ستة وسبعين

قومـوا يلا خـدوه . . ستة وسبعين

!

radwa osama said...

حلو قوى البوست ده

Anonymous said...

معلش يا عم عمرو
اسمحلي اعتب عليك ...لأني شامم ريحة يأس وسوداوية من البوست ...و ده انا مش متعود عليه منك
متقاقش هانت...النظام في حاله اشبه بالانهيار...والقوة الظاهرية الي بيتعامل بيها مع المعارضين...لا تخرج عن كونها حلاة روح...ولولاش مبارك قلقان ومرعوب مكنش عدل ومكنتش المادة دي استحوذت على كل الاهتمام ده...المشكلة دلوقت او بعد الانهيار المتوقع للنظام هو ان البلد بالفعل في حالة انهيار واقصد هنا الدولة مش النظام...وده هيحتاج ناس مخلصة وعندها تجرد..مش شوية المراهقيين الي بيدعوا المعارضة والنضال على الساحة حالياً وبيتخنقوا على مين يمسك الميكروفون في الاذاعة أو مين يقعد في التخته الاولى في الفصل ...هي دي المشكلة !!!

محمد مصطفى

Anonymous said...

نرجع بس سنتين لورا .. لما حسنى مبارك اغمى عليه فى مجلس الشعب .. هنا فقط بدا الجدل .. حنفضل نتحرك فى دايرة مغلقة اذا ماعترفناش ان التغييرات الى بتحصل سواء كانت جرام او طن .. ملهاش دعوة بقوة او تاثير المجال السياسي فى مصر .. بنتكلم عن نخبة حاكمة بتعمل عملية احلال داخلى بس فى ظل مشاهدة ومتابعة من اللى بيقروا ويكتبوا وبمتابعة الاعلام .. بس كده.. موضوعنا احنا مختلف خالص .. له علاقة بعملية بناء ذاتى وكسب سمعة ونظرة من قطاعات من النخبة والطبقة المتوسطة باننا اناس جاديين .. ودى بضه حاجه ليها تكاليفها اللى مش بسيطه .. بس طول ما المسافة بين النخب الحاكمة و المثقفين هى من الكبر بحيث ان اقصى درجات الحضور هو ان تكون مستخدم من جناح ضد التانى داخل السلطة .. فده عيب ولازم يتفلت منه حفاظا على ما تبقى من احترام للذات

SOLITUDE® said...

ضحكتني وانا ملييش نفس
ههههههههه

Anonymous said...

صورة اليافطة المصاحبة للبوست . "نعم لمن أرثى قواعد الديمفراطية" بالثاء مش بالسين ؟!! غلطة معبرة جدا.بتهيألى أرثى دى مصدرها هو رثى ورثى الميث أى بكى موته. فعلا أحسن وصف لقواعد الديمقراطية فى مصر

karakib said...

يا تري الجد اللي قاعد يحكي لحفيده ده هيكون حفيد حفيدك و لا يبقي تفاؤل غير مبرر او معقول مني ؟؟؟
انتوك

عمرو عزت said...

أسد:
خطرت علي بالي فعلا أغنية فريق حالة
أعتقد هذه الأغنية مقتطعة من عرض كامل لهم بعنوان 76
أعتقد أنهم سيقومون يتحديثه و إعادة عرضخ بعد التعديل الثاني
و سيصبح العرض من الفلكلور الشعبي لفترة طويلة لحد ما ربنا يعدلها

رضوي
أهلا و سهلا

محمد مصطفي :
لا يأس و لا حاجة
ربك يعدلها يا سيدي

مجهول :
أتفق معك فعلا أن جهد المعارضة يستغل لصالح أجنحة للسلطة
أعتقد ما ان يبدأ عمل جاد جذري تبتعد المعارضة عن هذا

محرز:
ازاي مالكش نفس تضحك
امال بتعمل ايه و انت بتقرا الجرايد ؟

دودو:
يمكن أيضا أن تفسر بانها جعلها رثة أو حالتها تدعو للرثاء

أنتوك :
هذا يتوقف علي شطارة و ابداع فقهاء التعديلات الدستورية .. متي سيكملون المجلد
ربك يعدلها ان شاء الله

ألِف said...

جامدة جدا يا عمرو.

ثم إن الناس نسوا اسم الرئيس أيا كان و أصبحوا يشيرون إليه باسم "هو الذي يحكم" و يختصرونها "هـ ذ ي"

إنما أنت سايب السخامي بتاع بنك الحظ ال فوق دا ليه!

عمرو عزت said...

ألف
أنا مستني يدفع لي ثمن الإعلان
لما نشوف

منين الجملة اللي اقتبستها دي ؟

Anonymous said...

بالتأكيد التشأؤم ده له ما يبرره
لما عرفت خبر إنتصار الديمقراطيين على الجمهوريين في الإنتخابات الأمريكيه
أتحسرت على العرب
اللي الحزب الحاكم يقعد حزب حاكم على مدى عشرات السنين

مفيش أمل نتطور إطلاقاً

SOLITUDE® said...

"محرز:
ازاي مالكش نفس تضحك
امال بتعمل ايه و انت بتقرا الجرايد ؟"

بطلت أقرأها من زمان :D
بلا قلبة دماغ يا شيخ

Anonymous said...

واقوم م النوم اقول يارب عدلها
بلدى قصاد عينى ومش عارف اعدلها
وريس المركب مش عارف يعدلها
سألت عالم بيقرا فى معادلها
قال : م المسا للصباح.. ربك يعدلها

موال من التراث
محمود عبد الباسط

عمرو عزت said...

هشام
فيه أمل طبعا يا هشام
لان بك هايعدلها في يوم طبعا
بس احنا نتعدل الاول

محرز
بلاش الجرايد يا أخي
بتعمل ايه و انت بتقرا مدونتي
:)

محمود عبد الباسط
يا سلام عليك
ما تعرفش تجيب الموال ده صوت
هاحفظه و اغنيه في كل المظاهرات
:)