25 November 2005

! استقيموا " خلفها " يرحمكم الله



في قعر الصفحة الأولي من " المصري اليوم " الخميس 24-11-2005 :
انبري صاحبا الفضيلة شيخ الأزهر و مفتي الديار و آخرون يتجادلون حول جواز تولي المرأة الإمامة العظمي أو رئاسة الدولة ..
ليس لأن الأمر في حد ذاته خطير لا قدر الله , و لكن لأن الأمر يترتب عليه ما هو أخطر و أفدح : جواز تولي المراة " الإمامة الصغري " للرجال في الصلاة !

في قمة نفس الصفحة من نفس العدد :
المستشارة الدكتورة نهي الزيني نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية , تتعدي رقاب الصامتين و تقف وحدها أمام الصفوف , لتدلي بشهادتها عن تزييف إرادة الناخبين في دائرة بندر دمنهور لصالح مرشح الحزب الوطني د.مصطفي الفقي , بأوامر من جهات " عليا " و فوق الانبطاح القضائي الكامل !

في نفس المكان من العدد التالي من " المصري اليوم " الجمعة 25-11-2005 :
137 قاضيا - من مجموع 160 قاضيا من مشرفي لجان نفس الدائرة - يصطفون خلف د.نهي يؤيدون شهادتها و يأتمون بكلمتها .... الكتف في الكتف و القدم في القدم و النظر موضع السجود !

أيها المؤمنون ..
لا يتخلف عن أداء فرض الوقت خلف د.نهي إلا منبطح يلزمه الغسل أو كافر بهذا الوطن .
استقيموا " خلفها " يرحمكم الله !

17 November 2005

! الحزب الوطني في إمبابة : خلافات عائلية و محاولة انتحار



مبكرا جدا صباح يوم الاعادة توجهت الي لجنتي الانتخابية و ملأت كل فراغات ورقة الاقتراع بعبارات احتجاجية متجاهلا أسماء رباعي الحزب الوطني المتنافس علي مقعدي إمبابة
رئيس اللجنة يعاتبني و أنا أضع الورقة في الصندوق " ينفع اللي عملتوه ده في الفرز ؟"
(رغم أنني كنت نائما وقتها )
- " يرضيك انت اللي حصل ؟ "
- "كل شيء كان تمام و الله "
" ما دام كده يبقي ماينفعش صحيح ... سلام "

في صباح اليوم التالي بعد اعلان فوز مرشحا الوطني الرسميين علي الآخرَين المنشقٌين ...تنفجر ابتهاجا ماسورة مياه عمومية في أكبر شوارع أرض الجمعية (محل اقامة مرشح الفئات رجل الخدمات) و يغرق الشارع في المياه التي تركت البيوت حتي المساء و احتفلت بالتدفق في الشوارع
لا أدري هل حدث شيء مماثل في المعتمدية ( معقل مرشح الوطني العمال ) ام لا !

يهاتفني عمرو غربية في العمل و يسألني عن تفاصيل حريق مقر الحزب الوطني بامبابة
لم أعرف بذلك الا منه ...كنت أمس في السينما ثم في عرض مسرحي بالساقية ( استراحة المحارب !) و عدت متأخرا

مساء أمس في مقر كمال خليل يحكي لنا شاب بعض التفاصيل ..
الشاب يسكن في منطقة نفوذ المرشح طارق سعيد حسانين المتحالف مع عبد المنعم عمارة (المنشقين عن الوطني) و تتبع انصارهما الي لجنة الفرز بانتظار اعلان النتائج , و انتظر حتي خرج مندوبون عنهما يزفون نبا فوزهما علي مرشحي الوطني قبل انتهاء فرز آخر صندوق من منطقة الكيت كات (منطقة نفوذ التحالف المنشق بحسب الشاب )
الا ان من بقي بالداخل فؤجيء - بحسب روايتهم للشاب - بابطال أكثر من 2500 صوت من الاصوات المؤيدة لحسانين و عمارة و تسجيل 500 صوتا لاسماعيل هلال ليتصدر النتائج بـ 12000صوت و هو الذي حاز في الجولة الاولي 6500 صوتا فقط
و تبعه وليد المليجي بـ 10000 صوت و هو الذي تصدر الجولة الاولي , ثم الخاسران ب 9000 صوت لكل منهما تقريبا
أنصار حسانين و عمارة تظاهروا احتجاجا و اشتبكوا مع قوات الأمن المركزي و هتفوا ضد مبارك " ** أمك يا حسني " و استعاروا هتافات كمال خليل ضد الحزب الوطني " أحلف بسماها و بترابها ..الحزب الوطني اللي خربها " , " باسم سبعة مليون عاطل ...كل الحزب الوطني باطل "
(هؤلاء الانصار كانوا سيصبحون انصارا للوطني " الباطل و اللي خربها " لو اختار الحزب مرشحيهم لخوض الانتخابات !)
انطلق الغاضبون يتصدرهم - بحسب شهود آخرين - بلطجية و شباب " مبرشم " نصف عار ....و احرقوا مقر شياخة الحزب الوطني في ميدان التروللي (و هو حجرة حقيرة متواضعة لا تزيد مساحتها عن 8 أمتار مربعة و ليست مقرا يعتد به ...اللهم الا من الناحية الرمزية) باستخدام زجاجات المولوتوف


و حطموا لافتات مبايعة اسماعيل هلال لمبارك و لافتات الحزب الوطني المؤيدة لمرشحيه
و هناك أنباء عن خسائر طفيفة في واجهة المقر الرئيسي للحزب الوطني بالكيت كات
أنصار عمارة - الذي يخسر للمرة الرابعة علي التوالي - احتلوا الصدارة في هذه الأحداث ...و عمارة نفسه قدم عدة مشاهد مثيرة نقلها لي صديق
في احداها روي أنه اخرج مسدسه و هدد بالانتحار فهتف انصاره بانهم فداؤه و الموت لاسماعيل هلال ...فاقسم غير حانث انه سينشر رجاله في كل مناطق نفوذه الذين سيكونون علي أهبة الاستعداد لقتل هلال في حالة اقترابه من هذه المناطق
- نقلا عن قيادات بالوطني ان افرادا من المخابرات انتشروا في شوارع امبابة و قوات غفيرة كانت علي استعداد في حال تطورت الامور -
المثير في الامر ان رجال الحزب الوطني في امبابة منفسمون بين مذعور مؤيد لاسماعيل هلال و بين شامت مؤيد للخاسرين أو لآخرين في الحزب خسروا كمستقلين امامه الدورتين الماضيتين .
هلال خرج في حراسة مشددة من مقر لجنة الفرز و طوال مساء يوم الفرز و الصباح التالي انتشرت سيارات انصار عبد المنعم عمارة التي يقودها البلطجية و هتفت " شمال يمين ..** أمك يا اسماعين ! "
هذه السيارت طافت حول محل اقامة هلال وسط ضحك و سخرية افراد الحراسة امام منزل هلال الذي أشك في تواجده به ..في الغالب هو في الاسماعيلية حيث ناخبيه الأوفياء !

ختاما ...أهالي إمبابة يطمئنون الشعب المصري , و يؤكدون ان امبابة هي موطن الأمن و السلام ,و ان ما حدث لا يعدو كونه خلافات عائلية داخل الأسرة الواحدة للحزب الوطني ...و ان الحريق الذي طال مقر هذه الاسرة المتواضع ليس الا فائضا من " الخراب " نتج عن وجود اربعة مرشحين من اعضاء الحزب في دائرة واحدة..
مما اخل بالتوازن الطبيعي و كسر احتكار البلطجة و التزوير .. و أدي للاحداث المؤسفة .
تلك التي استغلتها صحف المعارضة و بعض المحطات الاعلامية و موهت الخبر و وصفت من قاموا بالشغب بـ "متظاهرين غاضبين " , وهو ما قد يوحي أنهم من المعارضين أو أنها انتفاضة شعبية .
أهالي امبابة يستنكرون هذه التغطية الاعلامية المغرضة التي تشوه صورة امبابة في العالم المتحضر ..و يناشدون كبير العائلة التدخل للحد من خلافات عائلته المحترمة ... أوعلي الأقل حصرها داخل حدود مقرات العائلة , لعل حرائقا أكبر تفي بالغرض !

12 November 2005

9/11/2005



(1)
قبل الثامنة صباحا بقليل ...اقف علي باب المدرسة / اللجنة الانتخابية منتظرا الزملاء و التوكيل الخاص بي لاكون مندوبا عن كمال خليل..
معي زجاجة مياه معدنية و قلم و اجندة و مختارات من محمود درويش ..من باب الاحتياط
مقهي يقع مباشرة أمام باب المدرسة ...تيسيرا علي الطلبة و للحد من كثافة الفصول !
علي المقهي رجال يرتدون " قبعات " عليها اسم مرشح الوطني لمقعد الفئات
يبدو ان المقهي محجوز اليوم لـ "فعاليات الانتخابات "
اجد أحد جيراني ( حديث التخرج ) معهم علي المقهي ...بعد السلام يسألني :
-ايه يا عمرو انت بتعمل ايه هنا ؟
- مندوب لكمال خليل
- قريبك و لا ايه ؟
- لا
-امال ايه ؟
- لانه أولا مرشح المعارضة و حركة التغيير و ثانيا لانه رجل محترم و أفكاره محترمة و تاريخه محترم و باحاول اسانده
- طب ايه حكاية البنات اللي معاه دول ...جابهم منين ؟
- دول شباب متطوعين ..ما بيتجابوش ...و انت بتعمل ايه هنا ؟
- انا في الحزب الوطني بقالي فترة
( آخر تحديث علمته لاهتماماته بالاضافة للبنات و ماركات الجينز انه يبحث عن وظيفة )
- (مقررا مناوشته ) و انت بقي تبع الحرس القديم و لا تبع الفكر الجديد
- مين دول يا عم ....انا في الحزب الوطني بس ...و بعدين انا لسه جديد!
-ما عرفش انك مهتم بالسياسة
-يعني شوية ... و كمان أصلي بصراحة بادور علي شغل و امي كلمت اسماعيل هلال(مرشح الوطني) و هيشوفلي حاجة ...فقلت ابقي في الحزب معاه .. و ربنا يسهل

أجد جارا آخر ...و لكنه هذه المرة وكيل عام لمرشح الوطني ..
حوار مشابه و بعد نبش " أصل جدي (كبير العائلة) ظبط مع اسماعيل ....و احنا مع جدي و كله مصلحة في الآخر لما يكسب ان شاء الله "

(2)
في مدخل المدرسة بجوار لجنة الاقتراع ,يجلس علي دكك من الفصول رجال و سيدات ,كلهم يرتدون "قبعات" الوطني و معهم كشوف انتخابية و بطاقات الحزب الوطني الشهيرة المخصصة لتسجيل ارقام قيد الناخبين كنوع من الدعاية
أدخل الي الفصل المخصص كلجنة اقتراع , أسلم علي رئيس اللجنة و اقدم له نفسي و التوكيل
- م /عمرو عزت مندوب المرشح كمال خليل
يرحب بي باحترام محافظا علي لقب "باشمهندس " و يسألني " هاتدلي بصوتك طبعا ؟ "
- طبعا
أسلمه البطاقة الانتخابية و آخذ ورقة الاقتراع ...أذهب نحو الستار
الستار مثبت علي الحائط (لا يوجد له خلف ) و تحته دكة ...من المفترض ان تجلس علي الدكة و وجهك للحائط و تسدل الستار فوق رأسك و تصوت في الظلام الدامس !
أفعل ذلك بشكل جزئي لكي أتكمن من رؤية ما أفعل " تحت " الستار
أعود و أضع الورقة في الصندوق
أحاول ايجاد بديل لوضع الستار ليصبح اعتراضي عمليا ...لا أجد
يعرض علي رئيس اللجنة في ود كرسيا لاجلس عليه ,..آخذه ممتنا
أكتشف و انا اعيد بطاقتي الانتخابية للحافظة أن الرجل لم يتحقق من شخصيتي بأي وسيلة ...لم أخرج البطاقة الشخصية .
كان يمكن لاي انسان ان يكون مكاني الان بالتوكيل و ببطاقتي الانتخابية .
بداية مبشرة

(3)
في اللجنة خمسة من مندوبي المرشحين غيري
مندوب مرشح الوطني فئات و مندوبان عن مرشحين مستقلين (منشقين عن الوطني ) و مندوبان عن مرشحين من مرشحي العائلات (أحدهما مندوب عن أبيه )
حوارات قصيرة و تعارف
أسعدني أنهم جميعا أشادوا بكمال خليل و سألوني مزيدا من المعلومات عنه عندما عرفوا اني مندوب عنه و سألوني عن حركة كفاية ورموزها الأخرين
أحدهم قال ان هذا الرجل يجب ان يفوز و لكن ينقصه الترتيب مع العائلات و ألا يكتفي بمخاطبة الشباب الذين أعجبوا به
آخر قال انه اعجب جدا بكلامه و أوراقه و لكن علي حد تعبيره هذا الكلام " ما بيأكلش " دلوقتي
أحدهم شاب مسرحي يعمل مساعد مخرج و يحاول شق طريقه يخبرني أنه لو كان قابلني قبل دخول اللجنة لكان أعطي صوته لكمال خليل مع المرشح الذي يمثله هنا
و يخبرني أن هذا المرشح قريبه من ناحية أمه ( اخت الشاب مندوبة أيضا عنه في لجنة السيدات )

(4)
رئيس اللجنة في أواخر الثلاثينات بدين ,ريفي ,يبدو خاملا و كسولا و طيبا
عرفت فيما بعد أنه محام لقضايا الدولة و ليس قاضيا ...و يسكن احدي قري الجيزة
من دردشة قصيرة معه أجد ثقافته السياسية مثل ثقافة عم رمضان غفير الجراج مع الاخذ في الاعتبار ان عم رمضان لا يعرف القراءة و لا يجد وقتا للتليفزيون و ثقافته مستمدة من دردشات فترات راحة سائقي التاكسي و خطبة عم حسن يوم الجمعة .
يتقبل من أحد الناخبين ملاحظة حول جلوس مرشح الوطني بالقرب من مكان الاقتراع مما قد يمكنه من رؤية الاختيارات
مندوب احد المستقلين ( وطني منشق ) يبالغ في سذاجة في التأكد من عمل الأمناء في تسجيل التوقيعات
يعترض احد الامناء و يرد المندوب بغطرسة فتحدث مشادة بينه و بين رئيس اللجنة الذي يطرده من اللجنة
يحتد رئيس اللجنة من أي ملاحطة علنية أو بأسلوب آمر
أقرر مراعاة ذلك علي قدر الامكان بدلا من الخروج مبكرا

(5)
أول اعتراض :
احتج - محافظا علي ابتسامة و هدوء و لقب "سيادتك " - علي وجود افراد الوطني و قوائمهم الانتخابية داخل المدرسة
بعد حوار طويل ودي ... يمل و يطلب استدعاء أمين الشرطة ...أتخيل انه سيطردني
و لكن - و يا للمفاجأة- يأمره أن يذهب معي و يفعل ما آمره
أذهب معه و أخبره ان هذا الوضع هو دعاية غير مشروعة داخل اماكن الاقتراع
يامرهم الأمين بالانتقال الي خارج المدرسة
ينقلون دككهم و أوراقهم وهم يرمقونني في دهشة ..بينما أبتسم انا في زهو لا يخلو من سخرية
احداهما تتعثر في نقل دكتها للخارج ...أسرع و أساعدها مغمغا : " عقبال امبابة كلها و مصر كمان "
تستفهم غير واعية لما قلت ..." لا ولا حاجة "
بعد الجلاء ... أشكر أمين الشرطة فلا يرد و يرمقني مستاءا
أعود في خيلاء النصر الي داخل اللجنة و أشكر الرئيس في هدوء الواثق و لكن بابتسامة ممتنة

(6)
بعد هذا الموقف -بالاضافة الي حوارات أخري مع أسماء بالخارج علي باب اللجنة - ينتشر في اللجنة و لدي أفراد الأمن اننا من " حزب " كفاية ..علي حد تعبيرات مندوبي الوطني و المستقلين في همساتهم من خلف ظهري
في لجنة السيدات لا شيء يحدث تقريبا ...لا تصويت - تقريبا - ولا مشكلات و لا اعترضات بالتبعية ..
حتي أتت قيادية بالحزب الوطني و انتابها غضب عارم لان رئيس لجنة السيدات قال لها و هو يعيد لها كارنيه الحزب " زيك زي اي ناخبة عندها 18 سنة "
بدأت في الصراخ و معها مساعدتها و صنعا أزمة و أجريا مكالمات بقيادات حزبية و امنية و توعدا الرجل بالويل و الثبور و تحويله ميكانيكيا و لم ينه هذا الضجيج المثير للغثيان الا توسط رئيس لجنة الرجال الذي أوقف التصويت حتي اقترعتا و رحلتا في ستين داهية


(7)
في الثانية عشرة ظهرا يبدأ الناخبون في التوافد بكثافة أكبر
اتنقل بين داخل اللجنة و باب المدرسة لاكتشف ذلك النمط الجديد من التصويت
" توصيل الناخبين الي الصندوق "
انصار الوطني ياتون بالناخبين ( لا أدري من أين ) يشدونهم من ايديهم و يحتفظون ببطاقاتهم و يسلمونهم الي آخرين علي باب المدرسة الذين يسلمونهم بدورهم الي اخر داخل اللجنة
و لكن - للامانة- يتركه هذا الاخير علي بعد خطوات من الصندوق و هو يودعه هامسا في أذنه " زي ما قلت لك يا فلان ..رقم كذا و كذا "
أحيانا يعود "فلان " ليستوضح ان نسي " رقم كذا و لا كذا "
يبدو ان انصار الوطني يتوزعون علي تنوعات و مشارب ايديو لوجية مختلفة فبعضهم بالاضافة للتصويت لرقم " 1" (مرشح الفئات) يوصي بهذا الرقم أو ذاك
طبعا كل الارقام من مرشحي الوطني الرسميين أو المنشقين ...و لكن يبدو أنهم مجموعة ميليشيات مختلفة داخل الحزب
هذا النمط من التصويت يجمع للأسف بين ناخبين يبدو من هيئتهم أنهم عمال فلان و محاسيب علان بالاضافة لطلبة جامعات و مهنيين
لم أتمكن من رؤية أيه حالة " دفع " مقابل هذا التوصيل المجاني حتي الآن
يبدو أن الجميع أخذ حذره نتيجة لوجودنا و وجود مراقبين من احدي منظمات المجتمع المدني

(8)
أقترب من رئيس اللجنة و أطلب منه وجود مندوب واحد للوطني , فبمرور الوقت و احتدام " توصيل الناخبين " يتواجد أكثر من ستة من " الوطني " داخل اللجنة
" ده سوق الاربعاء مش لجنة انتخاب "
رئيس اللجنة يحتد و يطرد بعضهم
و لكنهم امام تدفق الناخبين يعودون بالتفاهم من القاضي بدعوي تنظيم تدفق الناخبين و البحث عن ارقامهم في الجداول
يشاركهم مندوبي المستقلين و أبقي الوحيد الجالس من المندوبين جميعا
مندوبي المستقلين يحاولون استجداء الناخبين
ذلك المندوب عن أبيه يكاد يتسول من الناخب بعدما يخرج له من الجداول رقمه المسلسل
- رمز التليفون ..هه
ردود محرجة و هازئة يتلقاها " معاييش رصيد و الله " ..." طيب لو كان خارج نظاق الخدمة اعمل ايه ؟" ..." مستنيك انا و الله مش عارف اكتب مين ..تصور " و لا يتراجع
انتظر ان يسمع الرئيس احدي محاولاته و اشير اليه بلا كلام
ينبهه الرئيس :" يا أستاذ ممنوع الكلام مع الناخب ؟"
الرئيس بدأ صبره ينفذ من الجميع

(9)
معظم الناخبين لا يدخلون " تحت الستار " و من موقعي و بمعرفتي ارقام المرشحين و اماكن اسمائهم في الورقة استطيع ان اتابع مسار التصويت
عدد قليل يحتمل تصويته لكمال خليل
تصويت كثيف من " الملقنين و المستقدمين " لمرشح الوطني الفئات و معه المستقلين المنشقين ..أما مرشح الوطني العمال تقريبا لا أحد
(يعتمد الاخير علي منطقة المعتمدية الريفية كثيفة التصويت و لا يقوم بالدعاية في غيرها أصلا ..و يحصل علي أعلي النتائج !)
طبيب جارنا يصوت لمرشحي الوطني في سرعة فوق الصندوق و لا يبالي بتوجيهات رئيس اللجنة و يخرج مسرعا (يبدو أن الزبائن ينتظرون في العيادة)
( فيما بعد أخبرني أن اسماعيل هلال مرشح الوطني افضل لانه جارنا و ابن حتتنا و ينفع في اي خدمة بعد كده في اي وقت )
تتآكل آمالي في نسبة تصويت جيدة لصالح كمال خليل و أتمني فقط نسبة معقولة

(10)
باستتباب الأمر لانصار الوطني يبدأون في فرض سيطرتهم علي المكان
يفتعلون مشاجرة مع مراقب و يطردونه بمواقفة رئيس اللجنة ...احاول الاعتراض .فيحتد علي لاول مرة : " يولعوا فيه بجاز ...جاي يراقب عليا ؟!"
احتد انا الأخر " ده هنا في حمايتك و بيقوم بدوره و دول بلطجية "
يصرخ :" اللي مش عاجبه يروح يشتكيني ...هوه كده "

بعد قليل تدخل أسماء و تتجول في الممر أمام باب اللجنة لتتابع الامور ..يحتج " بلطجية " الوطني المنتشرون بالداخل باسم القانون (!) : "مندوب واحد لكل لجنة "
ارد عليه في حدة : " انتوا سبعة و عشرين واحد جوه بتنظموا المرور ! "
بعد جدل يبدأون في التعلل بالاخلاق و التقاليد : " يرضيك برضه بنت تقف وسط زحمة الرجالة علي باب اللجنة " !

(11)
جلبة بالخارج
اخرج فاري زحاما و اسمع شتائما متبادلة و تهديدات و توعدات
اسأل أسماء فتجيبني ضاحكة : " دول بتوع الوطني بيتخانقوا علي وجبات الغداء " !

(12)
أبي بعد أن أعطي صوته لمرشحي الوطني في لجنة أخري ...جاء ليطمئن علي الأحوال هنا
يرسل لي أبي من يناديني من داخل اللجنة (!) ..أطمئن لوجود أحد الزملاء أمام باب اللجنة ...فأخرج لملاقاته
أبي واقف بالخارج مع الحاج سيد مدير جمعية من كبري الجمعيات الخيرية هنا
يؤكدان علي سريان اتفاقهما مع مرشح الوطني
" خلاص يا حاج سيد زي ما اتفقنا ...الناس بتوعك و حبايبك مع مرشح الوطني فئات و أي واحد عمال و هو علي وعده معانا "
أسلم عليهما
يعرف الحاج سيد أني مندوب بالداخل لكمال خليل , يتحول وجهه لعلامة استفهام كبيرة , و يداري أبي حرجه كإمبابي عريق (مش عارف يلم ولاده ) وسط هذا الجو المحتفي بإيتاء أولي القربي
" تخيل يا سيدي اخواته كمان نازلين ينتخبوا كمال خليل ...شفت بقي الديمقراطية"
أطمئن أبي أن الأمور تسير في هدوء
اسلم عليهما و اعود الي قواعدي

أعرف فيما بعد أن أبي اوصاه بعد رحيلي
" شوف يا حاج سيد ...عمرو جوه و معاه شباب زمايله تبع كمال خليل ...دول شباب محترمين مش زي ولاد "......" بتوع الحزب الوطني ....لو حد داس لهم علي طرف ....انت طبعا و حبايبك هنا علي القهوة ....طلعوا " ....." أم اللي يكلمهم و " ...." أم الانتخابات و الاتفاق و الحزب الوطني كمان ....اتفقنا "
كان علي هوي الحاج سيد أن يحدث مشاكل لكي يشفي غليله من مرشح الوطني الذي يكرهه و الذي جاء و "حبايبه " يساندونه اليوم من أجل الايتام و الأرامل و أسانسير المجمع الخدمي ...!

(13)
باستثناء ضجيج الملقنين و عمال هيئة نقل الناخبين الي اللجنة ...يمر باقي اليوم رتيبا و مملا
مشاغبة صغيرة مع احد الامناء
اجلس في هدوء طوال الوقت ...وحدي ...بينما باقي المندوبين يتحركون و يهمسون في آذان الناخبين بعد أداء خدمة لهم قد تكون مجرد الترحيب باهلا و سهلا ...اكتفي بحوارات قصيرة مع رئيس اللجنة
احد الامناء : " و الله انت احسن واحد هنا ...في حالك كده "
أشم في كلامه رائحة ساخرة
أرد عليه بكلام له رائحة مماثلة :" انا أحب أشوف شغلي من غير ما اتكلم علي الفاضي و المليان "
يجفل و أشعر بالذنب من ذلك...فأواصل محولا عدوانيتي الي الزملاء المندوبين
" و بعدين انا مايشرفنيش و لا يشرف المرشح اللي انا مندوب عنه ..اني اقوم اشحت اصوات جوه اللجنة "
الرد علي هذه الجملة جاء بحرماني من كوب شاي ضمن عزومة من رئيس اللجنة تولي نقلها احد مندوبي الوطني
جاء بفراش المدرسة و اعطي الجميع و تجاهلني
نظر لي بعدها فابتسمت له " هل كان يتوقع مثلا أن تطفر الدموع من عيني "
رئيس اللجنة انزعج جدا و أمر غاضبا بكوب شاي لي فورا
هدأته و شكرته علي اهتمامه

(14)
قبل النهاية يحدث بعض الهرج علي إثر اعلان رئيس اللجنة بانه سيضيف ربع ساعة فقط لوقت التصويت الرسمي لتعويض الايقافات (الوقت الضائع )
موصلو الناخبيبن بالداخل يعدون هنا و هناك لحث الموصلين بالخارج علي سرعة تسليم الانفار
مواطن " لم يتم توصيله " يجد صعوبة في البحث عن اسمه في الجداول ....اخرج و ابحث معه
رئيس اللجنة يلاحظني :" ما تقلقش ...لو تبعك ده هانتظره نصف ساعة "

(15)
في نهاية اليوم اجراءات عادية و حمل الصناديق في ميكروباص
احد الزملاء يذهب ورائهم لجنة الفرز و تنتهي مهمتي
خطوات قليلة و أكون في البيت ..

(16)
استيقظ من النوم بعد منتصف الليل بقليل
علي موقع كفاية انباء عن طرد كمال خليل من لجنة الفرز لمطالبته بفرز كل صندوق علي حدة كما هو مقرر
مظاهرة أمام قسم امبابة احتجاجا علي طرد كمال و البعض يروي قصة صندوقين مفتوحين وصلا الي لجنة الفرز

(17)
الخميس : صباحا يتم اعلان النتيجة ....تقريبا كما رصدتها من موقعي داخل اللجنة ...اعادة بين مربع الوطني (اثنان مرشحا الحزب و اثنان منشقان )
نسبة الاقبال في امبابة حوالي 18 %
نسبة الاقبال في اللجنة التي كنت بها تزيد قليلا عن 10 %
و لكنها لجنة أكثر المناطق حضرية و أقلها من حيث سطوة العائلات و الزعامات
أتوقع نسبة مرتفعة في لجان الريف رفعت من متوسط نسبة التصويت

(18)
مساءا تصلني ورقة بها نتائج كل المرشحين
كمال خليل يتصدر مرشحي المعارضة ب 604 صوتا
رقم هزيل بالمقارنة بعدد اصوات الاول " مرشح الوطني عمال " الذي يعتمد علي انصاره في منطقة واحدة و حصل علي ما يقارب سبعة آلاف صوت

(19)
و لكن أنا متفاءل جدا و سعيد أيضا
الرقم كان اكثر من ذلك لولا أن محسن صديقي انتخب كمال خليل فقط فبطل صوته حسب اللوائح التي تقضي باختيار اثنين !
605 أصوات نتيجة جيدة
605 مواطن صوتوا لشعار حي علي النضال
صوتوا لمن قال لهم انه لا يملك تشغيل اولادهم و لا يملك ان ياتي لهم بتاشيرات الوزراء و لا عطايا المسؤولين
صوتوا لمن وعدهم باضرابات و اعتصامات و نضال حتي انتزاع الحقوق
605 صوتوا لكمال خليل و كلامه في اوراقه لا لانه جارهم او قريبهم
605 ....اعتقد ان هناك اضعافهم ممن تمنوا لو انتخبوه و لكن لا يملكون بطاقات انتخابية بل احيانا و لا شخصية (زوروا سكان بدرومات أرض عزيز عزت )
الأمر يستحق التهنئة في رأيي ...كبداية مشرفة لمشوار طويل و صعب
مبروك لكمال ..مبروك لكل الشباب ....605 صوت " شايل كلمتكم و بتراب الشارع متحني "

(20)
لا أستطيع - طبعا - أن أصدق ان كل شيء تم بنزاهة و شفافية كما يردد التليفزيون و مانشيتات صحف الحكومة
و لكن يبدو أن هذه الانتخابات نتائجها تعبر بشكل ما عن " ارادة " من ذهبوا اليها .... مع استثناءات و بغض النظر عن مدي " حرية و استقلال" هذه الارادة
لا أستطيع ايضا أن أصدق كل ما يقال عن التزوير و التسويد و التلاعب كثير منه مجرد تخمين و توقعات بلا ادلة أو وقائع محددة.
و لكن مؤكد هناك مخالفات جسيمة حدثت قليل منها مؤثر في النتائج , و دوائر بعينها تشم منها رائحة التزوير

ما لا أستسيغه مطلقا ان يخرج نعمان جمعة ,المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتغيير , علي صدر الصفحة الاولي من " الوفد " صباح الاربعاء - قبل أي شيء - , و بعرض الصفحة يقول :" لاتوجد انتخابات حقيقية في مصر "
احتراز مسبق لتبرير الفشل ...لماذا اذن سيخرج المواطنون من بيوتهم لتأييد الجبهة التي تتحدث باسمها يا دكتور نعمان ؟
لا أستسيغ أيضا الجهود المحمومة - من جانب المعارضة - لتصوير الأمر كأنه كان مسرحية أو مهزلة معروفة نتائجها سلفا
حتي الانتخابات الشفافة بلا أدني مخالفة لا أعتقد أنها كانت ستأتي بانتصار مؤزر للمعارضة
الا اذا كنا نتحدث عن شعب آخر في بلد آخر له تاريخ آخر .
واجهوا الاسباب الحقيقية بشجاعة...و افضحوا المخالفات و لكن بموضوعية ...و ارصدوا التحسن و عضوا عليه بالنواجذ و امنحوا الناس أملا و ارفعوا من قدر مشاركتهم
والا فلا تدعوا الناس للمشاركة في المهازل و لعب دور الكومبارس في المسرحيات

(21)
ماحدث أن باب القفص أصبح مواربا
و لكن طائر الزينة لا يحسن الطيران
- و علي ذلك يراهنون -
علموه الطيران بدلا من التهويل من قسوة القضبان

08 November 2005

المكان : 13 شارع طلعت حرب - إمبابة



لم أشك و لو للحظة واحدة في دور أمن حكومتنا الذكية في تدعيم نضال الحركة الوطنية
ففي الوقت الذي كانت فيه مظاهرات " كفاية " وقفات صامتة لعشرات ساندتها حجافل الأمن المركزي و حماقات الضباط لتوفير المادة الاعلامية و الصورة الجذابة للكاميرات
و عندما أصبحت مظاهرات كفاية بالآلاف ..تراجع قليلا دور الأمن و صار مشاركا رمزيا باعداد قليلة من المخبرين بملابس مدنية ..و تراجعت الجحافل في انتظار حركات أخري وليدة
في إمبابة تأخر الأمر قليلا و لكن قبل المؤتمر الختامي لكمال خليل أدي رجال الأمن واجبهم الوطني الذي لا يفوتهم ..
فسواءا هم أم بلطجية أخرون من أبناء هذا الوطن هم من
اعتدوا علي سيارة الدعاية و حطموها و قاموا بضرب ابراهيم الصحاري و سعد منير
الا انه من المؤكد ان ابراهيم الصحاري ما زال - حتي كتابة هذه السطور - محتجزا في قسم امبابة مع البلطجية في زنزانة واحدة ...أتعجب من احتجازهم للبلطجية !
أما بالنسبة للمؤتمر فقد
رفض الأمن انعقاده عند " السلم " بأرض الجمعية في شارع الوحدة..
و تغير المكان الي شارع طلعت حرب بجوار المقر الانتخابي ...معطيا فرصة للمدونين من أمثالي لتسجيل المصادفة السعيدة التي وافقت انتقال نشاط حركة التغيير ....من ميدان طلعت حرب و شارعه و ما حولهما في ( وسط البلد) ...إلي شارع طلعت حرب و ميدانه ( المسمي شعبيا حجر الأساس ) في إمبابة ( قلب البلد )
بعد مسيرة قصيرة بدت غاضبة بعض الشيء , كنا في صوان المؤتمر ...تحديدا بجوار السماعة اليسري ( لازالت أذني تطن حتي الآن ) ..و تحديدا كنا " شلة " من المدونين ...أنا و
رضوي و عمرو غربية و علاء و منال و نورا يونس و نذير العاصفة و واحدة مصرية - و الترتيب لا يعكس المقامات المحفوظة لقدامي و مشاهيرالمدونين .
عمرو غربية اختار المكان بجوار السماعة في آخر الصفوف تحت تأثير احدي عاداته الدراسية و استجبنا كمدونين يفضلون مراقبة الوضع كاملا من المقعد الأخير .
كنا تقريبا في المقعد الأخير بالنسبة لشباب الاشتراكيين و اطياف اليسار و بعض شباب " كفاية " ..و لكن الجماهير التي اجتذبها " الكلام " تجمعت في نهاية الصوان ...بعضهم أقدم علي الدخول و الجلوس و الكثيرون فضلوا المشاركة وقوفا من بعيد لكي لا تصيبهم شظية من " الكلام الكبير" الذي يقال بالداخل


نذير العاصفة نبهني لضرورة الاشادة بصاحب الفراشة المناضل الذي وضع اسمه و تليفونه عل يمين و يسار خلفية المنصة
(أعتقد أن شباب الحملة غرروا به و الرجل لم يكن يدري هل يقيم صوانا لمؤتمر سيهتف فيه " ابن امبابه ..الرجل الجد يحب الجد " أم سيهتف فيه " يسقط مبارك " و " ثورة حتي النصر " )
لا أنسي أن أشكر - معتذرا- الكثير ممن دعوتهم و " كبسوني " هذه المرة و حضروا
عزيز صدقي لم يحضر لوعكة صحية بين قوسين و بعدها علامات استفهام ...
جورج اسحق قال كلمتة الموجزة و اختصارها " حانت ساعة التغيير " و رحل
عبد العزيز مخيون عفويا تحدث كثيرا عن قريته " أبو حمص " و ندد بـ"كمال الشريف " و" صفوت الشاذلي" و أزواج أخري من التوائم الملتصقة .... معا و بقعر الطاسة المصرية
جمال فهمي مازح الحضور بخفة ظله المعهودة و تمني لكمال خليل " رفيق سجنه " يوما ما ..التوفيق في الانتخابات و لكن أشفق عليه من التواجد في البرلمان المصري بين تلك الأغلبية من حثالة البشر و المجرمين الموقرين
عبد الغفار شكر و عادل محيي من حزب التجمع , نقلا تأييد التجمع لكمال خليل في كلمات تقليدية
القيادي العمالي ابراهيم صديق تحدث عن العامل كمال خليل المساند لنضالات العمال في كل أنحاء مصر
- كلمة اعتراضية من كمال خليل تتوعد بمسيرة بعد المؤتمر لـ "تحرير ابراهيم الصحاري " من قسم امبابة -
وجدي عبد العزيز ( مركز الجنوب ) تحدث عن الانتهاكات و بشائر التزوير و حاول في النهاية ان يعود في الاتجاه المعاكس ليدفع الاحباط و اليأس و يدعو الجميع للمشاركة و المراقبة
محمد خليل (شقيق كمال ) تحدث عن كمال المناضل ابن الحركة العمالية و حكي جانبا من تاريخ عمل اليسار في امبابة
القطب اليساري أحمد نبيل الهلالي المحامي (قديس الاشتراكية ) الذي أسمعه لاول مرة و ظننت أني ساستمع لمرافعة ...جاء حديثه - الذي قرأه من روقة مكتوبة - بسيطا و بليغا في عاميته مع بعض السجع و الجناس
و ان كان تحول في نهايته لمرافعة دفاعية ردا علي الاتهامات التقليدية التي توجه لليسار
- اعلان عن الافراج عن ابراهيم الصحاري (نعرف فيما بعد أنه تقرر ذلك فقط ) -
علي عبد الحميد - المرشح الناصري في الانتخابات قبل السابقة - تحدث عن دعم كل قوي اليسار بما فيهم الناصريين الاحرار - اسمعي يا جارة - لكمال خليل و وعد بمواصلة النضال و العمل في امبابة
قبل أن يتحدث كمال و بعد الرحلة الطويلة من الكلمات ...بعض الحاضرين - منهم رضوي - كانوا قد رحلوا ...المنصة تقريبا كلها رحلت و لم يبق بجوار كمال الا علي عبد الحميد
كمال خليل تحدث هذه المرة كثيرا و هتف قليلا و ملأ صوته مكان الراحلين بأعداد من المارة الذين اجتذبهم خطابه الساخن و تجمعوا في نهاية الصوان
( القليل منهم دخل و جلس )
فركت عيني و استعدت نشاطي و انتقلت لكرسي أبعد قليلا عن السماعة
فريق المدونين كله كان قد انتقل الي الوقوف بالخلف ... متعبا أفضل مكاني عي الكرسي
كمال خليل صارخا اعلن أن الاشتراكيين الثوريين لم يخوضوا هذه الانتخابات من أجل المقعد ...
فبه و أو بدونه سيتواصل العمل في المقر الانتخابي ليصبح مقرا دائما ...ليصحح ما راه اخطاء حركة التغيير التي تجتذب النخبة و لكنها بعيدة عن الفقراء ..و التي ترفع مطالب الاصلاح السياسي و تنسي المطالب الاجتماعية
كمال خليل دعا سواء بعد الفوز او الخسارة للاعتصام و التضامن مع اهالي بدرومات عزيز عزت حتي الانتقال الي مساكن آدمية.



و اعلن عن تواجده في المقر و في مقهي "رامي " أيا كانت النتيجة ...للتضامن و العمل مع و من أجل أهالي امبابة .
و دعا كل قوي التغيير و بالاخص قوي اليسار للتحالف من أجل العمل في الشوارع بين الكادحين .
و روي متأثرا قصة سائق التاكسي الذي أخبره - دون أن يعرف أنه كمال خليل المرشح - انه يحتفظ بكل بياناته تحت وسادة السرير
ردد كمال كثيرا " نحن الاشتراكيين الثوريين " ...لم يرقني ذلك كثيرا ...الاخوان ظلوا يعملون عقودا تحت مسمي التيار الاسلامي لتجنب المسميات الصادمة مع الاحتفاظ بمسمي جاذب
صحيح انهم الآن عادوا لاسمهم الرسمي ..و لكن بعد عقود من الحشد و ترسيخ الأفكار و المضامين و لم تبق الا اللافتة ... الم تكن تكفي كلمة " الاشتراكيين " ..تكفي معركة تصحيح صورة الاشتراكية و اخراجها من طي تجارب الماضي الفاشلة .
لا أظن ان مسمي " الثوريين " يناسب المزاج العام للمصريين ...سائق التاكسي يضع البيانات تحت وسادته لا علي طاولة في صالة بيته .
الناس علي باب المؤتمر لا علي المقاعد ...

أمام هؤلاء الناس بعد المؤتمر تجمع الشباب و هتفوا و غنوا قليلا ...بدا كاحتفال مسبق يتجاوز التفاؤل و التشاؤم و التوقعات و الحسابات
بعض الشباب اقتربوا و رددوا ...بعض المارة يحملقون فيما يحدث و يبدو عليهم التأثر...
أشعر بمفاجأة تقترب ...لا أدري من دفقة الحماس أم من ونس الرفاق و " لمة " الناس
هذا ايجابي في كل الأحوال
غدا ...في اللجنة مندوبا عن كمال سأقضي يومي ...
أتمني " ونسا " من الشباب كمراقبين ..
لا أحد يدري ما سيحدث غدا علي وجه التحديد ,و لكن أكيدا.. بعد غد سيكون مختلفا
بدءا من بعد غد يبدأ " العمل " في 13 شارع طلعت حرب بامبابة...

07 November 2005

(في إمبابة مع كمال خليل (5



تناغم ....Harmony


أعرف أن كلماتي هذه لن تصلهم , و بالرغم من ذلك سأشكر كل أصدقائي و معارفي في إمبابة الذين قضيت أكثر من ثلاث ساعات في مهاتفتهم أو البحث عن ايميلاتهم لدعوتهم لحضور أحد حفلي العيد اللذين أقامهما كمال خليل ضمن حملته الانتخابية الجمعة و السبت الماضيين.....مضطر أن أشكرهم جميعا و لا أستطيع أن أخص أحدا منهم ....لأنه و لا واحدا منهم حضر ...شكرا لكم جميعا
من جانب آخر انا أقدر الجهد الخارق لكل الزملاء المشاركين في الحملة و الذين يجاهدون ضد كل الظروف و المعوقات و ضعف الامكانات ...
الا اني بدلا من أن أفكر في انتقاد تأخير بدء كلا من الحفلين لأكثر من ساعة و نصف ....
بدا لي أن أشيد بذلك التناغم الكامل بين الشعب و المعارضة .
فالناس يعتبرون هذه الفعاليات أشياءا لا تخصهم و تخص أولئك الناشطين المعارضين وحدهم الذين يوجهون الدعوة .
و كذلك الناشطون لا يتوقعون حضور أحد من " الناس " ممن تلقي الدعوة لاحتفالياتهم , لذلك ما دمنا كلنا معا و هواتفنا المحمولة معنا فلا مانع من أي تأخير أو تغيير للمكان او خلافه
تناغم مدهش ...مَن مِن المفترض أن يبدأ سوء التفاهم ؟

تقاطع شارع البصراوي مع البوهي ( مكان حفل "الطنبورة " مساء السبت) مكان حيوي وسط غابات من العشوائيات المزدحمة , به ميدان صغير تنتصب فيه ساعة كبيرة رديئة التصميم مهداة من أحد اصحاب محلات الصيانة التي يشير الي مكانها سهم كبير فوق الساعة
مقهي كبير عند التقاطع يضع طاولاته و مقاعده في أي مكان في أرجاء الميدان
المقهي يديره احد قيادات الحزب الوطني في إمبابة
فور أن علم أن الحفل سيقام في الحديقة بالقرب من الميدان أسرع بنقل بعض الطاولات و الكراسي داخل الحديقة
و بعد جدل و مفاوضات اتفق و الشباب علي اقامة الحفل في جزء من الحديقة و لكن بعيدا عن الميدان و المقهي

اوزع الاوراق علي المارة و أراقب ردود فعل أصحاب المقهي
يلتفتون بحدة الي مكان الحفل فور سماع هتافات " الحزب الوطني اللي خربها " و كانها صفعة علي أقفيتهم
و لكن تصرفهم كان بمنتهي الوداعة ...واحد يأتي بين الحين و الآخر و يحاول أن يسخر ليستفز الشباب ..يداعبه بعضهم بود (او استخفاف ) أو لا يستجيب اليه أحد , يمل من نفسه و يرحل و بعد قليل يأتي واحد آخر.

احبطني يومها (مثل اليوم السابق) أن أعضاء الحملة و الشباب الأتين للمشاركة من " كفاية " هم تقريبا كل جمهور الحفل
مع استثناءات قليلة و كثير من الأطفال
عدد من البلكونات تراقب و مارة يتوقفون لثوان ثم يواصلون.


بينما أعود من الشارع لأحضر المزيد من الأوراق ..رامي يطلب مني امساط طرف اللافتة الحمراء الكبيرة لثوان ... قال انه سيعود
لا يعود و يمر من بعيد و يتحاشاني
بعد عشر ساعات تقريبا من الجلوس علي المكتب و الكمبيوتر ..عمودي الفقري منهار تماما ..و لا أقوي علي ابقاء ذراعي مرفوعا !
" ماشي يا رامي " ( لكن الحق يقال ..هو مطحون شغل و لابد أنه متعب ايضا)
ما باليد حيلة ...أستغل صداقتي للافتة ..أجلس علي سور الحديقة لاريح القائمة الخشبية علي السور بينما أحتضنها بمرفقي لابقيها منتصبة ...أضع رجلا علي رجل امعانا في ابداء الحميمة و اظهار عدم تضرري اطلاقا
أطلب من تامر وجيه ( من غير أستاذ بناء علي طلبه ) ان يأخذ لي صورة تذكارية مع اللافتة ...طلبت ذلك جادا
يطلب فورا من أحد الزملاء ان يمسك باللافتة بدلا مني ..أشعر بالذنب و لكن انا فعلا متعب

لا يمكنك - حتي ولو كنت متعبا - ان تقاوم السمسمية !
أقترب من الحلقة حول الفرقة ...لا يكتمل سماع فرقة " الطنبورة " الا بمشاهدتم .
رغم أن الموسيقي العربية التقليدية تفتقر الي " الهارموني " ( تناغم و توافق اكثر من خط لحني معا ) الا ان السمسمية ذات الأصل الفرعوني تبدو لي مختلفة
لا داراية لي كبيرة بالموسيقي , و لكن أشعر ان موسيقي السمسمية تفتح طاقة من مزيج من شظايا الالحان و الايقاعات المتراكبة التي تثير فيك الرغبة العارمة في الغناء و التصفيق و الرقص
ربما لهذا السبب لا يرتدي أعضاء فرقة " الطنبورة " زيا خاصا مثل باقي فرق الفنون الشعبية ...انهم فقط يستجيبون - كهواة - لداعي أنغام السمسمية لتذكر الاغاني الشعبية البورسعيدية و الرقص عليها بتلقائية و مرح عادي غير متكلف
ان لم تستطع ان ترقص معهم فلا مفر من ان ترددو تصفق ...اساليب مختلفة من التصفيق تتناغم كلها مع السمسمية !

اذا سمحت لنفسي ان ألخص ما يحدث ( من وحي الحفلين ) بشكل قد لا يكون مخلا جدا :
أشياء جميلة تحدث و لكن لا أحد يقترب - تقريبا - ...مرور سريع او مراقبة من بعيد.
هل يمكن ان نراهن علي اصوات المارة و المراقبين من بعيد .
لا يحتاج التصويت خلف الستار ( أتمني وجوده ) لشجاعة كبيرة , مثل تلك التي يحتاجها الاقتراب منا !
هل يمكن أن نراهن علي ذلك ..
تحت تأثير النزق غير العادي لأنغام السمسمية , انا شخصيا أراهن علي كل ما في جيوبي !
و اذا خسرت ساعاود الرهان بعد خمس سنوات بشرط حضور السمسمية !

......................

قبل أيام حدثني أبي - الذي كان مناصرا لاحد المستقلين في الانتخابات السابقة و كان في قلب الأحداث - عن فساد مرشح الوطني و عن ابداعاته في أساليب التزوير و البلطجة .
اليوم أخبرني أنه وعد مرشح الوطني بالتأييد و المساندة ...
( هل يبدو لك ذلك متناقضا ...تفتقر إذن للاحساس بالهارموني ...استمع جيدا)
... تم ذلك بعد لقاء مطول معه و اتفاق علي أن يقوم بنفوذه و سلطاته باسداء خدمات لبعض المشاريع الخيرية و الخدمية و سرعة معالجة بعض مشكلات الأهالي.
- " يا بني دي مش انتخابات و لا موضوع رأي و برامج و خطط و تغيير و جبهات ...ده مستنقع ...صراع تربيطات و مصالح و قبليات و علاقات تحت الترابيزة ... يرضيك الناس الغلابة تطلع منها من غير شوية خدمات حتي ... اللي ييجي منهم أحسن منهم زي ما بيقولوا ..."
- " الكرسي مقابل فتات خدمات ..... و للوطن رب يحميه " !

04 November 2005

مدد يا شيخ سيد درويش

تفسير فنان الشعب لما حدث في إسكندريته



".........
اسمع اسمع مني كلمة
إن كنت صحيح بدّك تخدم ..
مصر أم الدنيا و تتقدم
لا تقول نصراني و لا مسلم
و لا خلافه يا شيخ اتعلم
اللي أوطانهم تجمعهم
عمر الأديان ما تفرقهم " *

من يحسن الإنصات ,يجب أن تتعلم كيف تنصت إليه
الشيخ سيد درويش , فنان الشعب بحق , كان من هؤلاء الذين يجيدون الإنصات إلي موسيقي الناس في الشوارع
استمع فقط للحن " السياس " لتري كيف أنصت الفنان -بغير تعال- الي حداء السياس " العربجي" : " إوعي يمينك ....إوعي شمالك " , و صاغه علي عوده و منه الي مقام العجم ليصنع لحنه البديع الذي ينتهي بالمقطع أعلاه.
ما أود قوله أن سيد درويش انصت أيضا لصوت الناس - ليس فقط موسيقاهم - و لصوت التاريخ و نبض الواقع ...
أنصت لذلك الصوت الذي دعا المصريين للقيام جميعا ,متجاوزين كل ما هو غير انتمائهم لهذا البلد ...لتكون ثورة 1919
" اللي أوطانهم تجمعهم .....عمر الأديان ما تفرقهم "
هذه ليست ديباجة فارغة ضمن إحدي الأوبريتات الوطنية المعاصرة منزوعة الروح
هذا بيت القصيد
لماذا يحتقن "الوطن" من تضخم الانتماءات الدينية
لماذا يتحول الدين من رسالة " إلي" الانسانية , الي انتماء طائفي موجه " ضد " الآخرين
السبب البسيط كما عند شيخنا : " اللي أوطانهم تجمعهم ...عمر الأديان ما تفرقهم "
لان ذلك " الوطن " الذي أضعه بين قوسين لم يعد له معني او وجود عند الناس اللهم الا تلك المساحة من الارض المحاطة بحدود تحتاج لتأشيرات لتجاوزها
أضف لذلك علم يرفرف أحيانا علي أنغام نشيد في نهاية إرسال التليفزيون أو في طابور المدارس.
حاول في أي مناقشة ان تسوق مبررا لاي شيء ذاكرا " مصلحة الوطن " او لنجعلها " مصلحة البلد "
ستتنوع ردود فعل الطرف الآخر بحسب ثقافته بين تنويعات استنكارية بذيئة أو ساخرة مهذبة ,و بين ابتسامة مستخفة او وجوم مستغرب .
لسان الحال : " بلد مين ؟ "
الوعي بمعني " الوطن " , الاحساس بشعور " المواطنة " , الانتماء لـ" وطن " ليسوا أشياءا غريزية.
الانسان كائن اجتماعي ...نعم .
و لكن ذلك الاطار الذي يعيه كانتماء و جامع هو ذلك الكيان الذي يعيش خبرة " المواطنة " فيه.
لذلك فالانتماء للأطر الصغيرة يبدو تلقائيا - بشكل نسبي - ...الأسرة و العائلة ...القرية أو الحي ...أصحاب نفس الدين ....تلك الأطر التي تشملها الخبرة اليومية لكل إنسان .
مفهوم " الدولة - الأمة " المعاصر يحتاج لفعل سياسي لتدعيمه كإطار للمواطنة و الانتماء .
في غياب هذا الفعل السياسي ...ما الذي يمكن أن يجمع ساكن أقاصي الصعيد مع ساكن شمال الدلتا
و ما الذي يجمع بدو سيناء مع النوبيين
الفعل السياسي الذي تمثله " الدولة " نيابة عن إرداة الناس ..هو الذي بمرور الزمن و الأحداث .. يصنع الخبرة المشتركة و التاريخ المشترك و يقيم العمود الفقري لنسيج ثقافي مشترك يضم كل الأطياف داخله
مصر بلا جدال أول مجتمع مدني , قامت فيه الدولة الواحدة علي أساس المواطنة علي بقعة من الأرض .
كان الانسان المصري "وحدة" هذا المجتمع , و ليس القبائل و العشائر بخلاف مجتمعات أخري .
.....................
في غياب الدولة التي تعبر عن إرادة الأمة و في غياب الفعل السياسي المشترك ...ما هو معني الوطن أو المواطنة .
في ظل هذا الغياب يعود الإنسان للانتماءات الثانوية التلقائية و يحاول أن يبحث داخلها عن الانتماء و التضامن و المنعة
يحاول أن يدافع من خلف قناعها عن مصالحه ...لان ذلك الاطار الكبير لم يعد له وجود يعتد به
هذه الانتماءات الثانوية مشروعة في مجالها الصحيح و لكن إذا تعدت حدودها صارت تعصبا و طائفية و عنصرية و فسادأ
الانتماء للعائلة خارج مجاله الصحيح محسوبية و ساطة.
الانتماء لتجمعات المصالح المشتركة خارج مجاله الصحيح فساد و استبداد.
الانتماء لطائفة دينية أو غيرها خارج مجاله الصحيح عنصرية و تعصب .

ما رأيكم ...الانتماءات السابقة أم الانتماء للوطن ...أيهما يهرع اليه الناس اليوم في قضاء حوائجهم أو الدفاع عن مصالحهم .
هل أنا في حل من أن أذكر حال الدولة في مصر ...
حاكم فرد لا حاكم إلا هو
مؤسسات هشة ينخر فيها الاستبداد و الفساد
لا شرعية سياسية و لا مشروع وطني
ارادة مزورة من انتخابات اتحادات الطلبة الي رئاسة الدولة
هيمنة وجوه كريهة علي مصائر الناس
رشاوي و محسوبيات و وساطات و عمولات من قمة الرأس الي أخمص القدم
حقوق مهدرة و كرامة منتهكة
حريات أمام الكاميرات و جحيم في أقسام الشرطة
آلاف الجنود المرتهنين كأمن مركزي و آلاف المعتقلين في الزنازين
ابحث دائما عن " المعارف " الا و ودع كل حقوقك و مصالحك
سلطة في خدمة المال و مال في خدمة السلطة و شعب بلا سلطة و لا مال
" بئر معطلة و قصر مشيد " **
....................
حال هذه الدولة امتد الي المجتمع
قبضتها القوية و أنفها الأمنية و كردوناتها السياسية و الإعلامية حول الشعب - مع طول الأمد و الاستقرار الآسن - نقلوا جرثومة الخراب و التحلل الي المجتمع
الفساد سلوك يومي يتدفق مع ملايين الكبار و جنيهات الفقراء
الاستبداد و التسلط سمة عامة ( لا أستبعد الأحزاب و التيارات المعارضة و جماعات المثقفين )
قانون غائب و في غيبته قمع متبادل و صراع مرير بين الجميع ..كلُ خلف دروع عائلته او جماعته أو حزبه او " شلته " أو ...أو ...
لم يعد للـ"وطن" معني سوي " الحلبة " .. " الساحة " .."الكعكة " .."الغنيمة" .." الكذبة الرنانة في مقالات الرأي و البرامج الحوارية "
................................
أي وطن إذن يجمعنا سوي ذلك الذي في الأغاني و الأشعار و كتب التاريخ ....و في بعض القلوب التي خبأت جذوة الأمل في المستقبل ,و لم تتركها نهبا لرياح الواقع الهمجية
هل تستكثرون في غياب " الوطن " أن يحدث ما حدث .
أنا غير مندهش علي الإطلاق .
هذه ليست كبوة عارضة ...انها كارثة مقيمة.
عندما لا يجمعنا الوطن ...يمكن لكل ما سواه أن يفرقنا.

آه يا مصر ...... ".. لسه متعلق بديل النون في كلمة وطن " ***


-----------------
* من لحن " السياس " كلمات بديع خيري
** من الآية 45 من سورة الحج
*** من شعر الراحل عمر نجم
الصورة الأخيرة عن الوعي المصري

03 November 2005

(في إمبابة مع كمال خليل (4


( زوايا الرؤية )


لا أخفيكم أني سعدت بما حدث من إزالة لكل لافتات كمال خليل من شوارع إمبابة و مصادرة بعض ملصقاته
اعتبرته رد فعل يدل علي تأثير و فعالية " الفعل " الذي يقوم به كمال خليل في إمبابة
حتي و لو كان هذا الفعل و تأثيره رمزيا او لا يزال كذلك
كما أني اعتقد أن المعارضة في مصر تنشط بشكل أفضل في اجواء القمع و الاضطهاد ..كما انها تحسن استغلال هذه الأجواء لصالحها
لذا فقد اعتبرت ما حدث مؤشرا إلي بداية " الجد " و توقعت أن منحني الأمور ربما يتغير
و بناء عليه قررت أن أكون في مسيرة أمبابة الاثنين الماضي بدلا من وقفة " كفاية " من أجل الوحدة الوطنية بميدان طلعت حرب
و لكن وقفة " كفاية " أثرت علي مسيرة إمبابة و المؤتمر الصحفي الذي سبقها ....
و فضل الشباب الانتظار ساعة كاملة من أجل حضور أكبر عدد ممكن ...
أثناء الانتظار في المقر تدور حوارات مرحة متفائلة أو تحاول أن تتفاءل و تروي مشاهد من هنا و هناك
احد الرفاق - ممن لم أتشرف بمعرفته بعد - كان يروي مشاهد من جولات المرشحين الأخرين
مرشحون يسيرون في جولات محاطين بالبلطجية و الهتيفة المأجورين
و آخرون محاطون بالصعايدة و " النبابيت "
و أخيرا قال أن مسيرات كمال خليل مختلفة جدا ...من يسيرون معه مثقفون ..

فضلت مواصلة الانتظار علي مقهي "رامي " أسفل المقر ..
عندما بدأ الزحام و اصبح الشعور بالجليطة مصاحبا لوجودك علي كرسي وسط من يبحثون عن مكان في الشقة الصغيرة المكتظة
كما أني كنت في حاجة ماسة لكوب شاي
علي المقهي مجموعة من الشباب سبقتني ..و يبدو أنهم كانوا أيضا في حاجة ماسة الي شيشة
تعجبت من القهوجي الذي كان يتعرف سريعا علي الشباب الآتين للمشاركة فيدلهم علي مدخل المبني او يحضر لهم كرسي بجانب مجموعة الشباب
أحاول أن أعرف كيف اكتسب هذه الحاسة ...هل تعرف علي أشكال المترددين سريعا ...بعضهم يبدو انه ياتي لأول مرة
هل يتعرف عليهم من مشيتهم السريعة او الأوراق التي يحملونها ..
لم أصل لشيء واضح و إن كان الزميلات مميزات بشكل ما
غير محجبات و يرتدين أزياء عملية بسيطة في مفارقة للسائد المنقسم بين الحجاب و بين " العياقة" المتكلفة أو مزيج منهما !
( لا ينطوي هذا علي أي انتقاص من أناقة كل الزميلات ...)
بدا لي أيضا ان رواد المقهي يعرفن أيضا أن هؤلاء الفتيات أو السيدات ضمن حملة كمال خليل , عندما تأتي إحداهن و تنضم للشباب
مقاهي إمبابة ليست مثل مقاهي وسط البلد ...هنا من النادر ان تجد امراة علي مقهي

بدأ الشباب التجمع في الشارع لعقد المؤتمر الصحفي و بدء المسيرة
لم أتحرك من مكاني حتي اطمأننت أن اللافتة الكبيرة قد استقرت مع أصحاب النصيب
قمت و انضممت للتجمع و بدأ كمال في الحديث
افتتح حديثه بالهتاف ليجذب أنصار الناس في الشارع
ثم هاجم الحزب الوطني و مرشحه و ندد بالاعتداءات علي مواد حملته الانتخابية
و أعلن تحديه لمرشح الوطني اسماعيل هلال ان يجرؤ علي مناظرته أمام الناس ليسأله عما قدمه في البرلمان لامبابة طوال دورتين
أثناء حديث كمال تجمع عدد من الناس يستمعون ...كانت فرصة مواتية لتوزيع الأوراق
اقترب مني شاب و بعد أن تناول الورقة اقترب أكثر و همس في أذني :
- معلش ممكن أسأل سؤال
( يبدو من لهجته أنه حرفي )
- اتفضل
- يعني ايه اشتراكية ؟
- امممممم.....يعني خير البلد يشترك فيه كل الناس مش الاغنياء بس
- انا مش قصدي الكلام ده
- امال ايه
-شكلكوا لامؤاخذة غريب و مش من هنا ...انتوا منين يعني و تبع مين ؟
- فيه ناس كتير من هنا ..و فيه ناس جايه تأيد كمال لانها زي ما تقول كده من الحزب بتاعه
-شكلكوا أصله خواجاتي شوية
(مشيرا الي الزميلات )
- لا ياعم مصريين و الله ..... انت اللي شكلك صعيدي مش من هنا !
- عرفت ازاي؟ (يضحك )

أثناء المسيرة و بجاور جامع السنية ( السلفيين ) ...أناول أحد الشباب الور قة:
- مهندس كمال خليل ...مرشح كفاية و تحالف المعارضة
( لا يبدو من مظهره انه سلفي ..في يده سيجارة و مع زميله جريدة النبأ)
يرفع الشاب الورقة أمامي بشكل مسرحي و يمزقها أربع أجزاء و يلقيها في الهواء
- أنا مسلم و موحد بالله ( لا أفهم مقصده تحديدا )
- و أنا كمان مسلم بس مش دي القضية
- لا هي دي القضية (بعدوانية )
- زي ما تحب ( اتجاوزه متفاديا أي احتكاك ...يمكن أن يثير مشاكل )

احاول اللحاق بالمسيرة أنا أوزع الأورق
ادركهم عند منطقة يملؤها الباعة من السلفيين المتجمعين بجوار المسجد
أفكر في توفير الأوراق لتجنب حدوث أي مشادات
يفاجئني ترحيب الباعة بالمسيرة , أحدهم (كث اللحية و بجلباب قصير ) يأمر صبيانه بالهتاف
- اهتف يا وله ...يسقط حسني مبارك ....اللي مش هايهتف مش راجل
أمد يدي بالورقة يتلقاها بابتسامة , في يده ورقة أخري وزعها أحدهم قبلي عنوانها "حتى لا يعذب أهالينا فى سلخانات الشرطة "
ابتهج بالتجاوب ..كمال يعانق أحدهم و يسلم عليه بحرارة

رجل جالس علي الرصيف ذو لحية طويلة مصبوغة بالحناء يتناول الورقة مني :
- اسمع يا بني ...الراجل ده اسمه ايه
( يبدو أنه لا يعرف القراءة )
-كمال خليل ..رمز المصباح
( تتناهي الي مسامعنا الهتافات من المسيرة المتقدمة ...كفاية ...كفاية )
- هو ده ...ولد صحيح ...إمبابة عاوزة راجل ...مش عاوزة "خـ........" , قوللهم يقولوا كفاية "خـ.........." بقي !
- ماشي يا عم الشيخ (أضحك )

..............................

في المرة الأولي التي سمعت فيها من صاحب أحد المحال جملة " بالتوفيق ان شاء الله "
تفاءلت جدا و اعتبرت ذلك اطراءا و تأييدا ,بعد أن نظر في الورقة سريعا و بعد أن حدثته قليلا
بمرور الوقت و مزيد من الناس ومزيد من الأوراق بدأت أكتشف أن تلك الاجابة هي " أكلشيه " لأصحاب المحلات
هم دائما في طريق الحملات و الجولات ... و لابد أنه بعدد الانتخابات التي مرت عليهم مر عليهم عشرات أضعافها مرشحون و جولات و أوراق
تبدأ في التعود علي أنماط ردود الفعل الأخري
الجالس في المقهي ....ان كان مشغولا ....يرد عليك باقتضاب و هو يفكر في اللعبة أو في الفيلم
ان كان وحده و يبدو غير مشغول ربما يناوشك قليلا و يتبادل معك كلمتين أو أكثر
السيدات - من يشي مظهرهن انهن ربات بيوت - ينظرن للأمر علي أنه لا علاقة لهن به بتاتا
البائعات في الشوارع هن الأكثر حماسا و تجاوبا و ربما يشاركن في الهتاف و التصفيق

أحاول توزيع الأوراق علي راكبي عربات النصف نقل
(عربات تغطي مؤخرتها بغطاء قماشي و تستعمل لنقل الركاب علي مقعدين متقابلين مثل " بوكس " الشرطة ..و ثلاثة أضعاف عدد الجلوس ركاب واقفون و بعضهم متشبث أو متدلي من السيارة)
أندهش من اهتمامهم بالحصول علي اوراق ..كنت أتوقع العكس
أحدهم ( مواطن متدلٍ بكليته خارج العربة ) يطلب مني عددا من الاوراق لكل الركاب و يسلمهم لمتدلٍ آخر أقل تدليا و هكذا دواليك حتي تنتشر الاوراق بالداخل
تأخذني الحماسة فأرمي ورقة أو اثنتين في الكابينة الأمامية للعربة حيث السائق و معه راكبين
بعضهم تلقاها و بدأ في قراءتها
أحدهم نظر فيها سريعا ثم ألقاها من نافذة السيارة
يتصادف مرور احد الرفاق الذي يحتد قائلا : شعب وسخ !
ارتبك و أتأكد ان أحدا حولنا لم يسمعه ... " الحمد لله "
لا أجد وقتا لأعاتبه وسط الضجيج و فوضي المرور في الشارع الضيق

أواصل توزيع الأوراق امام المسيرة
يسبقني بعض الزملاء يوزعون علي المارة
أقترب من رجل و زوجته ينظران في الورقة التي حصلا عليها للتو
اسمعهما :
- اه ما هو موسم ..كل خمس سنين جولات و ورق و سلامات و عاوزينكم و بعد كده كله يسلك حاله...حاجة وسخة !
أقترب منهما ....يلاحظاني و بيدي الأوراق ...يبتسمان في ارتباك ...و يقول هو في ابتسامة أعرض و هو يتناول مني الورقة : " بالتوفيق ان شاء الله " !