21 April 2013

حقدنا أكبر من حريتنا

قبل أسبوع تقريبًا حكم قاضٍ أمريكي على مقاتل أمريكي سابق في صفوف المارينز بالسجن 20 عامًا وبتعويض قدره 1.4 مليون دولار، لإدانته بارتكاب محاولة إحراق سجاد مسجد في ولاية أوهايو، بعد أن اقتحمه بدافع الانتقام للجنود الأمريكيين الذين قتلوا وأصيبوا على يد مسلمين، كما قال المحكوم عليه راندي لين في اعترافاته، ولكن القاضي رد على مبرراته في ديباجة الحكم قائلاً إن «مرتكبي جرائم الكراهية من أمثاله يريدون أن يدمروا ما هو أبعد من المباني، إنهم يستهدفون نمط حياتنا... لأن حريتنا أكبر من حقد هذا الرجل».
العبارة الأخيرة لن تجد لها مثيلاً في ديباجة حكم من محكمة مصرية على أحد المعتدين على الكنائس أو حتى المساجد ذات الأضرحة التي تعرّض بعضها للاعتداء والحرق، بل والهدم الجزئي والكامل، لأنك لن تجد أصلاً أي حكم أو إدانة في معظم القضايا.
المعتدون على الكنائس بشكل خاص بدافع الكراهية الدينية يتم تفهم حقدهم في جلسات صلح عرفية كانت تتم تحت رعاية جهاز أمن الدولة ورموز الحزب الوطني سابقًا، والآن تتم برعاية وفود من الأزهر والكنيسة ومشايخ السلفيين والإخوان، بينما السلطة تواصل الإنكار مثل سابقتها ويواصل القيادي الإخواني محمد مرسي عادة إخوانه في الكذب حتى مساء أمس في حواره مع قناة الجزيرة، مؤكدًا أن ما يقال عنه «أحداث طائفية» هي مشاجرات عادية وليست طائفية.
وكأن العادي في إثر جريمة يرتكبها مصري مسيحي أو في إثر مشاجرة بين مسلم ومسيحي أن ينتهي الأمر إلى اعتداء وانتقام طائفي من سائر المسيحيين في محيط المكان ومكان عبادتهم الذي لا علاقة له بالمشاجرة أو الجريمة، ماذا يمكن أن تكون الطائفية غير ذلك؟
ولكن يبدو أن القيادي الإخواني محمد مرسي وفريقه الرئاسي وهم يمزجون الكذب بالجهل يضيفون إليه الصفاقة وهم يغضون البصر عن الحال المتردية للحرية الدينية ويضيفون المزيد من الحقد والكراهية الدينية إلى المجتمع.
قبل أيام صرح متحدث باسم الرئاسة "أن مصر ستظل سنيّة". ليس لدي شك في أن عضو الفريق الرئاسي الفاشل لا يعلم هو ولا رئيسه شيئًا عن حدود مهماتهم التي لا تشمل تقرير مستقبل عقائد أهل مصر، ولكني متفهم أنه ورئيسه وجماعته في سبيل التخفيف من حقد حلفائهم السلفيين بخصوص عودة السياحة الإيرانية اضطروا لتطمين الحقد الكبير في قلوبهم ببعض الكلام الفارغ.
تفهّم حقد المعتدين على الكنائس وطمأنة حقد المحرضين ضد الشيعة هو سلوك سياسي متسق مع حقيقة أن حقدنا أكبر من حريتنا.
حريتنا في مجال الدين لا تكاد تظهر أصلًا، وإن أردنا التحدث عن الحرية الدينية في مصر يمكننا أن نقول: بسم الله الرحمن الرحيم .. لا توجد حرية دينية في مصر.
في مصر هناك خيارات محددة فيما يخص الدين: أن تكون مسلمًا سُنِّيًّا أو مسيحيًّا (أرثوذكسيًّا أو كاثوليكيًّا أو بروتستانتيًّا) أو يهوديًّا، لكي تسمح لك الدولة– نظريًّا - بحرية ممارسة الشعائر.
ولكن بالطبع لست حرًا في أن تكون مسيحيًا أو يهوديًا أو مسلمًا غير سُني وتفكر في ممارسة حريتك الدينية في مساواة مع المسلم السُّني. باقي أهل الذمة من الطوائف غير المسلمين السُّنة لا يمكنهم بناء دار عبادة إلا بموافقة الخليفة وفق الخط الهمايوني الصادر سنة 1856م من الخليفة العثماني. وهو بالمناسبة يشبه أفضل دستور شهدته البشرية في أنه ينص على مساواة كل رعايا الدولة العثمانية في الحقوق والواجبات، وفي التفاصيل يمارس التمييز ويرهن بناء أي دار عبادة– غير المساجد بالطبع - بترخيص من الخليفة.
ولأننا فيما يبدو لم نتجاوز في المجال الديني حتى هذه اللحظة حالة الطوائف الخاضعة للخلافة الإسلامية السُّنيّة فإن رئيس الجمهورية يتولى إلى الآن سلطة الموافقة على تراخيص دور العبادة بدلًا من الخليفة، حتى صدور تشريع يسمح ببناء دور العبادة أو عودة الخلافة أيهما أقرب.
وحتى لو كنت مسلمًا سُنيًّا تنتمي لفكر مجموعة لا تحبها وزارة الأوقاف ولا تراها فكرًا إسلاميًا صحيحًا وسطيًا، لا يمكنك أن تتخذ مسجدًا ولا أن تمارس فيه الخطابة أو الدعوة وإلا وقعت تحت طائلة القانون وربما تعرضت للحبس والغرامة.
الخلاصة: لا توجد  - بالمعنى القانوني - حرية دينية في مصر لا للمسلمين ولا لغيرهم.
ولكن يوجد وضع سلطوي وتقييدي يمكن للسلطة استخدامه ضد كل واحد أو مجموعة ويمكنها أن تتجاهل هذا أو ذاك.
وهذا الوضع مثالي بالتأكيد، لكي يمارس القوي حريته استنادًا لقوته – وليس لحقه وحريته– ولكي يظل الأضعف والمختلف تحت تهديد عسف السلطة أو حقد الذين يكرهون الاختلاف أو يكرهون سائر البشر، أيهما أكبر.
الوضع القانوني لحرية الدين في مصر وضع مثالي، لكي يقف عليه الحقد الطائفي ويهاجم كنيسة تنتظر عشرات السنين ترخيصًا من رئيس الجمهورية شخصيًا ، أو يهاجم شقة يجتمع فيها بعض الشيعة أو بعض البهائيين أو مسلمون يتم اتهامهم بأنهم «قرآنيون».
الكراهية الطائفية هي الصديق الصدوق للسلطوية الإسلامية. السلطويون الإسلاميون، الذين يحيلون كل مفرق سياسي إلى معركة بين «الإسلام» وكارهيه، لا يمكنهم أن يتخلوا عن الكراهية الطائفية كحليف انتخابي. هي «البلطجي» الذي يعمل في خدمتهم في أوقات الأزمات. البلطجي الذي لا يمكن أن يتنكروا له ولفضله، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يفخروا به أو يشيدوا بأفضاله، ولكن رد الجميل والحفاظ على حبل الود والتعاون يكون بالستر الجميل وإنكار وجود هذا البلطجي وأفعاله، لكي يستقر هناك في أمان في انتظار استثمار الكراهية الطائفية في تأييد قرار سلطوي جديد أو غزوة صناديق مقبلة.

نشر في المصري اليوم بتاريخ 21 ابريل 2013

No comments: