23 August 2009

أن تكون فردا .. لكن ليس وحيدا



كبرق خاطف مرت "قضية هبة نجيب". الدهشة شملت الجميع: هؤلاء الذين تعجبوا مما فعلت واستنكروه، وأولئك الذين انبهروا بشجاعتها وساندوها.
ولكن الأكثر إدهاشا في رأيي، وما لا أود أن ينقضي أثر دهشته سريعا كالبرق بل أتمنى أن يظل كضوء مزعج مسلّط على الأعين المحدقة المستنكرة، هو تحديدا ما لخصته هبة في عنوان ما كتبته على مدونتها: "لماذا أريد العودة .. ببساطة لأنني أريد".

العنوان يحمل رسالة واضحة وقاطعة وجذرية لا تتوسل بظروف استثنائية سيئة ، بل تطلب الانحياز غير المشروط وهي تعلن أن هناك "فردا" يتمسك بفرديته التي تعلو على كل اعتبار آخر ويطالب بالتضامن معه في أن يحرر تلك الفردية ويحرر اختيارها باعتبارها شرطا أول للحياة غير قابل للتفاوض ولا يحتاج لمبرر .
مضمون الرسالة كان سبب الانقسام السريع بين أولئك الذين انحازوا لهبة وإعلانها عن نفسها كـ "فرد" وحقها في أن تكون كذلك، وبين هؤلاء الذين فكروا فيها كـ"ابنة" يجب أن نسمع رأي أبيها، أو فكروا فيها كـ"أنثى" يجب أن نتوجس من استقلالها بحياتها أو يجب أن نقلق عليها بأبوية ، أو ربما فكروا فيها كـ"مظلومة عادية" - مثلهم- تساءلوا مستنكرين لماذا تتذمرعلنا بينما يعانون هم ويعاني آخرون من مظالم أخرى- أشنع ربما- بينما تتمتع هي بحرية الحركة لكي تطالب بحقها أمام جهات مختلفة وبحرية الاتصال بالإنترنت لكي تطلب التضامن معها.

الأمر لا يتعلق بأن هؤلاء يدركون حقيقة ما لم يدركها أولئك، أو العكس، فالإنسان يوجد فردا كما يوجد ابنا وأخا وقاطنا بمنطقة ما محكوما بقوانينها وظروفها. ولكن يبدو لي أن الأمر متعلق بـ"الخيال". يمكن للإنسان أن يتخيل لنفسه أوصافا وأماكنا ومهاما أخرى، عقيدة أخرى وتدينا آخر، أهلا وأصدقاء آخرين، إلا كونه فردا وذاتا عاقلة مريدة. "الإرادة" ركن آخر، أن يتخيل الإنسان مصيرا لنفسه وهوية يختارها ثم يريدها ويتشبث بها. أولئك الذين انحازوا لحقها سريعا إنما انحازوا لأنفسهم ولحقهم في الفردية والخيال والإرادة على خلاف الواقع والمتاح الضيق. انحازوا لحق الصوت الواحد المنفرد أن يكون ما يريد، بينما انشغل الآخرون بتخيل حق الأصوات الأخرى في تقرير مصيرها.

الانحياز إلى "الفردية" والحق في الخيال وحرية الإرادة، لا علاقة له بإيمان مسبق بالمنظومة العالمية لحقوق الإنسان أو قيم الحداثة. بل على العكس، تثبت مثل هذه المواقف أن خيال وإرادة الأفراد والجماعات وخوضها الشجاع لمعارك من هذا النوع هو الذي يفتح الباب - إن كان هناك آخرون مستعدون لتكرار المعركة - لكي يتم إقرار الحقوق وكتابتها وتثبيتها بعد جدل وصراع وتفاوض اجتماعي. أو ليتم تفعيل الحقوق المجمدة والمسطورة نصا في الدساتير والقوانين بينما الكل مستعد لتجاهلها.

محاكمات قضايا التعذيب نشطت بعد شجاعة عماد الكبير في أن يعلن أنه تم انتهاك حقه كمتهم وتم الاعتداء عليه جنسيا وأنه يطالب بعقاب من انتهك حقه. ليخرج حق المتهم المجمد من أسر نظرة المجتمع التي تتغاضى عن كل الانتهاكات بحق "الأوباش المسجلين خطر" الذين يجب أن يعاملوا بقسوة لكي يرتدعوا. تشبث عماد الكبير بفكرة أرادها: "أنه فرد له حقوق حتى لو كان مجرما مدانا"، وكان ذلك خيالا وإرادة أخرجا القواعد القانونية المجمدة إلى العمل.

قضايا التحرش الجنسي، احتاجت لشجاعة نهى رشدي لكي تخرج من أسر نظرة المجتمع التي تدفع الفتاة لأن تخجل من نفسها لو تم التحرش بها. خيال وإرادة نهى دفعاها لكي تتجاهل السيناريوهات النمطية لمثل هذه المواقف وتتشبث بفكرة أن تسوق من تحرش بها إلى الشرطة لتضع النظام القانوني في موقف يبحث فيه عن نصوص تصلح لمحاكمة هذه الجريمة بينما لا ينص إلا على عقوبات لهتك العرض.

الحقوق والقوانين "الحية الفاعلة" ليست تلك التي يتم الاتفاق عليها في قاعات كليات الحقوق أو يقترحها المفكرون في مقالات، بل التي يخوض من أجلها الأفراد والجماعات الصراع والجدل بخيال وإرادة لتجاوز الواقع إلى غيره.

حالات عماد الكبير ونهى رشدي وهبة نجيب، كانت مشكلة فرد، وكان ممكنا أن يتحول كل منهم إلى "حالة متشابهة" وسط حالات: متهم يتم تعذيبه فيسكت، فتاة يتم التحرش بها فتسكت، فتاة تكره على اختيار مكان لحياتها لا تريده فتتكيف. ولكن كل منهم آمن بفرديته وحقه في أن يريد شيئا آخر. وبالإضافة إلى ذلك هذه الفردية التي جعلت من نفسها قضية عامة وخرجت إلى ساحة الجدل في المجتمع، لم تكن فردية وحيدة، بل كانت وسط جماعة وبعد معركتها فتحت الطريق إلى آخرين يريدون أن يسلكوا نفس الطريق.

من حسن حظنا أننا أبناء هذه اللحظة في التاريخ، حيث يتيح التواصل السهل للفرد أن يجد مساحات واسعة أمامه لكي يعمل خياله ويختار أن يكون شيئا آخر غير الذي يفرضه عليه المكان والأهل والمحيط الاجتماعي، بل ويختار أن يكون مع هؤلاء الأفراد أو هذه الجماعة أو تلك ويرتبط معهم بصلات مختلفة أو يطلب مساعدتهم ومساندتهم. عماد الكبير خاض معركته وسط قانويين وصحفيين ومدونين. ونهى رشدي كانت محور تضامن نساء لم يعرفنها ولا سمعن عنها قبلا ولكن فقط لأنها عبرت عنهن. والمتضامنون مع هبة نجيب إما كانوا من عرفوها من مدونتها أو من عرفوها على البعد وتواصلوا معها تضامنا مع حقها، بينما لم تلتق بمعظمهم وربما لن تلتقي.

هذه اللحظة مناسبة جدا لأن نسخر من هؤلاء الذي صدعونا بتأثير وسائل الاتصال الحديثة على التواصل والاجتماع الإنساني الحميم. في الواقع لم تفعل وسائل الاتصال هذه، على رٍأسها الانترنت بالطبع، إلا إنها أتاحت مساحات بديلة للأفراد لكي يجدوا فيها أقرانا لهم وروابط اجتماعية وجماعات اهتمام غير التي كانت متاحة وفق الظروف والإمكانات المحدودة. لا تؤثر هذه المساحات الجديدة إلا على الروابط الاجتماعية الهشة التي لا سند لها إلا الادعاء أو الإكراه. فبديلها يصبح بمرور الوقت أقوى وأقرب: أن تكون فردا ولكن ليس وحيدا.


نشر في "ولاد البلد".
اللوحة لهنري ماتيس.

16 August 2009

عشر ملاحظات وتحية


يوم 2 أغسطس بدأ المتضامنون مع حق هبة نجيب في العودة إلى مصر الكتابة على مدوناتهم بعد أن أنشأت بنفسها مجموعة على الفيس بوك، وفي يوم 9 أغسطس كانت هبة نجيب في مطار القاهرة.

قد يوحي ذلك أن المشكلة كانت بسيطة، أو أن حملة التضامن صادفت قرب انتهاء المشكلة وحلها على مسار آحر، ولكن لا شاهدا أفضل من هبة لينفي ذلك وليقول لنا أن التضامن معها بالفعل قلب المعادلة وأنهى أزمة 3 سنوات في أسبوع.
الصورة الأكثر دقة- كما يبدو لي- أن محاولات هبة المتواصلة وتمسكها الشديد والمدهش بحقها هو العامل الأساسي الذي أتاح أن تنتقل حملة تضامن من خانة أضعف الإيمان لتكون عاملا مساعدا في تغيير فعلي على الأرض.
هذه الصورة تدفعنا لألا نبالغ في قدرات وإمكانات حملات التضامن على الإنترنت أو في الإعلام، ولكنها تدفعنا أيضا لأن نعرف أنها ليست بلا تأثير، والتفاصيل قد تكون فيها ملاحظات جديرة بالتأمل لكل من يهتم بالإنترنت كمساحة للنشاط والتضامن والتشبيك بين المهتمين بمناصرة قضايا أو قيم مشتركة.

أولى هذه الملاحظات أن السعي على الأرض في مسارات مختلفة للمطالبة بالحق أو الاعتراض على مظلمة كان ضروريا لتحديد وجهة الحملة الإعلامية، التي لم تخرج كنداء في البرية بل حملت مطلبا محددا موجها إلى جهة محددة: حق مواطنة مصرية في العودة لبلدها ومسئولية الخارجية المصرية عن ذلك، بالإضافة لتحديد العقبات التي تعترض نيل هذا المطلب رسميا وتهدد كسب التعاطف مع القضية: نظام السعودية المستند للتقاليد الأسرية المحافظة التي لا تقبل استقلال البنت بحياتها.

ثانيا، هناك دور كبير لشجاعة هبة وقرارها بتحمل تبعات حملة تضامن إعلامية ستتعرض بسببها لاتهامات أخلاقية، وقرارها بخوض معركتها من زاوية حقوقية صارمة: حقي كمواطنة في العودة لبلدي، فقط لأنني أريد، كما كتبت في مدونتها. ورفضها التركيز على ظروف سيئة أو استثنائية لجلب التعاطف، رغم اضطرارها لذكر بعض التفاصيل تحت إلحاح الإعلام الذي يريد قصة أكثر إثارة وحيوية من قضية حقوقية تستند لحق قانوني مجمد في السياق الاجتماعي.

ثالثا، هناك الآلاف من شكاوى المصريين في الخارج يتململ الإعلام المؤسسي قبل النشر عنها. القاريء مل من هذه المظالم ولم يعد هناك ما يثيره في حالة بعينها بعدما تحول الأمر إلى مظلمة واحدة كبيرة لا تثير إلا الأسف على حال البلد وقيمة الإنسان فيه.
ما حدث إن الإعلام بالفعل تململ وتلكأ في نشر قضية هبة، إلا بعدما وجد في حملة الإعلام الشعبي- المدونات، فيس بوك، تويتر- قصة جذابة وجدلا مثارا بالفعل دوائره بدأت في الاتساع. وحضور ذلك واضح في عنوان مداخلة برنامج 90 دقيقة : تشتكي والدها عبر الفيس بوك وفي تفاصيل خبر المصري اليوم وفيديو موقعه.

رابعا، الإعلام الشعبي أكثر جرأة وحرية في إثارة القضايا التي تصطدم بالقيم التقليدية والأفكار السائدة متحررا من أجندات رأس المال أو معيار الجاذبية الجماهيرية التي تحدد خيارات الإعلام المؤسسي. ولكن هذا الأخير يمكنه متابعة الإعلام الشعبي والتعلل به أحيانا لإثارة مثل هذا النوع من القضايا، كما حدث في بدايات الاعتراف بوجود التحرش الجنسي.

خامسا، لا يمكن أبدا تجاهل أن الإعلام المؤسسي لا يزال صاحب التأثير الأكبر والقدرة الأكبر على طرح قضية على قطاعات أوسع من الرأي العام والضغط على المؤسسات الرسمية ومساءلتها. في قضية هبة كان لنشر المصري اليوم التاثير الأكبر في الضغط على أطراف القضية (الخارجية، السلطات السعودية، الإخوان المسلمين، وأسرة هبة) لكي يصل الأمر لاتفاق سريع وحل للمشكلة.

سادسا، تبعا للملاحظة الخامسة تبرز أهمية المساحات المخصصة في الإعلام المؤسسي لنقل أو عرض محتوى التدوين. فقد تكون هذه المساحات هي الجسور الأسرع لتفعيل حملة تضامن تبدأ في ساحة الصحافة الشعبية. وهو ما يمكن أن يكون مدخلا لإعادة النقاش حول التصلب في قضية الملكية الفكرية فيما يخص إعادة نشر محتوى من المدونات.

سابعا، ما يمكن قوله مختصرا "لا تحقرن من التضامن شيئا"، فما قدمه كل واحد ظانا أنه أضعف الإيمان كان جزءا من دائرة تتسع لتزيد من تأثير وقوة الحملة. حتى الذين كتبوا متشككين أو ومعترضين ساهموا في ذلك ووسط كثرتهم ازدادت الهالة على دائرة التضامن التي استفادت من النقاش والجدل لتبدو واضحة أكثر في خطابها وفي بلورة القضية بفضل كتابات مميزة وجريئة.

ثامنا، اتصال حملة التضامن بموضوعها يزيد من جديتها. كانت هبة في قلب حملة التضامن بشجاعة، رغم تبعات ذلك.
والتواصل معها أتاح لمتضامنين تقديم خدمات جانبية على الأرض كانت عظيمة الفائدة.

تاسعا، عندما أثارت حملة التضامن تغطية إعلامية نشطت جهات ومؤسسات كانت تتعامل مع الحالة باعتبارها صفحة في ملفاتها، ولكنها لم تعد كذلك بعد اقترابها من أن تكون قضية جدل عام.
التشبيك مع الجهات والمؤسسات ولكن عدم الاعتماد عليها بشكل كامل يساعد في تنشيط حركتها ومعاونتها. وفي قضية هبة، الجهات التي اهتمت بالأمر لفترات مختلفة بأقدار متفاوتة كانت تستعد للدخول على خط المعركة الإعلامية والقانونية التي نشطت من جديد لولا الانتهاء السريع للمشكلة.

عاشرا، في مثل هذه اللحظات تبرز أكثر أهمية وفاعلية كل الجهود التجميعية، سواء التي تهدف لتقوية تأثير التدوين مثل مجمع "العمرانية" الذي خصص واجهته طوال الحملة للتدوينات التي تناقش القضية، أو مجموعات الاهتمام المتعلقة بالأمر مثل مبادرة "كلنا ليلى"، التي شهدت مجموعتها البريدية النقاش والتحضير للحملة وساهم عدد كبير من أعضائها في الكتابة أو المساعدة بطرق مختلفة .

أخيرا، هذه اللحظة وغيرها تؤكد دائما على أهمية حركة 30 فبراير المباركة بكل أجنحتها المفتوحة والمنفتحة على كل المجموعات والمتقاطعة معها والمتغلغلة داخلها وداخل الإعلام المؤسسي والمجتمع المدني وكل شيء حي.

08 August 2009

يا له من نهار !


ألا يبدو غريبا، بل وغرائبيا، أن نبتهج بقرب حصول مواطنة على حق العودة إلى وطنها، وبنجاح أشخاص في استخراج بطاقة شخصية ؟!

ولكني سأفرح مع محمود درويش ، الذي لما تذكرته ذكّرني :

حين تبدو السماءُ رماديّةً

وأَرى وردة نَتَأَتْ فجأةً

من شقوق جدارْ

لا أقول : السماء رماديّةٌ

بل أطيل التفرُّس في وردةٍ

وأَقول لها : يا له من نهارْ !


03 August 2009

حق العودة .. إلى مصر !


قبل عدة سنوات تعرفت على مدونة هبة نجيب "منحدرات"، ولفت انتباهي ما كتبته عن ضيقها من أسلوب التربية في الأسر"المتشددة دينيا"، كما لفت انتباهي نبرة الحنين إلى الحياة في مصر.
كان ذلك منطقيا عندما عرفت منها أن أسرتها تركت مصر لتقيم في السعودية منذ 1983 وحتى الآن. ولكن منذ 3 سنوات تقريبا تخوض هبة معركة مستمرة من أجل حقها في العودة واستكمال حياتها في بلدها.
لا تحتاج مصرية تبلغ من العمر الآن 27 عاما أي مبررات لتحظى بحرية أن تختار مكان حياتها بدون أن يكون ذلك بالضرورة تبعا لرجل ما. هذا حقها وفق الدستور والقانون المصريين ولكن القانون السعودي ونظام الكفالة يجعلان أي امرأة هناك بشكل رسمي أسيرة ولي أمرها وكفيلها. وهذا جزء من مبررات هبة لخوض هذه المعركة، هي تشعر بما يشعر به كثيرون في هذا العالم، أن السعودية من أسوأ الأماكن التي يمكن أن تحيا بها النساء. بالإضافة إلى مبررات خاصة بها، فهي منذ فترة طويلة تعيش سوء تفاهم طويل مع والدها وأسرتها بسبب إعلانها عن اختلافها مع طريقة تفكيرهم وحياتهم وممارستها لبعض ما رأته حريتها أثناء تواجدها في مصر للدراسة الجامعية.

لم تذهب هبة بعيدا، فهي تقول أنها فقط ارتدت بدلا من الخمار حجابا عاديا مثل الذي ترتديه المصريات، وتستمتع للموسيقى وتكتب في مدونتها أنها تحب الأوبرا، ترفض طريقة معاملة النساء في السعودية وتنتقد خطاب الشيوخ السعوديين. ولكن ذلك بحسب ما تقول أدى إلى صدام عنيف بينها وبين والدها الذي ينتمي إلى جناح سلفي بالغ التشدد في الإخوان المسلمين، ووصل الأمر إلى الاعتداء البدني والاتهام بالردة لأنها تريد إسلاما "على طريقة الإمام محمد عبده" بحسب ما تنقله عن والدها.
طوال السنوات الثلاث حاولت هبة بأشكال مختلفة أن تجد طريقة للعودة إلى مصر، تقدمت بشكاوى وطلبات إلى القنصلية المصرية في جدة والسفارة في الرياض. وطلبت منهم استصدار جواز سفر جديد أو استلامه من الوالد، لتمارس حقها في الرجوع إلى مصر. الديبلوماسيون المصريون قالوا أن ذلك نظام السعودية ولوكان متعارضا مع حقا كمواطنة مصرية، القنصل السابق في جدة قال لها: "ما دام بتاكلي وتشربي عاوزة إيه؟ تنزلي مصر تصيعي ؟!" مع قنصل آخر تحسن الأمر وقال لها: "يجب أن تذهبي إلى طبيب نفسي!". هذا فضلا عن إهانتها من قبل بعض موظفي القنصلية واعتبارها "منحلة" لأنها تريد العودة إلى مصر والعيش وحدها.
طوال 3 سنوات واصلت هبة محاولات للعودة طرقت فيها كل الأبواب: محامين وحقوقيين، الخارجية المصرية وهيئات حقوق الإنسان السعودية والمصرية والعالمية، بل وطلبت وساطة بعض قيادات الإخوان المسلمين في مصر.
في النهاية، بعد مثابرة منها نجحت هبة في إجبار القنصلية على أن تستخرج لها وثيقة سفر مؤقتة بدلا من جواز السفر الذي يحتجزه والدها ولكن لكي تتمكن فعليا من السفر تلزم موافقة الوالد عليها، وتقول أن السلطات السعودية ألمحت لها أ- بعد مطالبتها المستمرة - أنه في حالة تقدم القنصلية المصرية بطلب رسمي بتمكينها من العودة لمصر يمكنها أن تعود بهذه الوثيقة المؤقتة ويتم تجاوز شرط موافقة الوالد. القنصلية المصرية لا زالت متمسكة بأن الأمر شأن عائلي رغم أن ما تطالب به حق قانوني ودستوري.

هي تعتقد أنها وصلت إلى نهاية الطريق وفشلت كل المحاولات القانونية والرسمية، وهي تطلب مساعدة كل المنظمات والأفراد في الضغط بكل أشكاله على الحكومة المصرية لمطالبتها بتمكينها من حقها كمواطنة مصرية. ولكي يكون ذلك عونا لها بجانب أنها تنوى رفع دعوى قضائية تختصم فيها الخارجية المصرية وتطالبها بالقيام بواجبها في رعاية حقوق المواطنين في الخارج.
قد يختلف البعض مع قرار هبة بترك أسرتها والعودة إلى مصر، ولكن أعتقد أن مثل هذه الأمور تسوى وديا داخل الأسر وللأفراد حرياتهم. ولا يوجد لا شرعا ولا قانونا ما يمنعها من ممارسة حقها في اختيار مكان حياتها والعودة لبلدها وهي البالغة الراشدة.