هذا الصديق العزيز الذي لا أدري كيف غالب ظنونه و استمر كذلك , هو نفسه الصارم الحاسم الأصولي الذي يقرّعني الآن بعنف لأنني أفردت أربع تدوينات لأقلية تدين بديانة غير معترف بها فضلا عن كونهم متآمرين محتملين ضد الإسلام وفق تفسيره للقرآن , بينما لم أكتب كلمة عن التدخل الدولي في شؤون الصومال و التآمر ضد ميليشات المحاكم الإسلامية التي كادت تسيطر علي البلاد . و رأي أن هذا يشير إلي خلل في أولوياتي , التي حاولت إقناعه عبثا أنها و ما يشغلني و يؤرقني من مسائل ليس بالضرورة مكانهم هذه المدونة ,و لكن ما أكتب هنا يخضع فقط لما يبدو لي حين يبدو لي أن أكتب . كما أن المسائل التي تشغلني أحيانا ربما لا تهم الآخرين بالضرورة , أو أنها مسائل شائكة ربما تثير القلاقل و البلبلة و قد تسيء لسمعتي الشخصية .
خذ عندك مثلا ...
الأيام الماضية سيطر علي ذهني مسألة لم يبد لي قبل الآن أني يمكن أن أتكبد عناء الجلوس بظهر منتصب أمام الكمبيوتر لأكتب عنها , فضلا عن أني أستبعد أنها قد تثير اهتمامكم من الأساس . و لكن نظرا لأني اشتريت لاب توب مؤخرا - كتعويض نفسي عما سيلحق بحريتي عما قريب - و أصبح الآن بإمكاني أن أكتب من الوضع مستلقيا تحت الأغطية , و نظرا أيضا لأنكم غالبا مثلي ,في عطلة الأعياد الكثيرة هذه تشعرون ببعض الكسل و الملل و لا مانع من إزجاء بعض الوقت فيما قد يبدو غير مفيد ... فلا حرج إذن من أن أطلعكم عليها .
المسألة تتعلق بأغنية عجيبة وقعت عليها أثناء تجوالي بين قنوات الأغاني أنتظر مشاهدة الفيديو كليب الطليعي الأخير لمحمود العسيلي . الأغنية العجيبة تحمل اسم " مش هاعز عليك قلبي " تظهر فيها فتاة بلا معني تسير هائمة في طريق مشجر حتي تجد مجموعة من الشباب يقفون أمام شعلة نار, فتتراقص أمامهم و تهذي بكلمات من نوع " مش هالوّع قلبك و لا أغشه .. لو طلبت العصفور من عشّه .. لحظة يبقي فـ إيدك , و بقشّه ! " بينما يهمهمون هم متعجبين من وجود مثل هذا الإخلاص النادر داخل فيديو كليب !
و في بعض المشاهد يختفي الشباب إلا واحدا ترقص حوله و تستمر في الهذيان بينما ينظر إليها بلا تعبير حتي تنتهي الأغنية و تقفل الفتاة راجعة من حيث أتت و قد أتمت رسالتها تاركة فتيان الشعلة يهمهمون , في الوقت الذي تظهر علي الشاشة أسماء مبدعي هذا العمل الفذ . فإذا بي أجد هذه الجملة الغامضة : " الأداء الصوتي فقط لحمدية التيتي " !
عشرات التساؤلات ثارت بذهني حتي أني نسيت أمر أغنية العسيلي تماما و أخذت أتساءل لماذا لم تظهر حمدية التيتي بنفسها في فيديو أغنيتها . هل ,مثلا, تري حمدية التيتي في نفسها مطربة فذة و لكنها بشعة المنظر لا يمكنها الظهور و إلا أضرت بعظمة و شعبية صوتها ؟.. هل ثار خلاف بينها و بين المنتج أو المخرج حول الرؤية الفنية قبل تصوير الأغنية فاستبدلوها بالموديل؟ .. هل هي خجولة ؟ .... هل هي متفرغة للإبداع الموسيقي بشكل يعيقها عن تصوير الأغاني ؟ ... هل تحتقر الشهرة ؟ .... هل تابت عن الغناء و تحجبت قبل التصوير ؟ .. هل توفاها الله قبل التصوير ؟ ... هل هي مطربة " ملتزمة " من الأساس يمنعها التزامها عن الظهور في الفيديو كليب ؟ .. هل هذا اتجاه جديد للفصل في العمل الواحد بين الغناء من جهة و بين مهمة الإمتاع البصري من جهة للإعلاء من شأن التخصص الفني ؟
حمدية التيتي إذن شاعرة كبيرة و شهيرة كتبت أغان لإيهاب توفيق و صابر الرباعي و مجد القاسم . و يوم أن قررت اقتحام مجال الغناء أثارت التساؤلات الكثيرة بغموضها و تركت الجماهير التي هامت ولعا بأغنيتها الوحيدة , يبحثون في شوق و ترقب عن صورة لها .
و عندما وجدتُ ,أخيرا , صورة لها لم أستطع فك كل طلاسم الغموض حولها , فلا تزال جنسيتها غير معروفة . و لما بحثت عن اسم عائلتها وجدت احتمالين : إما أنها من جسر التيتي بمدينة نابلس بفلسطين و هي بلدة حمساوية الهوي , منها شيخ الأسري و صاحب الرقم القياسي عالميا لقضائه 30 عاما في السجون الإسرائيلية , و منها حسن التيتي مراسل قناة الجزيرة الذي اعتدي عليه مقاتلو فتح مؤخرا ضمن فاعليات عرس الديمقراطية و الوحدة الوطنية المقام هناك حاليا ...
و إما أنها من قرية من قري الولاية الشمالية لجمهورية السودان , تدعي " تيتي " , اختُلف في أصل تسميتها أهو نسبة للملك " تيتل " أم إلي " نفرتيتي " . و بلغت هذه القرية من الشأو و التمدن أن أصبح لها موقعا مستقلا علي الإنترنت و لساكنيها منتدي خاص و هو منتدي " التيتي " و يحوي قسما لحوار أهل القرية حول شؤونهم . و هذا يثير الشكوك حول صحة نظرتنا لديمقراطية السودان و حيوية مجتمعه المدني, و أيضا حول مدي صحة مقولات الريادة المصرية و تفرد حراكها الاجتماعي و السياسي .
و لكي لا نشرد بعيدا عن موضوعنا .. فالراجح عندي أن حمدية التيتي فلسطينية وفقا لملامحها هذه - إن صحت الصورة - ,و التي أظن أني شاهدتها من قبل في دور ثانوي في فيلم أو مسلسل ما .و هي بالمناسبة لا تبدو لي سيئة لهذه الدرجة التي تجعلها تترك "موديل" , لا معني لها علي الإطلاق , تستولي علي إعجاب الجماهير برائعتها . و إن كانت ثقتها بنفسها قليلة فطب التجميل يحل الآن هذه المشكلات ببساطة . و من الأكيد أن شاعرة و مطربة كبيرة مثلها لاشك تملك كلفة بعض العمليات الضرورية , لتتمكن من مواجهة الجمهور في شفافية و بلا خجل مثل قريناتها ... بدلا من أن تحيرني و تضيع وقتي و وقتكم هكذا , و لدينا من الأولويات ما لن نوفيه بحثا حتي نهاية العالم ..