تلقى أبى ذات يوم دعوة إلى اجتماع يضم بعضا ممن يطلق عليهم "القيادات المحلية" في امبابة، وعندما سأل عن الحضور وجد أن هذا الاجتماع يضم بعض أصحاب المناصب في الدولة وممثلي كبار العائلات بالإضافة لأعضاء سابقين في الحزب الوطني وبعضا من رجال الأعمال الذي كانت تربطهم علاقة عاطفية متقلبة بالحزب الوطني وعددا من المعرّصين المعروفين بكونهم "سماسرة انتخابات"،
وعندما قيل له أن هذا الاجتماع من أجل دعم حملة أحمد شفيق في امبابة سكت كثيرا ولم يجد ما يرد به علي من يدعونه سوى أن يسألهم: "هو إنتم ناويين تبطلوا شرمطة إمتى ؟"
بالأمس تذكرت ذلك الموقف الذي حدث قبل مؤتمر شفيق في امبابة الذي شرفت بمحاولة إفساده وكتبت لك بعده أطلب منك الرجوع إلى صوابك لأني لا أتخيلك بين هؤلاء المعرصين من بقايا الحزب الوطني الذين كانوا حوله يومها. اليوم أكتب إليك ثانية وأغلب ظني أنك قد تركت حملة شفيق وأن ذلك المنعطف الأخير من الشرمطة التي يقوم بها الفريق لم يترك لك هامشا للاختيار.
صدقني،
رغم أنك التففت حول كل ما حدثتك بشأنه عن شفيق، إلا أن ردك كان مهما جدا، سجلت منه نقاطا عديدا لأعود وأكتب عنها لاحقا، فلدي مشروع للكتابة عن كيف يبرر ولاد الوسخة مقاومتهم للثورات. نقاطك كانت ذكية حقا، تليق بذكي ضائع يعمل في خدمة ولاد الوسخة. نقاطك كانت نقدية وملهمة فعلا، ومن الضروري أن يقرأها جيدا كل من هو في الموقف الثوري لتساعده على ان يتخذ موقفا ثوريا أكثر اتساقا.
مثلا حديثك عن هؤلاء الإعلاميين الذين كانوا مقربين من النظام ومؤدبين معه ويقفون الآن وسط "الثوار"، حديثك عن كيف استبطن بعض "الثوار" اخلاق مبارك الذين عارضوه. سخريتك من اختيار "الثوار" لعصام شرف بديلا عن شفيق، وهو ما كان بديلا فاشلا غير ثوري ولا إصلاحي ولا أي شيء. إشارتك حتى لألفاظي البذيئة باعتبارها من ميراث "بكابورت مبارك" الذي ورثه معارضوه. لانه في رأيك، أفسد مبارك النظام والمعارضة معا. إلا أنه لم يستطع إفساد جناح النظام الذي كان فيه شفيق، ولذلك اختار، مبارك، ذلك المفسد، شفيق، ذلك النظيف، ليكون رئيس وزراؤه بعد اندلاع الثورة ليكفر عن خطاياه بحق هذا الشعب ويأتي بالجناح النظيف في النظام لعل الله يغفر له خطاياه.
أنا لن أناقشك في طهارة ذلك الجناح في السلطة ولا في طهارة قرار مبارك والمجلس العسكري بالإتيان به كرئيس للوزراء من أجل التغيير فعلا، فأنا لا أناقش الشرمطة.
ولكني ساعترف لك فعلا أن صف "الثوار" به الكثير من المهرجين والمنافقين والمتسلقين والمتلبسين بكل الموبقات، ليس فقط لانهم جماعة بشرية عادية، ولكن تحديدا لأن "الموقف الثوري" أصبح ذا جاذبية في بعض الأوقات. وأصبح له بريق وقدر من "السلطة" تبرر للكثيرين التظاهر بالتواجد فيه. ولكن بالنسبة لي الموقف الثوري ليس مجسدا في تلك الجماعة التي تقف في الموقف الثوري إلا أن ظلت بشكل ما تنقد نفسها وتطهرها وتتساءل كل لحظة عن الموقف الثوري فعلا.
الجماعة التي تقف أو تحاول أن تقف في "الموقف الثوري"، وبينها بالطبع الطامع والمتسلق، ليست جماعة منزهة بل هي بالأساس ثورية لأنها تحاول بناء طريق جديد، وفي محاولتها هذه تخطيء وتتعثر كثيرا. وقد تضل أصلا عن "الموقف الثوري" وتعود وتبحث عنه. الثورة ليست من يحاولون أن يتحدثون باسمها دائما، ولكن من يحاولون أن يقفوا في موقفها ويتحروه.
هذه الجماعة التي يصفونها بـ"الثوار" وهم ليسوا كذلك "حصريا" لو تابعتها لوجدتها أشد عنفا في نقد سلوك بعضها عندما يكون ضد "الموقف الثوري" أو بخلافه أو يضعفه. وعندما يكون السلوك ضد "الموقف الثوري" تماما يحدث استبعاد ما ولو معنوي. تماما كما يطهر النظام نفسه من جيوب "الإصلاحيين" المترددين في حسم انحيازهم للنظام أو ممن يحاولون الإصلاح من داخل النظام. في اللحظة الحادة التي تصنعها الثورة داعية إلى طريق جديد، بعضهم يحسم أمره معها أو ضدها، كذلك فعل عصام شرف، الذي انحاز للثورة وسار في مسيراتها يوم 25 يناير بينما ظل شفيق آمنا مطمئنا تحت الجناح النظيف للنظام الفاسد، يمكنني أن أعترف بلا مشكلة أن عصام شرف فشل في أن يكون رئيس وزراء في موقف ثوري تحت حكم المجلس العسكري، ولأننا نجرب لاول مرة شخصية كانت تمثل حلا وسطا، قالت أنها من "الجناح الإصلاحي داخل النظام" قبل أن تنحاز للموقف الثوري، فإننا عرفنا الآن أن ذلك الحل كان خاطئا. هكذا ببساطة يا عزيزي شريف. أما شفيق فقد كان خيارا من ولاد الوسخة الذي يحاولون إنقاذ النظام فبصقنا في وجوههم وبصقنا عليه وقلنا له خلي عندك دم يا ابن الوسخة وارحل مع اللي جابك. ولكن للشرمطة رجالها.
لماذا هذه الألفاظ البذيئة طيب؟ هناك مواقف بذيئة يا عزيزي شريف يصعب التعبير عنها بالألفاظ المهذبة، وهناك انفعال لا يمكن وصفه بألفاظ فصحى. هناك أمور يجب أن تصور كما هي في بذاءتها ويتم نقلها بأمانة، تماما كما نقل البلتاجي عن اللواء الرويني أنه قال يوم "موقعة الجمل" لمبارك:
"لم الشراميط بتوعك".
لقد أبلى الفريق شفيق حسنا في "لم شراميط مبارك" من كل ركن وكل صفيحة زبالة بعد ما تفرقوا بعد حل الحزب الوطني. وهذه الحملة التي جمعت شراميط مبارك من كل مكان ليس غريبا أن يكون سلوكها على هذه الدرجة من الشرمطة.
عندما حدثتك عن شفيق وعلاقته بمبارك كان معظم ردك عن هؤلاء الذي كانوا يتملقون مبارك ثم الآن يتملقون الثورة ، كان ردك هذا يحاول أن يقول "لسنا وحدنا شراميط مبارك، كل المجتمع شراميط نظام مبارك، هناك آخرون كثيرون كانوا أيضا شراميط لمبارك".
منطق "يا عزيزي كلنا شراميط" في كلامك كان مبهرا، واستخدمته بذكاء ودرامية ويتسق مع خطاب شفيق بتاع "عاوزين ناكل عيش" أو "الإخوان كمان كانوا من النظام السابق"، هذا المستوى من الشرمطة كان عاديا بالنسبة لي ولكن كان المستوى الفائق هو أن ينتقل شفيق مع حملته إلى مستوى "تكلم القحبة تلهيك واللي فيها تجيبه فيك".
وصل يا شريف إن شفيق وحملته يحاولوا بمساعدة شراميط الأمن والمخابرات وشراميط الإعلام اللي لمهم شفيق مرة تانية إنهم يتهموا الإخوان بالتورط في مهاجمة الثوار يوم "موقعة الجمل"؟
أنا طبعا لن أناقش ذلك لأني كما قلت لا أناقش الشرمطة ولكني فقط أحاول أن أجعل الشرمطة واضحة وأن أسميها شرمطة.
صوتي لن أعطيه للإخوان، الإخوان الذين يقفون أحيانا في الموقف الثوري ولكنى أراهم أبعد عن أن يكونوا في الموقف الثوري وهم في السلطة أو قريب منها. والثورة التي أردتها حرية وتحرر ومساواة لا أقبل أن أجعلها خيارا يهدد حريات الناس وشعورهم بالمساواة والعدل إلى الدرجة التي تدفعهم لانتخاب ابن وسخة زي شفيق.
ولكن الأمر هنا مرة ثانية لا علاقة له بالثورة ولا بالموقف ولا بالإخوان الذي كنت أنت واحد منهم في يوم ما. الإخوان هم الذين هاجموا الثوار في التحرير يا شريف؟
لقد كنت أنوي أن أكتب إليك مهنئا إياك ومن معك في حملة شفيق وأقول لكم أنكم فعلا تبلون بلاء يناسب مقامكم، وأنكم في السلطة إن شاء الله ستتمكنون من ارتقاء مستويات أخرى من الشرمطة. ولكني الآن أظنك لا تحتمل الوصول لهذا الحد، صعب. أظنك الآن خارج الحملة تراجع كل لحظة قضيتها بداخلها.
ولكن إن كنت ما زلت في الحملة، ومشارك في الوصول لهذا المستوى أو ساكت عنه، فلا أملك إلا إن أقول لك يا شريف يا عبد الشفيق: إنت هاتبطل شرمطة إمتى؟