09 February 2008

هدف خامس كان فرصة أفضل


بين شوطي مباراة مصر و كوت ديفوار , انتشلني بسام من الصف الأخير لمتفرجي مقهى البورصة. و أصر على أن أجلس أمامه, أمام الصف الأول من المتفرجين و على بعد خطوتين من الحامل العالي للتليفزيون.
لا أنكر أني تمكنت أخيرا من رؤية الكرة بعدما كنت, من موقعي الأول, أخمن مكانها من حركة اللاعبين . و لكن الحق أن موقعي الجديد كان يفوق اهتمامي وطموحي و من ثمّ حمّلني مسؤوليات جسيمة أرقتني طوال مدة الشوط الثاني و الوقت المحتسب بدل الضائع.
لقد كنت في موقع متقدم أمام كل هذا الجمهور المخلص في مواجهة كاميرا المصور الأجنبي الشاب, الذي وقف منذ بداية الشوط الثاني بجوار التليفزيون و صوب كاميرته نحونا, ينتظر لحظات مميزة, لا شك أن أهمها لحظات ما بعد الأهداف, و لا شك أنني كنت أفسد عمله ...
بعد الهدف الثاني لم أحرك ساكنا بينما تقافز الشباب و تبادلوا الأحضان. بعد الهدف الثالث أخرجت كفي من جيبي و صفقت في حركة مفتعلة . بعد الهدف الرابع شعرت بالحرج البالغ فتحاملت على نفسي و وقفت. و لما وجدت ذلك يزيد الأمر سوءا ويزيد الكادر واحدا يحدق في الكاميرا بشعور غامض بالذنب, حاولت حقا استدراك الأمر. فاستدرت مواجها الجمهور... و فكرت أن الصورة ستكون جيدة لو رفعت ذراعيّ عاليا.


الصورة من DenisenFamily

02 February 2008

أسباب عديدة للفرح














































































. الأصدقاء و كلماتهم التي منحتني أسبابا عديدة للفرح

30 January 2008

عن القرار الأصعب

في مواجهة المخاطر التي تهدد النظام العام و السلام الاجتماعي, من جراء شعور المواطن المصري السماوي بوطأة و قسوة وجود اسم ديانة غير سماوية في خانة ديانة بطاقة هوية أخيه البهائي الواقف بجانبه في الأتوبيس أو طابور العيش .. اتخذت محكمة القضاء الإداري قرارها الأصعب, و تجاوزت عن قسوة و خطورة وجود الأخ البهائي نفسه و وجود دينه المشكلة هذا في رأسه, و قضت له في خطوة شجاعة بحقه في وضع شَرطة أفقية قصيرة, وصفتها المحكمة بهذه الدقة و إن لم تحدد طولها, بدلا من إلزامه بكتابة دين سماوي كما أصرت محكمة سابقة في سابقة غير مسبوقة .
هذا الحكم ,و هذه الشَرطة, شجاعة خالصة لا اضطرار فيها, فالخيارات المنطقية الأخرى كانت متاحة أمام هيئة المحكمة. أبسطها أن تمنحهم -بدلا من الإلزام - مهلة للإقتناع بدين سماوي معترف به فيدخلون فيه أفواجا و السلام, و إن رفضوا فيمكن العمل بنظام الـ" بدون " في مصر, و البهائي سيظل مصريا فالموطنة لا جدال فيها, و لكنه سيكون مصريا "بدون بطاقة", يمكنه أن يلتحق بإخوانه من الـ"بدون" و الطيور الجارحة و الضباع في جبال الصعيد أو مجاهل الصحراء ... و إن تعنت البهائيون في قبول هذه الحلول المعقولة يظل هناك خيار المذبحة الجماعية التي اقترحها نواب الإخوان باعتبار أن البهائيين في حكم المرتدين.
شجاعة المحكمة تجاوزت كل هذه الحلول الممكنة, و وازنت بين ضيقها بهذه الأقلية الممتنعة الوجود فلسفيا و دينيا, و بين رغبتها في "إثبات حقوق هذه الفئة " مع مراعاة " منع اندساسهم بين أصحاب الديانات الثلاث " بحسب نص الحيثيات .
و لكن شجاعتها تجاوزت كل الحدود في حكمها الآخر برفض إثبات تحول محمد حجازي المسلم إلى بيشوي المسيحي, عندما أثبتت في حيثياتها أن " كافة الدساتير المصرية قد أقرت جميعها حرية الاعتقاد", أي نعم و لكن " الأديان السماوية قد أنزلت من رب العزة في تسلسل زمنى يجعل من الارتداد من الدين الأحدث إلى الدين الذي يسبقه خروجا عن المألوف ولذا فمن أسلم وآمن فأنه قد مارس بالفعل حريته في العقيدة ولا يجوز له الارتداد عن الإسلام وإلا كان مرتداً ومتلاعباً بهذا الدين الحنيف ".
و بهذا يقدم القضاء المصري أطروحته الجديدة في تفسير معني حرية الاعتقاد في الدستور التي تعتمد على "حداثة" الدين, و تحدد التنقل حصرا من الأقدم إلى الأحدث. و عليه, يكون من حق اليهودي نقلتان و للمسيحي نقلة واحدة, بينما- أعزائي المستمعين - للأسف الشديد .. لا حرية اعتقاد للمسلم في هذا البلد !



. العبارات بالخط و المنطق المائلين من نص حيثيات المحكمة

25 January 2008

عن القرار الصعب


في رواية,أن الحكمة التاريخية لمبارك قد استغرقت كل هذا الوقت لتحسم أمرها. و لكن في رواية أخرى أن القدر قد صاغ السؤال بصورة أكثر سهولة ليسهل على مبارك اتخاذ قراره: تجاوز عن اقتحام الفلسطينين للحدود عبر الثغرات التي أحدثتها التفجيرات أو أصدر أوامرك بإطلاق النار على صدورهم !
لقد كان قرارا صعبا, و لكن القدر ساعده على ألا يكون شجاعا بل مضطرا .فتنفس مبارك الصعداء و عبر في تصريحاته بوجهه أكثر من كلماته عن اضطراره أمام بؤس حالة الغزاويين الجوعى الذين سمح لهم بالدخول و الأكل ثم العودة سريعا . تعبيرات الوجه المتصعب كانت تقول أنه لولا المساكين الجوعى لما أغضب إسرائيل و لما فرّج عن فلسطيني غزة حصارهم الذي يعلم أجيالهم الجديدة أن انتخاب الإسلاميين يعني الحياة معهم في معتقل كبير !
القرار الصعب الذي كان رهن حسم مبارك, أجبر أبو الغيط على ابتلاع " أنياب الديبلوماسية المصرية" و ترك اللعب بقناع الوحش البلاستيك الذي لم يصدقه أحد .. رغم أنها كانت لحظة مواتية لظهور الأنياب الديبلوماسية بعد احتكاكات مع أطراف إدارة معبر رفح : إسرائيل و الاتحاد الأوروبي بحسب الاتفاق.. بالإضافة طبعا للولايات المتحدة من قبل و من بعد, بحسب العقيدة الساداتية !
من توبيخ ليفني لمبارك, و هي التي لم تكن انتهت من لصق طوابع الكليات في استمارة الرغبات لتقدمها لمكتب التنسيق الجامعي الاسرائيلي بينما بدأ مبارك في حكم مصر, ثم قرار الكونجرس بتقليص المعونة الأمريكية الذي أعقبه إشارة أبو الغيط لنمو أنيابه, و أخيرا قرار البرلمان الأوروربي بشأن حقوق الإنسان في مصر الذى أسفر عن غضب مصري وصل للدرجة التي دعت فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إلى التلويح بقتح ملفات حقوق الإنسان في أوروبا ! ألا تكفي هذه المبررات لأن نرى طرفا من الأنياب و المخالب بقرار أسرع بالتخفيف من حصار غزة .. هذا و دع عنك أصلا اعتبارات الإنسانية و الجوار و الأخوة و الشهامة و ربما الأمن القومي .
كتب هيكل لمبارك أوائل الثمانينات في رسائله المفتوحة التي لم تنشر أنه "لا يفهم السياسة العربية لمصر ". و بعد 25 عاما تنشر رسائل هيكل متضمنة كثيرا مما يمكن أن يقال الآن, و ما يمكن أن يتأمله مبارك و يأخذه مأخذ الجد في تفكيره العميق للقرار القادم .
المستنقع لم يتحرك كثيرا بعد ربع قرن .. أطال الله عمر الجميع !

14 January 2008

دي حلوة دي


داعب زياد الرحباني في " شوهالإيام " لحن سيد درويش " الحلوة دي " .. حازم شاهين مع "اسكندريلا" يرد المداعبة نيابة عن درويش .
boomp3.com


- في الصورة من اليمين: أيمن صدقي, شادي مؤنس , آية حميدة , حازم شاهين. من مشاركة اسكندريلا في الاحتفال بذكرى ميلاد الشيخ سيد درويش فى كوم الدكة 2007. تصوير حمدي زيدان.
- تسجيلات أخرى لاسكندريلا في منتدى أيلول.

22 December 2007

! أصبح عندي الآن .. سمسمية


أهديت نفسي اليوم أسطوانات لأغاني السمسمية , فأهدتني رضوى سمسمية .. سمسمية حقيقية !
لقد حصلتُ من قبل , في مثل هذا اليوم, على ما لم أسع إليه, و ليس لدي فكرة محددة عما سأفعل به, و لكن بي شغف كبير به .

12 December 2007

إسلاميون و علمانيون .. ديمقراطيون و اجتماعيون


أغلب ما يقال حول " الإسلام و العلمانية ", يتطلب فهمه جهدا كبيرا لتحديد الموضوع المقصود خلف المفاهيم الملتبسة الواسعة المتعددة المعاني : الإسلام في السياق السياسي – العلمانية – الإسلاميون – العلمانيون .
بالتالي, " إسلاميون و علمانيون " عنوان ملتبس لندوة, متحدثاها لا يمكن ابتداء و استجابة لإغراء العنوان, توزيعهما علي طرفيه . فتامر وجيه أحد أبرز ناشطي مركز الدراسات الاشتراكية – الذي نظم مؤتمر "أيام اشتراكية" الذي كانت الندوة من فاعلياته - لا يمكن تصنيفه و يعد هذا تعريفا جيدا به , بأنه " علماني " . و لا د.هبة رؤوف عزت, مدرسة العلوم السياسية و الكاتبة و الناشطة , يمكن تصنيفها ,و يعد هذا تعريفا مفيدا, بأنها " إسلامية " فقط دون استطرادات.
العنوان الملتبس كان مدخلا لموضوعين مختلفين في كلمتي المتحدثين الرئيسيين. تامر وجيه بدأ من التاريخ لينقد خلو الأدبيات العربية التي حملت لواء العلمانية و التنوير و الحداثة من الجانب الاجتماعي الراديكالي, و انتهى إلى أن "العلمانية" في مواجهة "الإسلامية" ليسا تصنيفا معبرا عن انقسامات الواقع بدقة, و لا يتصل بما يراه الواجب العملي للعقلانية, و هو التغيير الثوري للواقع, و بالتحديد باتجاه اشتراكية ثورية .
أما د. هبة رؤوف فقد اتجهت مباشرة للحظة الحالية , و تساءلت عما يشير إليه العنوان الذي دعيت للحديث عنه, هل يشير لـ " إسلاميين " و " علمانيين " و باعدت بين كفيها, أم لـ " إسلاميين و علمانيين " و ضمت كفيها معا !
و يبدو أنها اختارت الإجابة الأخيرة لما أفاضت في الحديث عن ملامح تتشكل حاليا, بفضل الحركات المطلبية المتعددة - بداية من حركات التغيير و ليس انتهاء بـ "مصريون ضد التعذيب" - التي يعمل من خلالها الناشطون , إسلاميين و غير إسلاميين , جنبا إلى جنب, مشكلين فضاء عاما أكثر ودا و تفهما و أقل حساسية بين أطرافه من ذي قبل.
د.هبة نقضت بدورها العنوان من جانب آخر, جانب مساحات العمل التي تحددها اللحظة و المطالب العامة المشتركة .
ولكن لا مساحات الود و العمل المشترك,و لا تجاوز النظري إلى العملي نجحا في تجاوز مساحات الاختلاف , التي دفعت مداخلات الحضور تعقيبات المتحدثين الختامية إليها. فانتقد تامر وجيه اتخاذ الإسلاميين الجانب الثقافي والهوية الثقافية منطلقا خاطئا لمواجهة تحديات الواقع, التي يراها تتمثل بالأساس في استغلال الطبقات و الشعوب المالكة للثروة و القوة للطبقات و الشعوب الفقيرة و المقهورة. بينما قالت د.هبة أن الثقافي لا يمكن تجاهله, و في القلب منه الإسلام دينا لأتباعه و رافدا ثقافيا لأبناء الديانات الأخري . و انتقدت تجاهل التيارات العلمانية لذلك, و تعاملها مع الثقافة و الدين باعتبارهما إفرازات للواقع الاقتصادي و الاجتماعي , لكنها أشارت أيضا لتجاهل تيارات إسلامية للجوانب الاقتصادية و الاجتماعية, و إرتكازها على الثقافي بدرجة أكبر.
تحولت الندوة معظم أحيانها من الحديث عن " إسلاميون و علمانيون " إلى " إسلاميون و يساريون " بحكم تركيبة الحضور و تنظيم الندوة . و حتى هذه الثنائية بدا أنها ليست بالصلابة و لا بالحدة المتخيلة. فإذا استثنينا اختلافات في مساحة " الثقافي" يمكن أن نري الميول اليسارية عند د. هبة رؤوف – كما أحبت هي نفسها أن تصفها - فلديها نظرة اجتماعية ناقدة لليبرالية و الرأسمالية ,و لديها دراسات في نقد تمثل إسلاميين للمنظور الليبرالي سعيا منهم في الانفتاح على الغرب و الحداثة .
كما أن تامر وجيه و مركز الدراسات الاشتراكية لديهم موقف أثار, و يثير, جدلا كبيرا بين أوساط اليسار, بشأن التحالف مع الإخوان. و هو تحالف لم تدم فعاليته فيما يبدو , و لكن المركز يدعم باتجاه مثل هذه التحالفات – مع التيارات الإسلامية - بغرض الانفتاح علي قطاعات أوسع من الجماهير ,و تثوير التنظيمات التي تلتف حولها هذه الجماهير, أو المساهمة في كشفها إن لم تستجب لهذا التثوير .
و لكن بعيدا عن التقاربات الودية أو علاقات التنظيمات و التيارات ببعضها , هل يمكن لتيارات سياسية, وفق رؤى أخرى, أن تتجاوز ثنائية " إسلاميون و علمانيون " , لتتعامل مع جمهور كبير لدى أغلبه إيمان ديني لا يجعله بالضرورة في خانة " الإسلاميين ", و لكنه لا يستسيغ وصفه بـ " العلماني " .
الإجابة في رأيي تتعلق بالبدء بمعالجة مساحة الاختلاف و الافتراق قبل مساحة الود و التلاقي . ففيما يتعلق بالجانب الثقافي الديني , لا يمكن إنكار أن التيارات السياسية و درجة جماهيريتها تتعلق بتقاطعها أو اقترابها من فضاء من الأفكار و المفاهيم التي تكرسها تيارات ثقافية معينة . هذا إن لم تكن هذه التيارات نفسها تيارات ذات طابع ثقافي - مثل التيارات الدينية- , فلا يمكن في رأيي فصل السياسة تماما عن الدوافع و المباديء الأخلاقية – العدالة و المساواة مثلا انحيازات أخلاقية - , و لا عن الثقافة و الدين الداعمين لهذه المباديء . و لكن الاعتراف بالتداخل مع السعي لفك التلازم و التماهي هو ما يمكن أن يسمح بتلاقي المختلفين ثقافيا في كيان سياسي اجتماعي .
و لكن هذا مشروط أولا بالتخلي عن أي نزعة تسلطية فيما يخص الجانب الثقافي . التوقف عن السعي السياسي لفرض مرجعية أخلاقية علي الآخر المختلف , سواء بالسلب : " العلمانية السلطوية" المتوجسة من الديني, أو بالإيجاب : ممارسة السياسة كوسيلة للتمكين لمرجعية دينية .
الاعتراف بإمكان تقاطع التيار السياسي مع أكثر من رافد ثقافي, و توقف التيار السياسي عن أن يكون تجمع لأصحاب نفس نمط الحياة والأفكار, لكي ينفتح علي تنوع و تعدد المجتمع الثقافي و الديني , و يكتسب عملية و مرونة و تنوع الحركات المطلبية التي لا تنطلق من الأيديولوجيا و الثقافة, بل من البرنامج العملي الاجتماعي الذي يمكن التوافق حوله و تطويره و مناقشه عمليا .
هنا يمكن النظر لدوائر متعددة من تيارات ثقافية و دينية تتدافع في فضاء عام , بينما هي نفسها ليست تيارات سياسية , بل تتقاطع مع تيارات سياسية تجمع أفرادا من دوائر مختلفة يتبنون رؤية اجتماعية قريبة . ربما ينطلق الأفراد من دوافع أخلاقية تنتمي لمرجعياتهم التي تحددها انتماءاتهم لدوائر ثقافية أو دينية مختلفة. و لكن يمكنهم بحس " ديمقراطي " مناقشة ما يخص " الاجتماعي " في دائرته بغير إشهار المرجعيات و الخلفيات الثقافية و الدينية .
" الديمقراطية " بحس أقرب ما يكون لـ" اللاسلطوية" ضرورية هناا لتحديد مساحة العام الذي يجمعنا بالفعل و يتوجب فيه الاجتماع علي نطاق واسع لمناقشة ما يمكن أن نتفق عليه و نتفاوض بشأنه , يينما كل ما لا يجب أن يشمل الجميع يصبح مجالا خاصا و يمارس فيه الأفراد أو الجماعات الفرعية حريتهم الكاملة في ممارسة قناعاتهم و إشهار مرجعياتهم و التعبير عنها و الدعوة إليها و التبشير بها, و خوض الجدل بين بعضها البعض بكافة الوسائل السلمية التي لا تتضمن إخضاع واحدة لأخرى أو السعي لأي تمييز لصالح إحداها .
فموازنة الدولة و سياستها الخارجية مثلا ينتميان للفضاء الأول , بينما عقيدة الفرد و سلوكه الشخصي و الحق في التنظيم ينتمون للفضاء الثاني .
ما سبق كما يتضمن شروطا للتيار السياسي نفسه : الحس العملي و القبول بالتعدد الداخلي و التجمع حول البرنامج لا الأيديولوجيا و الانحياز لأوسع مساحة حريات يفرضها تعدده الداخلي نفسه .. فإنه يتضمن أيضا شروطا في ثقافة الأفراد , أو طريقة تدينهم , لكي يمكنهم التفاعل مع مثل هذا التيار . فالثقافة الدينية التي تطمس كل فاعليات الوجود باستثناء فاعليات عالم الغيب منكرة العامل البشري , أو التي تري أن الدين هو الهوية الجمعية الوحيدة الممكنة للفرد المتدين , أو التي تري أن " عز الدين و مجده " يقتضيان إخضاع الآخرين لا إقناعهم ...أو في المقابل من ذلك الثقافة التي تحتقر الدين و الدوافع و المشاعر الدينية,إلى حد الرغبة في إقصائهم تماما من مجال الرؤية و الوجود .. كل هذه الملامج الثقافية لن تتيح التلاقي في مساحة الاجتماعي, و لا تسم بالاحتفاء بالديمقراطية . بل إن هذه الدوائر الثقافية مؤهلة للتقاطع أو التماهي مع تيارات تسلطية دينية أو علمانية .
بهذه الطريقة في التفكير و الحركة تصبح مشكلة الدين و العلمانية أقل تعبيرا عن جدل يخص السياسة, و تحل محلها مشكلة العام و الخاص. و تعود مشكلة المرجعية الدينية أو العلمانية للسياق الثقافي و ساحات الأفكار . و يتحدد النقاش السياسي بمساحة "الاجتماعي" و باستخدام لغة مشتركة مفرداتها من الواقع المعيش, لا باستخدام اصطلاحات و خلفيات المرجعيات الدينية ,أو الأيديولوجيات و الفلسفات .
عندما تخايلني صورة تيار سياسي بهذه الملامح يبدو لي أن مثل هذا الكيان الديمقراطي المحتفي بالتعدد داخله يمكن أن يضمني مع تامر وجيه , لو تم تخفيض سقف الطموح اليساري الثوري لصالح برنامج للحظة الراهنة .. و مع د.هبة رؤوف, إذا تم التوافق حول حدود العام و الخاص ,حدود دوائر الثقافة و أفق الدائرة الاجتماعية .
و لم لا ؟


- مداختي الطويلة هذه ليست بريئة من التفكير بشكل خاص في أمر الحزب الديمقراطي الاجتماعي المتطلع للتأسيس.
-الصورة, من اليمين, لهبة رؤوف عزت و محمد العجاتي و تامر وجيه . تصوير حسام الحملاوي .

08 December 2007

بل ربما لم ينضج الاشتراكيون بعد يا شافيز


علق شافيز على رفض الناخبين الفنزويليين التعديلات الدستورية التي اقترحها , بفارق وصفه بالمجهري , قائلا: " ربما لم تنضج فنزويلا بعد للاشتراكية "!
يمكن للتفسير الأحسن ظنا بما قاله شافيز, أن ينظر للأمر من جهة التعديلات التي قيل عنها أنها تسير باتجاه تحويل فنزويلا لدولة اشتراكية , فيكون تفسير تعليقه أن الواقع الاقتصادي و الاجتماعي لفنزويلا غير مؤهل للتطور إلي المجتمع الاشتراكي, وفق مازورة التطور الماركسية المعروفة .
و لكن هناك تفسير آخر أقل انحيازا لشافيز و اشتراكيته السلطوية , ينظر للأمر من جانب خلط شافيز تلك التعديلات بتعديلات أخرى تمنحه حق الترشح للرئاسة مدى الحياة, بالإضافة لسلطات واسعة تشمل تعيين مسئولين معينين فوق المسئولين المحليين المنتخبين , و زيادة سلطاته وقت الكوارث و الأزمات و "الطواريء" - بم تذكركم هذه الكلمة ؟ - بما يشمل مراقبة وسائل الإعلام .. هكذا!
من هذا الجانب ,كلا من تعليق شافيز و تعديلاته المقترحة يصلحان تفسيرا لبعضهما البعض: فالشعب الفنزويلي غير الناضج بعد للاشتراكية غير مؤهل بطبيعة الحال للدفاع عنها : عن حقوقه و عن توزيع الثورة و عن العدالة الاجتماعية التي لم تكن لتتحقق لولا الرئيس شافيز, و من ثم فهي مرتبطة به و بسلطاته الواسعة و بالمزيد منها.
لذا فإن " الوصاية "
ضرورية على الشعب الفنزويلي لحمايته من عدم نضجه , و لا يجب أن ننس مراقبة وسائل الإعلام التي يمكن أن تفتن الشعب عن الإيمان بالاشتراكية أو بالزعيم و إنجازاته .. لا يرى شافيز فرقا.
لو أن إصلاحات و شافيز و مشروعه الاشتراكي في صالح القطاع الأكبر من الشعب , ما الحاجة إلي الوصاية و لم الخوف من تداول السلطة . و لِـمَ يغامر شافيز و رفاقه بتكديس السلطات في يد من يشغل منصب رئيس الدولة , بينما الأكثر منطقية , و الأكثر إخلاصا للمشروع الاشتراكي و لمصالح الناس , هو توزيع الصلاحيات و السلطات علي أوسع نطاق من الهيئات و الأفراد المنتخبين من الشعب لكي يحول هذا دون تحولات في اتجاهات ضد إرادة المجموع تتسبب فيها سلطات الفرد الواحد .
ربما لم ينضج
بعدْ الاشتراكيون, من نوع شافيز و رفاقه, لكي يتوقفوا عن مساومة الناس علي حريتهم بعدالة تحت وصايتهم .


-في الصورة : الرئيس الفنزويلي شافيز . هل يحتاج نظارة معظمة ليرى شعبه ناضجا ؟
-اقرأ دراسة عمرو عبد الرحمن الهامة " صعود اليسار في أمريكا اللاتينية : لا ينبغي الخلط بين مناضلين في سبيل الديمقراطية و ديكتاتوريين أشبه ما يكونون بحكامنا " .

07 December 2007