أربك الظهور الإعلامي المفاجيء والمكثف لأحمد عز منطق الجدل العام حوله. لا يعني هذا أن حديث عز كان متماسكا بالكلية أو أنه لا يخلو من ثغرات، و لكنه حاصر تلك الصورة المشيطنة التي تشكلت باعتباره خصما غائبا وغامضا يصح نسبة كل شيء وأي شيء إليه.
من السهل أن نهاجم الغائبين بما نشاء، ولكن في اللحظة التي يطرقون فيها الباب علينا أن نبحث عن حجج جدية ومتماسكة لهجومنا الذي سيتحول من منطق الحكي إلى منطق السجال.
الدفاع الذي أعده عز جيدا وكرره في حواره مع "المصري اليوم" وأمام منى الشاذلي في "العاشرة مساء" على شاشة دريم ، لم يكن فذا بقدر ما كشف عن التعقيد الذي بلا شك يتدخل في الحكم على مسائل من نوع الاحتكار وتداخل المصلحة الخاصة و العامة في العمل السياسي.
كرر عز أكثر من مرة أن الشيطان في التفاصيل، بينما أسهبت تحقيقات ومقالات، بعضها ساخر، في أن الشيطان موجود بعيدا عن التفاصيل وبالرغم منها.
الافتقار إلى التفاصيل والتعقيد في صورة عز الغائب، هو الذي جعل تفاصيل عز "مدوخة" على حد تعبير الأستاذ محمود الكردوسي في "المصري اليوم"، بينما التفاصيل من نوع نسبة مسئولية ارتفاع أسعار الحديد بين عوامل أخرى عن ارتفاع تكلفة البناء، ومن نوع العلاقة بين حجم الزيادة في رأس مال شركاته وأرباحها وبين صعوده السياسي... كان من المفترض أن تكون نقاطا بالغة الأهمية في الحوارات التي بذل من أجروها أقصى ما وسعهم لكي يقفوا بثبات على الضفة الأخرى من "شيطان الرأي العام".
الأكثر أهمية ودلالة على الارتباك في رأيي، أن عز ومحاوريه استندوا لنفس المنطق في السجال حول عدم وجود تشريعات تقيد اشتغال رجل الأعمال ذي المصالح الحاضرة بالسياسة. لقد اعترف عز بعدم وجود هذه التشريعات، ولكن محاوريه سألوه: ولماذا لا توجد؟ وبدا عز نافذ الصبر وهو يرد على هذا السؤال الذي يحمله المسئولية. ربما لأنه لم يكن يتوقع أن يتم اتهامه بأنه لا يتقدم بمشروعات قوانين قد تضيق عليه واسعا .. هل ننتظر حقا أن يتقدم عز كقديس ويفعل ذلك أم أننا نحاسب عز راعينا الصالح لمَ لمْ يغلب مصلحة رعيته على مصلحته !
أظن أن ما أحرج عز هو أنه يفكر بنفس المنطق، ولم يكن شجاعا بما يكفي ليقول أن هذا الوضع يلائمه، وليتساءل مستنكرا كيف يرفض وضعا يتيح له أن يتكيء هنا على منصبه السياسي وهناك على قوته الاقتصادية.. يبدو هذا بلا شك مخالفا لمنطق السياسي الراعي، في حين أنه "أمين التنظيم" في الحزب الوطني "الديمقراطي" الذي لا تتسع ديمقراطيته الداخلية لاختيارات الرعايا من أعضائه ،بل تخضع لعناية القيادات الرشيدة. السياسة من منظور الحزب الوطني هي تبادل الأدوار والكراسي ليكون الواحد منهم رعية هناك وراعيا هنا.
أعتقد أن إعادة دراسة الموقف من عز مع إعادة الاعتبار للتفاصيل وللعمق الذي يفرضه التعقيد الشديد لحجج الاتهام، قد تفضي في النهاية إلى تفكيك صورته كشيطان رجيم، لتتشكل مرة أخرى في صورة رأسمالي يمارس السياسة. وهذه الصورة الأخيرة ستؤدي بناقديه إلى إعادة صياغة موقفهم منه: إما في صورة لائمي وناصحي صاحب المال والسلطة لأنه من المفترض أن يمثل الراعي الرشيد، وفي هذه الحالة يقدمون نموذجا لما يتصورنه عن السياسة... وإما سيعتبرون أنفسهم خصوما سياسيين له، ينطلقون من انحيازهم لتصور آخر للمجتمع ولتوازن المصالح فيه، المصالح التي يمارس أصحابها الحضور في ساحة السياسة للتعبير عنها. في هذه الحالة لن يصبح شاغلهم الأكبر لوم عز لأنه يعبر ويدافع عن مصالحه، بل سيلومون أنفسهم وكل من يجلس في مقاعد المفترجين أو يستسلم لذلك، تاركا اللاعب الوحيد يحرز أهدافه.