26 January 2007

سوء تفاهم

caricature_encyclopedia_bahgat_ossman_001

نكتة غير " وطنية " مهداة للشرطة في عيدها , و لـ " الوطن" الذي هي في خدمته , و للشعب الذي هو في خدمة " الوطن " مع الشرطة ...

- هو ايه اللي حصل بالضبط في عيد الشرطة ؟
- بيقوللك الانجليز هجموا علي الاسماعيلية و ضباط الشرطة دافعوا عنها لحد ما الانجليز قتلوهم كلهم .
- تصدق بالله ... أهي دي الحاجة الحلوة الوحيدة اللي عملوها !
- الضباط ؟
- لأ .. الإنجليز !

24 January 2007

أول الكلام


كنت وقتها سعيدا جدا , سعيدا للدرجة التي تجعلني لا أتكلم إلا قليلا ,و لكن أبتسم كثيرا للاأحد أو للسماء . كان كل ما أفعله آنذاك من الصباح للمساء , هو الفرجة علي العالم و الناس و الأشياء , و الكتابة .
لم أكن سعيدا فقط لذلك , و لكني لأني أيضا وجدت أحدا معي في وسط تلك السعادة . نتكلم كثيرا , علي غير عادتي , عن الموسيقي والمسرح و السينما و الفن التشكيلي و الأدب و الحياة و الدين و أحيانا الفلسفة و السياسة – لا تحبهما كثيرا – ثم نتكلم أحيانا عنّا .
كنا قبل تلك المرة قد تكلمنا كثيرا بالفعل , و لكن هناك كانت المرة الأولي بعد أن تصارحنا , كنا جالسين علي دكة أمام الفرع الصغير للنيل .. تعرف تلك الإشارة هناك علي الكورنيش عند القصر العيني؟ ... هناك تقريبا .
جلسنا في مواجهة النيل صامتين , و بدأ ذلك يطول , فكرت ماذا أقول الآن , لا يبدو الحديث عن ماركيز مثلا جيدا الآن . فكرت أني سعيد , و ينبغي أن أقول شيئا كهذا ...
فاجأتني ..
- إنتَ مبسوط ؟
توقفت عن التفكير مبتسما
- أيوه ..
- و أنا كمان !
كان علي أن أقول شيئا لم أعرفه ... سكتنا ثانية و بدأت أعود للتفكير , لكن سرعان ما عاد الكلام و تكلمنا كثيرا , لا أذكر كيف و لا فيم تكلمنا , ربما ذكرنا ماركيز , أو لم نذكره ... لا أذكر , و لا أريد أن أتكلم كثيرا الآن ...
فقط أريد أن أقول أني سعيد جدا اليوم , مثلما كنت سعيدا ذلك اليوم .

21 January 2007

سراندو

sarando_women

" الحكومة بتاعتنا كمان بتقف مع اللى معاه فلوس ، مش مع اللى غلبان زينا . .

أنا بادعى لكل الناس الغريبة اللى جت ووقفت معانا وطلعتنا والرجالة م السجن، ربنا ينصرهم، الربطة دى هى اللى هتنفعنا. "
خديجة - "سراندو "

14 January 2007

من بعض ما عندكم

(1)
هل هناك ضرورة منطقية تربط بين تمجيد و تخليد صدام حسين , و بين معارضة أو مقاومة الاحتلال الأمريكي .. أو تربط عكسهما ؟

(2)
ربما كان ما بدا شجاعة و ثباتا هو جنون العظمة و أوهام البطولة .. ربما , أنا لا أعرف . و لكن لماذا هم يعرفون ؟ كيف يمكن لأحد أن يعرف ؟

(3)
كم مرة شاهدت إنسانا يعدم ؟ لا شك أنه مشهد مثير للتعاطف الإنساني .. لحسن حظ " البطل " أن ضحاياه ليسوا سوي أرقاما في تقارير لا تثير سوي الجدل .
هل يمكنك تخيل مشهد آلاف الأبرياء يموتون ؟ هل تمتلك ما يكفي من التعاطف الإنساني كي يمكنك أن تستحضر مشهد إبادة جماعية ؟

(4)
توزع مجانا مع العدد الأخير من جريدة " الأسبوع" صورة بالألوان للسفاح صدام حسين , علقوها في غرف نومكم و علموا أولادكم حمية القبيلة و احتقار الإنسان و بغض الحرية و الانحناء للطغاة القوميين !

(5)
ليس مهما أبدا أن نسأل إذا كان مآل صدام إلي الجنة أو الجحيم , فليذهب السؤال نفسه إلي الجحيم . السؤال الحقيقي : لماذا تحتقر هذه الشعوب نفسها و تبحث عن أبواب توبة جلاديها قبل أن تبحث عن أبواب عتقها هي و خروجها من قعر هذا الجحيم ؟

(6)
هل هي مصادفة أن النظم " القومية " التي تهدر كرامة الفرد من أجل الحفاظ علي " مجد و كرامة الأمة " و مواجهة الأعداء , تنتهي دائما إلي فواجع و مهانات قومية علي يد الأعداء ؟


(7)
لا تتوفر في التاريخ خدمة توصيل محاكمات الطغاة و الجلادين طازجة و عادلة و نزيهة و خالية من التدخل الأجنبي إلي منازل الشعوب ذات الكرامة الشرقية الحارة !

11 January 2007

06 January 2007

الأسبوع - السماء الأولى - وكالات الإفتاء

SADDAM TRIAL

نقل مفتي الديار المصرية "نصر فريد واصل" عن مصادر سماوية مطلعة أن " علاقة صدام بالله كانت طيبة في الفترة الأخيرة " , كما أفاد مراسل "الأسبوع" التي يرأس تحريرها مصطفي بكري - رضي صدام عنه و زكّاه – أن شواهدا كثيرة تؤكد صحة نقل المصادر السماوية : منها أن الأعمال بالخواتيم , فمهما انتهكت حقوق البشر و خضت في دمائهم , يمكنك أن تحصل في خاتمة حياتك علي خصم خاص و مغفرة مؤكدة و لقب شهيد , خاصة إن أمرت وزراءك بالصلاة , و بنات جيش القدس بالحجاب , و أكثرت من المصطحات الإيمانية في خطبك , و يا حبذا لو أطلت لحيتك و أكثرت من قراءة القرآن و رددت الشهادتين قبل إعدامك ... كما يفعل كل محكوم بالإعدام تقريبا.. و الله غفور رحيم !

كما نقل مراسل آخر لـ " الأسبوع " إجماع علماء المسلمين علي أن صدام شهيد بلا جدال . و ينسخ ذلك الإجماع ما سبق أن قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم من أن الله يغفر ما بينه و بين العباد و لكنه لا يغفر ظلم العباد بعضهم بعضا إلا بالقصاص , كما ينسخ أيضا قوله أن " الظلم ظلمات يوم القيامة" .. فمن شتم الأمريكان و قال تحيا الأمة و فلسطين عربية من البحر إلي النهر , لا تنطبق عليه أحكام الشريعة و الثواب و العقاب , و يحصل علي إستثناء خاص إذا توافرت معه بطاقة عضوية حزب البعث العربي ...فالنبي عربي و " البعث "عربي , و الشعوب زائلة , تتكاثر و تموت , و هي فداء لمجد الأمة الواحدة و الحزب الوحيد و الزعيم الخالد .

31 December 2006

فوق سطح الكلام

تناول أحد أصدقائي من يدي ذات يوم جريدة " الحياة " و نظر في صفحتها الأولي . و أول ما قرأ تحت اسم الجريدة " إن الحياة عقيدة و جهاد " (شطر بيت لأحمد شوقي اتخذته شعارها) , حتي نظر لي ملتاعا و ربط توا بين الشعار و بين لحيتي القصيرة و بين قربي آنذاك من التيار الإسلامي بالجامعة , وفي الغالب خطر له أنه أمام فرد من خلية نائمة للقاعدة و هذه نشرتها الداخلية . فناولني الجريدة و ابتعد عني قلقا ...
هذا الصديق العزيز الذي لا أدري كيف غالب ظنونه و استمر كذلك , هو نفسه الصارم الحاسم الأصولي الذي يقرّعني الآن بعنف لأنني أفردت أربع تدوينات لأقلية تدين بديانة غير معترف بها فضلا عن كونهم متآمرين محتملين ضد الإسلام وفق تفسيره للقرآن , بينما لم أكتب كلمة عن التدخل الدولي في شؤون الصومال و التآمر ضد ميليشات المحاكم الإسلامية التي كادت تسيطر علي البلاد . و رأي أن هذا يشير إلي خلل في أولوياتي , التي حاولت إقناعه عبثا أنها و ما يشغلني و يؤرقني من مسائل ليس بالضرورة مكانهم هذه المدونة ,و لكن ما أكتب هنا يخضع فقط لما يبدو لي حين يبدو لي أن أكتب . كما أن المسائل التي تشغلني أحيانا ربما لا تهم الآخرين بالضرورة , أو أنها مسائل شائكة ربما تثير القلاقل و البلبلة و قد تسيء لسمعتي الشخصية .

خذ عندك مثلا ...
الأيام الماضية سيطر علي ذهني مسألة لم يبد لي قبل الآن أني يمكن أن أتكبد عناء الجلوس بظهر منتصب أمام الكمبيوتر لأكتب عنها , فضلا عن أني أستبعد أنها قد تثير اهتمامكم من الأساس . و لكن نظرا لأني اشتريت لاب توب مؤخرا - كتعويض نفسي عما سيلحق بحريتي عما قريب - و أصبح الآن بإمكاني أن أكتب من الوضع مستلقيا تحت الأغطية , و نظرا أيضا لأنكم غالبا مثلي ,في عطلة الأعياد الكثيرة هذه تشعرون ببعض الكسل و الملل و لا مانع من إزجاء بعض الوقت فيما قد يبدو غير مفيد ... فلا حرج إذن من أن أطلعكم عليها .
المسألة تتعلق بأغنية عجيبة وقعت عليها أثناء تجوالي بين قنوات الأغاني أنتظر مشاهدة الفيديو كليب الطليعي الأخير لمحمود العسيلي . الأغنية العجيبة تحمل اسم " مش هاعز عليك قلبي " تظهر فيها فتاة بلا معني تسير هائمة في طريق مشجر حتي تجد مجموعة من الشباب يقفون أمام شعلة نار, فتتراقص أمامهم و تهذي بكلمات من نوع " مش هالوّع قلبك و لا أغشه .. لو طلبت العصفور من عشّه .. لحظة يبقي فـ إيدك , و بقشّه ! " بينما يهمهمون هم متعجبين من وجود مثل هذا الإخلاص النادر داخل فيديو كليب !
و في بعض المشاهد يختفي الشباب إلا واحدا ترقص حوله و تستمر في الهذيان بينما ينظر إليها بلا تعبير حتي تنتهي الأغنية و تقفل الفتاة راجعة من حيث أتت و قد أتمت رسالتها تاركة فتيان الشعلة يهمهمون , في الوقت الذي تظهر علي الشاشة أسماء مبدعي هذا العمل الفذ . فإ
ذا بي أجد هذه الجملة الغامضة : " الأداء الصوتي فقط لحمدية التيتي " !
عشرات التساؤلات ثارت بذهني حتي أني نسيت أمر أغنية العسيلي تماما و أخذت أتساءل لماذا لم تظهر حمدية التيتي بنفسها في فيديو أغنيتها . هل ,مثلا, تري حمدية التيتي في نفسها مطربة فذة و لكنها بشعة المنظر لا يمكنها الظهور و إلا أضرت بعظمة و شعبية صوتها ؟.. هل ثار خلاف بينها و بين المنتج أو المخرج حول الرؤية الفنية قبل تصوير الأغنية فاستبدلوها بالموديل؟ .. هل هي خجولة ؟ .... هل هي متفرغة للإبداع الموسيقي بشكل يعيقها عن تصوير الأغاني ؟ ... هل تحتقر الشهرة ؟ .... هل تابت عن الغناء و تحجبت قبل التصوير ؟ .. هل توفاها الله قبل التصوير ؟ ... هل هي مطربة " ملتزمة " من الأساس يمنعها التزامها عن الظهور في الفيديو كليب ؟ .. هل هذا اتجاه جديد للفصل في العمل الواحد بين الغناء من جهة و بين مهمة الإمتاع البصري من جهة للإعلاء من شأن التخصص الفني ؟
لم أجد في ذهني حلا لتلك المشكلة فبدأت في البحث الجدي عن حمدية التيتي علي الإنترنت . فوجدت أنها ليست فقط صاحبة الأداء الصوتي بل هي أيضا مؤلفة الكلمات . كما أني وجدت صفحة باسمها في موسوعة الشعر العربي ! والحق أنها يحق لها ذلك و هي التي كتبت مقطعا خلابا في نفس الأغنية يقول : " و أنُط فوق سطح الكلام ....و أنزل علي حبال الغرام " !
حمدية التيتي إذن شاعرة كبيرة و شهيرة كتبت أغان لإيهاب توفيق و صابر الرباعي و مجد القاسم . و يوم أن قررت اقتحام مجال الغناء أثارت التساؤلات الكثيرة بغموضها و تركت الجماهير التي هامت ولعا بأغنيتها الوحيدة , يبحثون في شوق و ترقب عن صورة لها .
و عندما وجدتُ ,أخيرا , صورة لها لم أستطع فك كل طلاسم الغموض حولها , فلا تزال جنسيتها غير معروفة . و لما بحثت عن اسم عائلتها وجدت احتمالين : إما أنها من جسر التيتي بمدينة نابلس بفلسطين و هي بلدة حمساوية الهوي , منها شيخ الأسري و صاحب الرقم القياسي عالميا لقضائه 30 عاما في السجون الإسرائيلية , و منها حسن التيتي مراسل قناة الجزيرة الذي اعتدي عليه مقاتلو فتح مؤخرا ضمن فاعليات عرس الديمقراطية و الوحدة الوطنية المقام هناك حاليا ...
و إما أنها من قرية من قري الولاية الشمالية لجمهورية السودان , تدعي " تيتي " , اختُلف في أصل تسميتها أهو نسبة للملك " تيتل " أم إلي " نفرتيتي " . و بلغت هذه القرية من الشأو و التمدن أن أصبح لها موقعا مستقلا علي الإنترنت و لساكنيها منتدي خاص و هو منتدي " التيتي " و يحوي قسما لحوار أهل القرية حول شؤونهم . و هذا يثير الشكوك حول صحة نظرتنا لديمقراطية السودان و حيوية مجتمعه المدني, و أيضا حول مدي صحة مقولات الريادة المصرية و تفرد حراكها الاجتماعي و السياسي .
و لكي لا نشرد بعيدا عن موضوعنا .. فالراجح عندي أن حمدية التيتي فلسطينية وفقا لملامحها هذه - إن صحت الصورة - ,و التي أظن أني شاهدتها من قبل في دور ثانوي في فيلم أو مسلسل ما .و هي بالمناسبة لا تبدو لي سيئة لهذه الدرجة التي تجعلها تترك "موديل" , لا معني لها علي الإ
طلاق , تستولي علي إعجاب الجماهير برائعتها . و إن كانت ثقتها بنفسها قليلة فطب التجميل يحل الآن هذه المشكلات ببساطة . و من الأكيد أن شاعرة و مطربة كبيرة مثلها لاشك تملك كلفة بعض العمليات الضرورية , لتتمكن من مواجهة الجمهور في شفافية و بلا خجل مثل قريناتها ... بدلا من أن تحيرني و تضيع وقتي و وقتكم هكذا , و لدينا من الأولويات ما لن نوفيه بحثا حتي نهاية العالم ..

23 December 2006

تقويم


ياه !
سنة أخري مرت . .
..
لا زلت أحاول ..

ليس سيئا ..
ليس كافيا .

الحمد لله . .
ماشي الحال !



22 December 2006

الحواشي المنطقية علي حيثيات المحكمة الإدارية

اعتقدت ما حييت , و لا زلت اعتقد أن للمشتغلين بالقانون و لا سيما القضاة , عقلية منطقية مرتبة و منضبطة ..
حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا بعدم إثبات البهائية في الأوراق الرسمية , لم تؤكد لي ذلك فحسب , بل أطلعتني علي ما يحتمل كونه اهتماما فلسفيا جديا من جانب القضاء المصري بالأطروحات المنطقية الحديثة التي قامت بنقد المنطق الأرسطي الكلاسيكي , كما بدا لي أن القضاء المصري في سعيه لجعل القانون شعبيا بدأ يفكك من جموده المنهجي و يمزج بينه و بين الميتافيزيقا و مقارنة الأديان و الأدب – لاسيما روايات الجاسوسية – كما أنه بدأ بنقد المواثيق الدولية و تدوين حواشي من شأنها تغيير وجه العالم حقا لا مجازا .

1- البهائيون و المنطق الهيجلي

وفق المحكمة الإدارية , البهائية ليست دينا سماويا و من ثم ليست دينا معترف به . لذا فإن " من يدين بها من المسلمين يعتبر مرتدا " . و موقع هذه العبارة من حيثيات الحكم ربما يراه البعض هامشيا و بلا معني , فالمسيحية هي دين معترف به و لكن من يتحول إليها من المسلمين يعتبر مرتدا أيضا . و لكن العبارة في صياغتها المحكمة تحمل أبعادا أعمق غورا . فالمحكمة لم تقل " من يتحول إليها " و لكن قالت " من يدين بها من المسلمين " و هذا يستدعي عدة أسئلة . أولها : كيف يدين الإنسان بشيء لا يعد ديانة أصلا أو لا يعد ديانة معترف بها , كما أنها تطرح تحديا فقهيا جديدا حول الفارق بين المسلم المرتد إلي ديانة معترف بها و بين المرتد إلي ديانة غير معترف بها أو إلي " لا ديانة " في رأي البعض .
و لكن الجانب الأعمق في الفكرة أن صياغة حيثيات المحكمة تبطل المفهوم الأرسطي للهوية الثابتة الاستاتيكية : فلان مسلم أو غير مسلم , و لا وجود لحل ثالث وفق مبدأ الثالث المرفوع .
فوفق المنطق الهيجلي الجدلي , الهوية تحمل داخلها نقيضها : " من يدين بها من المسلمين " . تماما مثلما يكون البهائي بالميلاد مسلما وفق أوراق هويته بينما يدين بديانة غير معترف بها . هو إذا مسلم و لكنه أيضا غير مسلم لأنه مرتد - رغم أنه لم يكن مسلما أصلا - لأن هذه الديانة – عفوا " اللا ديانة " - تناقض مباديء الدين الإسلامي الذي من المفترض أنه ينتسب إليه وفق أوراق الهوية - رغم أنه لم يعتنقه أصلا .
و هنا يصل الجدل الهيجلي لذروته ..فالتناقض في الهوية ينتج البديل المركب الذي يجمع القضية و نقضيها و يحل المسألة و هي أن البهائي ليس موجودا أصلا أو أنه ليس مواطنا فلا يعنينا في شيء أمر بطاقة هويته اللعينة , فهو غير مرحب به للعيش هنا و في نفس الوقت لا يمكنه مغادرة البلاد بدون بطاقة هوية .. لذا فليذهب إلي الجحيم ليحل مشكلته مع هيجل .

2- الفقه القانوني الشعبوي

ليس أثقل علي النفس من قراءة مرجع قانوني أو حيثيات حكم محكمة , و لكن هنا يخرج الأمر عن المألوف كما يخرج عن السيطرة . فحيثيات الحكم مثيرة بكل معاني الكلمة . فهي تستخدم في الاستدلال أساليب مثيرة و غير مألوفة مثل مزج القانون بالميتافيزيقا باعتبار " السماوية " معيارا للاديان المعترف بها , كما تذكر اجتهادا في علوم مقارنة الأديان لقضاة المحكمتين الدستورية و الإدارية الذين فحصوا أديان الإنسانية و فحصوا السماوات العلا – من الأولي و حتي السابعة - ومن ثم استقر في روعهم , بعد المداولة , أن الأديان السماوية المعترف بها – من قبل ضمير مبني للمجهول لم يجر تحديده حيت الآن - هي الإسلام و المسيحية و اليهودية .
ثم تقفز الحيثيات لأصول الفقه لتقرر أن أئمة المسلمين أجمعوا علي ذلك أيضا . و بينما يري البعض أن الإجماع كان خرافة أيضا و حال تخلف وسائل الإتصال قديما عن كشفه , فإن تقرير المحكمة يبدو مستندا لإجتماع سري للغاية انعقد بحضور كل أئمة المسلمين من أول مفتيي القاعدة و طالبان و حتي موظفي الأزهر و الزيتونة , و حضره ابن باز و ابن عثيمين و القرضاوي و الترابي مع علي خامنئي و مقتدي الصدر . لم يغب عنه لا القدامي مثل محمد بن إدريس الشافعي ولا المعاصرين مثل الشيخ سيد عبد المتجلي القاطن بالكيت كات . و تم تسجيل و توثيق الإجماع في هذا الإجتماع , و الحمد لله .
و من الميتافيزيقا و مقارنة الأديان و أصول الفقه إلي التاريخ الذي أكد – هو شخصيا - عمالة البهائيين الموثقة " للقوي الاستعمارية قديمها و حديثها " . و هذه هي المرة الأولي التي يدلي فيها التاريخ شخصيا بشهادته في قاعة محكمة , و يستند في شهادته إلي روايات الجاسوسية المشوقة التي كشفت عما تجاهلته المراجع التاريخية المملة . و فند التاريخ دعاوى عدم قانونية محاسبة أفراد علي جرائم ارتكبها آخرون من نفس الطائفة , إن ثبتت , ناقلا نهاية أحدي الروايات التي يحذرنا فيها المؤلف من أن صراع الخير و الشر مستمر دائما , و كما قال فؤاد المهندس: " مستر إكس " لا يمكن ينتهي .

3- طريق الألف ميل يبدأ بخطوة

الحياد و الموضوعية الكاملة و عدم التحيز خرافات أيضا , فلماذا لا يتحرر القضاء منها !
لنكن صرحاء مع أنفسنا و لنتسامح مع هذا , فكيف يمكن للقاضي أن يكون محايدا و متسامحا مع مثل هؤلاء الذين عطلوا أحكام دينه في الجهاد و الصوم و الصلاة و نظام الأسرة .
إن هذا شيء لا يغتفر بالتأكيد , تماما مثل الدعوة - في أدبياتهم - لحكومة عالمية و التعدي علي حق المسلمين باعتبارهم الأغلبية في تشكيل هذه الحكومة - في أدبياتهم أيضا - تحت مسمي الخلافة الإسلامية التي تملأ الأرض عدلا و سلاما .
يمكنك هنا أن تضيف مجالا آخر من مجالات المعرفة الإنسانية تستخدمه حيثيات الحكم و هو النقد الأدبي للنصوص و النقد التاريخي للكتب المقدسة . فبخلاف نقد الأدبيات الدينية و السياسية المقارن السابق , تقرر المحكمة في حيثيات الحكم أن الدعوة للحكومة العالمية يتم بـ " كلام شاعري معسول " , أو كما قال يوسف وهبي رحمه الله .
و لكن الأمر يتجاوز النقد الأبي إلي التأسيس السياسي لعودة الخلافة الإسلامية فعلا , و التي يمكن أن تكون مصر نواة لها لولا وجود بعض الأقليات من أتباع ديانات سماوية معترف بها للأسف الشديد .
حيثيات الحكم خطت خطوات أبعد في سبيل حل هذه المشكلة , فما ذكرته من مبررات لرفض إثبات البهائية كديانة يحمي القانون و الدستور ممارسة شعائرها هو إبطالها أحكام الإسلام و الإتيان بأحكام مختلفة كما إنكار كون النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء , ثم نصها علي ألوهية أناس من البشر ... و لعلي ألمح في عيونكم بريق النصر .. فكل المبررات السابقة تنطبق علي اليهودية و المسيحية بل إن الأخيرتين تتجاوزان إنكار ختم النبوة بمحمد (ص) إلي إنكار نبوته أصلا . بل إنهم – و لننتبه جيدا – يؤمنون بان محمدا في أحسن التعبيرات هو رجل عربي طيب يتوهم النبوة و خيل إليه أن نتاج قريحته هو قرآن من الله .و في أوضحها هو دجال كذاب ألف كتابا ادعي انه من عند الله .
أي إخلال " بالنظام العام و الآداب العامة " و استفزاز لمشاعر الأغلبية تحمله هذه الديانات المعترف بها زورا !
أنا أدعوكم للمطالبة بإعادة النظر في معيار الاعتراف بالأديان بناء علي حيثيات المحكمة الموقرة و بناء علي كون الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع و بناء علي نص القرآن الكريم " إن الدين عند الله الإسلام " و " و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " .
أما ما يعتري ذلك من مشكلات علي الصعيد الدولي و ما يترتب عليه من تنصل مصر من المواثيق الدولية الإنسانية التي وقعت عليها . فالمحكمة خطت أيضا خطوات واسعة في هذا المجال . فقالت أن رفض الاعتراف بالهائية و منع ممارسة شعائرها و إغلاق محافلها لا يخالف نص المادة 18 من الإعلان العالمي حقوق الإنسان التي تنص علي أنه " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية
تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة " .
طبعا واضح أنه لا تناقض !
و لكي توضح هيئة المحكمة أكثر كيف لا يتناقض ذلك – دعك الآن من المنطق الهيجلي - أضافت المحكمة حاشية هامة علي هذا النص : " فإن هذا الحق يجب ان يكون مفهوما في حدود ماهو معترف به من أن المقصود بالدين احد الاديان السماوية الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية "
إذا أخذنا الحاشية علي إطلاقها فاليابان و الصين و الهند قد وقعوا علي ميثاق ينص علي أنه لا حقوق دينية للأغلبية عندهم .
و إذا فهمنا الحاشية أنها تخص الحالة المصرية , فهذا يؤسس لحق كل دولة أن تقيد – بينها و بين نفسها - نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , لتنتج نسختها الخاصة , وفق مقاييس اعترافها الفولكلوري الخاص .
و بذلك ينتفي الطابع التبادلي للاعتراف و التعايش الإنساني , و يصبح استخدام النسخ الورقية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , كورق تواليت أكثر جدوى من قراءتها .
في هذا السياق تصبح الدعوة لمصر كنواة للخلافة الإسلامية خالية من الأقليات دعوة واقعية و ممكنة - اهتم قطاع شؤون الهجرة المصري بالفعل بنشر هذه الحاشية من نص الحيثيات - و لندعنا من هراء أن هؤلاء الأقليات أتباع ديانات سماوية فلقد رأينا ما رأيهم في نبينا !
و لننتظر معاييرا خاصة لكل دولة تحدد ما هو معترف به من الديانات بحسب فهمها لنص الاعلان العالمي, و بحسب ثوابت أغلبيتها , مما قد يترتب عليه حركات هجرة متبادلة ترسل الأقليات غير المعترف بها إلي أماكن تحظي فيه بالاعتراف, بينما يتأهب المسلمون في كل مكان للعود لديار الإسلام تحسبا , بالمثل , لمقاييس اعتراف لا تشملهم .
و بهذا لن نعيد فقط مجد الخلافة الإسلامية و إنما سنعيد تقسيم العالم ثانية – علي أرضية حواشي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – إلي دار إسلام و دور كفر .

و المجد لحكم المحكمة الإدارية العليا في الأعالي و علي الأرض السلام .