04 November 2012

قصة «استغلال» الأزهر في القانون والدستور

(1)
في مايو الماضي تقدم حزب النور بمشروع  لتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الأزهر. وكان من ضمن التعديلات المقترحة في المشروع المقدم من النائب علي قطامش، عضو حزب النور، حذف المادة التي تتحدث عن «مرجعية الأزهر» ونصها: «ويمثل الأزهر المرجع النهائي في كل ما يتعلق بشؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة».
بعدها بشهور مع بدء أعمال اللجنة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور دافع ممثلو حزب النور بقوة عن النص على «مرجعية الأزهر الملزمة» في تفسير مبادئ الشريعة كأحد مصادر التشريع.
قانون تنظيم الأزهر الحالي صدر بمرسوم في يناير 2012 من قبل المجلس العسكري قبل أيام من انعقاد البرلمان وتسلمه السلطة التشريعية وهو المشروع الذي أضيف  فيه تعبير «المرجع النهائي».
(2)
فور إصدار المجلس العسكري لتعديلات قانون تنظيم الأزهر، اعترضت جماعة الإخوان على لسان نائب المرشد، خيرت الشاطر، واعترض نواب الحرية والعدالة في البرلمان فور انعقاده على التحايل على سلطة التشريع من قبل المجلس العسكري ونددوا بقانون تنظيم الأزهر الجديد الذي رأوه لا يحقق استقلالا حقيقيا للأزهر، ويعطي سلطة تشكيل هيئة كبار العلماء لشيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب منفردا، وهي الهيئة التي ستختار شيخ الأزهر القادم في حالة خلو المنصب وهي التي ستمثل الهيئة العلمية الأعلى في الأزهر.
ولكن الرئيس محمد مرسي أقر اختيارات الشيخ أحمد الطيب لأول تشكيل لهيئة كبار العلماء بالأزهر وفق القانون الجديد الذي أصدره المجلس العسكري قبل تسليم السلطة، وصدر التشكيل بقرار من رئيس الجمهورية في الجريدة الرسمية.
(3)
في يونيو 2011 اجتمع عدد من «المثقفين» مع عدد من علماء الأزهر وصدرت «وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر» والتي نصت على «اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصَّة التي يُرجَعُ إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهيَّة والفكريَّة الحديثة».
ولكن عددا من هؤلاء المثقفين المذكورة أسماؤهم في ذيل الوثيقة يعارضون الآن النص الدستوري على «مرجعية الأزهر» في تفسير مبادئ الشريعة.
كيف يمكن تفسير هذه المشاهد وتحولات المواقف بشأن الأزهر؟
المجلس العسكري، تماما مثلما كان يفكر مبارك اعتبر مكانة الأزهر «أداة» جيدة لمواجهة صعود الإخوان والسلفيين، ولذلك كان التعاون بين المجلس العسكري ونخبة الأزهر لإصدار قانون لتنظيم الأزهر قبل انتقال السلطة التشريعية إلى البرلمان ولقطع الطريق على الإسلاميين قبل أن يشاركوا في صياغة قانون جديد لتنظيم الأزهر يحقق مصالحهم، وللنص على مرجعية الأزهر النهائية بشكل أوضح من القانون السابق لمحاولة كبح مشروعات قوانين تقدم باسم تطبيق الشريعة برؤى تخالف رأي الأزهر.
اعتبر الإسلاميون وبالأخص السلفيون وحزب النور أن ذلك تقييد لسلطتهم التشريعية في البرلمان، ولذلك كان مشروع حزب النور لتعديل قانون الأزهر محاولة لإزالة «عقبة» مرجعية الأزهر من أمام سلطتهم.
بعض المثقفين ورموز التيارات المدنية، الذين وقّعوا على وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر ثم اعتبروا الأزهر مركزا جيدا للتوافق حتى الوصول لوثيقة الأزهر حول الحريات وارتضوا كونه «الجهة المختصة التي يرجع إليها»، كانوا يحاولون أيضا استخدام الأزهر كـ«أداة» تخصم من رصيد النفوذ الديني للتيارات الإسلامية  مع قرب الانتخابات البرلمانية.
وأثناء إعداد مشروع الدستور وبعدما بدت عوائق كثيرة أمام سلطة الإسلاميين في التشريع مثل المحكمة الدستورية العليا، يريد الإسلاميون والسلفيون بقوة أكبر النص على الأزهر كمرجعية – عارضوها سابقا – من أجل استعادة مكانة الأزهر كـ«أداة» تخصم من رصيد نفوذ المحكمة الدستورية في تفسير مبادئ الشريعة.
أي استقلال؟
يبدو واضحا في العرض السابق مشروعات «استغلال الأزهر» كأداة أو مهاجمته كعقبة، بينما لا يظهر إلا في الهامش الأصوات القليلة التي عارضت ذلك الاستغلال من البداية انحيازا للديمقراطية ضد مرجعيات ملزمة فوقها ثم انحيازا لاستقلال الأزهر وحق الأزهريين في صياغة وتحديد مشروع استقلالهم بعيدا عن صراعات التيارات السياسية المختلفة وبعيدا عن رغبات السلطتين التشريعية أو التنفيذية.
وبعيدا عن وثيقة الأزهر ومحاولة الأزهر التقدم بالتعاون مع قوى للعب دور سياسي فإن قانون الأزهر هو العقدة الأكبر أمام استقلال حقيقي للأزهر.
وتحديدا اعتبار الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة يصدر بتنظيم شؤونها الداخلية واختيار قيادتها قانون من البرلمان وتصديقات من الرئاسة، وبذلك يعد الأزهر أقل استقلالا من أي جمعية يقوم أعضاؤها بحرية بصياغة لوائحهم الداخلية وطرق اختيارات القيادات والمسؤولين.
ولذلك فإن الإصرار على إضافة مادة دستورية تخص الأزهر في الدستور من حيث الأصل يكرس وضعه كهيئة تابعة للدولة رغم النص على استقلاله.
 فالنص بحسب المسودة الأخيرة للدستور يقول إن القانون - الذي يضعه البرلمان -  ينظم طريقة انتخاب شيخ الأزهر، وشيخ الأزهر وفق قانون الأزهر يقترح أسماء أعضاء لهيئة كبار العلماء ويعرضها على  رئيس الجمهورية، الذي يصدر قرارا بضمهم، وبذلك لا يزال للسلطتان التنفيذية والتشريعية مداخل إلى طريقة انتخاب شيخ الأزهر واختيار هيئة كبار العلماء بل والموافقة على أسمائهم تفصيلا، وهي  الهيئة التي «يؤخذ رأيها فيما يخص الشريعة الإسلامية»، بحسب نص الدستور، وهو ما يعني أن الأزهر سيظل في قلب مشروعات التدخل والاستغلال وسط الصراع والاستقطاب المحتدم حول دور الشريعة.
استقلال الأزهر الحقيقي يبدأ من استقلاله فعلا عن الدولة المصرية بعيدا عن أي تدخل لسلطات الدولة والتيارات السياسية جميعا بنصوص دستورية أو مشروعات قوانين، وأن يكون لعلمائه وأبنائه جميعا حرية  صياغة مشروع لاستقلالهم يتضمن لوائحهم الداخلية واختيار قياداتهم وهيئاتهم العليا وشيخ الأزهر، وإلا فإن مشروعات «الاستغلال» مستمرة


No comments: