01 April 2013

عن صهاينة مصر

«ما تتضمنه أحداث الفيلم من مشاهد أو معلومات يشير إلى أشخاص أو جماعات لا تعد بحال وثيقة أو مستندا أو قرينة تترتب عليها أي حقوق، وإنما هي رؤية المؤلف والمخرج التي لا تخرج عن إطار الإبداع الفني»  ختم وتوقيع: الرقابة على المصنفات الفنية
الصورة التي تحمل هذا النص هي أول ما ستشاهده في قاعة السينما التي تعرض الفيلم الوثائقي «عن يهود مصر» من إخراج أمير رمسيس.
بعدها مباشرة ستشاهد رسالة من صناع الفيلم تقول :«البيان السابق كما هو موضح أسفله صادر عن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة وبناء علي طلب من الوزارة بعد حصول الفيلم على ترخيص العرض وليس صادرًا عن أسرة الفيلم».
أدعوكم بشدة للذهاب إلى دور السينما ومشاهدة الفيلم المهم، دعما لتجربة عرض أفلام وثائقية في السينما، وأيضا لكي تعرفوا مصدر الذعر الرسمي والسياسي من فيلم وثائقي يتناول تفصيلة من تاريخ مصر.
الذعر لم يبدأ بالبيان الذي يعبر عن تخبط بين الخوف من حرية التعبير والنشر، وفي نفس الوقت عدم القدرة على اتخاذ إجراء قمعي. وهي الحالة السياسية العامة كما تلاحظون. ولكن ذلك التخبط عبر عن نفسه في بيان ينضح بالجهل، فيقول إن هذا الفيلم الوثائقي ليس وثيقة، وكأن قاعة العرض هي محكمة يخشى أن تتخذ إجراء بخصوص معلومات معينة يوثقها الفيلم استنادا لمراجع وشهادات. وفي نفس الوقت يفضح البيان نفسه وكأنه يريد أن يقول: أي ظلم وأي حقوق مهدرة يتحدث عنها هذا الفيلم فإن الموقف الرسمي هو الاستمرار في إنكارها وعدم الالتفات إليها.
ستخمن بعد مشاهدة الفيلم أن المشكلة تكمن في اكتشاف أن عددا من اليهود المصريين – الأغلبية منهم – لم يكونوا صهاينة ولا مؤيدين لقيام دولة إسرائيل وتمسكوا ببقائهم في مصر، وبعضهم كانوا نشطاء في صفوف اليسار من أجل التحرر الوطني والديمقراطية. وأن ما حدث مع كثير منهم هو اعتبارهم رغما عنهم صهاينة مؤيدين لدولة إسرائيل لمجرد أنهم يهود، ثم استخدام ذلك التزييف في الاعتداء الرسمي والشعبي عليهم. رسميا اعتدت دولة يوليو  على مواطنتهم ودفعت بعضهم للتنازل عن الجنسية وتوقيع تعهدات بعدم العودة إلى مصر مرة أخرى، وشعبيا كان التحريض عليهم من جانب الفاشية الممثلة في حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين مما أدى لوقائع طردهم من بيوتهم والاعتداء على أملاكهم وأعمالهم. ووصل الأمر إلى القرار الرسمي بعدم الاعتداد بتحول بعضهم إلى الإسلام إذا تم ذلك بعد عام 1948. نعم، إكراه في الدين.
ربما تريد وزارة الثقافة أن توحي للمشاهدين بأنه من وحي الخيال أن القيادي اليساري المصري اليهودي الشهير هنري كوريل، الذي تم سحب جنسيته المصرية وطرده إلى فرنسا، قد أدلى بمعلومات مهمة عن العدوان الثلاثي على مصر إلى جمال عبد الناصر عبر وسطاء بشهادة ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق وقتها، ورغم جنسية كوريل الفرنسية، فإنه كان مساندا للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وتبرع بفيلا يملكها في الزمالك لتكون مقرا للسفارة الجزائرية في القاهرة.
هذه التفاصيل تنتمي للواقع غير المرغوب في اكتشافه وليس لخيال المؤلف والمخرج، تماما مثلما تنتمي شهادة القيادي الإخواني العريق علي نويتو، التي سجلها الفيلم وسجل ما تمتلئ به من ادعاءات وعنصرية وتحريض.
لا يحتاج المشروع الصهيوني إلا لهذه العنصرية ولهذا العدوان والظلم لكي يؤسس دولته التي تجمع هؤلاء المضطهدين، ولا تحتاج دولة جديدة تريد أن تكون وطنا قوميا لكل اليهود إلا أن تقوم الحكومات الجهولة، باسم القومية العربية أو باسم الإسلام، بنزع جنسيات اليهود من مواطنيها وطردهم لكي تكون دولة إسرائيل ضرورة قائمة على مظالم مستمرة لليهود. ورغم ذلك فإن الشهادات والمعلومات تقول إن معظم اليهود المصريين الذين تم سحب جنسيتهم ذهبوا إلى بلدان أخرى غير إسرائيل.
يحتاج المشروع الصهيوني أيضا إلى «أخلاق صهيونية» مقابلة. أخلاق تدعي الدفاع عن حق ديني ووطني وقومي وفي سبيل ذلك لا تبالي بمظلمة آخرين. بل تقوم بإنكار حقهم والتعمية على كل المعلومات التي تشير إلى سيرتهم ومظالمهم. تماما كما يحاول بيان وزارة الثقافة –بالتعاون مع الأمن الوطني العائد بقوة من الخلف- الذي أتخيل أن مسؤولين في دولة إسرائيل ومؤيدين للصهيونية في كل أنحاء العالم سيرحبون بالتأكيد بالاستلهام منه والضغط لنشر بيان مماثل قبل أي أفلام وثائقية عن القضية الفلسطينية.


No comments: