05 March 2013

دموع السلفيين

الإخوان استخدموا السلفيين كـ”فزاعة”.. إما نحن أو الأسوأ
يبدو أن الأداء المزري لجماعة الإخوان المسلمين في السلطة يستمر في الانحدار بقوة دفع الحمولة السلطوية والطائفية في جذور تفكير وممارسة الجماعة. يتضاعف تأثير حمولة السلطوية والطائفية عندما تكونان في السلطة فعليا، ويستمر في التضاعف إلى الحد الذي يمكّن، سلفيي حزب النور -أصحاب الحمولة الأكبر من السلطوية والطائفية، وإن كانوا على مسافة من السلطة- من فصل عربتهم عن عربة جماعة الإخوان والمزايدة عليها وهي تستمر في الانحدار.
بدا الأمر واضحًا عندما ظهرت مبادرة حزب النور التي اقترب بها خطوات من جبهة الإنقاذ في محاولة لتجاوز الأزمة، وبراءة “المحايدين” في أعينهم. بينما ذهاب الإخوان بعيدًا في تحويل المشهد السياسي المعقد في مصر إلى مشهد عبثي أنسى الكثيرين في غمرة التعقيد والعبث أن حزب النور، أهم الأحزاب السلفية، كانت مطالبه في صياغة الدستور سببًا أساسيًّا في انفجار الاستقطاب الحالي والأزمة الحالية.
أثناء كتابة الدستور كان اطمئنان الإخوان إلى قدراتهم الانتخابية يجعلهم أقل حاجة إلى التشديد على مرجعية الشريعة أو مرجعية جهة دينية في تفسيرها، بخلاف السلفيين الذين رغبوا فعليًّا في مرتكزات يزايدون بها في اتجاه السلطوية الدينية ضد أي مقاومة لتحجيم الاستناد إلى الشريعة فيما يتصادم مع الحريات الأساسية والمساواة (المادة التي تتحدث عن مصادر الشريعة ومادة تكريس الأزهر كمرجع عند تفسير الشريعة). بل ورغب السلفيون تحديدًا في كسب هذه المرتكزات للمزايدة على “توافقية الإخوان” التي يشكون منها مر الشكوى طوال الوقت، ويخشون أن تلتقي مع القوى الديمقراطية في منتصف الطريق.
انهارت “توافقية الإخوان” تحت ضغط مزايدة الكتلة السلفية ومن ورائها جمهورها وجمهور الإخوان المحافظ، الذي صار أبعد عن تقبل
الانتقال إلى معركة “المشروع الإسلامي” كان تركًا للوجه التوافقي مدعي الديمقراطية جانبًا، واللعب بوجه مكشوف على الوتر الطائفي استنادًا لـ”حلف إسلامي” ضد كل الآخرين، كما أن الحلف الإسلامي هذه المرة يبارك الدولة وقادتها الجدد من أجل الاستقرار واستكمال بناء المؤسسات؛ ليتحد جمهور الطائفية مع الجمهور الراغب في الاستقرار والمنهك من الثورة والصراع السياسي.
هذه الكتلة الجماهيرية التي يتباهى بها الإسلاميون بها ينسون تنوعها ويذهبون إلى أبعد في التلويح بمحافظتها -في مواجهة أي رغبة ثورية في عرقلة المسار السياسي- والإرهاب بأن بديل الإخوان في السلطة –إن تذمر المعارضون- هو البديل الأكثر راديكالية: السلفيون. كان حاضرًا في الخطاب الإخواني استخدام السلفيين، بالإضافة للجهاديين، كـ”فزاعة” ليقولوا بشكل مبطن: “نحن أو الأسوأ” أو “نحن أو الطبعة الأكثر صراحة منا” !
القيادي بحزب النور: خالد علم
الدين، مستشار الرئاسة المقال
توافقات مع العلمانيين بعد “التمكين”. كان خيار الإخوان صعبًا لكن يقتضي المضي فيه إلى النهاية والالتحام بالقوى السلفية والجهادية واستنفارها من أجل دعم الخطوات الأولى لـ”المشروع الإسلامي” بالموافقة عل الدستور ولو لم يعجبهم اتساع و”إسلامية” هذه الخطوات فعلا.
وبينما أحب الإخوان في أوقات كثيرة اتخاذ مسافة من السلفيين والجهاديين، فإنهم اضطروا للظهور معًا من أجل “إرهاب” الأعداء. والإرهاب هنا انتقل من الرمزي إلى الفعلي مع حشود الإخوان والسلفيين التي تداعت لإرهاب وتأديب خصومها المعتصمين عند القصر الرئاسي، أو عند مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، أو التلويح باقتحام مدينة الإنتاج الإعلامي.
وكانت المواجهة العنيفة عند القصر وفي الإسكندرية، والتي تكبد فيها الإسلاميون خسائر فادحة إيذانًا بأن اللعبة احتدمت، وأنها ليست نزهة، وأن الإرهاب لن يكون مجديًا إلا لو ذهب إلى مداه، وساعتها اختفت حشود الإسلاميين من الشوارع، وبدأت الشرطة تعود لتعمل وتقمع وتقتل باسم الدولة، بينما تمد السلطة يدها الأخرى وتدعو الجميع –وتبتزهم- بضرورة نبذ العنف.
كان خيار الإخوان يقتضي الالتحام بالقوى السلفية والجهادية واستنفارها من أجل دعم الخطوات الأولى لـ”المشروع الإسلامي”.
الأداء الإجرامي المعتاد للشرطة، والذي تسلل ببطء حتى اكتشفته الكاميرات مرة أخرى متلبسًا، ثم كشف عن وجهه في مواجهات مكشوفة، تزامن مع الأداء المزري بشكل عام للرئيس وللإخوان والحكومة، وانتشار مظاهر للعصيان ومقاومة السلطة وإهانة هيبتها بشكل مستمر. ويبدو أن اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، أغرى السلفيين -وبشكل أساسي حزب النور- بجدوى اتخاذ خطوة بعيدًا عن هذه الحالة كلها، فاتخذوا خطوات تجاه المعارضة، وأبدوا انتقادات تجاه الحكومة والإخوان.
ثم احتدمت المعركة بعد إقالة الرئاسة لمستشار من حزب النور بشكل مهين. بكى المستشار في مؤتمر صحفي على الهواء، وردّ النور باستقالة مستشار آخر له في الرئاسة، وبانسحاب ممثلين له من “الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح”؛ لأن علماء بارزين فيها دعموا الرئاسة في مواجهة المستشار المقال.
الخلافات في “الهيئة” تحمل منعطفًا مختلفًا ومؤشرًا بالغ الدلالة، فهي كانت شكلاً دائمًا لائتلاف عميق للسلطوية الإسلامية، يمثله العلماء والدعاة والمشايخ من كل التيارات الإسلامية. وظلت الهيئة متماسكة رغم خوص الإخوان والسلفيين الانتخابات في قوائم متنافسة، ورغم دعم النور لمرشح منافس لمرشح الإخوان في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة، ورغم بخل الإخوان على حلفائهم السلفيين بالمناصب والحقائب، مرة أخرى تحت مبرر أنهم “الفزاعة” الأكبر للجمهور المتخوف من الإسلاميين.
الآن يترك حزب السلفيين الأكبر عربة الإخوان مؤقتًا بعدما طالتها “المسخرة”، بل ويتجاوزون حالة “الفزاعة” أيضاً، وينتقلون إلى مربع التفزيع من شبح “أخونة” الدولة، وسيطرة الإخوان على المناصب المفصلية في الدولة التي طالما صرخ المعارضون محذرين منها. وردَّ عليهم “التحالف الإسلامي” وقتها بأنهم كارهون للمشروع الإسلامي ومثيرون للفتنة.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.


No comments: