03 October 2012

وأنا ضد الإخلال بالحرية والمساواة باسم «الشريعة»، ما مشكلتك؟

عزيزي وزميلي أحمد سمير.
في متن المقال توضح أنك تقصد تأييدك للصياغة المقترحة للمادة الدستورية التي تتحدث عن ضمان الدولة لمساواة المرأة بالرجل ولكن تقيدها بالنص: «دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». أنت تقول إنك مع عدم الإخلال، وتسأل المعترضين: ما هي مشكلتكم؟
أنا سعيد أنك سألت السؤال دا! واسمح لي أن أحاول الإجابة.
أنا لن أحاول الإجابة عن طريق تأييد مطلبك أو معارضته بطريقتين: «نتكلم قانون»، و«نتكلم سياسة» كما فعلت. أنا متفهم جدا أن الأمور تجري على الأرض وفي اللجنة التأسيسية محكومة  بكلام القانون والسياسة والأمور تمضي فعلا في اتجاه قريب مما كان عليه الأمر قبل هذه الثورة وكأنه لم تقم ثورة، ولذلك دعني أبتعد أنا قليلا و أبدأ من نقطة أخرى وبطريقة أخرى: «نتكلم ثورة».
ودون أي محاولة لاحتكار الثورة، سأحاول هنا أن أتحدث معبرا عن شخصي، غير الممثل لأي حزب أو تيار بشكل رسمي أو تنظيمي، ولكني كواحد من الجموع الثائرة التي هتفت: «عيش، حرية، كرامة إنسانية». وأتوقع وأتمنى أن نناقش كل ما هو كان سائدا ومستقرا ومتفقا عليه قبل هذه الثورة من أجل المزيد من الحرية والمزيد من العدالة الاجتماعية والمزيد من الكرامة.
وأرى من حريتي أنه يمكنني الاشتراك في المناقشة في أمور القانون والسياسة دون أن أخبرك عن ديانتي وعقيدتي. ولذلك يمكنك أن  تفترض أنني أدين بأي دين أو معتقد أو لا أدين على الإطلاق، ودعني أسألك أنا: لماذا تقيّد أنت حريتي وحرية آخرين وحقوقهم الواردة في الدستور بهذا المعيار «الشريعة الإسلامية»؟

الدستور وثيقة تتحدث عن الحريات والحقوق، عندما يرد تقييد لذلك فمن حقي أنا أن أسال: لماذا؟ وكيف؟

دعني أستوضح منك. هل أنت مع من يرى أن لهذا البلد «هوية» ثابتة بحكم التاريخ أو بحكم الأغلبية الحالية، وهذه الهوية هي الإسلام وتعبر عنها «الشريعة الإسلامية» التي يجب أن تفرض على الدستور الذي يجب أن يعبر عن كل من على أرض هذا البلد؟
أعتقد أن الدستور يجب أن يضمن حريتك في الحياة وفق «هويتك» ودون إخلال بما تراه «الشريعة الإسلامية» فيما يخصك وفي الوقت نفسه يضمن لي حريتي وحرية آخرين في أن نختلف مع ذلك، وأن نحيا وفق غير هذه الهوية وهذه الشريعة أو بتفسيراتنا المختلفة لها.  لذلك أعتقد أنه من العادل أن يكون الدستور وثيقة لضمان حريتي وحريتك. وليس حريتك فقط التي ستكون ملزمة ومرجعا تقيد حريتي.
دعني أستوضح منك مرة أخرى. هل أنت لديك مشكلة مع أنني وغيري سننال حريات وحقوقًا تراها أنت مختلفة مع ما تراه «الشريعة الإسلامية»؟ هل تعتبر ذلك إخلالا بها؟

سلطوية إسلامية؟
أنا لا أعتقد أنك تتفق مع تيارات الإسلام السياسي التي هي في الحقيقة، في رأيي،  تيارات «السلطوية الإسلامية»؟ وتعريف «الإسلامي» عندها أو بالأصح «السلطوي الإسلامي» هو أنه مواطن لديه مشكلة مع حرية غيره. الإسلامي هو شخص قلق جدا من أن غيره سيحيا على خلاف ما يراه هو «الإسلام» أو «الشريعة». هل تقترح تعريفا آخر لأن كل العموميات عن السياسات الإسلامية عن العدالة الاجتماعية والحريات العامة والتنمية وغيرها لا تكاد تبين. لا يبقى فعلا غير أن الإسلامي هو شخص مشروعه السياسي المميز هو تقييد حرية غيره التي لا تعجبه، دون أن تمثل عدوانًا فعليًا على آخر، ولكنه يعتبر مجرد الاختلاف معه عدوانا على مشاعره وعلى سلطاته الإلهية في تنفيذ مخطط لإصلاح الكون بناء على معرفته القاطعة بما هو إلهي وما هو صالح.

لا أعتقد أن ذلك مكانه دستور يتحدث عن جمهورية ديمقراطية. كما أنني أرى أنه من حريتي أن أرى مفهوما مختلفا عنك عن الإله والوجود والصلاح. وأعتقد أن الأجدى أن نتناقش – فيما يخص الدستور -  عن طريقة ليتمكن كل منا من الحياة حرا وفق معتقداته وآرائه وهي الطريقة التي ستحقق «الحرية».

حسنا أنت تتحدث الآن عن تقييد للمساواة بين الرجل والمرأة بـ«الشريعة الإسلامية». أنت ذكرت أن القانون الحالي للأحوال الشخصية فيه تفاصيل تتضمن عدم مساواة في الميراث والنفقة وغيرها، دعني أسألك: ولماذا لا يكون هناك تعدد تشريعي يضمن للجميع حرية الزواج وفق شرائع دينية منها الإسلام وفق هذه الضوابط وحرية الزواج وفق غيرها وبعقد مدني يتضمن مساواة يطلبها الطرفان. ما هي مشكلة شخص ثالث؟

لا أعتقد أن هناك حمقى يفكرون أن إقرار الدستور لحرية السفر والتنقل مثلا سينتج عنه أنه «يجب» أن يحزموا حقائبهم الآن! أو أن دستورا يحفظ للناس حرية العقيدة كأنه سيجبره بعد قليل على اختيار ديانة أخرى! أو أنه يتيح للمرأة كامل حريتها الشخصية أنه سيجبرها على ارتداء البكيني! ولكن الحقيقة أن هناك من لديه مشكلة في حرية جاره في اختيار ديانة أخرى لا تعجبه ولديه مشكلة في حرية جارته في أن ترتدي شيئا لا يعجبه.

 أرسلت في مقالك تطمينات لتواجه مخاوف البعض من  «التسلط باسم الشريعة» لفرض المزيد من القيود والحريات. وقلت إن الدستورية العليا تحمي تفسير مبادئ الشريعة وأحكام الشريعة مما هو مختلف بشأنه. ولكنك في الحقيقة تجاهلت أن الوضع الحالي  يتضمن أصلا تسلطا يضر فعليا بحقوق وحريات أفراد وأقليات استنادا لفكرة الهوية الإسلامية والشريعة.
لندع الثورة وأحلامنا عن الحرية والمساواة. لنتكلم عن الواقع!
الواقع أن المواطنين من غير الديانات الثلاث لا يستطيعون الزواج رسميا في مصر! لأن القضاء المصري اعتبر أي ديانات أخرى هي خارجة على النظام العام ولذلك هي غير معترف بها ولذلك إن كنت ملحدا مثلا لا يمكنك إبرام عقد زواج في مصر. لأن الزواج إما أن يتم وفق الشريعة الإسلامية، وهي تفترض ان الذكر يجب أن يكون مسلما على الأقل، أو يكون عقد الزواج دينيا مسيحيا أو يهوديا.
والأمر نفسه لو كنت واحدًا من أتباع الديانة البهائية. توقفت الدولة عن الاعتراف بعقد الزواج الديني البهائي، ولا يزال البهائيون يعانون عدم تسجيل زواجهم رسميا إلا لو تظاهروا بأنهم مسلمون أو مسيحيون! وكذلك يفعل الملحدون!

 ما رأيك في هذا؟ ما رأي القانون؟ وما رأي السياسة؟ هذه الأقليات الصغيرة لا وزن انتخابي لهم ليهتم بهم الساسة أثناء صراعاتهم. والقانونيون والقضاء المصري والدستورية العليا يتفرجون على هذا الأمر وهو ما يخالف تطميناتك وأنت تتحدث قانون أو تتحدث سياسة. هل تعتبر وجود قانون للزواج المدني لمن يريد إخلالا بالشريعة الإسلامية كما تراها وتقبلها؟

قطاع من الأغلبية يعتقد أن هؤلاء الناس الذين يعتقدون أشياء مختلفة عنا وسيفعلون أشياء مختلفة عنا هم خطر علينا وتهديد لنا ومصدر ذعر ورعب لنا، والقضاء المصري يؤكد ذلك ويعتبرهم «خارج النظام العام» والأزهر المعتدل يؤكد ذلك ويصدر الفتاوي عن عدم الاعتراف بغير الأديان الثلاثة أو بمذهب غير أهل السنة. 

مواطن خارج النظام العام!
هل ما زلت تسألني عن مشكلتي مع قيد مثل الصندوق المغلق يتضمن أشياء لا أعرف محتواها بدقة، ومعرفتي عما يغلب على محتواها أنه مليء بما يضرني؟
أنت تبحث عن ضبط لذلك بكتابة مسودة توضح ما هي مبادئ أو أحكام الشريعة، ولكن من سيكتب ذلك؟ الأزهر؟
ولماذا تكون من سلطة علماء الأزهر التفكير والاجتهاد في قيود تفرض على كل الناس من كل الديانات حتى لو لم يرتضوا بالأزهر سلطة ومرجعا؟ هل هذه هي الديمقراطية؟

في مقالات سابقة تحدثت عن أن التيار الرئيسي من الاجتهادات والتفسيرات فيما يسمى بـ«الشريعة الإسلامية» كما يعبر عنها الأزهر المؤسسة الدينية الأبرز وكما يعبر عنها العلماء المقربون من الإخوان والدعوة السلفية، التيارت السلطوية الإسلامية الأبرز، التيار الرئيسي من هذه الاجتهادات هو في الحقيقة تيار الفكر الديني الراكدمنذ قرون، وهو في رأيي  مليء بأفكار تسلط المسلمين على غيرهموتقييد لحرية المرأة وتمييز ضدها وإخضاعها للرجل. الاجتهادات الأكثر تحررا وتسامحا وانطلاقا من فكرة مساواة الناس وحرياتهم هامشيةإن لم يتم إقصاؤها وتكفيرها، في مشهد مسيء للغاية للإسلام.

الديمقراطية أساسها أن الحكم للناس يتناقشون ويقررون السياسات بشكل تفصيلي ولا يوقعون شيكات على بياض لمرجعيات أو شرائع أو صناديق مغلقة أو أشياء سيجري تفسيرها فيما بعد بعيدا عنهم، بعيدا عن حكم الناس ورؤيتهم لمصالحهم. لأن هذه الصناديق والمرجعيات والشرائع ربما تعتبرهم هم أنفسهم «خارج النظام العام»!

اعتقد أن سؤالك – صديقي وابن عمي أحمد سمير -  قادني إلى أسئلة كثيرة وتفرعات كثيرة بدا لي غريبا أن أسألك عنها وأنا أعلم أننا ربما نكون متفقين في الكثير فيما يخص الحرية، ولكن أعتقد أن سؤالك هو السبب، لأن تقييد تشريعات أخرى تتيح لحريات آخرين أنت سلمت أنه «إخلال بالشريعة الإسلامية» ولذلك اعتبرت قدرا من التقييد مقبولا ومعقولا ومنطقيا وحاولت أن تبحث عن ضوابط وتطمينات من تفاقم التقييد. 
ولأن سؤالك يتجاهل أن التقييد واقع  أصلا ولأن سؤالك يسلّم أن «تواجد ما هو مختلف» هو «إخلال بالشريعة وصدام معها»، وذلك هو باب كل المشاكل العالقة التي تنتهي إلى تمييز وعدم مساواة وتوتر ديني وطائفي نعاني منه، بينما يحاول سؤال الحرية أن يفتح بابا لحل هذه المشاكل في إطار من التنوع واحترام الحريات والحقوق، وهي المظلة الأوسع من الشريعة والتي تضم كل الناس لا المؤمنين ولا المسلمين ولا التابعين للتفسيرات الأكثر شيوعا فيه سواء كان مصدرها الأزهر أو التيارات السلطوية الإسلامية.
 
 ولذلك أعتقد السؤال الذي يبدو لي أنه الأكثر ملاءمة لثورة تريد تغييرا وحرية وكرامة يجب أن يكون: أنا أريد المزيد من الحرية والمزيد من المساواة، ما هي مشكلتك؟

No comments: